محمد خرّوب
عبر صحيفة «معاريف» الصهيونية في عددها أول أمس/الجمعة, «اعترف» ثعلب السياسة الأميركية المُتصهينة/هنري كيسنجر, ان واشنطن «عقدت العزم على منع نصر عربي في حرب اوكتوبر/73». مُفصلاً دوره الشخصي كمستشار للأمن القومي, في القرارات التي إتخذتها إدارة نيكسون, وكيف تحوّلت الى قطار جوي عسكري عبر عملية سُميّت «عُشب النيكل», خاصة بعد توجّه غولدا مائير رئيسة حكومة العدو وقتذاك, وكانت في «حالة ذهول» وفق وصفه, كونه «مُقرّب من تل أبيب ومُنحاز لها», وهو إنحياز كما أشارت «معاريف» نابع من «إنتمائه اليهودي وايديولوجيته الصهيونية». إذ أسهمت «نصائح» كيسنجر لرئيسه/ نيكسون, بأن أمرَ الأخير بتنفيذ «جسر جوي على الفور وبكامل القوة».
مضمون المقابلة الحافلة بالتفاصيل التي أجرتها الصحيفة الصهيونية, في مناسبة الأعياد اليهودية وحلول الذكرى الـ"50» لحرب أكتوبر، لا تترك مجالاً للشك بأن واشنطن المُعادية للعرب لم تتغير ولن تتغير, سواء كان ساكن البيت الأبيض جمهورياً أم كان ديمقراطياً. ليس فقط في عام 1973، بل قبله بكثير وما «أدّاه» الرئيس الأميركي الديمقراطي ليندون جونسون في عدوان 5حزيران 67 معروف وجليّ، زد على ذلك دور واشنطن في إقامة الكيان الغاصب, وخصوصاً بعدما «ملأت» الولايات المتحدة «الفراغ", الذي نشأ في المنطقة العربية والشرق الأوسط بشكل عام, بعد انهيار القوتيْن الاستعماريتين الفرنسية والبريطانية, مباشرة بعد العدوان الثلاثي على مصر في 29/10/1956.
ما علينا..
الأكثر طرافة هو تبرير كيسنجر بإصرار إدارة نيكسون على منع نصر عربي في الحرب قوله: أن نصراً كهذا كان من الممكن تفسيره على أنه «انتصار سوفياتي»، لذلك –أضاف كيسنجر- كُنا مُقتنعين منذ اللحظة الأولى بـ"ضرورة العودة إلى الخطوط التي كانت معتمدة قبل اندلاع المعارك».. وفي إجابة على سؤال آخر عاد كيسنجر للقول: أننا «لم نأخذ على محمل الجد أبداً, إمكانية إضطرارنا للتعامل مع وضع يتمتّع فيه السوفيات بميزة أو تفوّق ما.
هنا يتوجّب التذكير بأن علاقات السادات بالاتحاد السوفياتي كانت متدهورة وفي أسوأ حالاتها, خاصة بعد قراره طرد الخبراء السوفيات (عددهم 20 ألفاً) من مصر في السابع من تموز 1972، كما واصل السادات نفسه شنّ حملات شعواء ضد موسكو, ناعتاً قيادتها بأبشع الصفات مُتهماً إياها بعدم إمداد بلاده بالسلاح كما تقدمه واشنطن لإسرائيل. ما قلّص حدود الصفر دور ونفوذ الاتحاد السوفياتي في المحروسة. فكيف يمكن الإتكاء على خزعبلات كيسنجر بأن بلاده بدعمها المطلق لإسرائيل ومطالبتها القاهرة ودمشق بالعودة إلى خطوط 5 أكتوبر 73، إنما أرادت «عدم منح موسكو انتصاراً أو بروز وضع يتمتّع فيه السوفيات بميزة أو تفوّق ما؟.
سرّ آخر يكشفه كيسنجر الألماني اليهود الذي تجاوز عمره الـ100عام (27 أيار 1923), هو «مُعارضته» مناقشة طلب إسرائيل بوقف إطلاق النار، فيما كانت تل أبيب بدأت التحضير للهجوم على الجولان السوري. قائلاً بالحرف: كنت ضد وقف النار بشدة, فيما تستمر المكاسب المصرية في ساحة المعركة، لقد أولينا –أضافَ- أهمية كبيرة لخطر أن يُنظر إلى الأسلحة السوفياتية على الساحة الدولية، على أنها ذات جودة اعلى، بسبب النجاحات التي حققها الجيش المصري
لم يكتفِ كيسنجر بذلك، بل واصل الكشف عن مزيد من التفاصيل التي قد لا تكون في نظر البعض ذات أهمية تُذكر في حاضرنا، إلا أنها من ضمن أمور أخرى تكشف حجم العِداء, الذي يكنه التحالف الصهيوأميركي لكل ما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني، رغم المصالح الأميركية الهائلة في العالم العربي المُمزق والمنهوب. إذ كشف أنه في شباط 1973 وقبل نحو 8 أشهر على اندلاع حرب أكتوبر، أرسل السادات مستشاره لشؤون الامن القومي حافظ إسماعيل, إلى واشنطن لبحث «إمكانية» التحرك نحو السلام، لكن –واصل كيسنجر- كانت مبنية على الخطة العربية، أي تراجع إسرائيل إلى الحدود التي سبقت حرب 1967، وفي جميع القطاعات مقابل الاعتراف العربي بإسرائيل. مضيفاً"أعتقد أنه لم يكن من الممكن منع الحرب، إلا إذا كانت إسرائيل مستعدة للانسحاب إلى حدود 1967، وكان ذلك مستحيلاً –قال مؤكداً- لأن من شأنه أن يُعرّض طريق تل أبيب- حيفا للهجمات، ويجب –استطردَ- أن نتذكر أن جميع الأطراف في إسرائيل عارضتْ ذلك، ولم تكن ستسمح بمثل هذا الاتفاق, مُردفاً في تماهٍ مع الرواية الصهيونية.. أن (الخيار الوحيد المتبقي هو «فرض الاتفاق على إسرائيل, وأنا –تابعَ كيسنجر- عارضتُ ذلك بشدة").
**إستدراك:
قال كيسنجر: إن وزراء الخارجية العرب زاروا واشنطن خلال الحرب وطالبوا بانسحاب إسرائيل, وعرضوا «مُجدداً» اعترافا عربياً شاملاً بإسرائيل مقابل الانسحاب. وأوضحَ/كيسنجر أنه يجب التأكيد بوضوح «أننا لم نفكر قط «في انسحاب إسرائيلي «كامل» إلى حدود 1967، وبالتالي.. لم نقُم بمثل هذه المفاوضات، وكان «طموحنا» هو إقناع الطرف الآخر بالموافقة على «إنسحاب جزئي»، مقابل «تفاهمات سياسية» من شأنها أن"تُعزز أمن إسرائيل»..
* المقال مقتبس من صحيفة الرأي ويعبر عن رأي كاتبه