تطورات الأزمة السوريّة: مقدّمات ونتائج

30/03/2016

 

 

وقف سياسيّون وخبراء على أبواب نسخةٍ جديدة من (سايكس بيكو)، تحت مسمّى (كيري-لافروف)، معاينين الرؤية الجديدة في تقسيم المقسّم وتجزيء المُجزّأ، من جهة، ومن جهةٍ ثانية، حذّروا من خطر (الدولة الفيدراليّة)، داعين إلى القراءة الأردنيّة للجنوب السوريّ بعينٍ أمنيّة.

وناقشوا، في الندوة التي نظّمها مركز دراسات الرأي بعنوان (تطورات الأزمة السوريّة: مقدّمات ونتائج)، أدوار التحالفات الدوليّة والإقليمية في الأزمة التي اتّسمت بشيءٍ من الطول، والثبوت النسبي لجملة المنافع و(التفاهمات) التي أفضت إلى اتفاقيّات.

وأكّدوا، في ضوء التغيرات المحتملة في سورية، أهميّة الهدف الاستراتيجي، الذي يتطلب القراءة غير السطحيّة للسيناريوهات التي يمكن أن تُستشفّ في هذا المجال.

وانتبه المتحدثون إلى قضايا الغطاء الدوليّ تجاه الأزمة السوريّة، والنظام والجيش ومؤسسات المجتمع المدنيّ، ودوافع الدور الروسي الأمنيّة والاقتصادية لحماية النظام السوريّ، تحت العين الأميركيّة، وحالة الملل القائمة بين المعارضة والنظام، وبيان جنيف3، الذي قالوا إنّه سيفضي إلى ما يشبه الموازنة بين الطرفين، أو إلى حدثٍ تاريخيٍّ تتقسّم فيه سوريّة إلى دويلاتٍ أو تكون أمام اتحادٍ فدرالي.

كما قرأوا في الندوة، التي شارك فيها متحدثاً رئيساً الكاتب المحلل السياسي حماده فراعنة، تأثير التفاهم الأميركي الروسي في سير الأحداث، متناولين الاتفاق التركيّ الإيرانيّ أمام ما يمكن أن يستجدّ من تداعيات، في تفكك سوريّة بين العرب والأكراد، والسنّة والشيعة، والكلّ والجزء الدرزي، ما ينذر بتدميرٍ قوميٍّ طائفيٍّ لكلا البلدين.

ولفت المتحدثون إلى أنّ المسألة السوريّة أصبحت ورقةً تفاوضيّةً ومساومةً بين أطراف إقليميةّ بامتداداتٍ دوليّة، وليست بيد أيّ قوةٍ في الداخل السوري، ودرسوا الضمانات الإسرائيليّة تحت العباءة الأميركيّة.

وانطلقوا من الموقف الأردنيّ في التأكيد على ثابته القوميّ نحو سوريّة والعراق، من خلال لقاءات جلالة الملك عبدالله الثاني في واشنطن وموسكو والاتحاد الأوروبيّ، وإيمانه بوحدة التراب الوطنيّ فيهما، خارج لعبة المكوّنات السنيّة والشيعيّة في إطار الدولة الواحدة.

كما اهتمّوا بالمرحلة المصيريّة، تاريخيّةً كانت أم جيوسياسيّة، معربين عن قلقهم من اتفاق يعيد صياغة خارطة المنطقة. وفي الندوة، قرأ مشاركون الدورين الروسيّ والإيرانيّ بين التنافس والتنافر، فيما ذهبت آراء إلى أنّ الدولة القادمة التي يمكن أن تنافس كلاً من إسرائيل وإيران وتركيّا إنّما هي الدولة الكرديّة؛ باعتبارها الحليف الأقرب الذي يمكن الاعتماد عليه في المنطقة بعد إسرائيل.

أدار الندوة - هادي الشوبكي

حررها - إبراهيم السواعير وبثينة جدعون

 

فراعنة: صناعة الربيع

رأى حمادة فراعنة أنّ تضافراً لمنظمات المجتمع المدني ومؤسسة الجيش مع القرار الدولي أسهم في صناعة ثورة الربيع العربي منذ عام 2011، في كل من تونس ومصر وليبيا.

