ندوة «مستقبل الإعلام في ظل الذكاء الاصطناعي»

29/05/2023

خبراء: الدعوة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتطوير المحتوى الإعلامي


عقد مركز الراي للدراسات والتدريب الإعلامي - المؤسسة الصحفية الأردنية $ ندوة بعنوان «مستقبل الإعلام في ظل الذكاء الاصطناعي» بمشاركة عدد من للصحفيين والأكاديميين والعاملين في تكنولوجيا الحاسوب، ناقشوا من خلال جلستين مفهوم الذكاء الاصطناعي، ومدى كونه تعزيزاً للإعلام أو تهديداً له، ودور الذكاء الاصطناعي في خدمة الجمهور وصنع السياسات الإعلامية.


وقال مدير المركز الزميل هادي الشوبكي في معرض إدارته للندوة، إن على المؤسسات الإعلامية أن تعترف باكتساح الذكاء الاصطناعي جميع المجالات ومن بينها الإعلام، الأمر الذي يدفعنا لاستشراف المستقبل، والبحث عن الفرص والتحديات، واحتضان التقنيات الحديثة للإبقاء على صناعة الإعلام المتقدم.

أدارها: هادي الشوبكي
أعدها للنشر: هنا المحيسن

* الجلسة الأولى

تساءل المشاركون في الجلسة الأولى عن مستقبل الإعلام في ظل تسارع انتشار الذكاء الاصطناعي وفي إطار تحديد مفهوم الذكاء الاصطناعي وأهميته في الإعلام.


وقال أستاذ الإعلام في جامعة اليرموك د.أمجد القاضي إن الاهتمام بالذكاء الاصطناعي بدأ منذ منتصف القرن الماضي، ثم بدأ هذا الاهتمام بالتزايد بشكل علمي خلال السنوات الأخيرة، مع إمكانية الاستفادة من تطبيقاته في مجالات متعددة ومتفرقة سواء كانت طبية أو هندسية أو أمنية أو إعلامية، الأمر الذي زاد الفرص والتحديات على المؤسسات والحكومات للاستفادة من هذه التطبيقات وتوظيفها لخدمة جماهيرها.


وحول المفهوم والأهمية، أوضح القاضي أن مفهوم الذكاء الاصطناعي يرتبط بالخصائص التي تمتلكها البرامج الحاسوبية وتجعلها تواكب القدرات الذهنية البشرية، وبتوظيف تلك الخصائص بما يجعل الآلات تقوم بأعمال إبداعية وردود فعل دون تدخل الإنسان بها. وبناء عليه، فإن أهمية الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام «تتحدد بمساعدة الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية بالقيام بأعمالهم دون التقيد بالإجراءات الرتيبة لإنتاج الأخبار والمواد الإعلامية بدقة عالية وبزمن قياسي إذا ما تم أرشفة البيانات بعلمية ومهنية».


وأشار القاضي إلى أن للذكاء الاصطناعي إيجابيات كثيرة منها: الدقة، والسرعة، وزيادة المصداقية، وتقليل الكلف، وفتح مجالات عمل جديدة. كما أنه ينطوي على سلبيات منها: الاعتماد أحيانا على بيانات تخدم وجهة النظر التي تم تغذية الحاسوب بها، والحاجة إلى التدقيق الدائم، وإمكانية خروجها عن المطلوب وتقديم معلومات أكثر من المحدد لها أو المطلوب منها.
وعن دور الذكاء الاصطناعي في صنع السياسات الإعلامية قال القاضي إن الذكاء الاصطناعي قادر على مساعدة صناع القرار الإعلاميين، خاصة الرسميين منهم، على مراجعة السياسات العامة بسرعة فائقة ومستمرة، وإطلاعهم على ما يجري في العوالم الأخرى والمتقدمة في هذا المجال للاستفادة من الممارسات الفضلى المتبعة، وتسهيل التعرف على المشكلات ومتطلبات الجماهير وتقييمها المتغيرات التي تجري عليها، وتقديم البدائل والحلول التي يمكن الأخذ بها وصياغتها على شكل مخرجات أو سياسات قابلة للتطبيق.


