متحدثون: ما أنجزه الأردن بقيادة الملك مدعاة للاعتزاز والفخر
الإيمان بمشروع الدولة الأردنية والمحافظة على سيادتها وأمنها واستقرارها
عمان - إبراهيم السواعير
بمناسبة مرور 25 عامًا على تولي جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية، وفي ضوء إصدار صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية كتاب «الانتقال الكبير، الأردن في القرن الحادي والعشرين: ازدهار ومنعة»، أقام مركز الرأي للدراسات جلسة حوارية لمناقشة أبرز مضامين الكتاب، شارك فيها عددٌ من النواب والأعيان والسياسيين والكتاب ورجال القانون والحزبيين.
حضر الجلسة، رئيس مجلس المؤسسة الصحفية الأردنية الرأي شحاده أبو بقر، مدير عام المؤسسة الدكتور جلال الدبعي، ورئيس التحرير الدكتور خالد الشقران، وأدارتها مديرة مركز الرأي للدراسات هنا المحيسن.
وأكد المتحدثون ما أنجزه الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، ضمن التزامه بمواقفه المشرفة على أكثر من صعيد، ومن أهمها دعمه للقضية الفلسطينية، وقطاع غزة، واهتمامه بتنمية الأردن اقتصاديًّا، وإطلاقه الطاقات والكفاءات الشابة للعمل والريادة والإبداع، وتسريعه وتيرة التحديث الاقتصادي والسياسي، عبر محاور عديدة، كاستحقاق وطني نابع من الرؤية الحكيمة لجلالته وتوجيهاته المستمرة.
كما أوصوا بتعظيم الإنجاز بالاستحقاق الانتخابي القادم والتحديث السياسي، وكل ما يبذل من جهد منذ صدور قانون الأحزاب والانتخاب والتعديلات الدستورية، وتقوية بنائنا الداخلي والالتفاف حول ثوابتنا كدولة وكمجتمع في ظلّ التحديات، وكذلك تأكيد مبدأ المواطنة في ذهن الشباب تحديدًا، وخلق فرص عمل اقتصادية ومشاريع منتجة، وتعزيز سيادة القانون، وتأكيد الإيمان بمشروع الدولة الأردنية، والمحافظة على أمن الأردن واستقراره، ليس فقط بالمفهوم التقليدي الآمن، بل بالأمن الاقتصادي والاجتماعي، والأمن بكافة تفاصيله من مياه وطاقة.
واستهلّ رئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية الأردنية الرأي شحاده أبو بقر الجلسة بترحيبه بالحضور، والقامات الوطنية التي تمثّل نخبة طيبة من نخب المملكة الأردنية الهاشمية الفخورة دائمًا بشعبها الوفي وبقيادتها الهاشمية الوفية الجليلة المحترمة، مؤكّدًا أنّ هذا اللقاء الذي يزدان بوجود ضيوف الرأي، يناقش من خلال فكرهم النير، حصيلة 25 عامًا من العهد الزاهر الميمون لحضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني.
الصمود والاستمرار
وقال أبو بقر إنّ المملكة الأردنية الهاشمية التي يزيد عمرها عن 100 عام بدأت وتُواصل مسيرتها بقيادة هاشمية محترمة جليلة وموفقة اختطت نهجًا قياديًّا متميزًا في جميع مفاصل التاريخ الماضي، نهجًا قام دائمًا وأبدًا على ثلاثية ومنظومة: الرأي الحصيف، الموقف الشريف، والسلوك النظيف، ومن كان هذا هو شأنه فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأشاد أبو بقر بـ 25 عامًا شهدت بشهادة كل منصف تطورًا نوعيًّا سياسيًّا اقتصاديًّا اجتماعيًّا وفي جميع مفاصل الحياة.
وتابع أبو بقر: لهذا، وبفضل هذا النهج الهاشمي المتزن والموضوعي حافظت المملكة الأردنية الهاشمية، على استقلالها وصمودها الأسطوري، وسط إقليم ملتهب ومضطرب يشهد، ليس كل يوم، بل كل ساعة، تطورات ومفاجآت ليس أقلها حرب غزة، أو ما سمي ظلما وزورًا بربيع العرب.
وأكّد أبو بقر أنّ القيادة الهاشمية استطاعت، وبتعاون شعبها الطيّب، أن تخرج مملكتنا الحبيبة من مصاعب ما سمي بربيع العرب، فصار بلدنا والحمد لله برغم قلة الموارد وشح الإمكانات أشبه ما يكون بجزيرة آمنة مستقرة وسط بحر متلاطم الأمواج، يفيء إليها كل من فرّ بروحه وعياله وماله باحثًا عن مكان آمن وحياة كريمة.
وأشاد أبو بقر بالأردن، المملكة التي ثلث سكانها لاجئون، يجدون فيها الماء والغذاء والعمل والتعليم والرعاية الصحية برغم قلة الإمكانات والموارد، إذ قيض الله لهذا البلد قيادة هاشمية كريمة لم تهن في يوم من الأيام أمام الصعوبات، ووقفت دائمًا الموقف الشريف النظيف الذي لا يجوز لأحد في هذا العالم التشكيك به أو الانتقاص منه.
وباسم المؤسسة الصحفية الأردنية، حيّا أبو بقر موقف المملكة الأردنية الهاشمية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، من جميع قضايا الأمة وفي طليعتها قضية فلسطين، وفي نفس الوقت ومع هذا التحية الصادقة، أكّد أبو بقر أننا نعلن رفضنا واستنكارنا لكل محاولات التشكيك وكل محاولات الانتقاص من دور المملكة الأردنية الهاشمية الشريف النظيف، ويزيد الألم حين يأتي التشكيك داخليًّا، «فعندما يكون التشكيك من خارج الحدود فهو أمر لا شأن لنا به، ولا يرف لنا جفن منه، لكن عندما يأتي التشكيك والانتقاص من البعض، دون تعميم، فهو مؤلم وربما يُحدث شيئًا من الإحباط».
وأكّد أبو بقر أنّ مهمتنا كنخب وكتاب وصحفيين وإعلاميين ومثقفين، هي أن نصون وحدتنا الوطنية، ونلتفّ حول قيادتنا الهاشمية، وحول وطننا، ونحافظ على أمنه واستقراره، ونقف بالمرصاد، وهي مسؤولية كل مواطن، ضدّ كلّ من يحاول شقّ صفّنا الوطني أو الإساءة لوحدتنا الوطنية أو الانتقاص من دورنا الوطني المشهود الذي ليس هنالك من موقفٍ يشبهه أو يجاريه أو يمكن أن يسير بموازاته.