وأضاف أنّ مؤسسات المجتمع المدني حَرّكت الشارع ضد الأنظمة الثلاثة بعد أن استثمرت جيداً حاجة المواطن العربي للخدمات الحيوية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية المفقودة، وهو ما عجزت الأنظمة العربية عن توفيره لمواطنيها.

وقال فراعنة إنه في الوقت الذي استجاب فيه الجيش لحراكات الشارع الاحتجاجية وجدت هذه المؤسسة المنظمة والقوية نسبياً في التحريض والغطاء والمتابعة الملازمة للأحداث، التأييد من قبل صُناع القرار الدولي (الأميركيين والأوروبيين)، وبخاصة في كل من جيشي تونس ومصر، اللذين قادا عملية الإطاحة بحسني مبارك وزين العابدين بن علي، في حين أن الجيش الليبي لم يتجاوب مع التحريض الدولي ولم يتعاطف مع حراكات الشارع الاحتجاجية، وبالتالي أكمل القرار الدولي حصاره وانقضاضه وتدخله القتالي المباشر، وأسقط نظام القذافي بالعمل المسلح الأميركي الأوروبيّ المشترك.

وأشار إلى أنّ سوريا كانت تمثل الحلقة الرابعة التي توقف عندها قطار الربيع العربي وتعثر فيها، مضيفاً أنه ونتيجة عدم تكامل الأدوار بين العوامل الثلاثة «المجتمع المدني والجيش والقرار الدولي» لم ينفذ الأمر، ولم تفلح هذه القوى في استكمال وظائفها وتكاملها لإسقاط النظام السوري وتغييره.

وأضاف فراعنة أن مؤسسات المجتمع المدني لعبت دوراً نشطاً ومبادراً ناجحاً بما توفر لها من إمكانات، وبما هو مرسوم لها، كما أنها وجدت الغطاء الدولي المناسب الذي لم يكن كافياً لتحقيق ما هو مطلوب كما حصل في المحطات الثلاثة السابقة التونسية والمصرية والليبية، فقد تم استبدال الغطاء الدولي بالغطاء الإقليمي.

وأكّد أنّ أدوار العوامل الثلاثة السابقة لم تكتمل في سوريا، باستثناء عامل المجتمع المدني، فقد أحبط العامل الثاني ممثلاً بالجيش الهدف، حيث بقي الجيش السوري متماسكاً موحداً، ولم يخرج منه أو عنه ما يمكن أن يضيف خللاً على أدائه، باستثناء حالات فردية من كبار الضباط أو الأفراد لم تترك أثرها العميق على المؤسستين العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى المؤسسة الحكومية والدبلوماسية ومؤسسات الحزب، وكلها بقيت في أغلبها متماسكة موحدة، وصدّت بما تملك من إمكانات المواجهات المسلحة.

كما لفت فراعنة إلى أن العامل الثالث ممثلاً بالقرار الدولي كان مرجحاً في فشل برنامج الثورة وإحباط مخططها وحصيلة هدفها، فقد أدى دوره الكامل في توفير الغطاء لعمليات التغيير في البلدان الثلاثة تونس ومصر وليبيا مقابل انقسامه في سوريا، حيث وقفت روسيا والصين مع نظام الرئيس بشار الأسد ووفرت له عوامل الصمود وأدواته، بينما وقفت الولايات المتحدة وأوروبا مع المعارضة المسلحة ودعمتها، مضيفاً أن هذا انعكس على شكل وحجم الدعم المقدم من الطرفين المتصارعين على الأرض، وكانت حصيلته إخفاق الثورة والمعارضة المسلحة في تحقيق غرضها في إسقاط النظام السوري وتغييره.

