صناعة التميز الإداري أساس لتحقيق أفضل مؤشرات الأداء
تراجع مفهوم التخطيط الاستراتيجي أمام المتغيرات المتسارعة
يتولد النجاح بتوفر الإرادة المصحوبة بالعمل الجيد
تقديم المختصين والكفاءات يسهم في تجفيف منابع الفساد والوصول إلى أنظمة إدارية فاعلة
الالتزام بمعايير الجودة والتحفيز والتقييم مقدمات أساسية للتميز
رضا الموظف ينعكس إيجاباً على جودة الخدمات المقدمة
المساواة أمام القانون تشعر المواطن بالأمان وتحفزه على العطاء
تسخير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي عناصر ضرورية لتطوير الإدارة والإنسان
المساءلة والمكاشفة ومحاربة الفساد مفردات ضرورية على طريق المجتمع المتقدم
ارتباط التطور الإداري بتغيير الثقافة والذهنية المجتمعية
توعية المجتمع للحفاظ على الوطن ومكتسباته مفتاح للتطور الحضاري
أبو بقر: البنية التحتية للإدارة الأردنية أسهمت في تصدير الكفاءات للكثير من البلدان
عمان - إبراهيم السواعير
ناقش خبير التطوير الإداري الدكتور أحمد نصيرات في محاضرته «الإدارة وبناء المستقبل المستدام»، التي استضافه فيها مركز الرأي للدراسات والتدريب الإعلامي، أمس، وأدارها رئيس مجلس المؤسسة الصحفيّة الأردنية شحادة أبو بقر، تجربة دبي في تطوير الإدارة الحكوميّة، كنموذج في موضوع التميّز وضبط الجودة، أثبت فاعليّته في المنطقة والعالم، ويستفاد منه في بناء المستقبل.
وفي كلمته الترحيبيّة، قال رئيس مجلس إدارة الرأي شحادة أبو بقر إنّ المحاضرة تأتي ضمن رؤية الصحيفة في استضافة العناوين البارزة ذات الأهميّة على الصعيد الوطني، والتي تحمل فائدة لقرائها ورواد نشاطاتها، بما تسهم به في إثراء مواضيع الندوات والمحاضرات والمؤتمرات وغيرها من الأنشطة الدوريّة التي تقوم بها المؤسسة، من خلال مركز للدراسات والتدريب الإعلامي. وقال أبو بقر إنّ دأبت على تقديم الفكر النيّر والإضافات النوعيّة بكلّ رحابة صدر، انطلاقًا من دورها الوطني والثقافي والفكري واهتمامها بكلّ الحقول والقطاعات التي تهمّ الوطن والمواطن. كما رحّب بكلّ المبادرات والأفكار الجيّدة التي تصبّ في نشر الوعي والفائدة.
كما تحدثت مديرة مركز والتدريب الإعلامي الزميلة هنا المحيسن، عن نشاطات المركز وخطّته المقبلة، لافتةً إلى سلسلة من الندوات والنشاطات التي تعالج قضايا الساعة السياسية والاقتصادية والثقافية، مؤكّدةً أهميّة موضوع الندوة الذي يتناول الإدارة الحكوميّة: دبي نموذجًا، بما يحمله ضيف الندوة من حضور واضح في مجاله وخبرة راكمها خلال سيرته العمليّة والأكاديمية التي أحدث بها نقلة نوعيّة، كخبير استراتيجي في موضوع التطوير الإداري.
وعرّفت المحيسن بالدكتور النصيرات، الذي أسهم في تطوير الإدارة الحكومية في دبي ودولة الإمارات العربية المتحدة، وعمل منسّقًا عامًا لبرنامج دبي للأداء الحكومي المتميّز، ومديرًا سابقًا لتطوير الخدمات الحكومية للمجلس التنفيذي لإمارة دبي ومستشارًا لجائزة محمد بن راشد آل مكتوم للإدارة العربيّة، ورئيسًا لفرق تقييم العديد من الجوائز المتعلقة بالجودة وتطوير الأداء الحكومي وتنمية الموارد البشريّة.
ويحمل النصيرات شهادة الدكتوراة في إدارة التدريب والأداء المؤسسي من جامعة كارديف في المملكة المتحدة والماجستير في الإدارة، وكان حصل على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال والإدارة العامة من الجامعة الأردنيّة.