الإرث الهاشمي
وأشاد الوزير الأسبق الدكتور محمد المومني بالمؤسسة الصحفية الأردنية الرأي، كصرح إعلامي وصحفي كبير وشامخ وعريق، وأحد أهم أركان مؤسسات الدولة الأردنية، متحدثًا عن التحوّل الصحفي في المضمون القوي والمواكب للعصر.
وحول عنوان الندوة، قال المومني: أثناء «الربيع العربي»، وقد كنت وزيرًا في تلك الفترة، كان يأتي علينا من العالم كله، باحثون وصحفيون واستقصائيون ودبلوماسيون، وكلهم يريدون إجابة على السؤال التالي: لماذا الأردن مختلف؟ وما الذي جعل الأردن ينجو من كلّ هذه الأحداث ومن كل تلاطمات الإقليم التي لا تنتهي، ولماذا هذه الدولة محاطة بالنار وتنجو بنفسها، ومن أعلى دول العالم في موضوع الأمن والأمان والأمن الشخصي، بالمقاييس والمؤشرات العالمية، وهو ليس كلامًا نتحدث به عن أنفسنا، إنما هو ما تتحدث به المقاييس العالمية في هذا الموضوع.
وقال المومني إنّ لذلك ثلاثة أسباب رئيسية، تمثل عظمة الدولة الأردنية، وعظمة البناة الأوائل وعظمة الذين بنوا في هذا البلد.
وتحدث المومني عن القيادة الحكيمة الرشيدة العاقلة والوازنة التي «لا توجد دماء سياسية في تاريخها»، وعلى أكتافها 1400 سنة من إرث الحكم، فالعائلة الهاشمية ثاني أقدم عائلة حاكمة في العالم، وأقدم عائلة حاكمة في الشرق المتوسط، وهذا مهم، حيث أنّ جلالة الملك بإرثه وتاريخه وبكلّ هذه الخبرة الموجودة عنده وعند آبائه وأجداده قدم نوعًا مختلفًا من القيادة، وهو قائد لا يحتاج أن يفرض نفسه ويفرض تاريخه، لأنّ تاريخه موجود وساطع، وفي «الربيع العربي» كان عندنا أمر واحد، يلخص كل استراتيجية الأردن في التعامل مع «الربيع العربي»، حيث لم تكن هناك نقطة دماء واحدة في شوارع بلادي، لوجود قيادة حكيمة راشدة عاقلة تريد الشيء الصحيح، فكنّا نجلس في الاجتماعات ويستمع جلالة الملك من الجميع ويحاجج آراءهم ويتخذ القرار الصحيح، وهو أمر مهم جدا، فمن يدرس ما يحدث في هذا الإقليم يدرك أهمية وجود قيادة حكيمة وعاقلة وراشدة نحظى بها في الأردن.
كما تناول المومني موضوع احترافية أجهزتنا العسكرية والأمنية والمدنية، كعنصر قوة مهم، فنحن دولة مؤسسات، وعندنا مشاكل مثل أيّ بلد، ولدينا مؤسسات وجيش وأجهزة أمنية على أعلى درجات الاحترافية، وهو شيء مهم، في معادلة الأمن الأردني، حيث كلنا رديف لأجهزتنا الأمنية، إذ لا توجد ضغينة بيننا وبين أجهزتنا الأمنية، ولا يوجد عداء بيننا وبينها، نحب دولتنا ونحب مؤسساتنا ونريدها أن تكون الأفضل، حيث العرش والجيش ثابت من ثوابت هذه الأمة وهذا البلد، لأننا وببساطة نعشق الجيش من قائده الأعلى إلى كلّ جنوده ومنتسبيه.
وراهن المومني على وعي المواطن الأردني وانتمائه، حيث استثمرنا به، وانعكس ذلك باللغة العلمية للقيادة وثقافتها السياسية على الشعب الأردني، كمتعلمين ومثقفين ومتنورين، ولدينا ولاء، وكلنا في خندق واحد للدفاع عن الأردن.
وذكر المومني، أنّ من أهم إنجازات اليوبيل الفضي التطور والتحديث السياسي الكبير والعميق، فما طالبت به القوى السياسية ومنذ عام 1989 أي منذ ثلاثين عاما، حصلت عليه في ثلاثة أشهر من عمر اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وهذه تتمثل في: قائمة وطنية بحجم مقدر، وهذا ما حصل بقائمة من 41 مقعدا من 138 مقعدا أعضاء البرلمان القادم.
1. هذه القائمة محصورة للأحزاب وليس لأي جهة.
2. فيها عتبة 25% وهذا أمر مهم سيحدث فرقا بين الأحزاب القوية والضعيفة.
3. قائمة مغلقة وليست مفتوحة ترتبها الأحزاب.
وذكر المومني أنّ هناك ميزات أخرى، مثل تخفيض سن الترشح لدعم وجود الشباب وفرض أن الثالث والسادس بالقوائم الوطنية تكون من النساء والخامس من الشباب أقل من 35 عاما، وهذه إنجازات كبيرة ستغير شكل العمل السياسي في الأردن.
مؤسسية الحكم
وتحدث الوزير الأسبق والكاتب سميح المعايطة عن كتاب «الانتقال الكبير» الصادر عن صندوق الملك عبدالله، والذي هو نوع من التلخيص لسنوات طويلة، وقال: لنتذكر أننا في الأردن عندنا حكم، ولا يوجد عندنا حاكم، فأنت لا تتحدث عن شخص جاء يحكم الأردن لفترة تخصه، ثم يغادر، أنت تتحدث عن مؤسسة حكم مستمرة منذ بداية الدولة الأردنية إلى اليوم، وعندما تذهب إلى أي شيء في جانب مؤسسي أو مؤسسة تتحدث عن أخلاقيات راسخة في الحكم، فهناك ثوابت سياسية، ومخزون من أسرار الحكم موجود وينتقل من ملك إلى آخر، وهذا أمر يجعل هناك قوة ومتانة بمؤسسية الحكم، فعندنا مؤسسة حكم راسخة ولها أعراف وتقاليد ولها تاريخ وأسرار وشبكة علاقات، ولديها تاريخ مع الأردنيين والعالم، وهذا يجعل أي شخص من هذه العائلة يستلم الحكم فيعطيه الدستور هذه المكانة عمليا، لذلك هو يبني على مسار طويل وإرث حكم، وهذه ميزة موجودة في الأردن، لأنّ هناك دولًا يأتي حاكم خمس سنوات، ولسبب أو لآخر، يذهب، لكن دون أن تكون المؤسسية للحكم نفسه، وهو ما يجعلنا نشيد بمؤسسية الدولة، حيث الحكم في الأردن له مؤسسية نمتلك من خلالها القدرة على تجاوز الأمور والتحديات.