غطاء دولي

وعزا فراعنة نجاح ثورة الربيع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا إلى توفر عوامل الانفجار والاحتجاج والرفض ممثلة بغياب الاستقلال السياسي والاقتصادي، وعدم توفر العدالة الاجتماعية، إضافة إلى الافتقاد للديمقراطية.

وأضاف أنه ومع ذلك ولولا توفر حوافز الحراك الشعبي ما وجدت مؤسسات المجتمع المدني فرصتها لدفع قطاع من السوريين للخروج إلى الشارع وممارسة الحراك والمظاهرات والاحتجاجات، مؤكداً أن العامل الجوهري الذي أحبط هذه الاحتجاجات هو عدم تكامل أدوار مؤسسات المجتمع المدني مع الجيش والغطاء الدولي، والتي توفرت لدى البلدان التي نجح فيها التغيير، في حين أنها غابت عن سوريا، فالجيش السوري بقي متماسكاً مع النظام، والغطاء الدولي انقسم إلى قسمين، ولم يكن موحداً كما حصل مع تونس ومصر وليبيا وكما سبق وحصل في العراق، مشيراً بذلك إلى قول أحد المسؤولين الروس لمسؤول عربي: «لقد خطفت واشنطن العراق وليبيا في غفلة من الموقف الروسي، ولكنها لن تتمكن من فعل ذلك في سوريا».

وأوضح فراعنة أن روسيا حمَت النظام السوري من السقوط والانهيار لسببين جوهرييين: أمني واقتصادي، فالروس يواجهون فصائل شيشانية تقاتل على أرض سوريا مع القاعدة وداعش وهي إن حققت ما تريد فستعود لمقارعة الروس ومقاتلتهم على أرض بلادهم، ولهذا بادرت روسيا بالتصدي لهم سلفاً والعمل على هزيمتهم على أرض سوريا قبل انتقالهم للعمل في المناطق الروسية.

وأضاف أن العامل الاقتصادي يتمثل في إحباط المشروع القطري الهادف إلى مد أنبوب غاز من قطر إلى أوروبا عبر الأراضي السورية كبديل لأنبوب الغاز الروسي الذي يُغذي أوروبا، وبالتالي سيؤدي إذا تحقق إلى إضعاف الدور الروسي الاقتصادي وتأثيره السياسي على أوروبا المعتمدة على غازه، مشيراً إلى أنه مقابل ذلك تراجعت الولايات المتحدة بعد أن فشلت خلال السنوات الخمس من تحقيق غرضها بتغيير النظام السوري، فوقع التفاهم الروسي الأميركي البديل وأثمر عن اتفاق وقف إطلاق النار وفرض التهدئة تمهيداً للتسوية المنتظرة.

وأشار إلى وصول الصراع لطريق مسدود استنزف الأطراف المشاركة فيه والتي لم يحصل أي منها على كامل مبتغاه، إذ لا المعارضة أفلحت في إسقاط النظام، ولا النظام أنهى المعارضة وهزمها بعد سنوات خمس من الدمار والخراب، وإن كانت موازين القوى مالت لحد ما لصالح المعارضة في بعض الأحيان والمواقع، مما دفع روسيا للتدخل مباشرة.

وقال فراعنة إن تدخّل روسيا لم يكن استفزازياً للمعسكر الآخر، بل تم عبر التفاهم المسبق مع الأميركيين لسببين: أولهما العمليات الارهابية التي مست أوروبا وطالتها، وثانيهما عنصر اللاجئين الذي تدفق على البلدان الأوروبية فأربكها، وخلق لديها مشكلة غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، فجاء التدخل الروسي برضا وقبول أميركي وأوروبي، ليقلب المعادلة على الأرض ويُعدّل موازين القوى لصالح دمشق بشكل واضح وجلي، الأمر الذي أدى إلى التوصل إلى تفاهمات ومن ثم إلى اتفاقات روسية أميركية قاعدتها زيارة جون كيري إلى موسكو يوم 14/12/2015، وصدور قرار مجلس الأمن 2254 يوم 18/12/2015، إضافة إلى سلسلة الاتفاقات التي تمت وفي طليعتها اجتماع «المجموعة الدولية لدعم سورية» يومي 11 و 12 شباط 2016 ممثلة بـ (الجامعة العربية، الصين، مصر، الاتحاد الأوروبي، فرنسا، ألمانيا، إيران، العراق، إيطاليا، الأردن، لبنان، منظمة التعاون الإسلامي، عُمان، قطر، روسيا، السعودية، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، المملكة المتحدة، الأمم المتحدة، والولايات المتحدة).

