الولايات المتحدة والعراق: البدائل المطروحه

اعداد : د. خالد الشقران

مركز الرأي للدراسات

1/2005

عبثاً تحاول الولايات المتحدة اقناع نفسها قبل العالم في الوقت الحاضر وفي ظل التفاعلات والظروف التي تشهدها الساحة العراقية الآن بأن الانتخابات هي بمثابة (الفانوس السحري) الذي سيخلص العراقيين من ذكريات حياتهم" المرعبه " على حد قولهم مع النظام السابق ، وينقلهم من الواقع المر الذي يعيشون فيه الى مستقبل مزدهر يسود فيه الامن والنظام وروح الديمقراطية ويتاح لكل فئات الشعب حرية الرأي والمشاركة في صنع القرارات الهامة المتعلقة بأعادة بناء الدولة والمؤسسات وتحقيق تنمية شامله في مختلف المجالات.

ذلك ان اعادة تأهيل الدولة العراقية لا تكون بطريقة الاستقطاب والاستبعاد والقمع والبطش التي تتبعها القوات الامريكية، والتفكير احادي الجانب الذي يحاول السياسيون الامريكيون فرض نتائجه على الارض في العراق، حتى دون وجود أي محاولات فعلية لتكوين فهم او تصور واضح لطبيعة تركيبة الشعب العراقي او حتى التعامل مع القضية العراقية برمتها بصورة فاعلة تقود بالنهاية الى الوصول الى انتخابات تعكس نتائجها تمثيلاً حقيقياً وواقعيا لمختلف فئات الشعب العراقي.

صحيح ان الانتخابات تعتبر بمثابة اولوية ضرورية وحق يجب ان تتمتع في ممارسته كل فئات الشعب العراقي دون استثناء وصولاً الى اختيار من هم اهلاً لحمل الراية وتحمل امانة المسؤولية في استكمال قيادة المسيرة الحضارية للشعب العراقي، لكن الاصح هو ان يتوقف صانعو القرار في الولايات المتحدة حيال المشهد العراقي عند بعض النقاط المهمة التي يجدر اخذها في الاعتبار حال ( التفكير في) او ( البحث عن) مخرج من " الورطه غير المحسوبة بدقة" التي زجوا انفسهم فيها عندما قرروا احتلال العراق.

ولعل من المفيد بداية الاشارة الى ضرورة اعتراف الولايات المتحدة بأنه ثمة شكوك تدور حول مدى نجاح أي انتخابات لا تشارك فيها كل فئات الشعب العراقي بسنته وشيعته واكراده وتركمانه، لأن أي انتخابات يمكن ان تجري في ظل استبعاد او مقاطعة أي فئه من هذه الفئات لن يكتب لها النجاح في الوصول الى مستوى حقيقي من تمثيل اطياف الخريطه السكانية للشعب العراقي، وهذا في الواقع ما يدفع الى القول بضرورة تخلي الولايات المتحده عن فكرة اجراء الانتخابات العراقية في نهاية الشهر الجاري وتأجيلها الى وقت لاحق يوخذ بعين الاعتبار عند تحديده ان تكون الولايات المتحده قد قامت بكل الاجراءات الضرورية التي يمكن ان تساعد في تهيئة الشعب العراقي بكل اطيافه لقبول فكرة المشاركة في هذه الانتخابات.

فإذا كان من حق الولايات المتحدة الامريكية بأعتبارها قوة احتلال ان تفكر في الانتخابات بأعتبارها وسيلة لتخليص نفسها من الواقع المر الذي تعيش فيه قواتها في العارق ظناً منها بأن ذلك سيخفف وطأة مقاومة وجودها في العارق، فإن عليها ان تدرك بأنها بهذا العمل انما تنقل قواتها ومعها الشعب العراقي من واقع مر الى مستقبل اكثر مرارة لأن هذه الانتخابات اذا حدثت بالفعل في هذا الوقت ربما تقود العراق " لا قدر الله" الى حرب اهلية هو في غنى عنها.

واذا كانت الولايات المتحدة قد اعلنت مراراً وتكراراً انها لن تسمح بقيام دولة شيعية اخرى في العراق تشكل امتدادا جغرافياً للثورة الشيعية الايرانية، فكيف لها ان تقبل بأجراء مثل هذه الانتخابات التي بات في حكم المؤكد انها في ظل مقاطعة سنة العراق لها ستفرز سيطرة شيعية على مختلف المؤسسات السياسية والقيادية داخل الدولة العراقية.

وهذا ما يقود الى القول انه اذا كانت الولايات المتحدة ترغب بالفعل كما تدعي في ترسيخ العمل الديمقراطي كنهج في حياة الشعب العراقي، فإن عليها ان تبدأ فعلياً بتنفيذ الخطوات العملية التي تؤكد ذلك ، خصوصاً وانه لم يعد امامها مزيد من الفرص والخيارات فيما يتعلق بالحالة العراقية.

