محمد خرّوب
في مقالة له نُشرت في موقع «Sidecar» يوم 21 حزيران 2024 (ترجمها أنس أبو سمحان لموقع عرب 48), كتبَ المؤرخ والأكاديمي «اليهودي», التقدّمي والمُعادي للصهيونية, إيلان بابيه, صاحب الكتاب الوثيقة الموسوم «التطهير العِرقي لِفلسطين»/2006, والكتاب الوثائقي الكاشف بشاعة وفاشية الحصار الصهيوني لقطاع غزة, الموسوم «أكبر سِجن على الأرض«/2020, و«تاريخ فلسطين الحديثة: أرض واحدة وشعبان»/ 2003. جاءت/ المقالة تحت عنوان «إنهيار الصهيونية» شرحَ فيها الكاتب بموضوعية وشواهد وتفاصيل, الأسباب والمؤشرات التي دفعته إلى الإستنتاج بل التأكيد, بأن الصهيونية كـ«فِكرة وحركة وهياكل» في طريقها إلى الإنهيار.
قبل أن يُعدِّد «بابيه» المؤشرات التي بنى عليها قناعاته, بأن الصهيونية سائرة على طريق الإنهيار, كتبَ مقدمة لافتة كونه إتّكأ عليها لتدعيم وجهة نظره, إذ «شبّهَ» فيها يوم السابع من أكتوبر 2023/ طوفان الأقصى.. بـِ«الزلزال», قائلاً: سأزعم هنا أن الأمور صارت أكثر وضوحاً من أي وقت مضى في حالة إسرائيل. نشهد الآن عملية تاريخية، أو بشكل أكثر دقة، بدايات عملية تاريخية من المُرجح أن تبلغ ذروتها بسقوط الصهيونية مُضيفاً (يُمكن تشبيه هجوم حماس في 7 أكتوبر, بـ«زلزالٍ ضرب مبنى قديماً». كانت الشقوق قد بدأت بالظهور قبل الزلزال، بيد أنها الآن صارت مرئية في أساستهِ). بعد مرور ـ تابعَ الكاتب ــ أكثر من 120 عاماً على بدايته، هل ـ واصلَ الكاتب مُتسائِلاً ــ يُمكن للمشروع الصهيوني في فلسطين، أي المشروع القائم على فكرةِ فرض دولة يهودية على دولة عربية وإسلامية وشرق أوسطية، أن يواجه احتمال الانهيار؟. مُجيباً على تساؤله بالقول: يوجدُ، تاريخياً، عدد كبير من العوامل التي يمكن أن تتسبّب في انهيار أي دولة، حيث يمكن أن تنهار بسبب الهجمات المستمرة من الدول المجاورة, أو بسبب حرب أهلية مُزمنة. ويمكن أن يتبع ذلك انهيار المؤسسات العامة، التي أصبحت غير قادرة على تقديم الخدمات للمواطنين.
وغالباً ما يبدأ على شكل عملية تفكّك بطيئة تكتسب زخماً، ثم في فترة قصيرة من الزمن، تهدّمُ الهياكل التي بدت ذات يوم صلبة وثابتة.
وتكمن الصعوبة–يختمُ بابيه مقدمته - في اكتشاف المؤشرات المبكرة. وسأزعم هنا أن هذه الأمور صارت أكثر وضوحاً, من أي وقت مضى في حالة إسرائيل. نشهد الآن عملية تاريخية–أو بشكل أكثر دقة، بدايات عملية تاريخية ـ من المُرجح أن تبلغ ذروتها بسقوط الصهيونية. وإذا كان تشخيصي صحيحاً، فهذا يعني أننا ندخل أيضاً في ظرفٍ بالغ الخطورة. وبمجرد أن تُدرك إسرائيل حجم الأزمة، فسوف تُطلق العنان لِقوّة شرسة وغير مُقيدة في محاولة لاحتوائها، كما فعل نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا خلال أيامه الأخيرة.