وأشار إلى إجماع هذه المجموعة على ضرورة العمل على «التسهيل الفوري للتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي تم إقراره بالإجماع بتاريخ 18 كانون الأول 2015، كما أعادوا التأكيد على استعدادهم لتنفيذ كل الالتزامات الواردة في القرار بما فيها: «ضمان عملية انتقال سياسي بقيادة سورية استناداً إلى بيان جنيف بكلّيته، والضغط باتجاه وضع حد لأي استخدام عشوائي للأسلحة، ودعم وتسريع الاتفاق وتطبيق وقف شامل لإطلاق النار، وكذلك تسهيل الدخول الفوري للمساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة والمناطق التي يصعب الوصول إليها، إضافة إلى إطلاق سراح الأشخاص المعتقلين اعتباطياً، ومكافحة الإرهاب».

كما أشار إلى الاتفاق الروسي-الأميركي في 28 شباط 2016، الذي ينص على أن وقف الأعمال القتالية لا ينطبق على تنظيمي داعش وجبهة النصرة وغيرهما من المجموعات الأرهابية المحددة من قبل مجلس الأمن، فقد اتفقت الدولتان على وضع الآليات الضرورية للحيلولة دون تعرض الأطراف المشاركة في وقف الأعمال القتالية لهجمات القوات المسلحة الروسية والتحالف بقيادة الولايات المتحدة والقوات الحكومية السورية المسلحة وغيرها من القوى الداعمة لها، وبأن جميع الأعمال القتالية بما في ذلك الضربات الجوية التي تنفذها القوات المسلحة السورية والقوات الروسية وقوات التحالف ضد داعش الذي تترأسه الولايات المتحدة، ستستمر ضد «تنظيم داعش» و»جبهة النصرة» وغيرها من المنظمات التي حددها مجلس الأمن الدولي على أنها منظمات إرهابية.

وأضاف أنهما اتفقتا على أن روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأميركية ستعملان معاً ومع الأعضاء الآخرين لمجموعة العمل على وقف الأعمال القتالية لكي تقوم حسب الضرورة، ووفقاً لقرار المجموعة الدولية لدعم سوريا الصادر يوم 11 شباط 2016 على تعيين حدود الأراضي التي يسيطر عليها «تنظيم داعش» و»جبهة النصرة» وغيرها من المنظمات المحددة من قبل مجلس الأمن الدولي على أنها إرهابية والمستثناة من وقف الأعمال القتالية.

ورأى فراعنة أن قرار وقف العمليات القتالية على أرض سوريا، باستثناء القاعدة وداعش، أملاه التفوق الرسمي للقوات النظامية المسلحة، ولذلك فهو يصب لمصلحة النظام ويشكل خطوة جوهرية ونقلة نوعية ذات طابع سياسي هجومي، لصالح النظام وحلفائه، مؤكداً أن هذا تحقق بفعل عاملين أساسيين: أولهما وقوف روسيا كدولة عظمى إلى جانب النظام والقتال معه، وثانيهما تراجع الولايات المتحدة وقبولها بالنتائج الميدانية والسياسية التي آلت إليها الوقائع وتطور الأحداث.