واستهلّ الدكتور نصيرات بالحديث عن أهميّة الإدارة عبر التاريخ في تحقيق الأهداف؛ باعتبارها قاطرة التنمية في كلّ مجالات الحياة، مؤكّدًا أنّ الإدارة الحكوميّة تحديدًا، إذا صلحت صلح المجتمع، في ظلّ تعدد المرجعيات والأولويات، لأنّها تغني عن الكثير من المشاكل الناجمة عن غيابها.
وقال إنّ الإدارة عليها أن تتوخّى المجتمع والناس، وأن تتقصّد الاستثمار الأمثل للموارد، باتجاه المستقبل لتحقيق عوائد التنمية المستدامة.
تجربة دبي
ومن ذلك، تحدث النصيرات عن حكومة دبي وحرصها على بناء التميّز الإداري الحكومي، كهدف تحقق، مستعيدًا فترات من عقد التسعينات من القرن الماضي، والاهتمام في أواخر ذلك العقد بصناعة التميّز، لتعطي الإمارة اليوم أفضل المؤشرات العالميّة في هذا المجال.
وقدّم النصيرات، نبذةً عن دبي، وحركتها النشطة جدًّا في العمل، لافتًا إلى قطاع المطار فيها، وهدف النصيرات من وراء هذه المؤشرات، أن يقدّم نموذجًا في الخدمة المقدّمة في هذا القطاع، كعيّنة على قطاعات أخرى، ضمن تسهيلات كبيرة، واحترام نموذجي من موظفي المطار للزوّار والمسافرين، ذاكرًا زيادة أرباح طيران الإمارات، ومؤشرات عن أرباح موانئ دبي العالمية.
وأكّد النصيرات أنّ موانئ دبي، خرجت من الإطار الحكومي التقليدي، لتصل إلى معدلات عالية بعد أن تطوّرها.
وأكّد النصيرات أنّ النجاح يتولّد إذا توفّرت الإدارة المصحوبة بالعمل الجيّد والرغبة بتحقيق التميّز.
معايير الجودة
وتحدث المحاضر عن معايير الجودة والتقييم والتحفيز الحاصل لتحقيق نسب عالية، مقارنًا بين ما قبل سنة 1997 وما بعدها، والإرادة الذكيّة لصاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في إطلاق برنامج دبي للتميّز الحكومي، وتطوّر المسمّى من جائزة إلى «برنامج»، والهدف كما قال أكبر من مجرّد جائزة، بل تحفيز لقطاع حكومي نحو فاعليّة عالية وإنجازات كبيرة.
ولفت الدكتور النصيرات إلى معايير التطوّر الحكومي في الإبداع، وما ألقت به النجاحات التي تحققت من تأثير، حتى على نسبة سعادة الموظفين التي بلغت 88%، فيما نسبة رضا المواطنين عن الخدمات الحكومية كانت 86%، وفقًا لدراسات عالميّة.
وتحدث الدكتور النصيرات، عن «البرنامج»، وطرح معاييره التي يجب الالتزام بتطبيقها، ذاكرًا قيمة الموظف من الناحية النظريّة في تسهيل المعاملات وعدم التأخير فيها، والقضاء على أوجه الضعف أو الركون في ذلك باتجاه تحقيق الهدف.
وذكر النصيرات، في حديثه عن موضوع التقييم، مقيمين عربًا، عددٌ منهم أردنيون ذوي كفاءة واقتدار.
وتحدث النصيرات عن شخصيّة سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ومكاشفته ورؤيته وحماسه للتطوير، وعدم تهاونه، لينعكس كلّ ذلك على العاملين والمدراء في التطبيق والعمل على الاستراتيجيّة خلال فترة بسيطة.
التنافسية العالمية
وأكّد النصيرات أنّ لهذه الرغبة من الشيخ محمد بن راشد دورًا كبيرًا في نجاح البرنامج والتجربة ككل، حسب مؤشرات التنافسيّة العالمية، مبيّنًا أنّ دبي قدّمت قصّة نجاح حقيقيّة لتحوز مرتبةً عالية على المستوى العالمي في موضوع ثقة الشعب بالحكومة.
وقال إنّ العمل على البرنامج والمعايير لم يكن سهلًا أو ورديًّا، إذ كان أمام التطبيق ضرورة التحوّل والتقدّم، المشفوع برؤية الشيخ محمد بن راشد، مضيفًا أنّ المسميّات باتت مألوفة للوصول إلى الهدف المرجو، كتغيّر مسمّى المراجعين إلى العملاء، مثلًا، وهو ما يحمل أفضليّةً واحترامًا كبيرًا وتقديرًا ينعكس على معنوية هؤلاء العملاء، وأكّد النصيرات أنّ هذه المتطلبات تمّ تلبيتها، لنصل إلى تفوّق رائع، بل ويفوق على التوقّعات.