وقال المعايطة إننا لو أخذنا مقطعًا زمنيًّا في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني منذ توليه السلطة عام 99، سنجد أنّ بعد ذلك بأشهر كانت انتفاضة في فلسطين، كحدث إقليمي دائما، وحدث داخلي، ووجود أي حدث في فلسطين عمليا بالنسبة لنا هو حدث إقليمي وحدث داخلي، وبعدها دخلنا على موضوع احتلال العراق في عام 2003، ثم «الربيع العربي»، ثم الأزمة السورية، وكلها أحداث داخلية أردنية، ومع أنّ الأزمة السورية، هي أزمة للسوريين، وأزمة إقليمية ودولية، لكنها عمليا كانت أزمة أردنية داخلية بأبعاد الإرهاب والتطرف الذي على الحدود، وأبعاد اللجوء السوري، وأبعاد الاقتصاد، لافتًا إلى ما أسماه حالة الجشع السياسي عند بعض القوى السياسية في الإقليم والتي كانت عينها وشهيتها مفتوحة من مصر إلى سوريا إلى الأردن، وهذا الجشع ممكن أن يترك أثره لو أنّ الأردن قد ضعف في ذلك الوقت لا قدر الله، وهو ما كان سيزيد من شهيتهم للفوضى والذهاب لمرحلة أخرى.
أزمات المنطقة
وتابع المعايطة: أنت تقيس بعد ذلك على كل أزمة كانت تأتي، فحتى العراق في عام 2003 دفعنا الثمن كأزمة، فكانت التداعيات.
وقال المعايطة إننا عندما نتحدث عن بناء متراكم في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، نستطيع أن نقيس مباشرة من إدارة هذا الحكم للأزمات التي دخلت على بلد عنده تحديات بإمكاناته وفي مهامه تجاه القضايا العربية، وكل أزمة بالإقليم، فدائمًا على الأردن أن ينتبه إلى الداخل مباشرة، لأنه يريد أن يحافظ على داخله ويحافظ على استمراره كدولة، واستقراره، ويساند أشقاءه.
وتناول المعايطة موضوع الأزمة السورية، حيث كان الأردن أمام معادلة مع الأزمة السورية كمعادلة سياسية، ومعادلة أمنية لتداعيات الأزمة، ومعادلة اللجوء، حيث يأتيه هذا العدد ويتعامل معه،.. فكل شيء بحاجة لمعادلة، كحكم، ثم أتى في الوقت نفسه «الربيع العربي» الذي كان كملف داخلي في التحرك الداخلي والحراك، وكان هناك تعامل يظهر إرث الحكم، كما يظهر سرّ الحكم ويظهر علاقاته ومقدار الحلم بطبيعة الحال.
ففي «الربيع العربي»، كان جلالة الملك يقول في أحد تصريحاته وهو خارج الأردن: هذا الحراك المبارك!
فكان ذلك مريحًا كتعبير في أنّ هؤلاء الأردنيين صادقون، نتفاهم فيما بيننا ونغلق الباب على من يريد أن يحوّل هذا الحراك الأردني إلى حالة غير أردنية، وقد ثبت أننا تفاهمنا مع بعض وذهبنا سويةً لبرّ الأمان وبخطوات واثقة.
ثقة الأردنيين
وقال المعايطة إنّ هنالك استمرارية بأشياء أخرى للقياس لتقديم المرحلة في ربع قرن للأردنيين بشكل أكبر، فنحن بحاجة لأشياء أخرى، مؤكّدًا أهمية ثقة الأردنيين بأنفسهم وتعزيزها.
وأشار المعايطة إلى كلمة جلالة الملك في اجتماع الحكومة الاقتصادي، وتأكيد جلالته أننا دائمًا نتجاوز الصعاب، معتبرًا ذلك كلمة مهمة، فنحن دولة لا ننظر مع كل أزمة كيف تجاوزناها وكم دفعنا الثمن فيها، عندما كان بها مراحل لدفع الثمن، فكلها أزمات، وكم خرجنا منها متماسكين داخليًا وعندنا قدرات.
وحول أزمة غزة، قال المعايطة: عمليا بالمسارات، هذه أزمة تترك أثرها على الأردن مباشرة، اقتصاديا، وتترك أثرًا بعلاقاتك مع أوروبا والغرب، وتترك أثرا داخليا علينا في المعادلة الداخلية، لكنّ هناك مسارًا مهمًّا في أنك تبقى مساندًا لأشقائك مساندة حقيقية فاعلة بالقدر الذي تستطيع.
وأكّد المعايطة حفاظ الأردن على شرف الموقف وشرف الجهد، فداخليًّا ومنذ اليوم الأول كان السؤال أننا نتمنى ألا تتحول حالة التضامن على غزة إلى أزمة أمنية داخلية، فهذا عبء على الدولة، لكنّا بفضل الله تجاوزنا ذلك، لأنّ هنالك من كان يدفع بالاتجاه السلبي، لكن، من المهم أن تكون مدركًا ما الذي يفكر به الآخرون، وأنّ لديك أدواتك حتى تتجاوز هذا المشهد.
وأكّد المعايطة أنّ هذا الكتاب مهم، لافتًا إلى أنّ 25 سنة من حكم جلالة الملك بحاجة إلى تعامل وتداول تفصيلي في المجال الاقتصادي والداخلي والإصلاح السياسي منفردًا، ودائمًا بحاجة إلى التوثيق عبر الأدوات والقوى الناعمة كالدراما والتعامل الروائي مثلًا، وهذا يوصل للناس الفكرة، لأننا كثيرًا ما نكون ظالمين لأنفسنا، ونعجب بالدول، مع أنها تكون واقعة في كل أزمة، وكأن هذا البلد لم يعمل، فإنصاف النفس عنوان
إنصاف الأردن
من العناوين الذي يجب أن تكون واضحة عندما نعمل تقييما تفصيليًّا من أكثر من جهة، سواء بحثية أو أيًّا كانت في تفاصيلها، وهو إنصاف للأردن، وجلالة الملك الذي يقود الأردن ويحكمه، فنحن شركاؤه في النجاح كأردنيين ومواطنين، وبالتالي هو جهد للجميع، لكنّ هذا الكل لم يكن لينجح لولا أن هنالك قيادة عندها حكمة وهدوء وحلم وخبرة.
