محمد خرّوب
متى ستنفجر.. الضفة الغربية؟
متى تشُن «إسرائيل» نسختها الثانية من «السيوف الحديدية».. على الضفة الغربية؟
ثمّة مؤشرات متلاحقة أن حكومة الفاشيين في تل أبيب، بدأت تنفيذ «الخطة باء», أو لنقل النسخة الثانية من حربها المُسماة «السيوف الحديدية», بما هي جريمة إبادة جماعية المتوالية فصولها الدامية, المحمولة على تجويع وتعطيش واستباحة المشافي والبنى التحتية في قطاع غزّة، بدأتها تجاه الضفّة الغربية المحتلة، حيث تُستخدم الطائرات الحريبة كما المُسيّرة, فضلاً عن دباباتها وناقلات الجند المدرعة/طراز «النمر», (نجحَ مقاومو غزّة رغم كلفتها العالية, في تبديد اسطورتها التي صاحبتها ضجّة صهيونية, بأنها درّة ناقلات الجند بعد اسطورة دبابة «ميركافا«, التي باتت صيداً سهلاً للمقاومين في غزّة ولبنان).
سقوط أزيد من مئتي شهيد في الضفة الغربية، ومعظمهم في شكل جماعي لا يتورع جيش القتلة النازيين في قصف بيوتهم عشوائياً، ناهيك عن هدم البيوت ونسف النُصب التذكارية بحقد صهيوني توراتي معروف, زد على ذلك تجريف البنى التحتية في مخيمات الضفة، بلداتها، قراها والمدن, يؤشر بين أمور أخرى أن حكام تل أبيب عقدوا العزم على إجهاض الثورة/الإنتفاضة, التي بدأت تلوح إرهاصاتها على نحو لا يمكن لأحد في تل أبيب كما خارج فلسطين المحتلة تجاهلها أو التقليل من شأنها. ليس فقط في تسليح قطعان المستوطنين الذين يدعمهم جيش الإحتلال، بل هم - قطعان المستوطنين - يلبسون زي جيش القتلة الصهيوني ويتولون إعدام المزارعين الفلسطينيين من مسافة صفر بحماية جيش العدو، فضلاً عن إحراق أو إقتلاع أو نهب حقول الزيتون في الضفة المستباحة، في موازاة ذلك يواصل جيش العدو, حملة القتل والإعتقالات والتنكيل, في سيناريو مماثل لما يحدث في قطاع غزّة, وإن كان بعدد أقل من الدبابات والطائرات والجنود, لكنه السيناريو الصهيوني نفسه الذي يترافق - في القطاع كما في الضفة المحتلة– مع حديث صهيواميركي مرتفع النبرة, عن «تهجير» الفلسطينيين الى دول الجوار بل حتى «توزيعهم» على دول العالم, كلفته انسانية ومساهمة من «العالم الحر» في حل «معضلة» اسرائيل وشطب حق العودة.
هنا يلفت الصحافي والمحلل الإسرائيلي الشجاع جدعون ليفي الأنظار, في مقالة له بصحيفة هآرتس الخميس الماضي 16/11 تحت عنوان: «المفاجأة القادمة ستأتي من الضفة الغربية, ولن تُفاجئ: طنجرة ضغط على شفا الإنفجار». جاء فيها: المفاجأة القادمة لن تحصل فجأة.... قد تكون أقل فتكاً من سابقتها، تلك في 7 أكتوبر، لكن ثمنها سيكون باهظاً.
عندما ستقع على رؤوسنا المصدومة (من وحشية العدو)، لن يتمكّن أحد من تبرئة نفسه والادعاء بأنه لم يكن يعلم أنها ستقع. وسيكون الجيش الإسرائيلي ــ أضافَ ليفي ــ آخر مَن له الحق في ادعاء ذلك، لأنه هو نفسه لم يتوقف عن التحذير منها، لكن التحذير من دون أن يحرك ساكناً لمنعها. لذلك فإن مسؤوليته لن تكون أقل خطورة من مسؤوليته عن مجزرة الجنوب، وليست أقل من مسؤولية المستوطنين، ولا أقل من مسؤولية السياسيين الذين للوهلة الأولى يمنعونه من التحرك.
يواصِل ليفي فضح مسؤولية الجيش قائلاً: إن طنجرة الضغط التالية التي توشك على الانفجار في وجوهنا تغلي في الضفة الغربية. والجيش الإسرائيلي يعرف ذلك، ولا يتوقف قادته عن التحذير منه.