وأضاف أن المطلوب من المؤسسات الصحفية والإعلامية الأردنية الإسراع في مواكبة التقنيات والاستفادة منها، وتزويد غرف الأخبار بما تحتاجه للاستفادة من هذه التقنيات، وتأهيل الإعلاميين والصحفيين على استخدامها، كذلك تجاوز حواجز الخوف لا سيما أن هذه التقنيات تزداد حضوا وتمكنا في حياتنا.


بدوره، أشار الصحفي في قناة المملكة علاء علان إلى أهمية تحديد المفهوم بإطار تشريعي للتمييز بين الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي في الإعلام. وفي إطار التحديات أوضح علان أن فقدان الوظائف يشكل أبرز تحديات استخدام الذكاء الاصطناعي، منوها إلى أهمية إجراء دراسة متخصصة عن أثر هذا التطور على العقل البشري وما يترتب مستقبلا على اعتماد العقل على هذه التكنولوجيا، بينما يشكل استثمار الوقت وتخفيض الكلف أبرز الإيجابيات.


أما الصحفي عبدالكريم الوحش، من صحيفة «الغد»، فأوضح أن أهمية الذكاء الاصطناعي تبرز في تمكين الصحفيين من أدوات تحقق فرصة الوصول إلى المعلومات بشكل أسرع وأوسع، والقدرة على تحليلها، كما أن له ميزة في تحقيق مستوى أعلى في الأمن الصحفي على غرار الاستعانة بالبرمجيات للوصول إلى أماكن النزاع دون أن يشكل هذا خطرا على حياتهم.
ورأى أن أبرز التهديدات تكمن في الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي، ما يعني الاستغناء عن الأيدي العاملة وبالتالي ارتفاع البطالة.


وأشار الوحش إلى أن الذكاء الاصطناعي سيحظى بمساحة أكبر بينما ينحسر دور الإنسان، وهذا يستوجب التهيئة لاكتساب المهارات وإدماج التقنيات في الإعلام.


من جهته، ركز الصحفي زياد الرباعي على أهمية أن تتكيف المؤسسات الإعلامية مع المستجدات في عالم الاتصال والتواصل والتطورات الإلكترونية، وأن تستفيد من كل جديد دون تأخر أو مماطلة، وان تستثمر هذه الفنيات والبرمجيات لخدمة الرسالة الإعلامية وتحقيق أهدافها في التأثير والتغيير.


وأضاف: «صحيح أن هناك تهديدات تتعلق بالوظائف تحديدا، لكن المفروض تحويل التحديات إلى فرص، لأن الذكاء الاصطناعي يتطلب فرص عمل جديدة لكن مبدعة، وفي الوقت نفسه لا بد من وجود العامل البشري وخاصة في الإعلام، وقد تختفي بعض المهن ولكن قد تتولد أخرى».


ونوه الرباعي إلى ضرورة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي للوصول إلى جمهور نوعي أوسع بصرف النظر عن المكان والزمان، وهذا ما تتيحه الفنيات المتوافرة في البرمجيات والرقميات والذكاء الاصطناعي. كما أن على الإعلام إعداد الكفاءات البشرية للتعامل مع مستجدات الذكاء الاصطناعي لأنها في تطور مستمر.


ومن جانبه، قال مدير الإعلام الرقمي وإنتاج المحتوى في وزارة الاتصال الحكومي د.زياد شخانبة، إن الإعلام يتعرض لـ«تسونامي» ذكاء الآلة وانقلاب على صعيد إنتاج المادة الإعلامية، والبحث الإعلامي، والنظريات الإعلامية التي باتت حائرة أمام المستجدات الذكائية وكذلك على صعيد طرائق التدريس الأكاديمي.