فنحن محظوظون بمؤسسة حكم وليس فقط حاكم، لأنّ مواصفات الحاكم عظيمة، لكنه أيضًا جزء من مؤسسة حكم عمرها 100 سنة. ولنا أن نتخيل كم تكون القدرة على التعامل مع الأشياء بهدوء وتجاوز، حيث الأردن تجاوز الدم في زمانه، ويتجاوز المظاهرات من هنا وهناك، ومن يقرأ تاريخ الأردن يدرك ذلك في موضوع الأزمات والقدرة والحكمة في التعامل معها، أمام بعض التقديرات الخاطئة لمن لا يعرفون هذه الخبرة الطويلة.
استراتيجية القائد
وتحدث اللواء المتقاعد غازي الطيب عن الإرث الكبير الذي يحمله جلالة الملك عبدالله الثاني، مؤكّدًا استراتيجيّة القائد في تحقيق أهداف شعبه ووطنه وحفاظه على أمنهم واستقرارهم، مستعيدًا فترات ماضية ملتهبة في الإقليم والمنطقة العربية نجح فيها الأردن بفضل قيادته الهاشمية المظفرة نجاحًا كبيرًا.
كما تناول الطيّب إرادة جلالة الملك ورغبته بحكومات برلمانية، وأهمية التقاط النخب والشَّعب لها، في برلمان قوي ومنتخب، وأحزاب فاعلة وقوية، وتنمية سياسية، إذ لا تنمية سياسية بدون أحزاب. وتحدث الطيب عن أهمية برامج الأحزاب ورؤيتها دون مصالح شخصيّة أو عائلية، وعن حكومة الظل، ومستلزمات الحياة السياسيّة كما يريدها جلالة الملك.
كما تحدث عن موضوع غزة والاستراتيجية في التهجير والإبادة والحرب الجارية، وموقف الدولة الأردنية والشعب الأردني كذلك. وأكد الطيب الدور الكبير للجيش وفترات التأسيس الأولى من عمر الدولة الأردنية. وقارن بين الجيش الإسرائيلي وطموحات إسرائيل، وعدّة هذا الجيش قديمًا وحديثًا.
الانتقال السياسي
وتحدث الوزير الأسبق د. نوفان العجارمة عن محور الانتقال السياسي والدستوري في عهد المملكة الرابعة، حيث الحكم في الأردن هو حكم مؤسسي قائم على المؤسسات، فمنذ تأسيسها كانت الدولة الأردنية تبني، لنشهد في عهد المملكة الرابعة نهضة مهمة جدا، بقيادة جلالة الملك، إذ كنا نلمس هذا الأمر من خلال خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة العادية في البرلمانات، وأيضا جملة الرسائل للحكومة ولقاءاته العامة سواء في الديوان الملكي الهاشمي أو بين أبناء شعبه.
ورأى العجارمة أنّ هذا الخطاب كان يؤسس لانتقال سياسي ودستوري قادمًا على الدولة الأردنية، وقال إنّ هذا الخطاب ترجم في أربع تعديلات دستورية، 2011، 2014، 2015، 2022، وبموجب هذه التعديلات، كانت النتيجة:
أولا: تمت إعادة الخطاب ما بين الفرد والسلطة، المواطن العادي والسلطة، حيث تم تعزيز حقوقه وحرياته سواء كانت حريات فردية أو عامة من خلال الرجوع عن كثير من التعديلات التي أدخلت على الدستور 1952، حيث دستور 1952 مرّ بمرحلتين من التعديلات لظرفين سياسيين كبيرين، الظرف الأول عام 1958 في الوحدة مع العراق، وعندما انتهت الوحدة مع العراق اضطر الأردن أن يجري بعض التعديلات حتى تتواءم مع الاتحاد العربي في حينه، التعديل الثاني على إثر خسارة جزء من الأراضي الأردنية بعام 1967 وكانت هذه الأرض تابعة للدولة الأردنية وكان هناك جزء من البرلمان في السلطة الفلسطينية، وبالتالي اضطررنا أن نجري تعديلات دستورية حتى نتواءم مع هذا الطرف غير الطبيعي.
وتابع العجارمة: الآن وقد استقرت المسائل السياسية لا بد من إعادة الأمر إلى نصابه وبالتالي تمت إعادة كثير من المسائل التي عززت مبدأ التوازن ما بين السلطات، هذا التوازن 1958 وبعد 1973 وبعد هزيمة 1967 أدى إلى ترجيح كفة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية بشكل
الدولة تبنت خطاباً شجاعاً ومواقف مشرفة تجاه قضايا الأمة
اتسم الاقتصاد الأردني خلال ربع قرن بالديناميكية محققاً نسب نمو إيجابية
الإشادة باحترافية الجيش والأجهزة الأمنية ودورها الكبير بالدفاع عن الوطن
واضح، والآن طالما زالت هذه المؤثرات في ظل وجود ما يسمى بالدولة الفلسطينية، وبالتالي منظمة التحرير عام 1994، أصبح ثمة دولة أخرى غرب النهر بالنسبة لنا بالأردن، وبالتالي التعديلات التي أدخلت بعد حرب 1967 لم يعد لها مبرر، لذلك تم الرجوع عن هذه التعديلات عام 2011 وفي عام 2014 و2015 تم تعديلان مهمان، وتابع العجارمة: أما فلسفة هذين التعديلين، من واقع أنني كنت حينها رئيسًا لديوان التشريع وأنا من قام بإعداد المسودات لأنها كانت تؤصّل بما يسمى الحكومة البرلمانية التي نتحدث عنها في مستقبل الايام.. فهدفهما هو أن نبعد عدوى السياسة عن الأجهزة الأمنية والعسكرية، فهي بالأصل أجهزة فنية محترفة، والأصل أن تحافظ على الأمن الداخلي بالنسبة للمخابرات العامة والأمن العام، وبالنسبة للجيش له مهمتان، مهمة الدفاع عن الدولة بشكل عام ومهمة أخرى، فهناك مهمة أخرى للجيوش لا تذكر إلا في الأدبيات الدستورية، فجلالة الملك عندما يتبوأ سلطاته الدستورية يقسم أن يحافظ على الدستور وأن يخدم الأمة، هذا القسم حتى يبر به، كيف يحافظ على الدستور ويخدم الأمة إن لم يكن عنده رديفه الذي هو جيشه، لأنه إن تم التغول على الدستور، فكل الجيوش هي مهمة استثنائية عندنا وعند غيرنا بالمناسبة، فتأتي مهمة الجيوش بالحفاظ على سريته.
