تـأكيـد الجبـهـة الداخـلـية المتمـاسكة وسيــادة الأردن عـلــى فضائه وحفاظه على أمنه.
التشويش الممنهج على الأردن وصموده عمل مكشوف ولا يخدم القضيّة الفلسطينية
دعوة لخطاب إعلامي مواكب في معركة الوعي.. والموقف الأردني لا يحتاج إلى تبرير
إدارة الندوة: هنا المحيسن
حررها: إبراهيم السواعير
نظّم مركز الرأي للدراسات والتدريب الإعلامي جلسة حوارية بعنوان «الموقف الأردني وتداعيات التصعيد الإقليمي لـ«غزّة»، ناقشت طبيعة الإجراءات والتدابير التي اتخذها الأردن لحماية أمنه وسيادته في ظلّ التهديدات التي فرضها الواقع الجيوسياسي عليه، واستعرضت الجلسة الموقف الوازن للسياسة الأردنية ما بين الدعم الصلب للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني والتحديات التي يفرضها المشروع التوسعي الإيراني، كما ناقشت أهمية الحفاظ على متانة الجبهة الداخلية الأردنية في ظل الظروف الراهنة، واستضافت الجلسة لذلك نخبة من الخبراء والمهتمين.
ورحب رئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية الأردنية شحادة أبو بقر بالحضور، مؤكدًا أنّ تعتزّ دائمًا باستضافة النخبة من المتخصصين في قراءة ما هو جديد على المستوى الوطني والعربي والإقليمي والعالمي، من خلال نقاشات ثريّة وعميقة الرؤية والتحليل.
حضر الندوة رئيس التحرير د.خالد الشقران، ومدير عام المؤسسة الصحفيّة الأردنيّة المكلّف هيام الكركي، وعدد من مديري التحرير في الصحيفة.
وأكد أبو بقر عمق العلاقة الأردنية الفلسطينية، والتي كانت الحرب على غزة انعكاسًا لها في المشاعر الصادقة والموقف الأردني الثابت والراسخ تجاه الأهل في فلسطين والقطاع.
ورأى أنّ هذه العلاقة هي أكبر من أي أصوات تنادي بالفرقة والتمييز بين الأردنيين من شتى الأصول والمنابت؛ فجميعنا على الموقف ذاته، والأصوات الداعية للفرقة هي أصوات لا تمثل الشعب الأردني على الإطلاق.
ونبّه أبو بقر إلى خطر توظيف السوشيال ميديا في ذلك، واللعب على وتر الوحدة الوطنية، وهو أمرٌ قال إنه يتم توظيفه أيضًا على مستوى الدول.
وأكد أنّ الأردن ظلّ داعمًا للقضية الفلسطينية عبر التاريخ باعتبارها قضية مركزية أردنية؛ وجلالة الملك عبدالله الثاني يواصل النهوض بهذا الدور التاريخي المشرف، لافتًا إلى شهداء الأردن على ثرى فلسطين.
وتحدث أبو بقر عن التهديدات الإقليمية للمنطقة باسم الدين، إضافةً إلى المشروعات التوسعية التي تسعى إليها بعض الأطراف، مشيرًا بهذا الخصوص إلى المشروع الصهيوني التوسعي أيضًا، وتصارع المشروعين الفارسي والصهيوني على المنطقة.
وفي ظل ذلك، دعا أبو بقر إلى مشروع عربي متكامل، في ظلّ جهود الأردن المتواصلة في هذا الموضوع.
