نعم... «غزّة ستُولد من جديد»

29/10/2023

محمد خرّوب

في ظل حرب الإبادة الجماعية التي يقارفها جيش العدو الصهيوني في قطاع غزة, وهو يغرِف من تراث النازيّين والفاشيّين, بتسليح ودعم مُعلن وسافر من المنافقين والعنصريين الغربيّين, أحفاد المُستعمِرين وتُجار العبيد وناهبي ثروات الشعوب ومُرتكبي جرائم إبادة السكان الأصليين, ظنا منهم أنهم بمنحهم الضوء الأخضر للمُستعمرين الصهاينة لتصفية القضية الفلسطينية, عبر إفناء أهالي القطاع أو تهجيرهم الى منافي وشتات جديدة, كـ«نكبة ثانية» بعد نكبة العام 1948, إنما يقعون بجرائمهم هذه في الوهم وإنعدام البصر والبصيرة, كونهم يتغافلون عن أو يتذاكون على دروس التاريخ وعِبره, وخصوصا تاريخ «غزة» المدينة والحضارة والموقع الجيو/إستراتيجي.

وأجدني هنا «مُتأثراً» بما كتبه «فاسيلي زايتسيف»/ المؤرخ والكاتب الصحفي الروسي, قبل أيام في صحيفة «غازيتا.رو» الإلكترونية الروسية واسعة التأثير/تأسّست عام 1999, تحت عنوان «غزة ستُولد من جديد», سارداً في دقة تاريخية ممتعة لما تعرضت له غزة, من غزوات وحروب ودمار في حِقب تاريخية متعددة قديم ومتوسطة, أحدثها الغزوة الصهيونية قبل 75 عاما لفلسطين التاريخية, لكنها/غزة استطاعت الصمود والبقاء.
مُعتذراً مُسبقاً عن الإقتباسات «الطويلة» لإضاءات المؤرخ الروسي, وفق ما ترجمها الصديق الدكتور/ زياد الزبيدي.

يبدأ فاسيلي زايتسيف عرضه التاريخي الشيّق مُتسائلاً: مِن الآشوريين إلى الإسرائيليين... كيف بدأ الإسكندر الأكبر «تقليد» تدمير غزة؟.ليقول: لقد شهِدتْ غزة في تاريخها العشرات من عمليات التدمير والنهضة.

غزة - يُضيف ــ مدينة قديمة ذات مصير مُعقد وصعب للغاية.

يعود تاريخها إلى العصور التوراتية والفراعنة القدماء، ولكنها لا تزال موجودة حتى اليوم. ومع ذلك، عبر التاريخ تعرّضت غزة للحصار والإقتحام والتدمير بشكل مُنتظم، وفي كل مرة كانت تقوم من تحت الرماد.

كانت البداية بحملات الإسكندر الأكبر (المقدوني)، ومنذ ذلك الحين تناوبت الغزوات المختلفة مع التدمير الكامل للمدينة.

كيف نجتْ غزة من ثلاثة آلاف سنة من الاعتداءات؟ يعود مؤرخنا للتساؤل كي يجيب تحت عنوان «طيبة الآشوريين وكرمِهم»: بصرف النظر عن مستوطنات العصر البرونزي المبكر، نشأت غزة في منتصف الألفية الثانية قبل الميلاد.

كانت المدينة تابعة للفراعنة المصريين وكانت معقلهم في أرض كنعان، وهي المنطقة التي تضم الآن فلسطين ولبنان وسوريا والأردن.

في القرن الثاني عشر قبل الميلاد استولى الفلسطينيون، وهم شعب من البحارة، على غزة والأراضي المحيطة بها. وكانت المدينة تحت حكمهم خلال أحداث الكتاب المُقدس، عندما هدم البطل الأسير «شمشون» معبد «داجون» على نفسه وعلى الفلسطينيين، بعد أن قامت «دليلة» الجميلة بقص شعره وحرمته من قوته.

