*محمد خرّوب
في أحدثِ ضجيج (مُفتعل بالطبع) حول «القلق» الأميركي, من «طبيعة» الحكومة الفاشية في دولة العدو الصهيوني, حذّرت شبكة NBC الأميركية السبت الماضي, من أن إدارة الرئيس بايدن, «قد» تُعيد النظر في «تحالفها» مع إسرائيل, بسبب «طبيعة حكومة نتنياهو وتوجّهاتها ضد الديموقراطية, التي أشعلت إحتجاجات كبيرة في الأسابيع الماضية.
التدقيق في التقرير الذي تبنّته وروّجت له الشبكة الأميركية المُؤثرة، يدفع للإعتقاد أنه مجرد بالون اختبار, بل أبعد من ذلك قد يكون مثابة تحذير من مَغبة إقدام بايدن على أي خطوة قد تؤذي إسرائيل, حتى بوجود الإئتلاف الفاشي الذي يقوده نتنياهو، حيث يمضي الأخير غير عابئ بالمظاهرات المستمرة لعشرة أسابيع, كان آخرها وأضخمها السبت الماضي حيث سار نحو ربع مليون متظاهر في شوارع تل أبيب وحيفا والقدس, رفضاً لـ"ديكتاتورية» نتنياهو على النحو الذي أظهرته التغطية التلفزيونية المباشرة. خاصة على ضوء «الاستفزازات» الإسرائيلية للإدارات الأميركية المُتعاقبة حدود الإزدراء لردود أفعالها, على النحو الأكثر إثارة واستفزازاً الذي قام به نتنياهو ضد إدارة باراك أوباما (كان نائبه بايدن نفسه)، عندما ذهب إلى الكونغرس مُتحدياً أوباما بشأن سياسته الإيرانية, ليلقي خطابا في 3 آذار 2015, لم يعلَم به أوباما إلاّ عبر شاشات التلفزة الأميركية, التي نقلت خطاب نتنياهو في الكابتول هيل.
ما يعني أن حكاية الخبر المُفبرَك والمقصود بذاته ولذاته الذي طرحته شبكة NBC الأميركية على شكل سؤال، لا يبدو جاداً أو قابلاً للتنفيذ، وكان آخر «تفنيد» له جاء على لسان وزير الدفاع الأميركي لويد أُوستن خلال زيارته الأسبوع الماضي لإسرائيل, عندما قال: إن التزام واشنطن ضمان أمن إسرائيل «لا يتزعزع", وإن كان «عبّر» وعلى نحو خجول وعابر, عن «قلق بلاده من عنف المُستوطنين ضد الفلسطينيين»، دون أن يأتي بِذكر على عمليات القتل والإعدامات الميدانية التي يقوم بها جيش الاحتلال الصهيوني يومياً, في شوارع وأحياء المُدن والبلدات والمُخيمات الفلسطينية في الضفة المحتلة.
لن تختلف الحال الإسرائيلية هذه المرة مع إدارة بايدن (نائب أوباما السابق) رغم أن الموضوع يتعلق بدرجة أقلّ بالمسألة الفلسطينية وليس سياسة بايدن الإيرانية, حيث تفاهمهما عميق وميداني, (آخرها المناورات المشترَكة الجارية الآن, في قاعدة نِيليس الجوية في نيفادا Red Flag «الراية الحمراء» لمُحاكاة «هجوم إستراتيجيّ»)، بعدها نجح مُؤيدو إسرائيل داخل إدارة بايدن وبخاصة سوليفان/وبلينكن في دفن حلّ الدولتين وتبنّي بايدن لوجهة نظرهما, أقلّه في أن «حل الدولتين غير قابل للتطبيق لعشرسنوات مقبلات, على ما صرح رسمياً بلينكن أمام رئيس سلطة الحكم الذاتي في رام الله. زد على ذلك تصريحات بايدن نفسه خلال زيارته الأخيرة للمنطقة عندما قال: إن حل الدولتين لن يكون مُتاحاً في المديين القريب والمتوسط, وأن «السيد المسيح صاحب المعجزات, هو «الوحيد» القادر على تلبية المطالبة الفلسطينية التعجيزية في هذا الشأن.
هي إذاً طُرفة ومثابة ضوء أحمر يُطلقه مؤيدو إسرائيل لـ"مجاميع اللوبِيّات الصهيونية واليهودية المُؤثرة داخل الولايات المتحدة وخارجها, للتصدي ودفن اي محاولة قد يُفكر فيها بايدن أو أحد في إدارته, بهدف إعادة النظر في تحالفها مع إسرائيل، خاصة أن بايدن يُوحي بأنه عازم على الترشّح لولاية ثانية قد يقوم بالإعلان عنها في الأسابيع المقبلة.
هنا والآن يحضر «القلق الأوروبي» الأكثر نِفاقاً من القلق الأميركي, دون أي إشارة أو تلويح ولو خجول بفرض عقوبات على إسرائيل, الآخذة في التحوّل حثيثاً إلى دولة ديكتاتورية تقوم سلطتها التنفيذية/الحكومة بـ«استتباع السلطة القضائية», مع تواطؤ وتعاون عميقين من السلطة التشريعية/الكنيست, حيث ما تزال تتمتع (حتى الآن) بأغلبية 64 صوتاً من أصل 120 نائباً يُشكِّلون عدد الأعضاء البرلمان الصهيوني.
صحيح أن واشنطن أبدت قلقها البالغ من مُستويات «العنف» في إسرائيل والضفة الغربية عندما «ساوت» بين الضحية/الفلسطيني والجلاّد الصهيوني الرسمي/الجيش وقطعان المستوطنين، بل ذهبت أبعد من ذلك (كلامياً بالطبع) عندما وَصفتْ دعوة وزير المالية الفاشي/سموترتش لـ«محو» بلدة حوارة الفلسطينية بـ«المُقززة والمُثيرة للاشمئزاز». إلا أنها توقّفت عند ذلك وصمت دوائرها الرئاسية والدبلوماسية صمت القبور. غير أن المدافعين عن حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي/وبريطانيا ساروا على الدرب نفسه, حيث انتقد الرئيس الألماني/شتانيمار (الذي يستعد لاستقبال نتنياهو) خطة الاصلاحات القضائية التي تسعى حكومة نتنياهو لتمريرها (وفق يديعوت احرونوت)، وعلى الحال نفسها سار الرئيس الفرنسي/ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني/سوناك عندما «أعربا عن قلقِهما» إزاء خطوات حكومة نتنياهو الاستيطانية, و«التزامهما» حل الدولتين على أساس «حدود/67» ومعارضتهما الإجراءات أحادية الجانب التي تقوّض هذه الرؤية .
عبارات ومصطلحات غربية تتكرّر باستمرار منذ أزيد من نصف قرن، لكن إسرائيل ماضية في خطوات ضم الضفة غير آبهة بذلك الكلام المعلوك بلا أسنان.
*** استدراك:
اتهم مسؤول حكومي كبير إسرائيلي, الولايات المتحدة بـ«تمويل مسيرات مُعارِضة لتعديلات النظام القضائي المثيرة للجدل، بحسب ما ذكرت صحيفة The Times Of Israel الإسرائيلية/الأحد 12 آذار 2023.
* المقال مقتبس من صحيفة الرأي ويعبر عن رأي كاتبه