وتحدثت مديرة مركز الرأي للدراسات والتدريب الإعلامي الزميلة هنا المحيسن عن أهميّة وعنوان الندوة، مشيرةً إلى أنّ المنطقة تعيش برمتها أوضاعًا سياسية واقتصادية استثنائية مليئة بالأزمات التي تشتد وتتعقد مع مرور الوقت وتهدد كافة دول المنطقة والعالم، بالانزلاق إلى حرب لا يمكن تقدير نتائجها. وقالت إنّ الأردن وبحكم ما فرضه عليه موقعه الجيوسياسي كان وما زال مضطرًّا إلى التعاطي مع معادلة سياسية صعبة، فهو مضطر إلى حماية سيادته وأمنه، لا سيما بعد التصعيد الأخير، من جانب، والقيام بواجبه الذي اعتاد دومًا القيام به في حماية المقدسات والدفاع المستمر عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، ومن جانب آخر التصدي لمشروعين: صهيوني وآخر إيراني واضح الأهداف والغايات، وعليه كذلك الحفاظ على علاقاته مع قوى عالمية ودول فاعلة تربطه بها علاقات تاريخية ومصالح مشتركة، وكلّ هذه التحديات لا يمكن تجاوزها والتعامل معها إلا في ظلّ جبهة داخلية متينة متماسكة تقف يدًا بيد مع قيادتها لحماية الوطن والحفاظ على مصالحه العليا ومواصلة مسيرة الإصلاح.
وأشارت المحيسن إلى محاور الندوة المتعلقة بالجهود الدبلوماسية الأردنية ما بين دعم القضية الفلسطينية والتصدي للمشروع التوسعي الإيراني والحفاظ على المصالح الوطنية العليا، والإجراءات التي اتخذها الأردن لحماية أمنه وسيادته في ظل التهديدات التي فرضها واقعه الجيوسياسي، وتمكين الجبهة الداخلية الأردنية في مواجهة التحديات وضرورة استمرار مسيرة التحديث.
الوفاء الأردني
ونفى د.جواد العناني أن يكون موقف الأردن ضعيفًا، كما ردد البعض بعد المراشقات الصاروخية والمسيّرات بين إيران وإسرائيل، أو أنّ الأردن سيكون هدفًا نتيجة ذلك لإسرائيل، لكي يكون وطنًا بديلًا، مذكّرًا بأنّ أول رئيس وزراء أردني هو رشيد طليع الدرزي اللبناني، وأنّ من بعده كانوا عربًا، حتى استلم هزاع المجالي رئيسًا للوزراء، ولذلك فالأردن لم ينقض أيّ معاهدة عربية، ولم ينسحب من أيّ اتفاق عربي تاريخيًّا، ولم يتأخر في الوفاء بالتزاماته للجامعة العربية، أو أيّ منظمة عربية أخرى، كما استطاع منذ عام 1921 حتى عام 2024، وبالرغم من التحديات التي تعرّض لها في وجوده ونظامه، أن يصمد ويحلّ مشاكله بسرعة؛ فلم يترتب على هذه المشاكل آثار طويلة الأجل.
الصمود والمرونة
وقال العناني إنّ وراء هذا الصمود ذكاءً ومرونةً سياسيةً جعلت الأردن قادرًا على مواجهة ما يستجدّ من ظروف، فالأردن أدرى من غيره في موضوع الحفاظ على مصالحه عندما أغلق حدوده قبل يومين من بدء الحملة، متسائلًا عن مبرّر استخدام فضائنا الذي أغلقناه، إذ يجب أن تُحترم سيادتنا الأردنية عليه في ضوء قرار اتخذته الدولة.
وتحدث عن موقف الأردن تجاه ما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية؛ فالأردن «يعلم أقصى ما يستطيع وأدنى ما يستطيع»، وفي كلّ الحالات تبقى قدرته الدفاعية جاهزةً باستمرار.
وتساءل العناني عن منطق التشويش على الأردن وعلى حالة الصمود والثبات الأردني، وهو مما لا يحلّ قضية فلسطين، بل يجعل من الأمور فوضى، وتابع العناني بأنّ استرجاع إيران الضفة الغربية أمرٌ فيه نظر، ولا أحد يطالبها بذلك، وفي كلّ مَرةٍ تقول بأنّ لها حق اختيار الوقت المناسب في الردّ على إسرائيل، فلماذا هي التهم تجاه الأردن؟!