ومع بداية عصر الفتوحات الآشورية ــ يُتابع المؤرخ الروسي ـــ كانت المدينة تقع على الطريق التجاري من دلتا النيل إلى شرق البحر المتوسط وكانت في الوقت نفسه, مثابة النقطة النهائية لقوافل البخور القادمة من الجزيرة العربية.

في القرن السابع قبل الميلاد ــ إستطردَ ــ تحاربت «قوتان عظميان» – مصر وآشور – من أجل المدينة، وقبِل الحكام المحليون رعاية جانب أو آخر.

في 734 قبل الميلاد شنت القوات الآشورية بقيادة «تغلث فلاسر» الثالث هجومًا على غزة، وفر حاكمها «حانون» إلى مصر دون قتال.

وعندما أصبح من الواضح أن الفراعنة لديهم اهتمامات أخرى ولم يَعرضوا المساعدة، عاد حانون إلى عرش غزة التي أصبحت مدينة تابعة لآشور.

عندما توفي «تغلث فلاسر» الثالث، حاول حانون استغلال الفوضى وانضم إلى التحالف المناهض للآشوريين بقيادة حاكم مدينة «حماثا» في ما يعرف الآن غربَ سوريا.
ومع ذلك، فإن الملك الآشوري الجديد، «سرجون» الثاني، هزم بسرعة القوات الرئيسية للمتمردين واتجه جنوبًا إلى غزة.

وتلقت قوات «حانون» وبقية الحلفاء مساعدة من فيلق مُرسل من مصر.
وعلى الرغم من ذلك، انتصر الآشوريون في معركة «رافيا»، (مدينة رفح الحديثة في أقصى جنوب قطاع غزة).
وخلافًا لتقاليد تلك الحقبة، لم يُقتل حانون بتهمة الخيانة، بل تم نقله إلى آشور، حيث ربما أُجبر على المشاركة في «موكب النصر» أو أداء قسم الولاء لسرجون.

لم تعاني غزة نفسها أثناء القتال، بل احتفظت أيضًا باستقلالها باعتبارها تابعة لآشور.
ربما لم ترغب الإمبراطورية في خسارة مدينة تجارية قيّمة والشِجار مع نخبتها.

وهكذا، في هذا الصراع، لم يتضرّر قطاع غزة وانتهى الامر بأقل الخسائر.
حلقة ثانية..غداً.


إستدراك
وجّه مكتب الرئيس الأميركي/بايدن إلى الكونغرس، تحديدا مجلس النواب، في ٢٠ تشرين الأول الجاري, طلباً للموافقة على «اعتمادات مالية إضافية» بقيمة ١٠٦ مليار دولار لأغراض حماية الأمن القومي الأمريكي, ومساعدة الحليفتين «أوكرانيا وإسرائيل».

في الصفحة/٤٠ من الطلب، يقترح الرئيس الأمريكي اعتماد مبلغ ٣ مليار و٤٩٥ مليون دولار لبرامج وزارة الخارجية الأمريكية لـ"المساعدة في مجالات الهجرة واللجوء», ويشير في (الفقرة الثانية) من صفحة/٤٠ إلى مساعدة اللاجئين الأوكرانيين, ثم (في الفقرة الثالثة) إلى الأوضاع الإنسانية في «إسرائيل والأراضي الفلسطينية».

يَذكر طلب بايدن المُوجّه إلى مجلس النواب, أن الإعتمادات الإضافية للهجرة واللجوء, ستُستخدم لـ«دعم المدنيين المُهجّرين والمُضارين من الصراع الحالي, ومن «ضمنهم اللاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية»، وكذلك للتعامل مع الاحتياجات المُحتملة لأهل غزة الذين سيفرّون إلى بلدان مجاورة»

ثم يتواصل في (الفقرة الثالثة/الصفحة40)الحديث عن الاحتياجات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين والأزمة المُتوقعة, وعن أن هذه الأزمة «قد تُؤدي إلى تهجير (عابِر للحدود) واحتياجات إنسانية مُتصاعدة في الإقليم.
والتمويل المطلوب يمكن أن يُستخدم للتعامل مع الإحتياجات خارج غزة».
* المقال مقتبس من صحيفة الرأي ويعبر عن رأي كاتبه