وأشار شخانبة إلى حتمية الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح يدرس الإجراءات وينفذها ويتخذ القرار آلياً، وبعد أن كان الصحفي

يبذل جهدا كبيرا، أصبح يبذل جهدا أقل في ظل الذكاء الاصطناعي.
وأضاف أن جائحة كورونا فرضت تسارع الوتيرة للاعتماد على الذكاء الاصطناعي في المجالين الطبي والإعلامي، لكن المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة ما زالت تتعامل بالطرق التقليدية حتى الآن.


وحول التحديات، أوضح أن الفنيين والمبرمجين والمتخصصين بتكنولوجيا المعلومات سيقتحمون عالم الإعلام، وبالتالي سيواجه دارسو الإعلام مشاكل ترتبط بإيجاد وظائف لهم في المجال.


وأوضح أن هناك إشكالية حول مصطلح «عدم التحيز»، حيث يتهم بعضهم الذكاء الاصطناعي بعدم المصداقية، لأن الآلة تعالج كما كبيرا من البيانات، مستدركا بقوله إن الآلة لا يوجد لديها تحيز، وإن التحيز موجود بالعنصر البشري.
وشدد شخانبة على أهمية الحد من استقلالية الذكاء الاصطناعي، بإخضاعه للحوكمة وأنسنته وضبطه.


أما الصحفي المتخصص في قوانين الإعلام يحيى شقير، فقال إن وسائل الإعلام التقليدية بالأردن فشلت في مواجهة الثورة الرقمية، وهي الآن أمام تحدي الذكاء الاصطناعي، معتقدا أنها ستواجهه هذا التحدي دون أي استعداد، فالصحف الورقية مثلا فشلت بالتحول الرقمي الذي كان من الممكن أن يعتمد عليه الذكاء الاصطناعي في تقسيم الجمهور بحسب اهتماماته وبالتالي توجيه الخطاب لكل شريحة بما يناسبها.


وأضاف: «إعلام الذكاء الاصطناعي لن يكون متوطنا بالأردن والدول العربية، بل سيكون مستوردا، لذلك فإن هذه التكنولوجيا المستوردة لن تشهد إضافات عليها، بما يعني حدوث تهديد للقوى البشرية وللمؤسسات الإعلامية التي لا تتكيف مع الواقع الجديد، لذلك أعتقد أنها ستواجه ما أسمّيه (الداروينية الإعلامية وصراع البقاء).


وحول التحديات، أشار شقير إلى أن أبرزها هو التحدي الأخلاقي وطبيعة تأثير الذكاء الاصطناعي على أخلاق الصحفي، والتحدي القانوني المتعلق مثلا باختراق الخصوصية وأمن الدولة، والمسؤولية القانونية خاصة أن قانون المطبوعات ينص على أن كاتب المادة ورئيس التحرير مسؤولين كفاعلين أصليين، وهنا «على مَن ستقع المسؤولية بالمستقبل؟». يضاف إلى ذلك تحدي التحقق والدقة، إذ يجب التحقق من دقة كل شيء يتم أخذه من الذكاء الاصطناعي.
وحول السياسة الإعلامية، شدد شقير على ضرورة العودة إلى الاستراتيجة الإعلامية التي تخدم المصلحة الوطنية العليا والالتزام بالدستور الذي يكفل حرية الرأي لكل أردني.


وحول المطلوب مستقبلا، دعا شقير إلى الاسثمار بعناصر القوة في الأردن التي تكمن في الشباب وخاصة العاملين في الخارج، وإلى تعزيز الحريات لا سيما حرية الصحافة وحق الحصول على المعلومة.


من جهته، قال المنتج ومخرج الأفلام بشركة الحرية للإنتاج والتوزيع الفني نادر طه، إن الذكاء الاصطناعي هو عمليات بحثية متقدمة تسعى لعرض المعلومات بطريقة تناسب المستخدم من ناحية التواصل والدقة والإبداع وإضفاء المشاعر أحيانا على هذه النتائج.