الرد الإعلامي
ولفت العناني إلى الاعتقاد بأنّ الوقوف مع أيّ طرف يحارب إسرائيل هو موقفٌ نصيرٌ للقضية، متحدثًا عمّا بذله الأردن من مساعدات كأكثر دولة قامت بذلك، فضلًا عن حماية الأقصى بالرغم من كلّ الظروف المتطرفة داخل إسرائيل. ورأى أننا إعلاميًّا كان يمكن أن نشتغل أكثر أمام السيناريوهات، واصفًا الموقف الإعلامي بأنه يتدارك الموقف بالتدريج؛ ولذلك يأتي الردّ متأخرًا، وقال إنّ علينا أن نتعلم من الدروس، لأننا أمام مواجهة مع الكثير من المواقف المعقدة والصعبة في المستقبل، مصحّحًا القول بأنّ هناك كتلًا متصالحة؛ إذ لم يجد في زيارته لدول كثيرة أحدًا يفكر التفكير الذي يجري في الأردن.
وتساءل العناني عن المصلحة التي تتحقق في ظلّ الفوضى والاحتلال، مؤكدًا ما يدعو إليه الأردن دائمًا في موضوع العمل العربي المشترك.
الخبرة الأردنية
ورأى أمين عام حزب «إرادة» نضال البطاينة أننا بمنحنى تاريخي صعب، وأننا معتادون على المنحنيات والتحديات، وهي مما يزيدنا منعةً وثباتًا في التعامل كدولة عمرها 100 عام، ولها مواقف وتراكمات وخبرة وذاكرة. وتحدث البطاينة عن الصمود الأردني وظروف ما قبل 7 أكتوبر، كظروف اقتصاديّة انعكست على الجانب الاجتماعي؛ إذ ظلّ الأردن في عين العاصفة وسط إقليم ملتهب وهجرات متتالية إلى الأردن، وآخرها هجرة الأشقاء السوريين، حيث دعا جلالة الملك عبدالله الثاني العالم لأن يتحمل مسؤولياته. وقال البطاينة إنّ هذا هو ديدن الأردن القومي دون استيراد تجارب قومية من الخارج، بما له من عمق استراتيجي.
الوعي والسيادة
وتحدث البطاينة عن موضوع التحديات الداخلية في الأردن والمتمثلة بملفات اقتصادية وإدارية متراكمة عانت منها حكومات متعاقبة، مؤكدًا أهمية التوجيه الملكي في هذا الموضوع. وعن فترة ما بعد 7 أكتوبر، قال البطاينة إنّ القول «ماذا قدم الأردن؟!» يستلزم خوض معركة الوعي؛ وأسهل شيء أن يقول أحدهم ماذا قدم الأردن؟!.. مؤكدًا وعي الجبهة الداخلية الأردنية، وجهود الأردن في المستشفيات الميدانية تحت القصف، والتحركات الدبلوماسية لجلالة الملك، وموضوع الاتفاقيات والسفير الإسرائيلي، وكذلك الإنزالات التي نعتزّ بها كعمل أردني إنساني، مذكّرًا بقول جلالة الملك إنّ هذا البلد له شأنٌ، وإنّ كلّ بيت أردني عنده عم أو أخ أو جد رفاته تحت ثرى فلسطين.
كما أكد أنّ الأردن لم يساوم يومًا ولن يساوم على ثرى فلسطين، وظلّ موقفه مشرِّفًا، فهو ليس بحاجةٍ ليثبت أو يدافع عن نفسه، محذِّرًا من الفوضى في ظلّ وجود حرب، وهو ما يجب أن يفهمه البعض عن طريق التوعية.
ومن ذلك، تحدث عن سيادة الأردن في حماية أجوائه؛ فنحن لا نقبل أن نكون الرافعة لمتضادات القوة الإقليمية تجاه فلسطين، مؤكّدًا أهمية المقاومة في ظلّ ما يجري من حرب، ومن جهه أخرى، تحدث البطاينة عن موضوع «الهلال الشيعي»، وهو ما يجب أن نتنبّه له؛ بأن تكون دولتنا منيعة وقوية.
وأعاد البطاينة التذكير بالاستراتيجية الإعلامية التي يجب أن تكون أمام الرواية الرسمية الرصينة، محذِّرًا من تبعات الخجل من المنجز الوطني، ومؤكدًا قيمة معركة مثل معركة الكرامة، وضروره الاعتزاز بالسيادة والسماء المحميّة وطنيًّا، حيث معادلة المواطن هي: الملك، الجيش، والدفاع عن المنجز الأردني، والثوابت الوطنية.
