محمد خرّوب
كشف الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي/بايدن أمام مجلِسيّ الكونغرس, الموصوف تقليديا «حال الأمة» واستمر 68 دقيقة, عن تواصل «لعبة شراء الوقت», التي مارستها إدارته, بما هي شريكة ميدانية, سياسية,دبلوماسية وإعلامية, لجيش النازية الصهيونية وحكومته الفاشية, في حرب الإبادة والتجويع التي يشنّها الطرفان, على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المنكوب.
ليس فقط في ما كرّره بايدن بأنه «مؤيد لإسرائيل الى الأبد»، وأنه يتحدّى «كما قال حرفيّاً» أي واحد جالس في قاعة الكونغرس بأنه أكثر إخلاصاً لإسرائيل.. منه، بل خصوصاً عندما أشار بنفسه الى «بدعة» بناء رصيف بحري قبالة سواحل غزّة, على ان يتم إتصال الرصيف «الأميركي» العتيد باليابسة عبر جسر مؤقت. الأمر الذي أثار كمّاً هائلاً من التساؤلات المحمولة على دهشة واستغراب من هذه «الإندفاعة» الأميركية المشبوهة, التي تنطوي على مخاطر عديدة, ليس فقط في ان بناء هذا الرصيف/الميناء المؤقت سيستغرق شهرين تقريباً، بل خصوصاً في تجاهل إدارة بايدن للخبرات والتجارب السابقة المتراكِمة, في كيفية وآليات إدخال المساعدات الى القطاع المنكوب والمحاصر صهيونيّاً منذ 17 عاماً, والتي كانت تتم عبر معبر رفح المصري، وكرم ابوسالم الصهيوني. فضلاً عن تجاهل/إسقاط بايدن دعوات سابقة بأن يتم إدخال المساعدات عبر ميناء «اسدود» الصهيوني, على نحو ما تم اقتراحه قبل اسابيع قليلة, من قِبل هيئات دولية (الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية تابعة لها), فضلا عن دول أوروبية عديدة.
وإذا ما صدقنا (وهو امر عسير في واقع الحال), بأن نيات أميركية «طيبة» تقف خلف حماسة بايدن المفاجئة, فإن مجرّد اعلان الرئيس الأميركي بأن «جيش حكومة الفاشيين في تل ابيب هو الذي سيتولّى أمن هذا الميناء المؤقت»، يعني تفويض ومنح دولة الإحتلال, قرار رفض اي مادّة أو سلعة من الدخول, فضلاً عن مهارة جيش القتلَة في تأخير وصولها- حتى لو وصل عديدها الى «مليوني» وجبة يوميّاً كما زعم بايدن, ناهيك عن مسألة أكثر اهمية تعكس حقّاً عدم جديّة واشنطن في اقتراحها هذا, الذي عكس خصوصاً تراجع وتلعثم بل وضعف إدارة بايدن إزاء صلف وعناد نتنياهو، وتراجُعه المذل امام إصرار نتنياهو مواصلة حرب التجويع ضد اطفال ونساء وعموم مواطني القطاع الفلسطيني المنكوب، دون إهمال مواصلة بايدن بسخاء إمداد جيش النازية الصهيونية, بمزيد من صفقات الأسلحة «السريّة» على النحو الذي كشفته صحيفة واشنطن بوست الأميركية, والتي وصل عددها الى «100» صفقة منذ الثامن من اكتوبر المنصرم, 98% من تلك الصفقات السريّة تمت بدون موافقة الكونغرس (باستثناء صفقتين). مارست إدارة بايدن خلالها عملية » حيال وخداع» موصوفين, عندما وافقت على مبيعات صغيرة «مُجزّأة» ضمن السقف المسموح, الذي «لا» يشترط موافقة الكونغرس, وهي صفقات تضمّنت آلاف الذخائر المُوجّهة والقذائف الخارقة للتحصينات, وغيرها من «المساعدات» الفتّاكة.
اين من هنا؟
دون صرف النظر عمّا بدأ خبراء جيولوجيون يحذرون منه, في شأن عدم صلاحيّة مُعظم ساحل غزّة (كونها شواطئ) لا يوجد فيه الاّ مواقع «محدودة» تستطيع السفن الكبيرة الإقتراب منها دون «تجريفها»، فإن غياب كثير من الأمور اللوجستية المهمّة عن الخطّة الأميركية طويلة التنفيذ, وارتفاع منسوب الشكوك في جديّتها, وبخاصّة أجندتها اللاحقة المتمثلة في عدم تسمية اي جهة, ستتولى نقل و«توزيع» الوجبات الأميركية المليونية «السخيّة», بل تغييب صهيواميركي مقصود لهيئات ومنظمات الأمم المتحدة, وعلى رأسها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين/الأونروا، على نحو يخدم بل ويشكّل ريح إسناد لأشرعة حكومة الفاشيين في تل أبيب, الرامية إنهاء عمل وكالة الغوث/ الأونروا بشكل كامل.
مع التأكيد في الان ذاته على ان الرصيف/ الميناء الأميركي المؤقت, يمنح إئتلاف النازية الصهيونية وجيشها الفاشي المزيد من الوقت لمواصلة «حربَيّ» الإبادة » والتجويع, خاصّة بعدما بشّرنا المستر بايدن بأن إحتمال عقد هدنة مُؤقتة (لمدة ستة أسابيع) قبل حلول شهر رمضان «بات صعباً» (!!)، رغم انه كان «وعدَ» العالم أجمع بأن اتفاقاً كهذا سيكون يوم الإثنين (الماضي), اي بعبارة أكثر وضوحا فإن بايدن سيستخدم «الفيتو» ضد اي مشروع قرار جديد, يدعو الى وقفٍ فوري للنار, كما فعل اربع مرات سابقة.
في السطر الأخير لم يعد ثمّة شكوك أو افتراض حُسن نِية, بأن الرئيس الأميركي رام دون جدوى تقمّص دور «الوسيط» في محاولة مكشوفة للتغطية على دوره كـ«شريك» فعلي في حرب الإبادة والتجويع, التي يشنها التحالف الصهيواميركي على الشعب الفلسطيني في غزّة، في حين زعم في خطابه وبحماسة, انه «لن ينحني لبوتين», فيما هو ينحني قولاً وفعلاً لمجرم حرب اسمه بنيامين نتنياهو وزمرته الفاشية.
* المقال مقتبس من صحيفة الرأي ويعبر عن رأي كاتبه