وتحدث النصيرات، عن تجارب عربيّة في مشاكل الروتين والتأخير الحاصل، والأخطاء المعطّلة وضرورة القضاء عليها. كما تحدث عن قطاعات حكوميّة عديدة في دبي تطوّرت وبالتالي تطوّرت معها نسبة الرضا عن الخدمة، كما في رضا نسبته 91% عن شرطة دبي، وهو ما رآه انعكس إيجابيًّا على هذا القطاع، في الثقة به وسرعة اكتشاف الجرائم على المستوى العالمي، علاوةً على ما يتميّز به المنضوون تحت هذا الجهاز من احترام وإنسانيّة.
ورأى النصيرات أنّ العالم كلّه يتطوّر، والمعرفة كذلك تتطوّر بشكل مذهل ربما كلّ يوم، في حين كان هذا التطوّر في الماضي يتمّ كلّ عقد من السنوات أو أكثر، وبالتالي فإنّ هذا يستدعي أن نعمل على أنفسنا وأن نواظب ونلحق بكلّ جديد، كأنظمة إداريّة نحو مستقبل لا مجال للتأخّر عنه.
وقال إنّ التطوّر الإداري المنشود هو أن تتغيّر الثقافة والذهنيّة المجتمعيّة باتجاه العمل للوطن والولاء له واحترام مكتسباته، فالفرص موجودة لدى جميع الدول إن صدقت النيّة وصحّت العزائم.
الإدارة والإنسان
وتناول الدكتور النصيرات أكثر من نقطة ومحور رأى أنّها تفيد في تحقيق التقدّم الإداري وتطويره، متوقّفًا عند موضوع «الإدارة والإنسان»، وفي هذا الموضوع، تطرّق النصيرات إلى المسمّى مرّة ثانية ودلالته ورؤية الدول له، كما في مسمّى «الموارد البشريّة»، على سبيل المثال، أو «شؤون الموظفين»، والاعتقاد بأنّ الوظيفة هي سجن للموظّف، خالصًا إلى أنّ الإنسان، ووفقًا لرؤية دول متقدّمة مثل ألمانيا، هو من يدير الموارد جميعها ويصنع كلّ قصص النجاح.
وذكر النصيرات، دولًا اعتبرها نماذج في التقدّم وتطوير الذات والوصول إلى مؤشرات عالمية ذات شهرة واقتداء على المستوى العالمي، ذاكرًا سنغافورة، واليابان، وكوريا، وهي الدول التي صنعت تقدّمها في عقول أبنائها وعززت لديهم أفكار التحدي والنجاح، واهتمّت بالموظّف وتطوير أدائه، فكان التركيز على الإنسان، إذا ما عرفنا أنّ من هذه الدول من كانت بؤرًا للفقر والمشاكل والجوع واليأس، لكنّها سعت إلى إصلاح العقليّة والإدارة الحكوميّة، فاستحقّت حسب مؤشرات التنافسيّة العالميّة أن تصل إلى أعلى مؤشرات التقدّم والنجاح.
كما قارن النصيرات بين هذه الدول ودول إفريقيا، وما تشتمل عليه من خيرات طبيعيّة موجودة وكانت تنتظر من يستثمرها، مؤكّدًا من ذلك أنّ الإدارة الحكوميّة الحقّة هي التي تنتشل الدول من حالات البؤس والفساد إلى أنظمة إداريّة نموذجيّة، يعمل فيها المتخصصون وتتقدم القدرات الجيّدة فيها نحو مستقبل تحمده الأجيال.
استثمار التكنولوجيا
وتناول الدكتور النصيرات، محورًا آخر في موضوع الإدارة الحكوميّة الناجحة، وهو تسخير التكنولوجيا، وعدم التأخّر عن كلّ جديد ينشأ اليوم أو غدًا، كما في موضوع «الذكاء الاصطناعي» الذي رأى أنّه سيغيّر وجه العالم، وسيحقق نتائج مذهلة وجوهريّة لتحديات الإنسان، متحدثًّا عن موضوع «المسيّرات»، كوسيلة هي الأكثر استخدامًا في الحروب ولم نكن نسمع بها من قبل، وقال النصيرات إنّ العالم الآن أمام موضوع «تكنولوجيا الوظائف» في قطاعات الطبّ والصيدلة وحتى في خدمات الحياة الأخرى كما هو حاصل في دول غربيّة. وقال إنّ إمارة دبي فطنت لموضوع التكنولوجيا وتبنّت تسخيره وتنفيذه ومواكبة مفرداته، مؤكّدًا أنّ «الآخر» سيتفوّق عليك إن لم تسعَ إلى التفوّق، في القدرات والأدوات واستنفار الجهود كلّها لحماية مجتمعك وإشعاره بقوّة مستقبله ومواجهة تحدياته.