الرواية المضادة
وتحدث الفريق الركن المتقاعد علي سلامة الخالدي، مؤكدًا أنّ القضية الفلسطينية هي قضية الأردن الأولى، وهي القضية الوطنية والقومية والدينية والسياسية والأخلاقية.
وساق الخالدي تضحيات الأردن منذ عام 1948 حتى اليوم، كما في شهداء الجيش العربي في اللطرون، وأسوار القدس، وحي الشيخ جراح، وباب الواد، وقال بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على حدود الرابع من حزيران، كمصلحة وطنية أردنية عليا. ورأى أنّ الإعلام الآخر شنّ حربًا شعواء أمام كشف الرواية المضادة، وأنّ 7 أكتوبر كان نتيجة الاحتلال، أما الأردن فقد دان المجازر وحرب الإبادة والعقاب الجماعي، واستخدام التجويع كسلاحٍ للمعركة.
الصوت المسموع
وأكد الخالدي أنّ صوت الأردن مسموع، وله احترامه الدولي، ولجلالة الملك عبدالله الثاني تأثيره العالمي أيضًا، ولذلك فليس أقلّ من أن يُشكر هذا الموقف، فالأردن لا يستحقّ الاتهام والإساءة. وقال إنّ المزايدة على موقف الدولة الأردنية ليس في مصلحة أيّ طرف؛ معتبرًا أيّ تطاول أو إساءة للدولة أمرًا معيبًا وخيانةً للدولة والأمانة.
ورأى أنّ إغلاق المجال تحسّبًا للهجمات والهجمات المضادة بين إيران وإسرائيل يجيء لحماية الأمن الوطني والمواطنين، مذكِّرًا بأنه ما من دولة في العالم تتحرك أو تترك فضاءها بدون حماية في البحر والبرّ.
وقال إنّ الأردنّ أكد حقه السياديّ، فهو ليس ساحة خلفية أو ميدانًا لأيّ طرف. ورأى أنّ الضربة لإسرائيل دعت إلى التنبيه، لأنها قدمت خبرة كبيرة لنتانياهو، في ظلّ رؤية دول كثيرة أنّ إسرائيل تتعرض لخطر الوجود.
وقال الخالدي إنّ مغازلةً ما بين إسرائيل وإيران لإنجاز الأهداف، وأنّ هذه الحرب كشفت القناع عن القانون الدولي والقانون الإنساني وحقوق الإنسان والطفل وحقوق المرأة.
الضمير العالمي
وقدّم أستاذ العلوم السياسية الزميل د.عبد الحكيم القرالة، إضاءات تتعلق بالموقف الأردني، كمعركة متعددة الأطر والمستويات، ورأى أنّ المعركة السياسية والدبلوماسية أحدثت نتاجات إيجابية، معربًا عن أسفه لأن يكون هناك من يشكك بالدور الأردني، من خلال حملة ممنهجة للتشكيك والمزايدات. وأكد القرالة أنّ الموقف الأردني حمل السردية والرواية الفلسطينية للعالم، مستثمرًا مكانته وحقوقه وثقله السياسي والمكانة الرفيعة التي يتمتع بها جلالة الملك في الأوساط الإقليمية؛ إذ أحدث ذلك تأثيرًا في الضمير العالمي.
الجهود الدبلوماسية
وتناول القرالة موضوع التحولات والتظاهرات الداعمة للحق الفلسطيني، ووقوف العالم الغربي في خندق الدفاع عن إسرائيل، وقال إنّ الجولات المتواصلة لجلالة الملك في هذه المعركة السياسية حققت نتائج إيجابية داخل أروقة الجمعية العامة، فكان ذلك انتصارًا في العرف الدبلوماسي، وكان الموقف الأردني ثابتًا دون تخبّط، أمّا الجانب الإنساني، فكان ذا دلالات كبيرة، كمبادرة أردنية خلاقة عبر الإنزالات في الظروف الصعبة، أمام تصميم الجانب الإسرائيلي على تصفية القضية الفلسطينية، في حين كان الأردن يحدث اختراقات إيجابية، داعمًا صمود الفلسطينيين والغزيّين، فكان مشجّعًا لكلّ المؤسسات الأممية المعنية بهذا الإطار كموقف مستمر للأردن وقيادته في الدفاع عن الحق الفلسطيني أمام اليمين المتطرف غير المبالي بقرارات الشرعية الدولية.