وتحدث العجارمة عن رؤية التعديل بعام 2014 و2015 والتمهيد للقادم، حيث الحكومة المؤسسة على أساس حزبي، وبالتالي حتى لا تؤثر الحزبية على هذه الأجهزة الفنية باحترافيتها ومهنيتها، فتكون بغض النظر عن الهوية السياسية لما هو موجود، إذ يجب أن تقوم هذه الأجهزة بواجباتها الداخلية.
وقال العجارمة إن التعديلات كُللت باستحداث مؤسستين كبيرتين، ولأول مرة، المؤسسة الأولى هي الهيئة المستقلة للانتخاب عام 2011، وهذه المؤسسة كانت بسبب شكوى الناس قديما من أنّ الحكومة تتدخل بالانتخابات وبالتالي مشكلة التزوير، فكان التساؤل حول الانتخابات آنذاك.
النزاهة الوطنية
وتحدث العجارمة حول مسألة النزاهة الوطنية ووسائل التزوير الانتخابي، ذاكرًا أنّ هناك 22 وسيلة تزوير بالعالم، وأسوأ الوسائل التي تكون بوضع أوراق زائدة، وكثير من وسائل التزوير التي تجريها بعض حكومات الدول هي غير ملموسة وغير مرئية قد تؤثر على إرادة هذا المعنى.
وقال: الآن تريد أن تسير مع متطلبات الشعب بالنتيجة، فكانت ثمة شكوى كبيرة جدا من نزاهة الانتخابات، فقيل إنه لا بد من استعداد الهيئة المستقلة للانتخاب لتجري انتخاباتها بشكل محايد وبشكل مستقل، وبالتالي لا دخل للحكومة فيما يتعلق باجراء الانتخابات، ومخرجات الهيئة المستقلة للانتخاب تخضع أمام القضاء، وبالتالي حتى تعزز ثقة الناخب في العملية الانتخابية وحتى يكون هذا الصندوق يعبر تعبيرا حقيقيا عن إرادة الناس، ولكي تكون الديمقراطية على أصولها. وبعام 2011 تم استحداث المحكمة الدستورية، لأن ثمة ترابطا كبيرا في أن كثيرًا من التشريعات التي نسمعها بالمجالس في أن هذا غير دستوري وهذا دستوري،و بالتالي لا بد أن تذهب لجهة مستقلة مركزية هي التي تفصل بهذه المسألة، فلا نواب ولا أعيان ولا حكومة ولا حتى الجهاز القضائي نفسه، وبالتالي معظم الدول تلجأ لما يسمى بالرقابة المركزية من خلال المحكمة الدستورية، وهي الآن موجودة وقد حلت مشكلة كبيرة جدا بدستورية هذه القوانين.
وختم الدكتور العجارمة بقوله إنّ هذه مملكة رابعة سبقتها 3 مملكات والقادم أجمل في عهد هذه الدولة، التي أرست مبادىء مهمة وفي قادم الأيام بانتخابات هذه السنة سوف نرى ثمة فارقا كبيرا بأداء البرلمان، فالبرلمان عندما تكون أغلبيته حزبية أو أداؤه حزبيا فإنّ الإيقاع السياسي سيختلف نوعا ما، لأن الأحزاب تعمل فلترة أولية حتى تنتقل للأشخاص المطروحة على القوائم، وبالتالي حتى يحاول الحزب أن يحصل على أكبر عدد ممكن من المقاعد لن يقدم أشخاصا إذا كان لهم ثقة في الشارع، وبالتالي لهم قوة تصويتية كبيرة جدا، وهذا الأمر يتخلص من تبعات الانتخاب الفردي، حيث الفردي لا يوجد له ضابط، لكن كماكنة حزبية أختار ممثليني وليس أي شخص تضعه، فأنت كحزب لك خياراتك، وبالتالي هذه المخرجات قامت بالفلترة الأولى عن طريق الحزب نفسه، أما الفلترة الثانية فعن طريق المواطن نفسه.
وحول إيقاع البرلمان في الدورة القادمة والتي تليها قال العجارمة إن أداءنا سيكون بعد 12 سنة أفضل، حتى يتم تشكيل الحكومة الأغلبية، وندخل إلى أن تكون الحكومة من البرلمان أو مدعومة من البرلمان بممثليها، وبالتالي ستكون نقلة نوعية في الحياة السياسية الأردنية بما ينعكس على أداء السلطة التنفيذية وتقود البلد من الناحية الإدارية والناحية الاقتصادية.
تعزيز البناء
وتحدث النائب خير أبو صعيليك عن نهج الانتقال من السلطة في الأردن، فعند وفاة الملك الحسين بن طلال رحمه الله كان الانتقال السلمي والاستمرار في نهج الحكم الرشيد والتسامح والانتقال من البناء إلى التعزيز، وهذا يدلل على شرعية الهاشميين بالحكم المعتمد على أخلاقيات راسخة ورصينة.
وقال إننا نتحدث عن مؤسسة الحكم الرشيد، بمعنى عدم الاستئثار بالموقع بخلاف بعض الممارسات التي تتم في دول أخرى، فنحن في الأردن لا يوجد لدينا وزراء من الأمراء، ولا محافظ من الأمراء، على خلاف كثير من الدول.
بناء الوعي
وأكّد أبو صعيليك أنّ مؤسسة الحكم هي النموذج الأقرب للملكية الدستورية، بمعنى أن القيادة بالحكم هي فطرية وليست مكتسبة، وهنا فإن جلالة الملك خلال الـ25 سنة الماضية خاض معركة الوعي باقتدار وانتقلت اليوم تركيبة وسيكولوجية المواطن الأردني بتعزيز أكثر نحو شعور المواطنة والواقعية بالتعامل مع مؤسسة الحكم.
فهذه الواقعية، كما قال أبو صعيليك، وهذا التعزيز لشعور المواطن، دفع الكثير من المواطنين للإقبال على المشاركة السياسية، سواء نتحدث عن النقابات والأحزاب وحتى تدني نسب الانتخاب، لكن ما زال هناك إيمان من الأردنيين بضرورة المشاركة السياسية.
وتابع أبو صعيليك: باعتقادي اليوم، وأستشهد بمقالة الكاتب المغاربي الكبير عبد الإله بلقزيز الذي قال إن أعظم اختراع عرفته البشرية هو الدولة، أنّ الأردنيين أصبحوا اليوم بعد هذه الفترة 25 عامًا، معززين لمعركة الوعي التي خاضوها، وأصبحوا أكثر فهما للعلاقة بين الفرد والسلطة، وبين الفرد والدولة، وأصبح هناك تمييز واضح بين السلطة والدولة، وأدركوا أنه لا يمكن أن يعودوا للوراء، والملك هو صمام الأمان بهذه المنظومة، بمعنى أن الأردنيين قد يختلفون مع السلطة ولكنهم لا يختلفون مع الدولة ولا يختلفون مع رأس الدولة، باعتباره هو الضابط لهذا الإيقاع والمعادلة.