واشار طه إلى أن هناك مخاوف متزايدة بأن تُستبدل تقنياتُ الذكاء الصناعي بالموارد البشرية من صحفيين وإعلاميين وفنيين ومصممين ومذيعين ومعلقين، فبحسب رأيه ستتأثر هذه الوظائف بقوة خلال العام القادم بسبب ما تقدمه المواقع من بدائل سريعة وموفرة جدا ومبدعة في بعض الأحيان لأصحاب الشركات المنتجة، مما يعني خلق معادلة سرعة وإبداع وحلول موفرة مالياً (المعادلة التي كانت مستحيلة قبل سنوات)، وفي خضم الاستعاضة عن هذه الوظائف ستُخلق وظائف جديدة تتعلق باستخدام المواقع، لذا يجب على جميع الإعلاميين تعلم استخدام تقنيات الذكاء الصناعي قبل أن يفوتنا القطار جميعا.


وركز طه على أهمية محور الدقة في الحصول على المعلومة، حيث الإبداع هو المعيار الأساسي لأي شركة إعلامية تتحرى المصداقية بأعمالها. وتساءل: «هل سنرى خلال الفترة القادمة نتائج متطورة ودقيقة ومدققة من برامج الذكاء الاصطناعي، أم يجب الحصول على المعلومات الأولية منها ثم اللجوء إلى منيدقق مصداقية هذه المعلومات من أكثر من مصدر؟!».
بدوره، أشار علي الفايز، من التلفزيون الأردني، إلى أهمية الذكاء الاصطناعي، خاصة في المؤسسات الإعلامية بعد الانتقال من الإعلام التقليدي إلى مرحلة الإعلام الرقمي. وركز على أهمية تدريب الكوادر العاملة في الإعلام على تقنيات الذكاء الاصطناعي.


وفي إطار تحديد المفهوم، قال مدير إدارة الإعلام في الهيئة العربية للبث الفضائي زياد الريس، إن الذكاء الاصطناعي هو عملية حسابية تقوم بها برمجيات خاصة بتحليل المحتوى على الإنترنت وتأتي بخلاصة ما تم تدوينه أو أرشفته، وهي المرحلة الأخيرة، حيث تسبقها عملية الأرشفة ثم رقمنة الأرشيف ثم عملية التصنيف والتحليل لتقديم ملخص سريع حول كل ما يُبحث عنه، شرط وجوده ضمن المحتوى الذي تم رفعه على (السيرفرات) العالمية أو الخاصة بالشركات المستثمرة في مجال الذكاء الاصطناعي.


وأضاف أن من أهم إيجابيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام تسهيل الوصول للمعلومة، والإبهار في العرض من خلال تصميم الصور الثابتة والمتحركة، وتحليل الفيديوهات للوصول لأفضل المعلومات فيها دون الحاجة للمشاهدة والانتظار. ويمكن المهتمين التركيز على كلمات محددة أو موضوعات معينة وتلخيص أبرز الموضوعات على مستوى العالم. كما أن الذكاء الاصطناعي يساهم في استمزاج رأي الجمهور والتفاعل المباشر معه.


وبشأن السلبيات، أوضح الريس أن المحتوى العربي على شبكة الإنترنت ضعيف من حيث النوعية، وأن معظم الإرث العربي بكل أنواعه ما يزال ورقيا وغير مرقمن، وهذا يعني ضعف المحتوى العربي الذي يعتمد عليه الذكاء الاصطناعي، ما قد يشكل ثغرة خطيرة في اعتماد مقالات أو دراسات تم إنجازها بواسطة الذكاء الاصطناعي.


وعن مستقبل الإعلام في ظل الذكاء الاصطناعي، قال الريس إن سوق الإعلام سيشهد تطورا كبيرا في ظل الذكاء الاصطناعي، وسيشهد سوق العمل الإعلامي من ناحية الخدمات المرافقة تغييرا كبيرا واختصارا للكوادر بشرية، ويقابل هذا تطور مهم في الوصول للمعلومة وسرعة إيصالها، وسهولة في التدقيق، والقضاء على الأخبار الكاذبة، إذ إن أدوات التحقق ستكون متوفرة لدى الجميع في ظل الخدمات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي.