هذه تحذيرات «مُنافقة ومتغطرسة ووقحة لا مثيل لها»، لأن الجيش الإسرائيلي، بكلتا يديه وبجنوده، يؤجج النار ليس أقل من المستوطنين. والتظاهر بأننا سنواجه جبهة أخرى فقط بسبب المستوطنين، هذا تساذج وكذب.
لو رغب الجيش أن يتحرك لتهدئة الميدان على الفور، لفَعَل. لو أراد ذلك، لتحرَك ضد المستوطنين كما يجب ان يفعل الجيش النظامي ضد الميليشيات والكتائب المحلية.
ثم يكشف دور قطعان المستوطنين كما يلي: عدو إسرائيل في الضفة الغربية هو «المستوطنون أيضاً»، ولا يفعل جيش الدفاع الإسرائيلي شيئاً ضدهم. فجنوده مشاركون نشطون في المذابح، ينكلون بالسكان بطريقة مشينة، يلتقطون الصور ويهينونهم، يقتلون ويعتقلون، ويدمرون النصب التذكاري لياسر عرفات في طولكرم، ويخطتفون آلاف الأشخاص من أسرّتهم - بهدف تأجيج النار.
جنود متعطشون للانتقام، «يشعرون بالغيرة» من رفاقهم في غزة المنفلتين في الميدان.
يختم جدعون ليفي مقالته (التي نادرا ما تجد مقالة مثلها في أجواء الهيجان والوحشية الصهيونية السائدة الآن في دولة القتلة واللصوص), مُحذراً بالقول: «الضفة الغربية تئِن، ولا أحد في إسرائيل يسمع صرختها.
المستوطنين منفلتون، ولا أحد في إسرائيل يوقفهم. كم سيتحمل الفلسطينيون أكثر؟ فاتورة الحساب ستُقدم لاسرائيل، ساخنة أو باردة، لكنها نازفة دمًا كثيرًا».
أين من هناك؟ هل ثمة أصوات مُحذرة أو مُنددة أو كاشفة لما يجري في الضفة المحتلة, ناهيك عن غزة ومأساتها المتواصلة فصولاً دامية, بتواطؤ ومباركة أميركية أوروبية سافرة؟
استكمالاً لمقالة أمس التي حذّر فيها الكاتب «الإسرائيلي» جدعون ليفي, حكومة نتنياهو الفاشية من مغبة تجاهل الأوضاع المُتفجرة في الضفة المحتلة, خاصة ارتكابات وعربدة المستوطنين اليهود ودعم جيش الإحتلال لاستفزازتهم, بل مشاركته قطعان المستوطنين في قتل الفلسطينيين والتنكيل بهم, قائلاً: «وراء كل ذلك، مرة أخرى الغطرسة الإسرائيلية، التي كانت أيضاً وراء مفاجأة 7 أكتوبر. حياة الفلسطينيين -أضافَ ـ بنظرها قمامة، والإنشغال بمصيرهم وبالإحتلال هو مصدر إزعاج قهري، والفكر السائد -واصلَ–هو أننا إذا تجاهلناه ستنتظم النجوم.
إن ما يحدث الآن في الضفة الغربية -لفتَ ليفي- يُؤشر إلى ظاهرة لا تُصدّق, فحتى بعد 7 أكتوبر، لم تتعلّم إسرائيل أي شيء.
فإذ حلت بنا الكارثة في غلاف غزة بعد سنوات من الحصار والإنكار والإهمال، فإن الكارثة القادمة–ختمَ الكاتب - ستحدث بعد أن لم تُعلم الكارثة السابقة إسرائيل درساً, بأن تأخذ التحذيرات والتهديدات والوضع الصعب على محمل الجد».
استكمالاً لذلك.. يلفت الكاتب الصحفي والمُحلل السياسي الروسي/ ديمتري مينين, في مقالة له على «بوابة/ مؤسسة الثقافة الاستراتيجية», إلى الأوضاع الخطيرة في الضفة الغربية المُحتلة, بعنوان: متى ستنفجر الضفة الغربية؟. قارئاً المشهد «المُتفجّر» بأبعاد مُتعددة, يكاد يلتقي فيها مع ما ذهبَ إليه جدعون ليفي. إذ يقول: «وسط الفظائع المُرتكبة في قطاع غزة، يُولي العالم اهتماماً أقل بشكل ملحوظ, للأحداث التي تجري في جزء آخر من فلسطين، حيث يعيش ثلثا مجموع سكانها (4.5 مليون نسمة) - الضفة الغربية لنهر الأردن, والقدس الشرقية (0.5 مليون نسمة). وفي هذه الأثناء، فإن الوضع هناك قد ينفجر في أي لحظة إلى انتفاضة جديدة». وإذا تمكّنت إسرائيل - أضافَ - على الرغم من كل الاحتجاجات، بمساعدة الولايات المتحدة، حتى الآن, من إبقاء قطاع غزة معزولاً وتجنّب التدخل المباشر من قبل الدول والقوى الأخرى، فسيكون الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لها لحصر الصراع الحاد في الضفة الغربية إذا انفجر الوضع».