فعليها بداية ان تعلم علم اليقين وان ينعكس هذا اليقين في سلوك قواتها على الارض بأن الصواريخ والدبابات والطائرات الحربية بأنواعها وإن كانت قد نجحت في اسقاط النظام العراقي السابق فإنها بالضرورة لن تنجح في كسر ارادة الشعوب وهي حتماً ليست الوسائل المناسبة لاقناع الشعوب بضرورة التوجه الى صناديق الاقتراع والمشاركة في الانتخابات ، واذا كانت الدروس المحفورة في قراطيس التاريخ تؤكد لنا بأنه لم ولن يكتب لأي نوع من انواع الاحتلال والاغتصاب لأراضي وارادة الغير ان يدوم ، فهي تخبرنا ايضاً بأن هناك دائما وسائل وخيارات أخرى اكثر تأثيراً واهمية بالنسبة للتعامل مع الشعوب بشكل عام والشعب العراقي بشكل خاص.

لقد ركز الخطاب السياسي والعسكري لقادة الولايات المتحدة منذ بداية احتلالها للعراق وتصاعد نشاط المقاومة العراقية على التقليل من شأن هذه المقاومة من خلال الصاق اعمالها تاره بفلول النظام البعثي السابق كما اطلقت عليها، ثم نسبتها تارة اخرى الى قوى اسلامية وعربية خارجية، ثم اقحمت اهل الفلوجه في اتون الموضوع لتجد مبرر للقضاء على المقاومة التي اعلنت الولايات المتحده ان مركزها الفلوجه ، وبالرغم من تدميرها لهذه المدينه إلا ان المقاومة لم تنتهي وإنما زادت ضراوتها وشدة تأثير عملياتها، وربما تفكر في القيام بالمستقبل بتكرار نفس سيناريو الفلوجه على اهل الموصل مما قد ينبىء بزيادة عمق مأساة الشعب العراقي على ان كل هذه المحاولات لم تجلب الاستقرار ولم توقف عمليات المقاومة ومن الطبيعي انها لن تأتي بالديمقراطية ، مما يضع الولايات المتحدة امام حقيقة ضرورة البحث عن بدائل اخرى ممكنه.

ومن هذه البدائل ضرورة اعتراف الولايات المتحدة بأن هذه المقاومة عراقية خالصه نابعة من رفض الشعب العراقي للاحتلال الامريكي للارض العراقية، وهذا في الواقع يقود الى نقطه جوهرية مفادها هو بما ان هذه المقاومة عراقية وهي متصاعدة بأستمرار رغم كل الاجراءات العسكرية الامريكية ضدها، وتنفذ اعمالها بطرق توحي بأنها منظمة ولها قيادة ولها قيادة عسكرية وأخرى سياسية ، فعلى الولايات المتحدة ان تتنبه لضرورة البحث عن منافذ يمكن من خلالها خلق خطوط اتصال وتفاوض وحوار مع القيادة السياسية لهذه المقاومة، على ان تسبق هذه الخطوه خطوات تكون بمثابة اظهار حقيقي لحسن النوايا من الطرف الامريكي من اهمها تحديد موعد وجدول زمني لانسحاب امريكي نهائي من العراق يتم الاعلان عنه في الامم المتحدة ، ويترافق ذلك مع البدء بأتخاذ اجراءات ميدانية ضرورية مثل انهاء احكام قبضتها على على مؤسسات العراق وثرواته والانسحاب كذلك من ادارة حياة وشؤون العراقيين، وسحب الجيش القوات العسكرية التابعة لما يسمى بالتحالف الى خارج المدن العراقية، مع ضرورة توقف هذه القوات عن القيام بأية ممارسات استفزازية ضد الشعب العراقي في كل انحاء العراق.

ويتم خلال ذلك اعداد ترتيبات مشاركة حقيقية وفاعلة للمجتمع الدولي والهيئات الدولية في رسم مستقبل العراق مع احلال "قوات طوارىء دولية" حقيقية بقرار من الامم المتحدة محل القوات والهيئات الامريكية والبريطانية ، وتكون مهمة هذه القوات الدولية فقط حفظ الامن والاستقرار والاسهام في تهيئة اوضاع العراق للانتخابات دون استخدام أي نوع من انواع القوة المفرطه في التعامل مع مختلف فئات الشعب العراقي.

ربما تشكل عقدة التفوق والتفرد الامريكي في قيادة مجريات الاحداث في السياسة العالية عائقا امام الاعتراف بأن قواتها تحتل اراضي وتقهر شعب بلد آخر عضو في الامم المتحدة يفترض انه يتمتع بالاستقلال والسيادة الكاملة على ارضه وشعبه، ولكن من الاولى على الاقل اذا ما ارادت للاوضاع في العراق ان تستقر ان تبدي مرونه اكبر في مسألة قبول مشاركة حقيقية وفاعلة في ترتيب اوضاع العراق واحلال الاستقرار فيه من قبل اطراف وهيئات دوليه اخرى ليس لها مصالح واجندات خاصه ترغب في تحقيقها في العراق المنكوب.

واخيراً ربما تستطيع الولايات المتحدة تجاهل كل هذه الحقائق على الارض العراقية والمضي قدماً في محاولة تجريب تطبيق سيناريوهات الدعوات المشبوهه التي تثار هنا وهنا حول كيفية السيطرة على الاوضاع في العراق ، التي يقترح بعضها عزل الشعب العراقي عن محيطه العربي تمهيداً لتفتيته الى كيانات متعدد عرقية وطائفية ومذهبية ، والقضاء كذلك على هويته العربية، لكن ذلك ابداً لن يقود العراق إلا الى مزيد من سفك الدماء وعدم الاستقرار الذي قد تمتد ناره لتطال منطقة الشرق الاوسط بأكملها.

kshogran@yahoo.com