وأضاف أن الذكاء الاصطناعي سيلبي طموح الجمهور المتابع لوسائل الإعلام الحديث من خلال أدوات التفاعل التي ستمكن المؤسسة الإعلامية من معرفة آراء الجماهير بشكل حقيقي وبدقة عالية، وتلبية رغبات الجمهور في تغطيات معينة، وسينخرط الجمهور عبر أدوات الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى وتدقيقه ومعاقبة المؤسسات التي تسيء للأعراف والأديان من خلال نظام التجاوب مع البلاغات والانتهاكات التي قد تصدر عن مؤسسات إعلامية.


وعن السياسات الإعلامية، لفت الريس إلى أن الذكاء الاصطناعي سيساعد في الحفاظ على الخطوط الأساسية للسياسية الإعلامية، ويولد تقارير دورية فورية حول الانعكاسات السلبية والإيجابية للسياسة الإعلامية، ويوفر لصاحب القرار أدوات تحليلية مهمة يستطيع من خلالها تطوير هذه السياسة وتمكينها بشكل أفضل.


من جانبه، بدأ الصحفي عمر العساف حديثه بقوله إن الصحفي المتمكن من قدراته وصاحب المهارات لا خوف عليه من استخدام الذكاء الاصطناعي الذي يعد أداة، فمهارة الصحفي هي الأهم، لأن الصحافة تقوم على مبدأ الدقة لا غير، وهذا مرتبط بالعنصر البشري وبالجهد الذهني فقط.


وأوضح أن الأرشيف والبيانات التي يستخدمها الذكاء الاصطناعي هي أدوات تخدم الصحفي،
مؤكدا أن الذكاء الاصطناعي لا يخيف، لكن الذي يخيف هو أن يتحول إلى خدمة بعض السلطات ليحميها من الصحافة.
* الجلسة الثانية


في إطار المفهوم، أشار العميد المحلي لبرنامج الصحافة والإعلام في الجامعة العربية المفتوحة د.فيصل السرحان إلى أن الذكاء الاصطناعي من الناحيتين العلمية والأكاديمية هو نتاج محاولات قام بها مجموعة من الناس لتنظيم تقنية تنظيم الخوارزميات لتتواءم مع متطلبات صناعة الإعلام. وقال إننا نمر الآن في مرحلة ثورة تقنية وثورة إلكترونية على مستوى العالم، لكننا ما زلنا نحبو في هذا الإطار، مشيرا إلى أن التطلعات والآمال كبيرة في توظيف الذكاء الاصطناعي في صناعة الإعلام.


وقال السرحان: «لا ضير أن نستخدم الذكاء الاصطناعي ونحاول إدخال تطبيقاته المبنية على خوارزميات معينة لتسهيل عمل الصحافة والإعلام وبناء العلاقات العامة سواء في الوظائف أو النشاطات أو المسؤوليات».


وحول المحاذير والتحديات، أشار السرحان إلى أن الذكاء الاصطناعي يقوم بتفكيره مقام تفكير الإنسان ويؤدي كل الوظائف والنشاطات التي يؤديها المرء، فالذكاء الاصطناعي أصبح يطور معلومات وتوجيهات جديدة بنفسه، مثل الخلية والغدد بالإنسان، ويتخطى حدود ما وضعه له الإنسان ضمن الخوارزميات، ويطور نفسه بنفسه، وربما يصنع أو يجد آلات أو معدات أو فيروسات تقضي على البشرية.


أما نائب عميد كلية الإعلام في جامعة الشرق الأوسط د.محمود الرجبي، فقال إن مفهوم الذكاء الاصطناعي في الإعلام هو مجموعة من الخوارزميات التي تقوم بعمل قريب من عمل الصحفي في عملية انتقاء الأفكار، وتدوينها وفقا للفنون الصحفية في مجموعة من أدوات الذكاء الاصطناعي التي تُستخدم في موضوع الصورة والنص والتقديم.
من هنا بحسب الرجبي، يكون تعريف الذكاء الاصطناعي في الإعلام هو الخوارزميات التي تقوم بعمل الصحفي أو الإعلامي لإنتاج نصوص أو تقديمها أو إعداد برامج مختلفة أو التقصي حول المعلومة.