محطات عاصفة
ورأى أبو صعيليك أنّ المنطقة والعالم والإقليم أصبحوا حالة من عدم اليقين خلال الـ25 سنة الماضية، كما أن مؤسسة الحكم في الأردن ممثلة بجلالة الملك خضعت لاعتبارات كثيرة وفي كل اختبار كانت تخرج أكثر صلابة.
واستعرض أبو صعيليك 10 محطات عاصفة مرّ بها العالم والإقليم وأثرت بشكل مباشر على الدولة الأردنية، وهي:
1- أحداث سبتمبر التي داهمت العالم وكان لها ارتدادات كبيرة على المنطقة بشكل مباشر. وقد استطاع الأردن أن يتعامل مع هذا الحدث بحصافة كبيرة جدا، وخرج أصلب عودا بعد أن عالج المقتضى الجيوسياسي نتيجة لذلك.
2- بعام 2001 أصبح لدينا قرار بالحكم بالعراق بعام 2003 وأيضا هذا القرار بالحكم بالعراق ولّد بعض القوى الجديدة وبعض الميليشيات وبعض القوى المسلحة، واستطاع الأردن أن يتعامل مع الحدث باحترافية كبيرة وصيانة حدوده والحفاظ على الأمن والاقتصاد المنيع.
3- بعام 2008 كانت لدينا الأزمة الاقتصادية العالمية التي عصفت بالأسواق العالمية ونحن من سنة 2000 لسنة 2008 حققنا نسب نمو فاقت 6.3 بالاقتصاد إذا أخذنا المعدل، وبدأت بعد 2008 نتيجة الأزمة العالمية العودة لمستويات نمو تقترب من 2% وكان ذلك اختبارًا صعبًا وليس سهلا.
4- بعام 2011 ذهبنا إلى تداعيات ما سمي «الربيع العربي» والارتدادات على المنطقة وعلى الإقليم.
5- اللاجئون، والذين وصل عددهم في الأردن إلى مليون ونصف شاركونا مواردنا المحدودة، وكان ذلك اختبارا قاسيا على الدولة الأردنية التي تعاني من عجز مزمن في الموازنة وتعاني من دين عام كبير، وهذا الاختبار لو تعرضت له دولة أوروبية لربما كان بقاء هذه الدولة على المحك، لأنّ الحكمة الكبيرة التي تعامل بها جلالة الملك مع ملف اللاجئين وهذا الاستيعاب الكبير في ظل تقصير المجتمع الدولي تجاه اللاجئين، يمثل قصة نجاح تسجل للمملكة الرابعة.
6- برزت لدينا أزمة الكورونا التي صنفت اقتصاديا على أنها أكثر الأزمات عمقا بعد الانهيار العظيم الذي حدث سنة 1925 في الاقتصاد العالمي.
8- ارتفاع متكرر لأسعار الفائدة وصلت لـ11 ارتفاعا، وقد أثّر ذلك على الدول المقترضة، والأردن من الدول المقترضة، فنحن قبل هذه الارتفاعات كنا نتحدث عن خدمة دين عام لا تتجاوز 800 مليون بالموازنة، لغاية 2020، لكن بعد ذلك نتحدث عن 2 مليار، وهذا أضاف عبئا جديدا مقداره أكثر من مليار دينار على موازنة الدولة، وربما كانت التوقعات أن يتم تداول العملة الأردنية بالسوق السوداء كما هي الحال في عدد من الدول وانهيار العملة، كل ذلك لم يحدث، حتى المؤسسات الدولية وتحديدا صندوق النقد الدولي الذي توقع للأردن انكماشا اقتصاديا بسنة 2020 نتحدث عن 7% كانكماش، فالأردن خالف كل هذه التوقعات وذهبنا لنسبة انكماش بسيطة جدا.
9- الحرب الروسية الأوكرانية أثرت على إمدادات الطاقة في دولة مثل الأردن تصنف أنها تستورد الطاقة وأثرت على سلاسل التزويد وخاصة سلعة القمح التي نستوردها من أوروبا.
10- العدوان على غزة وأحداث أكتوبر بعام 2023.
ورأى أبو صعيليك أنّ هذه المحطات العشرة العاصفة أدت لحالة من عدم اليقين بالمنطقة وأدت إلى حالة اضطراب سياسي، فمؤسسة الحكم خاضت هذه المحطات العاصفة وخرجت منها في كل مرة أكثر صلابة.
وأشاد أبو صعيليك بكتاب «الانتقال الكبير» متوقفا في عجالة على خمس علامات فارقة في حكم جلالة الملك، وفي المملكة الرابعة، وأهم علامة فارقة بهذه المسيرة هي القضية الفلسطينية والوصاية على المقدسات ومجابهة صفقة القرن، فهذا المقتضى المهم جدا واجه الأردن فيه ضغطا دوليا كبيرا مورس عليه، على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في ظل ديمغرافيا وفي ظل جيوسياسية ربما لا تساعد في إنجاز هذا الموضوع.
وقال إنّ أهم علامة فارقة خلال 25 سنة الماضية هي الإبقاء على القضية الفلسطينية على أنها القضية الرئيسية والمحورية باستمرار نهج الوصاية الهاشمية في القضية الفلسطينية وأيضا التغلب على كل ما يتعلق بصفقة القرن. كما تحدث أبو صعيليك عن موضوع الاستقرار الأمني ومعادلة الأمن والاستقرار والردع.
وتحدث عن موضوع الوصول لاقتصاد منيع، متناولًا الفترة السابقة لتولي جلالة الملك سلطاته الدستورية، حيث كان هناك شريط أحمر على بعض الأنشطة الاقتصادية لا يجوز الاقتراب منها، واليوم جلالة الملك أزال هذا الشريط الأحمر وفرد السجادة الحمراء بدعوة كافة المستثمرين للإقبال على الأردن والاستثمار فيه وتعزيز البيئة الاستثمارية، بحيث تكون بيئة جاذبة.
وحول موضوع الإصلاح، قال إنّ جلالة الملك تحدث عن أنّ الفراغ السياسي غير مقبول، وأن هذا الفراغ قد تملؤه العناكب، ومن هنا قرر جلالة الملك أن الأدوات السياسية والاقتصادية والإدارية التي استخدمت بالمئوية الأولى للدولة لم تعد صالحة للاستخدام بالمئوية الثانية في ظل المتغيرات الدولية العميقة التي حدثت على الإطار السياسي والإطار الاقتصادي، وأحدثت جراحات كبيرة بالعالم غيّرت النمط العالمي في التفكير، وبدأنا نغادر مربع العولمة ونتحدث عن التكامل الإقليمي، وهنا قرر جلالة الملك وأمر بمسارات الإصلاح الثلاث: السياسي والاقتصادي والإداري، وهذا من أهم العلامات الفارقة.