ينتقل إيلان بابيه إلى «تعداد» المؤشرات», التي بنى عليها قناعاته بحتمية إنهيار الصهيونية على النحو التالي:
** المؤشر الأول هو: انقسام المجتمع اليهودي الإسرائيلي، والذي يتألف في الوقت الحاضر من مُعسكرين متنافسين غير قادرين على إيجاد أرضية مشتركة. وينبع هذا الصدع من «الشذوذات التي تشوب تعريف اليهودية باعتبارها قومية». وفي حين أن الهوية اليهودية في إسرائيل بدت في بعض الأحيان أكثر قليلاً من مجرد موضوع للنقاش النظري بين التيارات الدينية والعلمانية، فقد «أصبحت الآن صراعاً حول طبيعة المجال العام والدولة نفسها». وهذا الأمر لا يُحاربُ في وسائل الإعلام فحسب، بل في الشوارع أيضاً.
** المؤشر الثاني هو: الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إسرائيل. ولا يبدو أن الطبقة السياسية لديها أي خطة لتحقيق التوازن في الموارد المالية العامة وسط الصراعات المسلحة الدائمة، إلى جانب الاعتماد بشكل متزايد على المساعدات المالية الأميركية. ففي الربع الأخير من العام الماضي، تراجع الاقتصاد بنحو 20%، ومنذ ذلك الحين، أصبح التعافي هشاً، ومن غير المرجح أن يؤدي تعهد واشنطن بتقديم 14 مليار دولار إلى عكس ذلك، بل سوف يتفاقم العبء الاقتصادي إذا واصلت إسرائيل عزمها على خوض الحرب مع حزب الله مع تكثيفها لنشاطها العسكري في الضفة الغربية، وفي وقت بدأت بعض البلدان، بما في ذلك تركيا وكولومبيا، في تطبيق سياسات اقتصادية عقابية.
** أما المؤشر الثالث، فيتمثل في عزلة إسرائيل الدولية المُتزايدة، حيث تتحول تدريجياً إلى دولة منبوذة. بدأت هذه العملية قبل 7 أكتوبر، لكنها تكثفت منذ بداية الإبادة الجماعية. ويتجلى ذلك في المواقف غير المسبوقة التي اتخذتها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
** المؤشر الرابع المُترابط هو: التغيّر الكبير بين الشباب اليهود حول العالم. وفي أعقاب أحداث الأشهر التسعة الماضية، يبدو أن الكثيرين الآن على استعداد للتخلي عن ارتباطهم بإسرائيل والصهيونية.
** المؤشر الخامس هو: ضعف الجيش الإسرائيلي. ليس ثمة شك في أن جيش الدفاع الإسرائيلي ما يزال جيش قوي ويمتلك أسلحة متطورة تحت تصرفه. ومع ذلك فقد كُشف نطاق قوتهِ الحقيقي في السابع من أكتوبر.
** المؤشرالأخير/السادس هو: تجدّد الطاقة لدى جيل الشباب الفلسطيني. فهي أكثر اتحاداً وترابطاً عضوياً ووضوحاً, بشأن آفاقها من النخبة السياسية الفلسطينية. ونظراً لأن سكان غزة والضفة الغربية هم من بين «أصغر سكان العالم سِناً»، فإن هذه المجموعة الجديدة سيكون لها «تأثير هائل» على مسار النضال من أجل التحرير.
.. أين من هناك؟
للحديث صلة غداً/الخميس.