وفي إطار الحديث عن التحديات، أشار الرجبي إلى أن الذكاء الاصطناعي سيقوي الرأسمالية الخالية من الإنسانية، لأنه يزيد الاحتكار في العالم ويقلل من الاستعانة بالمجهود البشري.


ونبه الرجبي إلى خطورة عملية الخداع المنهجي بمعنى أننا عندما نبدأ بالاعتماد على الأخبار القادمة من الذكاء الاصطناعي بالكامل، يبدأ من يتحكم بهذه المنصات والبرمجيات بعملية بث ما يريد، لا سيما في ظل غياب مبدأ التحقق.


أما عن المستقبل، فأشار الرجبي إلى أن مستقبل الذكاء الاصطناعي في الإعلام سيكون في ناحية التقنيات أو الأشياء التي لها علاقة بالصور وتشكيلها، وستكون صناعة المحتوى أفضل. مضيفاً أن الصحفي العادي لن يكون له مكان بالمستقبل لأن الذكاء الاصطناعي يحتاج لذكاء في التعمق.


وعن التحديات المستقبلية، قال الرجبي إن تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستعطي فرصا للإعلاميين الأذكياء والمتميزين فقط، وسيتغير شكل المهارات، مؤكدا أننا لن نتمكن من بناء الذكاء الاصطناعي على المدى القريب لأنه لا يوجد اتفاق بشأنه.
وقالت أستاذة الإعلام في جامعة اليرموك د.ناهدة مخادمة إننا عندما نتكلم عن الذكاء الاصطناعي نتكلم عن برامج تنبثق منها أدوات نستخدمها بالإعلام مثل صناعة المحتوى الجيد، مضيفة: «كلنا نعرف كيف نصنع المحتوى، لكن هنالك بعض الأدوات التي تفيدنا من ناحية الإبداع ومن ناحية تعديل بعض المحتوى الموجود لدينا». فعند الحديث عن برامج (شات جي بي تي) و(بنج شات) و(جارد) للفيس بوك، فهذه البرامج لديها أدوات تعمل من ناحية الإبداع الإعلامي كالتحرير الصحفي وتعديل الصور والفيديوهات والمونتاج.


وأشارت مخادمة إلى ضرورة معرفة المستخدم لطرق البحث الأمثل عن المعلومات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وأهمية توخي الدقة والوضوح كي يتمكن المستخدم من الحصول على إجابات ذات مصداقية عالية.


وعن التحديات، أشارت مخادمة إلى أهمية التركيز على الأخلاقيات الصحفية والتزام الصحفيين بها. كما أن على المؤسسات الصحفية تحري المصادر والتمييز بين المادة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي وبين تلك المعدة من قبل الصحفي.
وقال الأستاذ المشارك في كلية الإعلام بجامعة الزرقاء د.أحمد العنانبة إن الذكاء الاصطناعي اكتسب بعض الـقـدرات النوعية مثل القدرة على استخدام اللغة واستغلالها وتوليدها، سواء بالكلمات أو الصوت أو الصور. وبذلك،يكون الذكاء الاصطناعي قد اخترق أدوات واسباب التطور الحضاري والإنساني.


وتساءل: «هل ستواكب كليات الإعلام والمؤسسات الإعلامية التطور المذهل للذكاء الاصطناعي، حيث سبق أن بثت وكالة الأنباء الصينية حديثا لأول مذيع افتراضي، تم فيه دمج التسجيل الصوتي والفيديو في الوقت الحقيقي مع شخصية افتراضية من خلال تكنولوجيا محاكاة قدرات الإنسان الذهنية».