النمو الاقتصادي
أما موضوع سيادة القانون، فقد رسم جلالة الملك خطا عريضا في أن الوطن لا يمكن أن يتحدث عن رقعة جغرافية ترسم بريشة، بل نتحدث عن دولة راسخة ومؤسسات منتجة وسيادة قانون وتكافؤ فرص، فالأردن التحف عباءة الإصلاح بشكل أساسي وجلالة الملك رمى بهذا الزخم الكبير أمام قادة الرأي السياسيين والاقتصاديين ليتفاعلوا بشكل أكثر مع هذه المحتويات.
وأكد أبو صعيليك أننا جميعًا نتكىء على جلالة الملك في إحداث التغيير المطلوب، وقال: أتيح لي أن أرافق جلالة الملك بزيارة للهند، ولاحظت حجم التقدير الكبير الذي يبديه القادة لجلالة الملك، وعندما ذهبنا للقاءات الفنية الثنائية مع نظرائنا بالجانب الهندي بكل أمانة كنا نتكىء على مؤسسة الحكم وعلى جلالة الملك في تسويق الأردن كمنتج سياحي وتسويق الإصلاح السياسي والدعوى للاستثمار، وهذا أمر يسجل للحكم في المملكة الاردنية الهاشمية.
وتحدث أبو صعيليك عن الأرقام المتعلقة بفترة الحكم لجلالة الملك، ففي الدخل السياحي كانت مساهمة القطاع الصناعي بالناتج الإجمالي المحلي مليار و100 ألف سنة 99 واليوم نتحدث عن حوالي 6.8 مليار. أما المدن الصناعية فكانت بعام 99 مدينة صناعية واحدة واليوم لدينا 10 مدن صناعية.
كما أن نسب النمو الاقتصادي خلال الـ25 الماضية لم تسجل نسبة نمو سالبة إلا مرة واحدة بسنة الكورونا، لأنها أتت نتيجة ظرف محدد وظرف غير طبيعي. وقال أبو صعيليك: صحيح أن جلالة الملك يطمح للوصول لنسبة 5.5 لكن على الاقل استطعنا أن نبني اقتصادا ديناميكيا.
وقال إننا إذا تحدثنا عن 10 محطات عاصفة في الـ25 سنة الماضية ففي كل هذه المحطات كان الاقتصاد الأردني اقتصادا ديناميكيا وحقق نسب نمو إيجابية، حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بسنة 99 هو 1273 دينار، واليوم نتحدث عن 3056 دينار.
وكل هذه المؤشرات تدل على أن الاقتصاد الأردني ليس اقتصادا هشّا واستطعنا أن نعزز البناء وننتقل للحديث عن اقتصاد منيع. واليوم العملة المحلية الأردنية لا يتم تداولها بالسوق السوداء، ولدينا احتياطيات كبيرة من العملات الأجنبية ولم يأت مستثمر للأردن واشتكى من أن أحدا ما طلب أن يشاركه باستثماره، ولم يأت أحد للأردن يريد أن يستثمر وغادر الأردن وقال إن أرباحي تم مصادرتها وتم أخذها، فنحن نتحدث عن مؤسسة حكم رشيدة ومؤسسة حكم راسخة وهذا النهج بالحكم من الخطأ أن نتحدث عن 100 عام الأولى فقط، فنحن نتحدث عن نهج في الحكم استمر لأكثر من 1400 سنة وورثه الهاشميون كابرا عن كابر، وما زالت مؤسسة الحكم تحظى بإجماع الأردنيين واحترامهم.
وقال أبو صعيليك: أنا من عائلة، عمي استشهد فيها، بمعركة الكرامة بالجيش الأردني وما زالت البذلة العسكرية جزءا من تراثنا وولدت وتربيت وكبرت على هذه الثقافة، فهذه المعادلة ما بين قبول العسكري في الحياة المدنية ربما لا توجد بدول أخرى، إذ كان ثمة فصل وثمة عداء غير معلن في كثير من الدول بين المؤسسة العسكرية برمتها والمؤسسة المدنية، فنحن في الأردن عشنا هذه التجربة الفريدة، ولا أريد التعليق على قضية أنصار ومهاجرين، فهذا المربع غادرناه من زمن، ونحن نتحدث اليوم عن مواطنين أردنيين ساهموا بالبناء بشكل كبير، فكل هذه النجاحات المتعلقة إن كانت بالاقتصاد والمشاركة السياسية واجتماع وتعزيز قيم المواطنة والانتقال بها لمستويات جديدة، ما كانت لتسجل لولا أن مؤسسة الحكم هي مؤسسة رشيدة وحصيفة.
الوصاية الهاشمية
وثمن عبدالله كنعان أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس الكتاب، خاصة أنه يعالج فترة زمنية استطاع فيها بلدنا وعلى الرغم من التحديات الاستمرار بمسيرة التنمية والنهضة بقيادته الهاشمية الحكيمة ممثلة بجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله.
وتحدث كنعان عن الجزء المتعلق بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس، وتحديدا الواردة بالكتاب ضمن الصفحات من 116-124.
حيث ركز هذا القسم على جانب الرعاية الهاشمية المتعلق بإعمار المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، واقتصر الحديث بشكل أوسع عن المسجد الأقصى المبارك، علما بأن الوصاية تشمل جهودا أكثر شمولية وفي مجالات سياسية ودبلوماسية واجتماعية وثقافية واقتصادية.
وقال: تمنيت لو تم الحديث حول البعد التاريخي للوصاية الهاشمية بهدف الإشارة التوضيحية لشرعيتها المرتبطة بما عرف تاريخيا الوضع التاريخي القائم، إذ تعتبر الإدارة الأردنية للضفة الغربية والقدس ما بين 50-1988 وما تلاها من استمرار الوصاية الهاشمية امتدادا تاريخيا قانونيا لهذا العرف التاريخي الدولي والمتصل باحترام العبادة وحريتها وعدم التدخل بها من قبل السلطة السياسية القائمة بالقدس، وتحدث كنعان عن البعد الاستراتيجي الدولي للوصاية الهاشمية حيث كان الأردن، انطلاقا من هذه الوصاية، إضافة للعلاقة الوثيقة بفلسطين، يوفر مظلة تفاوضية دبلوماسية لأهلنا في فلسطين، باعتبار أنّ إسرائيل لم تعترف بالسلطة الفلسطينية كممثلة للشعب الفلسطيني.