6 مؤشرات على «إنهيار الصهيونية».. يقول المؤرخ «اليهودي» إيلان بابيه
استكمالاً لمقالة أمس/الأربعاء التي أضأنا فيها بشكل مُقتضب, على المؤشرات التي دفعت المؤرخ والأكاديمي «اليهودي» الشجاع «إيلان بابيه», للخروج باستنتاجاته عن «حتمية» انهيار الصهيونية, التي وردت في مقالته المنشورة في موقع «Sidecar» يوم 21 حزيران 2024 (ترجمها أنس أبو سمحان لموقع عرب 48), إذ كتبَ المؤرخ المُعادي للصهيونية, صاحب الكتاب/الوثيقة الموسوم «التطهير العِرقي لِفلسطين"/2006, والكتاب الوثائقي الكاشف بشاعة وفاشية الحصار الصهيوني لقطاع غزة, الموسوم «أكبر سِجن على الأرض»/2020, و«تاريخ فلسطين الحديثة: أرض واحدة وشعبان»/2003. وجاءت/المقالة تحت عنوان «إنهيار الصهيونية». شرحَ فيها الكاتب بموضوعية, المؤشرات التي دفعته إلى تأكيد, أن الصهيونية في طريقها إلى الانهيار.
يمضي «بابيه» لافتاً إلى جملة عوامل ومحطات, كشفت من بين أمور أخرى, مدى الثقة مفرطة الغطرسة لدى قادة الكيان الصهيوني الغاصب, بعدم إستخلاصهم دروس التاريخ وعِبره, خاصة اعتمادهم على وحشي القوة العسكرية, واصرارهم على تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني, والسعي المتواصل لتهجيره من كامل فلسطين التاريخية.
من هنا كان لافتاً تشبيه الكاتب أحداث السابع من أكتوبر 2023/ طوفان الأقصى.. بـِ«الزلزال», قائلاً: الأمور صارت أكثر وضوحاً من أي وقت مضى في حالة إسرائيل. إذ نشهد الآن عملية تاريخية، أو بشكل أكثر دقة بدايات عملية تاريخية. من المُرجح أن تبلغ ذروتها بسقوط الصهيونية, مضيفاً (يُمكن تشبيه هجوم حماس في 7 أكتوبر, بـ«زلزالٍ ضرب مبنىً قديماً». كانت الشقوق قد بدأت بالظهور قبل الزلزال، بيد أنها الآن صارت مرئية في أساساتهِ). بعد مرور–تابعَ بابيه–أكثر من 120 عاماً على بدايته، هل يُمكن ـ تساءلَ الكاتب–للمشروع الصهيوني في فلسطين، أي المشروع القائم على فكرةِ فرض دولة يهودية على دولة عربية وإسلامية وشرق أوسطية، أن يواجه احتمال الانهيار؟.
ما يستدعي بالضرورة مُواصلة شرح «المؤشرات الستة» التي إتّكأ عليها «بابيه» لتأكيد توقعاته بانهيار الصهيونية, بعد الإقتباس القصير (وغير الوافي) الذي جاء في مقالة الأمس.
** البداية من «المؤشر الأول» وهو: «إنقسام المجتمع اليهودي/الإسرائيلي»، الذي يتألف في الوقت الحاضر من «مُعسكريْن مُتنافسيْن», غير قادِريْن على إيجاد أرضية مُشتركة. إذ يمكن تسمية أحد المعسكريْن «دولة إسرائيل»، والتي تضم أشخاصًا أكثر علمانية وليبرالية، ومعظمهم، ولكن ليس حصراً، من اليهود الأوروبيين من الطبقة المتوسطة وأحفادهم، الذين أدَّوا دوراً فعالاً في تأسيس الدولة عام 1948, وظلوا مُسيطرين عليها حتى نهاية القرن الماضي. ولا يُخطِئنَّ أحد، فإن (دفاعهم عن «القيم الديمقراطية الليبرالية». لا يؤثر على التزامهم بنظام الفصل العنصري المفروض على جميع الفلسطينيين).
