محمد خرّوب
لم تهدأ بعد العاصفة غير المسبوقة التي أثارتها تصريحات تمير باردو الرئيس السابق لجهاز المخابرات الخارجية الصهيونية/الموساد, التي أدلى بها لوكالة «أسوشيتد برس» الأميركية الأربعاء الماضي, حيث اعترف بأن إسرائيل تدير نظام أبرتهايد في يهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلة), مضيفاً في تفصيل لافت «تُوجد هنا دولة أبرتهايد. في أرض - أضافَ - يُحاكم فيها شعبان تحت جهازيّ قضاء تكون دولة أبرتهايد، لافتاً إلى أنه أثناء توليه منصبه، (في عهد حكومة نتنياهو الذي عيّنه بالمناسبة لتولي هذا المنصب), أنه حذّر عدة مرات بأنه عليه (أي نتنياهو) أن يُقرّر ما هي حدود إسرائيل أو - والقول لباردو- يُخاطر بإبادة دولة اليهود, مُستطرداً (وِفق قوله) أن على إسرائيل «أن تُقرر ماذا تريد، لأن دولة بدون حدود هي دولة بدون قيود».
ردود الفعل الغاضبة والمنددة بأقوال باردو (هو الآن أحد أبرز النشطاء في المعارضة ضد الانقلاب القضائي الذي يحاول نتنياهو فرضه), جاءت ردود الفعل هذه كما هو مُتوقع من صفوف حزب الليكود الذي يرأسه نتنياهو، وإن كان الأخير لم يُعقب شخصياً على تصريحات باردو مباشرة, لكنه ترك الأمر لمقربيه الذين قالوا: نحن نشجب بحدّة التصريح المعيب والكاذب لتمير باردو، مُضيفين: «لا تعمل أي دولة في العالم ضد الإرهاب في المستوى الأخلاقي العالمي الذي تعمل به إسرائيل»، مُستدركين في نفاق وكذب صريحين: في المستشفيات الإسرائيلية يُعالَج يهود وعرب.. إسرائيليون وفلسطينيون على حد سواء، عرب ويهود يتعلمون ويعملون معاً في إسرائيل، وبدلاً من الدفاع عن إسرائيل - ختموا - والجيش الإسرائيلي, يُشهّر باردو بإسرائيل"
ردود صلفة ومتغطرسة وإن كانت مُختلقة وتجافي الواقع إلا أنها مُرتبكة ومهزوزة. إذ ليس اعتراف «باردو» بكل ما يرمز إليه منصبه في جهاز تمت أسطرته, ونُسبت إليه أعمال تكاد تكون «خارقة», في محاولة لإضفاء العبقرية والقدرة غير المحدودة لأفراد الجهاز ولليهود بشكل عام، إلا أن هناك تقارير موثوقة وموثقة نشرتها جهات حقوقية دولية وإسرائيلية - مثل منظمة العفو الدولية/أمنستي في 1/2/ 2022، وكانت سبقتها قبل عام من ذلك منظمة هيومن رايتس ووتش الأميركية في 27/4/ 2021, التي إتهم الكيان الصهيوني تقريرها المعنون «تجاوزوا الحدّ», باستخدام الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة, موردة تفصيلات وشهادات ميدانية موثقة حول القمع المنهجي المتبع من قبل الإسرائيليين, ومنها على سبيل المثال فرض حدود مُشددة على التنقلات ومصادرة الأراضي الفلسطينية, والترحيل القسري والحرمان من حقوق الإقامة.
يتوجب علينا عدم نسيان تقارير منظمة السلام الإسرائيلية «بتسيليم", التي لم تتردد هي الأخرى في وصف ما يجري في الأراضي المحتلة بأنه نظام فصل عنصري, كذلك حال منظمة الإسكوا الأممية التي أصدرت تقريرها في آذار 2017, متهمة إسرائيل بإقامة نظام فصل عنصري, الذي غدا أمراً واقعاً وفق المعطيات الميدانية. وكم كان لافتاً ومثيراً «الاعتراف» الذي جاء متأخراً على لسان الأمين العام السابق للأمم المتحدة الكوري الجنوبي/ بان كي مون خلال زيارة قام بها في حزيران الماضي للضفة المحتلة, عندما قال: إن معاملة إسرائيل للفلسطينيين ترتقي إلى جريمة الأبرتهايد, وتبتعد عن آمال إقامة دولة فلسطينية مستقلة» صحيح أنه الأمين العام السابق الذي اشتهر بإبداء «قلقِه» تعقيباً على الجرائم التي ترتكبها دولة العدو ضد الشعب الفلسطيني، إلا أنه اكتشف كمن أدرك الحكمة متأخراً, الفصل العنصري مُجسداً على أرض فلسطين..
أين من هنا؟
تصريحات تمير باردو تتدحرج آثارها كما كرة الثلج, داخل الدوائر السياسية والحزبية والأمنية والعسكرية في دولة العدو، إذ اعتبر مسؤولون في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية في «منتدى الامن والدفاع عن إسرائيل», أن تصريحات باردو تُشكل «تشويهاً للواقع» وأضافوا في بيان مشترك أن المسؤول الامني السابق, أقدم على «التشهير» بدولة إسرائيل وقواتها الامنية عبر مواقف –استطردوا- تستند حصراً إلى آراء سياسية شخصية.
التدقيق في مفردات البيان العسكري, الامني, الشُرطي السابق، يعكِس قلقاً وتلعثماً واضحيْن، إن لجهة المفردات التي استخدمت خاصة في وصف تصريحات باردو بأنها تشويه للواقع، أم خصوصاً في اعتبارها مجرد آراء شخصية، لمسؤول ترأس الجهاز الأشهر في دولة العدو سنة إضافية, بعد السنوات الأربع المحدّدة لشاغل هذا الموقع. ما عكس إعجاب نتنياهو بما يقوم به باردو, ما استدعي استمراره سنة أخرى، فكيف يمكن وصف اتهامه لإسرائيل (غير المعروفة حدودها) بأنه اجتهادات شخصية، خاصة إذا ما توقّفنا عند تغريدة النائبة في الليكود تالي غوتليف القائلة: شكراً لتمير باردو رئيس الموساد الأسبق, الذي يُثبت «عُمق» الدولة العميقة التي «تسلّلت» منذ زمن بعيد, إلى صفوف كبار المسؤولين في أجهزة الأمن. (علماً أن مُصطلح الدولة العميقة يُستخدم في صفوف اليمين الصهيوني ضد من يصِفونهم بـ«اليساريّين»).
* المقال مقتبس من صحيفة الرأي ويعبر عن رأي كاتبه