وكان من المفيد الإشارة للجوائز العالمية التي استحقها جلالة الملك عبدالله الثاني والتي كان من أُسُسها ومنطلقها دور جلالته بالوصاية والرعاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس، ومنها جائزة تمبلتون التي تم ذكرها بالكتاب، وجائزة مصباح السلام، وجائزة رجل الدولة الباحث وجائزة الطريق الى السلام، كما أغفل الفريق المكلف بالإعداد الإشارة إلى عدد من المؤسسات الرسمية والأهلية المعنية بالقدس، ومنها اللجنة الملكية لشؤون القدس، والتي تأسست عام 1971، وتعمل بتوجيهات ملكية ومجلس أوقاف القدس الشريف ومديرية المسجد الأقصى المبارك وشؤون القدس بوزارة الأوقاف وأكثر من 25 جمعية أهلية بالأردن تعمل من أجل القدس، كذلك جهود لجنة أطباء لأجل القدس بنقابة الأطباء الأردنية ولجنة مهندسين لأجل القدس بنقابة المهندسين الأردنية. وقال إن فريق الإعداد قفز عن مجالات مهمة منها الرعاية الهاشمية في مجال التعليم لحوالي 50 مدرسة تتبع للأوقاف، إضافة لعدم إشارة للمحاكم الشرعية التابعة لدائرة قاضي القضاة الأردنية المنوط بها تسهيل المعاملات المتعلقة بالأحوال الشخصية، وكذلك منح جوازات سفر للأردنيين بدلا من القدوم لعمان.
وأكد كنعان أن هناك جهودا هامة للعائلة الهاشمية تأتي في سياق دعم وتجسيد التوجيهات الملكية السامية لجلالة الملك عبدالله الثاني، منها مبادرة جلالة الملكة رانيا مدرستي فلسطين التي أطلقتها عام 2010 والتي خدمت 38 مدرسة من مدارس أوقاف القدس، وكذلك مبادرة صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال عام 2019 بإنشاء مركز الحسن بن طلال لدراسات القدس، والذي يعنى بالدراسات المقدسية الأكاديمية لمرحلة ما بعد الدكتوراه بجامعة القدس.
وقال إنه يمكن العودة لمراجع عديدة بهذا الخصوص، منها كتاب «الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية»، من إعداد عبدالله كنعان منشورات اللجنة الملكية لشؤون القدس وكتاب «الوصاية على المقدسات الإسلامية المسيحية في القدس» من 1917 – 2020 الكتاب الأبيض، منشورات الصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة.
وأكد كنعان أهمية مبدأ المواطنة في ذهن الشباب دون تفرقة، كما دعا إلى إعلام ناطق باللغة الإنجليزية، وإعلام ناطق باللغة العبرية، كما قال بأهمية تدريس القضية الفلسطينية.
العبقرية الأردنية
ورأى العين جميل النمري أنّ الكتاب يقدم السردية الأردنية بطريقة جيدة، مؤكدا أنّ الأردن تعرض كثيرا للطعن والإساءة وعدم التفهم، عندما يأخذ الأردن موقفا حذرا معتدلا وسطيا في هذا الشأن أو ذاك، فلا يوجد طرف يزاود من الخارج لو كان في وضع الأردن، وهذه السياسة هي التي مكنت الأردن أن يكون عبقريا في الإبحار وسط العواصف، وفي كل مرحلة لاحقة كان الموقف نظيفا ووطنيا، وفي الأحداث الأخيرة في غزة كان الموقف الأردني شجاعا وجريئا وقوي الخطاب، وكمسار إجمالي للدولة أكد الكتاب أهمية الحفاظ على الأمن والاستقرار والعيش المعقول وتجنب الأزمات الخطيرة والداخلية.
وكان دائما الالتزام الوطني بالموقف الصحيح، سواء أكان تجاه مصالح الأردن ومصالح الشعب الأردني أو مصالح الدولة الأردنية العامة في ظل التحديات الإقليمية، حيث مسارنا خلال ربع قرن هو المواءمة بين قلة الإمكانيات وضخامة التحديات، كقصة نجاح بالنسبة للأردن.
دور الإعلام
وقدم د. فوزان البقور أمين عام حزب النهج، مداخلةً في إضاءات على عدد من المحاور والقضايا التي ذكرت في الكتاب، متحدثًا حول موضوع الإعلام وأهمية إيجاد وسائل إعلام ناطقة بعدة لغات. وقال إن تجربة الأردن مشرّفة، كون الأردن القائد الدبلوماسي في التعاطي مع قضية الحرب على قطاع غزة، إذ كانت الأردن بقيادة جلالة الملك وأدوات الحكومة الأقدر على إيصال الرسالة الحقيقية وتغيير الرسالة التي كانت واصلة للمجتمع الدولي سواء الدول الغربية أو أمريكا، وكان لنا بصمة كمملكة أردنية هاشمية بتعريف هذا المجتمع الغربي على عمق القضية الفلسطيني وأنها لم تنشأ منذ طوفان الأقصى 7 اكتوبر، وإنما قبل ذلك.
ورأى د.فوزان أنّ هناك قضية مهمة لم تأخذ حقها في الكتاب وهي تسليط الضوء على الأدوات الإعلامية، إذ يجب تسليط الضوء في الكتاب على أدوات الإعلام ودعم الأدوات الإعلامية، وخاصة الإعلام الرسمي المسؤول كجريدة الرأي، فنحن نعلم ما تتعرض له من ضغوط بحكم تطور الأداة الإعلامية وانفتاح الحياة الإعلامية بشكل كبير واستخدام السوشال ميديا.
موضوع اللاجئين
وتناول د. فوزان موضوع اللاجئين والوضوح السياسي والأخلاقي، في أنّ الأردن جزيرة أمن وأمان في بحر من المخاطر والتحديات. كما تحدث عن اهتمام جلالة الملك بموضوع غزة وكونه داعمًا في الميدان، كقائد حكيم وشجاع، من خلال الإنزالات الجوية، كما لفت إلى التضحيات التي قدمها الأردن للقضية الفلسطينية والدفاع عن قطاع غزة. وقال إن الكتاب مشروع وطني ونهج شمولي ودائم للدولة الأردنية.
وتحدث د.فوزان عن محور الاقتصاد وقطاع السياحة، وريادة الأعمال في الأردن، وما حققناه خلال 25 عاما، بفضل جهود الملك، حيث أطلق جلالته العنان للمواهب الأردنية الشابة في أكثر من مجال.