أما «المعسكر الآخر» فهو «دولة يهودا» التي نشأت بين مُستوطني الضفة الغربية المحتلة. وتتمتّع بمستويات مُتزايدة من الدعم داخل البلاد, وتُشكل القاعدة الانتخابية التي ضمِنت فوز نتنياهو في انتخابات تشرين الثاني/2022. ويتزايد نفوذها في المستويات العليا في الجيش وأجهزة الأمن تزايداً كبيراً.
** أما المؤشِّر الثاني فهو: «الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إسرائيل», حيث يقول: ان الأزمة تتفاقم بسبب عدم كفاءة وزير المالية/سموتريتش، الذي يقوم بتوجيه الأموال إلى المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، ولكن يبدو غير قادر على إدارة وزارته. وفي الوقت نفسه، فإن الصراع بين «دولة إسرائيل» و«دولة يهودا»، إلى جانب أحداث 7 أكتوبر، يدفع بعض النُخب الاقتصادية والمالية, إلى نقل رؤوس أموالهم إلى خارج الدولة.
** المؤشر الثالث، يتمثل في «عُزلة إسرائيل الدولية المتزايدة», لافتاً/بابيه الى القرارات الأخيرة التي اتخذتها, محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، ومُفادها أن إسرائيل «ربما ترتكب جريمة إبادة جماعية، وأنه ينبغي اعتقال قادتها لارتكابهم جرائم حرب»، يجب أن يُنظر إليها على أنها محاولة للاستجابة, لوجهات نظر منظمات المجتمع المدني العالمية، ولا تعكس فقط رأي النخبة. (ولم تُخفِّف المحكمتان الهجمات الوحشية على سكان غزة والضفة الغربية. لكنهما ساهمتْا في تزايد الانتقادات الموجهة إلى الدولة الإسرائيلية، والتي تأتي بشكل متزايد من أعلى ومن أسفل).
** يأتي المؤشر الرابع المترابط بعنوان: «التغيّر الكبير بين الشباب اليهود حول العالم», يضيء الكاتب على «الجاليات اليهودية التي كانت، خاصة في الولايات المتحدة، ذات يوم، توفر لإسرائيل حصانة فعالة ضد الانتقادات. إن خسارة هذا الدعم، أو على الأقل فقدانه جزئيًا، له آثار كبيرة على مكانة البلاد العالمية. ما زال بإمكان أيباك (AIPAC) الاعتماد على الصهاينة المسيحيين لتقديم المساعدة ودعم أعضائها، لكنها لن تكون نفس المنظمة الهائلة دون قاعدة انتخابية يهودية كبيرة. حقا قوة اللوبي تتآكل».
** المؤشر الخامس حمل عنوان «ضعف الجيش الإسرائيلي» يقول «بابيه»: هناك الآن تصوّر واسع النطاق لعدم استعداد إسرائيل, وعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها بين السكان اليهود في البلاد. وقد أدّى ذلك إلى ضغوط كبيرة, لإزالة الإعفاء العسكري لليهود الأرثوذكس المتطرفين، المعمول به منذ عام 1948، والبدء في تجنيدهم بالآلاف. وهذا لن يُحدِث فارقًاً كبيرًا على أرض المعركة، ولكنه «يعكس حجم التشاؤم بشأن الجيش».
** يبقى المؤشر السادس/الأخير وعنوانه «تجدّد الطاقة لدى جيل الشباب الفلسطيني",يلفت فيه الكاتب الى ان المناقشات الجارية بين المجموعات الفلسطينية الشابة, تُظهِر أنهم منشغلون بإنشاء منظمة ديمقراطية حقيقية، إما منظمة التحرير الفلسطينية مُعادٌ بناؤها، أو منظمة جديدة تمامًا، والتي ستتبع رؤية للتحرّر, تتعارض مع حملة السلطة الفلسطينية للاعتراف بها كدولة. ويبدو أنهم يُفضلون حل «الدولة الواحدة» على «نموذج الدولتين»..الذي فقد مِصداقٍيته.
* المقال مقتبس من صحيفة الرأي ويعبر عن رأي كاتبه