يمضي المُحلل الروسي قُدماً في الإضاءة على مخططات حكومة الفاشيين في تل أبيب, بالقول «وفق ترجمة الدكتور زياد الزبيدي»: (إن مُجرد وجود نوايا الحكومة الحالية «الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل» لتحقيق «الحل النهائي» لمشكلة الفلسطينيين, من خلال دفعهم إلى الدول العربية المجاورة, لم يعد يثير أي شك. والخطة المُقابلة لغزة - تابعَ الكاتب - والتي أعدتها على ما يبدو وزارة الاستخبارات الإسرائيلية حتى قبل أحداث 7 أكتوبر، قد تسرّبت بالفعل إلى الصحافة, واعترفت بها السلطات على أنها موجودة بالفعل، ولكنها «لا تزال على مستوى البحث»).
يلفت كاتبنا إلى خطة «أخرى» سارداً تفصيلاتها على النحو التالي: (إن حقيقة أنها ليست موجودة فقط، ولكنها في الواقع «قيد التنفيذ», تتجلى في كل ما يحدث في قطاع غزة.
الذي طالت مُعاناته. ويُوجد «مشروع مماثل، وإن كان أكثر تعقيداً، للضفة الغربية». وقد تم تطويره من قِبل وزير المالية، زعيم حزب الائتلاف اليميني المتطرف/«الصهيونية الدينية» بتسلئيل سموتريش.
ويدعو «إلى ضم الضفة الغربية بأكملها», ويُعطي الفلسطينيين ثلاثة خيارات: 1) الاستمرار في العيش على أرضهم، مع التخلّي عن أي تطلّعات وطنية.
2) الهجرة.
3) إذا قرّروا البقاء والقتال، فسيتم تصنيفهم كـ«إرهابيين وتدميرهم», بأقصى قوة للجيش الإسرائيلي.
وعندما سُئل في اجتماع قدّم فيه خطته لشخصيات صهيونية دينية, عمّا إذا كان ينوي أيضاً قتل النساء والأطفال؟، أجاب/سموتريش: «الحرب هي الحرب».
لماذا لم تندلع بعد إنتفاضة مُسلحة في الضفة المُحتلة؟ يُجيب الكاتب الروسي: (لم تندلع بعد مقاومة مُسلحة ضخمة من جانب الفلسطينيين في الضفة الغربية. من الناحية الموضوعية - يُضيف - يمتلك الفلسطينيون المحليون, أسلحة أقل في أيديهم مقارنة بحماس في غزة.
ومع ذلك، في هذه المنطقة، «لأغراض وقائية»، منذ بداية عملية السيوف الحديدية، تم تنفيذ عمليات قمع واسعة النطاق من قِبل الجيش وقوات الأمن في كل مكان.
وتم اعتقال الآلاف من الشباب الفلسطينيين من «مثيري الشغب المُحتملين». السجون مُكتظة. ويتم قمع أي احتجاجات سلمية بقسوة. قُتل حوالي 200 شخص وجُرح المئات. والاقتصاد مشلول.
لقد أصبحت حياة الناس صعبة للغاية. إن الكتلة الحَرجة من السخط تقترِب من حدودها القصوى).
ماذا بعد؟.
يقول: (يُضاف إلى ذلك الإرهاب الحقيقي الذي أطلقه ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المستوطنون اليهود من المستوطنات «فِتيان التِلال", الذين يحتلون أراضي الفلسطينيين بشكل غير قانوني. إنهم يُدمرون الأراضي الزراعية، ويحرقون المنازل، ويُطلقون النار عليهم، ويدفعون جيرانهم العرب إلى المجهول.
يُوجد هنا–يستدرِك–حوالي 700 ألف مستوطن يهودي، جميعهم مُسلحون، وهذه المجموعة من السكان هي القاعدة الانتخابية الرئيسية والداعم للحزبيْن الأكثر مُعاداة للفلسطينيين في الائتلاف الحاكم في إسرائيل - «القوة اليهودية» بقيادة بن غفير و«الصهيونية الدينية» بزعامة سموتريتش).
أخيراً يلفِت الكاتب إلى أن «التهديد بحدوث إنفجار واسع النطاق في الضفة الغربية, مع احتمال التصعيد إلى حرب إقليمية, يظل مُحتملاً... للغاية»
* المقال مقتبس من صحيفة الرأي ويعبر عن رأي كاتبه