الابتزاز السياسي
وأكد القرالة أنّ أُردُنًّا قويًّا معناه فلسطين قوية، في معركة الوعي التي يجب تبنيها من النخب السياسية والإعلاميين، في حالة من التماهي بين الموقفين الرسمي والشعبي. كما تحدث عن موضوع الابتزاز السياسي مع الولايات المتحدة الأمريكية في الجانب الإيراني واليمين المتطرف الاسرائيلي.
المشروع العربي
وتحدث النائب يزن شديفات عن المشروعين: الإيراني والإسرائيلي في المنطقة ووجود أمريكا في المنتصف، داعيًا إلى مشروع عربي أمام ذلك.
ولفت شديفات إلى مشروع إسرائيل الكبرى، ومشروع التوسع وإكمال الهلال الشيعي، وإلى إعادة شعبية نتانياهو كمنقذ؛ إذ خدمته الضربة الإيرانيه أمام المجتمع الإسرائيلي، وكسب الدعم الأمريكي بعد حالة التذبذب. وقال إن الضربة الإيرانيه انعكست على أمريكا كضابط إيقاع وشرطي للمنطقة.
توسيع الصراع
وتناول شديفات موضوع المسيّرات كَردٍّ إيراني على الاغتيال في القنصلية بدمشق. ودعا إلى مشروع عربي، حيث يتحرك الأردن كدولة لها مصالحها واتزاناتها في ظلّ سعي نتانياهو إلى توسيع رقعة الصراع، لكسب الشارع الإسرائيلي.
ونبَّه شديفات إلى أننا ما زلنا نتعامل مع الأزمات بالأدوات نفسها، داعيًا إلى قوة هذه الأدوات، ومع أننا لسنا بحاجةٍ إلى تبرير، إلا أننا أصبحنا مضطرين له في كل مرحلة أمام رواية التشكيك ومعركة الوعي التي نخوضها، في ظلّ مشاكلنا في الفقر والبطالة واتجاهنا إلى الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري، كضرورة للدولة الأردنية.
أعباء إقتصادية
ولفت شديفات إلى العدد الكبير للاجئين، كمؤشر له دلالته أمام التفكير الأمني والعسكري، وأمام تداعيات الإقليم، ولذلك فنحن نحتاج إلى عمق عربي، وعلى الجميع أن يدرك أنّ لنا فضاءنا وسيادتنا على هذا الفضاء، وأننا نحافظ على سياسة الاتزان بقيادة جلالة الملك في ظلّ ما يحدث في الإقليم.
وقال إننا بحاجة إلى خطاب إعلامي وتوعوي يُظهر الموقف الأردني ليس ضمن نطاق التبرير، بل لنقل الصورة الحقيقية لما يجري.
تصدير الأزمة
وقال الوزير الأسبق إبراهيم بدران إنّ إسرائيل دائمًا تحاول تصدير أزمتها إلى المنطقة العربية، وتبدأ من الأردن، لافتًا إلى سنة 1948 وما قبلها، ومحاولة الأردن إنقاذ أكبر مساحة من فلسطين، حيث الشهداء الأردنيون، بينما تحاول إسرائيل تشويه الموقف الأردني، وهو ما يستدعي جسمًا إعلاميًّا وأكاديميًّا يبين الحقائق، فالأردن يتمتع بقوة غير موجودة في المنطقة، في التوافق بين الشعب والدولة في ظلّ النظام، ولذلك علينا أن نعطي المعلومة الإعلامية في وقتها.
النفوذ والهيمنة
ورأى بدران أنّ إيران وإسرائيل تتنافسان على النفوذ والهيمنة، وأنّ علينا أن نكون واعين لهذه المسألة، في ظلّ تعريف واضح للمجتمع الدولي الذي يأخذ مصالحه دائمًا بعين الاعتبار.