وقال إنّ الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع البلدان الستة الكبرى يوم 14 تموز 2015، بعد مفاوضات شاقة وصعبة استمرت لمدة 12 عاماً، والتزمت بموجبه بوضع قيود على برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات عنها بشكل تدريجي، والتفاهمات التي جرت بين روسيا والولايات المتحدة في أعقاب زيارة جون كيري الثانية لموسكو يوم الثلاثاء 15 كانون أول 2015، ولقائه مع الرئيس بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف، والتي تناولت ثلاثة عناوين رئيسية هي: تسوية الأزمة السورية، وتنفيذ اتفاقات مينسك بشأن أوكرانيا، إضافة إلى العلاقات الثنائية بين البلدين، عكست الرغبة من قبل الطرفين لتعزيز الانفراج الدولي، على نحو ما لخصها وزير الخارجية الأميركي في المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الروسي بقوله: «على الرغم من الاختلافات بين بلدينا، إلا أننا أظهرنا أن روسيا والولايات المتحدة عندما تسيران في اتجاه واحد، فيمكن إحراز تقدم»، ووصف لافروف نتائجها على أنها كانت «موضوعية ومحددة «.

اتفاق نووي

ورأى فراعنة أن الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الستة، والتفاهمات الروسية الأميركية، لم تكن موضع ترحيب من قبل الأطراف الإقليمية في المنطقة العربية، لأن نتائجها لم تتجاوب مع مصالح هذه الأطراف ورغبتها في التوصل إلى نتائج سياسية في العالم العربي مخالفة لما تم الاتفاق عليه بين الروسيين والأميركيين، فقد لمست الأطراف الإقليمية المتصارعة أن الاتصالات الأميركية الروسية متواصلة، بخاصة بعد زيارة جون كيري الأولى لموسكو في أيار الماضي، وبعد التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا منذ بداية شهر تشرين 2015، والعمل على تغيير موازين القوى على الأرض لصالح النظام في مواجهة المعارضة المسلحة، كما استشعرت هذه الأطراف أن ثمة تحولات في الموقف الأميركي باتجاه التراجع لمصلحة الموقف الروسي المؤيد لنظام الرئيس بشار الأسد.

اعتراضات إقليمية

وقال فراعنة إنَّ تركيا والسعودية سعتا لمواصلة عبر تعطيل التفاهمات الإيرانية-الروسية-الأميركية، فقد بادرت تركيا بإسقاط القاذفة الروسية سوخوي 23 فوق الأراضي السورية يوم 24 تشرين ثاني 2015، بمهاجمتها من قبل طائرتين حربيتين تركيتين من طراز F.16، مشيراً إلى أن الرئيس الروسي بوتين وصف خلال استقباله جلالة الملك عبد الله الثاني، هذه الخطوة بـ «أنها طعنة في الظهر» محذراً من عواقبها الوخيمة على سير العلاقات الثنائية بين الدولتين الروسية والتركية.

كما أشار إلى أن إعدام نمر باقر النمر أدى إلى خروج التصريحات المنددة أو المؤيدة في العالم العربي، الأمر الذي فاقم من الأزمة السياسية السائدة، وعمّق الانقسام والاصطفافات العربية لصالح التعارض بين الرياض وطهران، وبالرغم من ذلك لم تقو السعودية وإيران على إعلان حالة الحرب بعد إحراق السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، حيث أعلن الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع «أنه لا يوجد عاقل يسعى للحرب بين السعودية وإيران»، كما بعث وزير الخارجية الإيراني رسالة إلى سكرتير الأمم المتحدة يبلغه فيها عن عدم رغبة إيران بتصعيد التوتر وتوسيع مساحة الصراع بينها وبين بلدان الخليج العربي، وبخاصة مع العربية السعودية، لافتاً إلى أن الأطراف في المنطقة تدرك أن ثمة تفاهمات دولية، روسية أميركية أوروبية إيرانية جارية.

ورأى فراعنة أن المناخ السائد في المنطقة من قبل الأطراف الدولية الفاعلة والمؤثرة يتمثل بالتسويات والتوصل إلى حلول للصراعات البينية في ليبيا وسوريا واليمن والعراق، إضافة إلى تركيز الجهد العسكري نحو مواجهة تنظيمي داعش والقاعدة الأكثر خطورة، وبخاصة بعد فشل قوى المعارضة من تحقيق إنجازات على الأرض، باستثناء تدمير قدرات بلادها وتشريد قطاعات واسعة من شعوبها في سوريا وليبيا واليمن والعراق وتهجيرهم ليتحولوا إلى عنوان لأزمة لاجئين دولية غير مسبوقة.