وأوضح العنانبة أن الذكاء الاصطناعي ليس فقط روبوتات ذكية، بل هو عالم يشمل منصات إنترنت الأشياء، والتي يقصد بها ذلك الترابط بين الأجهزة الإلكترونية من أبسطها إلى أعقدها عبر الإنترنت، بالإضافة إلى أجهزة الهواتف المحمولة عالية الدقة.


أما عن التحديات الناجمة عن استخدام الذكاء الاصطناعي، فأشار العنانبة إلى أن إنتاج المحتوى الصحافي والإذاعي والتلفزيوني وإنتاج البرامج يبرزان تحديات الحوكمة، إذ إن على الجميع التنبه واليقظة لمجريات الأحداث ضمن الدائرة الداخلية في المؤسسة، والاهتمام بالإدارة والتطوير والتدريب. وكذلك الأمر في دائرة الأحداث المحلية والعربية ومتابعة مجرياتها أولا بأول، وفي دائرة الأحداث الدولية أيضا، ما يعني أن :تنام بعيون مفتوحة».


ورأى العنانبة أن التفاؤل بشأن مستقبل الصحافة مشروط بعملها ضمن مساحة مريحة من الحريات الإعلامية، وحرية الوصول إلى المعلومات، ومنح الثقة للإعلامي، والنأي بالإعلام عن التشكيك والاتهام. إذ يمكن للصحافة أن تطور نفسها من حيث الإخراج الجيد، والتحرير الاحترافي، واستخدام الذكاء الاصطناعي وتوظيفه في خدمة فئات الجمهور المختلفة مثل قطاعات الطفولة واليافعين والشباب والكهول وذوي الاحتياجات الخاصة والأسرة.


وفي مجمل حديثه عن الإعلام والذكاء الاصطناعي، قال خبير التحول الرقمي في حاضنة «مدرج» لريادة الإعلام الرقمي محمد مساد، أن الحديث عن الذكاء الاصطناعي يستدعي أن نراعي أمرين: المعلومات وما ينتج عنها من بيانات، والخوارزميات نتيجة لمعادلات الرياضيات وعلوم الإحصاء، وعند دمج هذين الأمرين من خلال الحواسيب ثم إنشاء البرامج سينتج لدينا الذكاء الاصطناعي.


وأوضح أن للذكاء الاصطناعي درجات مثل الذكاء البشري، فالموجود في (شات جي بي تي) ليس مثل الذكاء الاصطناعي الموجود في الآلة الحاسبة التقليدية، فهناك اختلاف في حجم البيانات الناتجة عن المعلومات التي بات باستطاعتنا كعقول بشرية إدخالها الى هذه الحواسيب، وبالتالي أصبح بالإمكان تعليم البرامج الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، فما دامت هذه البرامج قادرة على التعلم أصبح بإمكانها أن تتطور ذاتيا.


وعن أهمية الذكاء الاصطناعي، تحدث مساد حول كيفية تسهيل الذكاء الاصطناعي لحياة 8 مليار إنسان على سطح الأرض وكيفية تسيير أمورهم. أما في الإعلام على وجه الخصوص، فقد ساعدت تقنياته الصحفيين في جمع المعلومات ومعالجتها وتحليلها والتحقق منها ثم نشرها، مما ساعدهم في أداء رسالتهم ضمن حق الآخر في المعرفة وضمان حرية التعبير.
وإشار مساد إلى أن التحدي الحقيقي يظهر في كيفية استعمال الذكاء الاصطناعي للوصول للمتلقي وبناء علاقة مع الجمهور، موضحا أن إيجابيات الذكاء الاصطناعي تظهر في إمكانية إخراج منتج بشكل أسرع وأكثر إتقانا وبكلفة أقل، أما السلبيات فتتمثل في حجم البيانات الضخمة وما تخلقه من اإشكاليات وتضليل، وتحديث توثيق المعلومات والتحقق منها.
ورأى مساد أن الذكاء الاصطناعي لا يستطيع أن يضع سياسات إعلامية او غيرها في الفترة الحالية، وسيبقى أشبه بـ«المستشار الخفي لصاحب القرار».