وأكد أنّ تماسك الدولة الأردنية هو المرتكز الأساسي للمستقبل، كما أنه من الضروري العمل على حلّ مشاكلنا الاقتصادية، ففي حين يعمل الأمن والجيش، ليس هناك من مبرر ألّا أهتم بالبطالة، أمام ما يحاوله العدو في دعايته وأساليبه، فتحسين الأداء الاقتصادي يساعد على التماسك الوطني.
الموقع الاستراتيجي
وتحدث أستاذ العلوم السياسية د.عبدالله نقرش عن أهمية الأردن وموقعه الاستراتيجي، واصفًا ما يجري في الوقت الحاضر، كالسير على حدّ السيف. وقال إنّ هذا الموقع هو ميزة للدولة الأردنية، في أن تكون سمة السياسة الأردنية الدبلوماسية النشطة، فنحن في الأردن أقوياء ومُصانون ومحافظون على الأمن القومي الأردني والوطني، بقدر حركتنا السياسية، وما يأتي من تأثيرات أحيانًا هو نتيجة لعدم وعينا الكامل للحركة السياسية.
وقال نقرش إنّ ما يجري هو تحوّل استراتيجي بمعنى الكلمة، وله علاقة بالمنظومة الإقليمية والمنظومات الدولية، وهذا يقتضي، ومنذ البداية، أن تعمد الحكومة لتشكيل ورشة سياسية أو غرفة عمل سياسية، لتدارس تداعيات وردود الفعل المناسب لهذه الحالة، فالمسألة ليست مسألة حكومية في التعاطي مع الشأن اليومي، بل هي مسألة وطنية على جميع الوجوه، والأردن له تجارب في مثل هذه الحالة، لذلك فالحركة الدبلوماسية هي التي تعبّر عن فعالية الدولة الأردنية، وليس لنا غيرها، وطالما نقول إننا ليس لنا موارد، فليس لدينا إلا الحركة بالمقابل لتعظيم هذه الموارد.
استقرار الدولة
ورأى نقرش أنّ هذه الدبلوماسية نشطة وتحتاج إلى أن نهييء لها الأرضية على مستوى الدولة أمام الأزمات واحتمال تطوّرها، داعيًا إلى ألّا نقف عند الخطاب الإعلامي، بل أن نتخذ إجراءات سياسية حقيقية لفتح الباب لمنهج ديمقراطي حقيقي، فالشعب الأردني معتدل، باستثناء بعض أفراد يعتقدون أنهم يستطيعون أن يؤثروا على استقرار الدولة، كما أنّ علينا أن نعالج بعض المسائل الأساسية، من خلال برنامج داخلي لمعالجة الفساد على سبيل المثال، لأنّ هذا الموضوع يؤثر كثيرًا على إحساس المواطن في انطباعاته ومعلوماته عن الفساد.
تقاسم النفوذ
وفي حديثه عن إيران، قال نقرش إن إيران دولة قوية، لافتًا إلى دول في المنطقة، مثل إسرائيل وإيران، لها وزنها وقوتها وتبحث عن تقاسم النفوذ، وهو أمر منطقي، كما أنّ إسرائيل تريد أن تهيمن على المنطقة ولديها أزمة ديموغرافيا، فهي تسعى لهيمنة اقتصادية وهيمنة بالعلاقات وهيمنة عبر معادلة التكنولوجيا، وقد اتضحت قدرتها على المواجهة المباشرة في غزة، وحاجتها للتحالف الغربي لمواجهة منطقة محدودة تشكل 1.5% من مساحة فلسطين؛ فليس لديها عمق استراتيجي، واقتصادها يعيش بشكل كامل على الخارج.
وقال إنّ أخطر ما يمكن أن يحدث هو تهجير الفلسطينيين كمسألة مطروحة، وعلينا أن نكون في الأردن حذرين جدًّا في مواجهة هذه الاحتمالات.
الواقعية السياسية
وأكد عميد كلية الأمير الحسين للدراسات الدولية د.حسن المومني أنّ السياسة الأردنية من ميزاتها الانفتاح، قياسًا إلى العلاقات الدولية والإقليمية الدولية، فهي واحدة من أكثر الدول التي لديها شبكة علاقات واسعة، وهذه واحدة من عناصر قوة الدولة.