محاربة الفساد
كما تناول النصيرات موضوع المساءلة والمكاشفة ومحاربة الفساد، كمفردات ضروريّة جدًّا للخروج من المجتمع الضعيف المتخلّف نحو المجتمع القوي، وتحديدًا في الإدارة الحكوميّة، وقال إنّ هذا الموضوع يجب أن يكون قضيّة وطن يشترك فيها الجميع على نيّة النجاح، مقترحًا إطلاق مبادرة «هيئة الإرشاد الوطني» أو أيّ مسمّى يحمل الفكرة ذاتها في توعية الناس في الحفاظ على المجتمع ومكتسباته واحترام ضيوفه، لأنّ احترامك للناس هو رسالة حضاريّة نقدّم من خلالها صورتنا الناصعة للعالم.
تطبيق القانون
وتوقّف الدكتور النصيرات، عند موضوع القانون وأهميّته في حفظ الحقوق وتساوي الناس واحترام شؤونهم، لأنّ تطبيقه يشعرهم بالأمان والعمل أكثر، وبالتالي فإنّ من شأن ذلك أن يرفع من سويّة الأداء الحكومي وينهض به، إذا ما راعينا المواكبة الحديثة والمتطوّرة لكلّ الحالات، ليكون القانون حاضرًا دائمًا وفاعلًا في سبيل خدمة الناس والوطن وتحقيق الإنجازات.
وناقش النصيرات أيضًا، موضوع التخطيط الجيّد، والرؤية الناجعة للمستقبل، في أين نحن ذاهبون وماذا نبتغي غدًا وبعد غد، وفي هذا الموضوع، قال إنّ التخطيط نفسه كمفهوم ربّما تغيّر، كما يرى منظّرون، في موضوع «سقوط التخطيط الاستراتيجي» لسنوات طويلة، لأنّ العالم والظروف والمعطيات كلّها أمور اختلفت بين الأمس واليوم، وبات التخطيط لعشرين سنة، على سبيل المثال، يحتاج إلى وقفة، أمام تغيّر المعطيات سريعًا؛ إذ تتغيّر في أوقات قصيرة جدًّا، وبالتالي فعلى التخطيط أن يكون لسنتين مثلًا أو لفترة قصيرة قابلة للتنفيذ. وضرب النصيرات لذلك مثالًا دولة رواندا ومعاناتها وضرورة التركيز على الزراعة والصناعة والسياحة وأمور أخرى، كحلول ناجعة لتحقيق النجاح.
وتحدثّ الدكتور النصيرات عن موضوع محاربة الفساد، كسرطان مخيف يحتاج إلى توعية، خاصةً في موضوع الإدارة الحكوميّة، في عيوب استغلال الوظيفة، والسلوك الوظيفي الخاطئ، مهتمًّا بالإدارة التي تعالج كلّ هذا الخلل وتنحى بالجهاز الحكومي نحو الشفافيّة والمحاسبة والتطوير. وفي دبي، تحدث النصيرات عن موضوع الرقابة السريّة والمتابعة، وموضوع التميّز الحكومي كجائزة، ورضا الموظفين، ومسرعات المستقبل، لافتًا إلى أهميّة خروج الدول التي تعاني من سوء إدارة، من عنق الزجاجة في قطاعات عديدة.
مؤشر الرضا
وتركّزت مداخلات ضيوف الندوة، على أهميّة النجاح واتخاذ الدول تدابير ناجعة لذلك، باعتبار أنّ العمل الحكومي يهدف إلى رضا الإنسان والمجتمع، وذلك يستدعي الابتعاد عن التواكل والكسل الحكومي والأخذ بأسباب النجاح، وضرورة أن يكون الإنسان حاضرًا في كلّ تقدم كسبب للتنمية ونتيجة لها في آن، كما تناول المتداخلون موضوع الكلفة الإنسانيّة الناشئة عن التغيّر أو التطوّر. وتطرقت الأسئلة إلى نماذج لدول نجحت في إنهاء مديونيّتها وتحقيق فائض، بكسر ظهر الفساد وعدم إيقاف الضرائب، وتوخّي العنصر البشري بالعناية الكبرى، وتطبيق القانون الذي يكفل للناس العمل والاطمئنان والشعور بالكرامة لمساواتهم في الحقوق والواجبات بحسب الدستور.
