محمد خرّوب
منذ أعلن كريم خان مُدعي عام المحكمة الجنائية الدولية, في «العشرين من أيار» الماضي, أنه «طلبَ» من قُضاة المحكمة إصدار «أوامر اعتقال» بحق رئيس إئتلاف الفاشيين الصهاينة نتنياهو, كما وزير حربه يوآف غالانت, إضافة إلى ثلاثة من قادة حركة حماس, لم تتسرب أي أخبار عن مصير هذا الطلب, الذي لمّا تزل أصداؤه تتردّد في جنبات المشهديْن الإقليمي وخصوصاً الدولي, وتحديداً على الساحة الأميركية, التي أصيب مسؤولوها سواء منهم إدارة بايدن وفريقه الأقرب, أم في اوساط الكونغرس الأميركي بجناحيه النواب والشيوخ, بصدمة مُتدحرِجة, ظهرتْ بعض تجلّياتها في الدعوة التي وجّهها رئيسا مجلسي النواب والشيوخ, إلى مجرم الحرب/نتنياهو, لإلقاء خطاب أمام أعضاء الكونغرس, حيث سارعَ نتنياهو إلى قبول الدعوة.
هنا يتوجّب التذكير ليس فقط في حملة الشيّطنة الشعواء التي شنّها شيوخ ونواب الكونغرس المُتصهينين على كريم خان, بل حال «الجنون» التي تلبّستْ رئيس الدبلوماسية الأميركية أنتوني بلينكن الذي «نفى» أن يكون ذلك من صلاحية الجنائية الدولية, وأن المحكمة «لا سلطة قضائية» لها على «إسرائيل».
وأردفَ قائلا: إن هذه الظروف وغيرها تثير التساؤلات حول «شرعية» هذا التحقيق ومِصداقيته، مُعتبِراً أن «مُساواة» المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بين إسرائيل وحماس «أمر مُخزٍ».
فيما لم يتردّد وزير الدفاع/الجنرال أوستن من القول بصلف وغِلظة انه «يتفِق مع المحكمة في أوكرانيا (يقصِد تأييده إصدار كريم خان مذكرة إعتقال بحق الرئيس الروسي/ بوتين) و«يختلِف» معها في «إسرائيل».
ماذا عن موقف الرئيس بايدن؟.
أعرب مُجرم الحرب نتنياهو مؤخراً في مقابلة مع إذاعة «سِيريوس اكس ام» الأميركية بُثّت أول أمس/ الأحد، عن «خيبة أمله» من رفض إدارة بايدن «فرض إجراءات عقابية بحق المحكمة الجنائية الدولية»، بعدما طلبَ المدعي العام فيها إصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين في الدولة الفاشية العنصرية. زاعِماً/نتنياهو أن الولايات المتحدة «قالت إنها، بدعم من الحزبيْن، تُؤيد مشروع قانون العقوبات» ضد المحكمة. مُضيفاً «إعتقدتُ» أن هذا هو الموقف الأميركي, لوجود «إجماع من الحزبيْن» بشأنه قبل أيام معدودة..الآن تقول- تابعَ نتنياهو - إن ثمة علامة استفهام حوله. بصراحة، لقد فوجِئتُ وخابَ أملي». علماً أن جمهوريين وديمقراطيين في الكونغرس, أيّدوا فرض عقوبات على المحكمة، إلا أن البيت الأبيض رفضَ هذا التوجّه.
إذ قال متحدث مجلس الأمن القومي الجنرال/جون كيربي: «لا نعتقِد أن فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية هو النهج الصائب هنا».
فهل خيبة أمل مجرم الحرب/نتنياهو حقيقية أم مُفتعلة؟. وهل حقاً كان شريكه في حرب الإبادة والتجويع والتدمير/ جوزيف بايدن «مُحايداً» في هذا الشأن؟.
دعونا إذا نُذكِّر بما كان بايدن أعلنه مُباشرة بعد تصريحات كريم خان, إذ وصفَ بايدن طلب كريم خان إصدار «أوامر إعتقال» بحق نتنياهو وغالانت بأنه «أمر شائن», مُضيفاً في بيان للبيت الأبيض: «دعوني أكون واضحاً.. أيا كان ما يعنيه (هذا المدعي العام)، لا يُوجد أي (تكافؤ) على الإطلاق بين موقفي إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية/حماس».
ما يطلبه نتنياهو واضح, إذ لا تعنيه بيانات الإدانة والتنديد بـ«أشدّ العبارات», بل يُريد من شركائه في واشنطن فرض عقوبات على كريم خان وقضاة المحكمة وكل مَن له علاقة بإصدار «اوامر الإعتقال» والتحقيق السابق واللاحق, تماماً كما فعل دونالد ترمب عندما فرضَ عقوبات على المدعية العامة السابقة للجنائية الدولية/ فاتو بن سودا وقضاة المحكمة, ومنعِهم من دخول الولايات المتحدة, رغم انهم من موظفي الأمم المتحدة, ولا يحق للدولة المضيفة للمبنى الزجاجي في مانهاتن حظر دخولهم, لكنها من أسف ـ الغطرسة و«الاستثنائية» الأميركية المزعومة -.
يبقى السؤال الأهم بل الأكثر خطورة, والذي هو عنوان العجالة أعلاه: لماذا «يتلكّا» قُضاة «الجِنائية الدولية»... في إصدار «أوامر الإعتقال»؟؟.
ليس ثمَّة ما يبعث على التفاؤل, إذا ما علمنا أن قضاة المحكمة الجنائية الدولية يتّبعون «إجراءات مُحددة لإصدار مذكرات الاعتقال، تتضمن عدة خطوات رئيسية لضمان نزاهة وعدالة العملية». حيث (لا توجد مُهلة يتعين على القضاة أن يحسموا أمرهم قبل انقضائها, في مسألة إصدار أوامر الاعتقال، ففي القضايا السابقة استغرقَ الأمر ما بين «شهر وبضعة أشهر».
وإذا اتفق القضاة على وجود «أسباب معقولة» للاعتقاد بأن جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية إرتُكبت فسيُصدِرون مذكرة اعتقال. ويتعيّن أن تذكر المذكرة الشخص والجرائم المحددة, التي يُطلب القبض عليه بسببها وبيان الوقائع التي يُزعم أنها تشكل تلك الجرائم. ويستطيع القضاة «تعديل طلبات أوامر الاعتقال والموافقة على أجُزاء فقط مما يطلبه المدعي العام، ويمكن أيضا تعديل الاتهامات وتحديثها لاحقاً»).
في السطر الأخير ما سبق ذكره, يفتح الباب بل الأبواب على مصاريعها, أمام أجهزة الإستخبارات الصهيو أميركية, للعمل في «ظلام» المهلة الممنوحة لقضاة المحكمة, كي يقوم عملاء الموساد الصهيوني, كما عملاء الـ«سي آي إيه» الأميركية, بتهديد القضاة وابتزازهم, ودعوتهم لـ«رفض طلب» كريم خان او أقله «إستهلاك» المزيد من الوقت لإماتة الملف أو وضعه على الرف, تماماً كما حدث مع فاتو بن سودا, عندما هددها الموساد الصهيوني, بعد إختراق هاتفها وزرع برنامج التجسس الصهيوني المعروف/ بيغاسوس فيه, ما آخّرَ فتحها التحقيق جرائم مُجرم الحرب/بيني غانتس في غزة العام 2014 الى العام 2021, الى ان جاء كريم خان مكانها, فوضعه على الرفّ وما يزال الغبار يعلوه حتى الآن.
* المقال مقتبس من صحيفة الرأي ويعبر عن رأي كاتبه