وقال المومني إنّ ما يميّز السياسة الخارجية الأردنية هو أنها محكومة بواقعية سياسية متعلقة بمصالح الأردن، ورأى أنّ الاشتباك مع إيران موجود، ومن الظلم أن يُتهم الأردن، فالمشكلة موضوع إيراني، والأردن مشتبك، ومستويات الاشتباك قد تختلف، وهناك قنوات مباشرة وغير مباشرة بهذا المعنى.
وقال إنّ الأردن ليس لديه طموح توسّعي أو هيمنة، بل طموح ليحافظ على مصالحه الاستراتيجية في كلّ الأمور، من خلال أدوات كثيرة، ومن ضمنها شبكة علاقات دولية بمستويات مختلفة.
الشراكة الاستراتيجية
ورأى المومني أنّ السياسة الخارجية يجب ألَّا توصف بأنها علاقة محرّمة، فالولايات المتحده الأمريكية والغرب شركاء استراتيجيون للأردن بهذا المعنى، ولا يمكن أن نغير ذلك في يوم وليلة.
وقال إنّ مسأله التشكيك هي نمط من أنماط السياسة الدولية والإقليمية، حتى أنّ إيران نفسها كان هناك تشكيك بها وبضربتها، والتشكيك بالنسبة للأردن ليس بجديد، من نهاية السبعينيات وفي موقفنا القومي في التسعينات.
التبرير والثقة
ودعا المومني أن يكون خطابنا الداخلي بأمان وفيه نوعٌ من الثقة؛ إذ ليس من المعقول بعد 100 سنة من الاشتباك اللامحدود مع القضية الفلسطينية، أن أقوم بتبرير أنني مع القضية الفلسطينية، فهل السوشيال ميديا تعكس الحقيقة على الأرض، وهل تختطف السياسة الخارجيّة بذلك؟!.. فنحن لدينا كل بيت أردني مرتبط بالقضية الفلسطينية.
ورأى أنّ فهم إيران وإسرائيل ليس بإشكالية على دولة متوازنة في الأردن على مدار 100 عام، فهي الأكثر اشتباكًا على المستوى الدولي للتعاطي مع القضية الفلسطينية، وقال إنّ دافِعَيْن رئيسيين لسياسة إيران الخارجية، هما الطموح القومي الديني والتبشيرية الدينية الطائفيّة والطموح القومي، حيث السرديه بأي أمة تحدد السياسة الخارجية، متحدثًا عن سردية إيران الاستثنائية الفارسية، وأكد المومني أن الدولة الأردنية دولة ناضجة في مسألة السياسة الخارجية، وهي من اللاعبين العقلانيين بهذا الجانب ولدينا دبلوماسيه نشطة، لكننا يجب ألا نمنعن كثيرًا في مسألة التشكيك، لافتًا إلى أنّ واحدة من ميزات السياسة الدولية للشرق الأوسط هي حالة عدم الاستقرار.
الجبهة الداخلية
ورأى الكاتب والناشط السياسي د.منذر الحوارات أنّ إسرائيل أجهضت كل المحاولات العربية، كما أنّ إيران لديها القدرة أن تعيد مسار القضية الفلسطينية لنقطه الصفر، واستطاعت أن تستثمر حالة الخلل في المنطقة العربية.
ودعا إلى تقوية الجبهة الداخلية أمام أي تشكيك داخلي، ومع أنّ إسرائيل وإيران تخططان للداخل الأردني، فقد كان يمكن معالجة هذه المسألة دون أن تثير هذا الانقسام، كما أننا لسنا بحاجةٍ إلى أن نثبت أننا نساعد غزة، فهي في وجدان كلّ أردني بغضّ النظر عن كونه شرق أردني أو أردنيًّا من الضفة الغربية. ودعا الحوارات إلى جلسة أردنية تُفتح فيها الملفات بشفافية مطلقة، وقال إنّ إيران ربما خدمتنا في أنّها وضعتنا بالمكانة التي تعيد للجيوسياسية الأردنية مكانتها الاستراتيجية. وأكد الحوارات أنّ عنصري الحرية والديمقراطية هما مُكوّنان أساسيّان للقوة، من خلال دولة قانون ومؤسسات راسخة منتخبة تقبل النقد، وتستطيع أن تدير النقد لمصلحة الوطن والدولة.