من جهته، ركز رئيس التحرير المسؤول لصحيفة $ د.خالد الشقران على اهمية استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في جميع وسائل الإعلام المرئي منها والمسموع، مع ضرورة الانتباه إلى التحديات التي ترافق استخدامها، ومدى تأثير هذه التطبيقات على السياسات الإعلامية.
وأشار إلى أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي سيخلق تحديا للإعلامي، بأن يظهر تميزه باستخدام المعلومات والتقنيات المتوفرة له عبر هذه التقنيات.

 

 التوصيات


القاضي: ضرورة أن يتجاوز العاملون بالإعلام مخاوف فقدان الوظيفة، وأهمية تطوير مهاراتهم، وأن تبدأ المؤسسات الإعلامية الأردنية، خاصة الرسمية منها، التهيئة للاستفادة من هذه التقنيات في عملها الإعلامي، وبشكل أكثر تحديدا الاستفادة من الخاصية البحثية لهذه التقنية.


علان: إيجاد نطاق تشريعي يعرف الذكاء الاصطناعي ويحدد مفهومه.


شخانبة: عدم ترك الجامعات والمؤسسات تستخدم الذكاء الاصطناعي وحدها، فنحن بحاجة لمعهد تدريب في ما يتصل بالذكاء الاصطناعي.


طه: دعوة جميع المؤسسات الإعلامية إلى البدء الفوري بتدريب كوادرها على التقنيات الحديثة، وإدراج مساقات أكاديمية في الجامعات لتعريف الطلبة بهذه التقنيات.


الفايز: يجب على المؤسسات الإعلامية أن تتعرف على إيجابيات وسلبيات استخدامات الذكاء الاصطناعي، وتعمل على تدريب كوادرها في التعامل مع تلك الاستخدامات.


الريس: تأسيس جهة حكومية تتولى مسؤولية الأبحاث والدراسات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، والاستفادة من تجارب الآخرين، وتكون هذه الجهة مرجعية لكل المنظمات والجهات الحكومية والمدنية للاستعانة بخدمات الذكاء الاصطناعي كي لا تقع أي مؤسسة فريسة للشركات التجارية العالمية التي قد تحاول الإيقاع ببعض المؤسسات لاحتكار الخدمات مستقبلاً.


العساف: لا خوف من الذكاء الاصطناعي على الصحفي الحقيقي الذي يدرك أن جميع هذه التقنيات ستكون في خدمته وخدمة مهنته، وأن لا يكون هناك تقييد على حرية العمل الصحفي حتى في ظل الذكاء الاصطناعي.


السرحان: توجيه الطلبة لإنجاز مشاريع تخرجهم في كيفية استثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطوير الإعلاميين في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي مع التركيز على الأخلاقيات.


الرجبي: يجب خلق وعي بالذكاء الاصطناعي يكون خاصا بالإعلام، على أن يكون التركيز من الإعلام نفسه للمتلقي ليتعلم التفكير الناقد وتغيير طريقة التفكير التقليدية، ويجب الانتباه إلى خصوصية اللغة العربية، فأنت بحاجة إلى أن تفهم النص ثم تشكله.


- مخادمة: ضرورة الاستخدام الواعي والحذر والإيجابي لأدوات الذكاء الاصطناعي.


- مساد: إعادة النظر بالتربية الإعلامية وتطويرها بما يتناسب مع استعمال الذكاء الاصطناعي في الصحافة والإعلام، ليكون الإعلاميون والصحفيون العاملون بالقطاع جاهزين، والمتلقون واعين أن هناك عنصرا جديدا هو الذكاء الاصطناعي، وإنشاء وتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي.


- العنانبة: وضع استراتيجية إعلامية أردنية للذكاء الاصطناعي، وضرورة أن تربط المؤسسات الإعلامية صناعة المحتوى بحيث يكون منافسا ونوعيا واحترافيا ويلبي احتياجات الجمهور وفئات المجتمع المختلفة، وتدريب الإعلاميين على المرحلة الحالية من الذكاء الاصطناعي.