وأكد أنّ الأطراف الأقليمية المموّلة للحروب البينية أُستنزفت مواردها المالية بسبب طول فترة الصراع بلا نتائج تخدم مصالحها، وهبوط أسعار النفط الذي لم يعد يُلبي احتياجات مصاريفها العالية، الأمر الذي زاد من أزمتها وأضعف خياراتها السياسية، وباتت بلا بوصلة هادية، وبالتالي ستدفع ثمنه داخلياً في أوقات لاحقة كما حصل في بلدان الربيع العربي، فالذي حمى هذه البلدان من االاحتجاجات والانتفاضة والتغيير هو امكاناتها المالية، وبغيابها أو تراجعها ستؤدي نتيجته إلى انفجار الوضع الشعبي بين مسامات هذه البلدان بما فيها إيران.

هدف سياسي

وقال فراعنة إن هدنة 28 شباط في سوريا، والتي كانت حصيلة التفاهم الأميركي-الروسي، فتحت بوابة الجلوس الفعلي على الطاولة لبحث الحل السياسيّ وإقراره، بديلاً لمنطق الحرب وفشلها، فالهدنة حتى لو بقيت هشة أو متقلبة أو تخللتها خروقات، سيكون النقاش حول كيفية تغيير قواعدها من هشة إلى قوية، ومن متقلبة إلى دائمة، ومن خرقها إلى وقف هذا الخرق، مضيفاً أنه لن يكون الهدف استثمار الهدنة لتعزيز القدرات العسكرية لهذا الطرف أو ذاك، بل لإنجاز الهدف السياسيّ بعد الهدنة، التي عدّها محطة ضرورية نحو الانتقال إلى مناخ آخر.

وأضاف أن قوات المعارضة السورية المنخرطة في صفوف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، بدأت مطالباتها أو شروطها لبلع الهدنة، ومن ثم بلع الإقرار بوجود القوات السورية والنظام السوري ومن ثم بشار الأسد، مضيفاً أن مطالباتها بدأت بضرورة أن يقدم النظام إجراءات ثقة، وذلك عبر إطلاق سراح المعتقلين، وإدخال المواد الغذائية، وغيرها من المطالب وفق المادة 12 و 13 من قرار مجلس الأمن، أي أن مطالبها تحولت إلى مطالب بناء الثقة وعلى قاعدة قرار مجلس الأمن، أي على قاعدة تفاهمات الولايات المتحدة وروسيا والاتفاق بينهما.

ورأى فراعنة أن التفاهمات والاتفاق الروسي الأميركي وصل إلى صيغة «عدم الهزيمة وعدم الانتصار» لطرف على حساب طرف، أي أن النظام سيبلع وجود معارضة رسمية له، فيما المعارضة تحتاج للتكيف مع وجود نظام بشار الأسد، وبقائه، وكلاهما سيقف موحداً في خندق واحد في مواجهة تنظيمي داعش والقاعدة.

جنيف3

ورأى فراعنة أنّ جنيف 3، لن يكون مثل جنيف1 واحد وجنيف 2، بل سيعكس موازين القوى المستجدة على الأرض، وسيعكس الإقرار بوجود الطرفين وبضرورة تفاهمهما وتكيفهما بعضهما مع بعض، النظام مع المعارضة، وليس أحدهما بديلاً عن الآخر، بل إن كليهما ضد معسكر داعش والقاعدة المتطرف، واصفاً الأمر بـ «الصعب، مضيفاً أن واشنطن وموسكو ومعهما المبعوث الأممي «دي ميستورا» يسعون إلى اختزال عوامل الزمن لفرض منطق التفاهم والإقرار به وتوسيعه، وهو أمر تحاول الأطراف بلعه أو تسهيل بلعه على نفسها، بخاصة وأنّ الأطراف الاقليمية ما زالت تتحدث بمنطق غير واضح.