وتساءل متداخلون حول العلاقة بين النهضة كفلسفة وقيادة وتميّز الإدارة الحكومية، وما إذا نُقلت تجربة دبي الناجحة إلى دول عربيّة، خاصةً الأردن، كما ناقش آخرون موضوع المقارنة بين الدول في موضوع التطوير ومسارات التحديث واستلهام تجربة دبي، بقراءة ظروف المنطقة والدول والعودة إلى سنوات ماضية، وتحدث متداخلون عن أهميّة التخصص في الإدارة الناجحة وكون أغلب الإدارات عبئًا على الشركات والمؤسسات ومتلقي الخدمة، وهو ما يستلزم التطوير الإداري الحقيقي دون تكاسل.
الخبرات التراكميّة
وتحدث متداخلون وأصحاب مراكز في التقييم والتطوير الإداري، حول موضوع الخبرات التراكميّة في تبني الفكر الإداري، كإشادة بالخبرات الأردنيّة وعملها في الخليج والإمارات. ورأى آخرون أنّ من الضروري في موضوع مقارنة الجهاز الإداري الحكومي الأردني بغيره، أن نلتفت إلى العقيدة الجمعيّة في الإدارة ونوليها عناية كبيرة، وقال متحدثون إنّ غياب المرجعيّة الحكوميّة وقصر مدّتها تؤثّر حتمًا على موضوع التطوير الإداري، لذهاب الخطط الإداريّة بذهاب هذا الوزير أو ذاك، فنظلّ ندور في حلقة مفرغة. وأشاد متداخلون برؤية جلالة الملك عبدالله الثاني في انتقاده وزراء غير عاملين، وهو ما يسهم في طمأنة المجتمع أمام موضوع الإنجاز الحكومي، وتساءل آخرون حول مدى استغناء النماذج الناجحة في موضوع التطوير الإداري، عن العمالة الوافدة.
النموذج الأردني
وفي ردّه على المداخلات، أشاد الدكتور النصيرات، بالنموذج الأردنيّ الناجح في موضوع تطوير الإدارة الحكومية وتقييمها، على المستوى العربي والخليجي، كأفضلية يحترمها الخليج ويؤمن بما تشتمل عليه من كفاءات، كما اعترف النصيرات بأنّ لكلّ دولة ظروفها ومعطياتها ومتطلباتها وأنظمتها، وفي هذا تختلف الدول في وعي الموظف واهتمامه بمعاملات الزوّار، وقال إنّ الخبرات يمكن اكتسابها وتعلّمها والإفادة بها، وهو أمر سهل في موضوع التكنولوجيا وتحقيق نسب النجاح.
وقال النصيرات إنّ الشيخ محمد بن راشد لم يتهاون في موضوع تأخير المعاملات والانتصاف لأصحابها، ذاكرًا قصصًا لسموّه في هذا المجال ردّ فيها الاعتبار والحقوق لمواطنين بكل قوّة وحزم، فأشاع جوًّا من الثقة بالجهاز الحكومي وخدماته. كما تحدث النصيرات عن أهمية موضوع المساءلة الوظيفية في إطار من الصراحة والشفافيّة، والنموذج الناجح في دبي، ضمن فريق عمل جيّد، استطاع خلال الخمسة وعشرين سنة الماضية تحقيق مفهوم التفوّق على الأقران المتميّزين، ضمن مقولة الشيخ محمد بن راشد المشهورة «أنا وشعبي نحبّ المركز الأوّل»، مؤكّدًا اهتمامه الكبير بالشباب وتشجيعهم من واقع قصص نجاح رائعة كانت الحكمة فيها وسيلته للنجاح.
وفي ختام الندوة، تحدث رئيس مجلس إدارة «الرأي» شحادة أبو بقر، عن البنية التحتيّة للإدارة الأردنيّة، ودورها في تصدير الكفاءات إلى كثير من البلدان، متمنيًا للدول الشقيقة النجاح والتقدم والازدهار، ومؤكّدًا أهميّة رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني في موضوع التطوير الذاتي والنهوض بهذا القطاع، ضمن خطّة التطوير والتحديث الإداري. كما أعرب البقور عن تقديره لقيمة المحاضرة في ما طرحه الدكتور النصيرات وفتح من خلاله أسئلة الحضور ومداخلاتهم على العديد من المواضيع والمحاور الثريّة.