مصالح دول

وأكد فراعنة أن زيارة رئيس الوزراء التركي «أوغلو» إلى طهران يوم 5/3، تشير إلى بداية التراجع السياسي لتركيا عن موقفها دولياً وإقليمياً بشأن سوريا، وبخاصة بعد التفاهم الأميركي الروسي، ولذلك شكّل الاتفاق الروسي-الأميركي وتفاهماته الأرضية أساس التفاوض بين العاصمتين التركية والإيرانية، ولن يكونا بالمطلق، كما لن يتوصلا إلى ما هو دون الاتفاق الدولي.

ورأى أنّ الاتفاق التركي-الإيراني المعلن بالتمسك بوحدة سوريا الدولة، اتفاق مهم ويعكس مصالح البلدين لخشيتهما من تداعيات الأزمة السورية وهي تفكيك سوريا بين العرب والكرد، وبين السنة والشيعة، وبين الكل والجزء الدرزي، مضيفاً أنها حصيلة ليست مدمرة لسوريا فحسب، بل هي بداية التدمير القومي والطائفي لكل من تركيا وإيران، فكلا البلدين يحويان تجمعات ومكونات لا تقل تعددية عن سوريا والعراق، بل تفوق ذلك، الأمر الذي يدفع بالعاصمتين للتعامل بحذر مع نتائج الأزمة السورية حتى لا تصل إلى بلديهما، وهو تفكيك الدولة التركية بين ثلاث قوميات تركية وكردية وعربية، ومثلها إيران.

الشناق: مساومة خارجية

قال الأمين العام للحزب الوطني الدستوري د.أحمد الشناق إن المسألة السورية جزء من قضية عربية شاملة، مضيفاً أننا في مرحلة تاريخية بمعطياتها وليست سياسية، كوننا دخلنا نفق إعادة صياغة المنطق وفق معطيات تاريخية وليست سياسية.

وأضاف أن هناك عوامل داخلية جعلت الشعوب العربية على مختلف مكوناتها تخرج للشارع، لكن فيما بعد جاءت اليد الأجنبية لتعبث بهذا الأمر.

ورأى الشناق أنّ المسألة السورية هي التي ستحدد شكل دول المشرق العربي الجديد، مسمياً إياها مرحلة «إعادة فك وتركيب» المنطقة، فهناك فك وتركيب ديمغرافي، مضيفاً أنه ليس مع قضية السنة أو الشيعة، إذ إن ظاهرها نفوذ وصراع دول سياسي وباطنها مذهبي طائفي. وأكّد أن المسألة السورية أصبحت ورقة تفاوضية ومساومة خارجية ليست بيد أي قوة بالداخل السوري، بمعنى انتفت قضية الحل السوري السوري، وأصبحت ورقة مساومة بين أطراف إقليمية بامتدادات دولية.

وقال الشناق إنّ العالم يعيش تحت مظلة أحادية القطبية، فلا توجد ثنائية القطبية، عاداً كلاً من روسيا وتركيا وإيران دولاً إقليمية كبرى تبحث عن حصتها في النظام الدولي الجديد الذي تجري إعادة صياغته للعالم بأسره، فقد بدأ بالكتلة الشرقية من الاتحاد السوفياتي وانطلق للمناطق الآسيوية، والآن بقيت المنطقة العربية.

ضمانات وجود

ورأى أن أكثر قوتين مؤثرتين إقليمياً بامتداد دولي في تحديد شكل الدولة السورية هما أميركا التي تدير كل أطراف العملية الإقليمية بالمنطقة وإسرائيل تحديداً، لأن هناك اتفاقاً دوليّاً وإقليميّاً على ضمانات ما يريده الإسرائيليون، وعربون ذلك تسليم السلاح الكيماوي الذي يهدد الوجود الإسرائيلي من خلال الروس.

وقال الشناق إنّ إسرائيل هي الدولة الأكثر تأثيراً على القرار الدولي بكل أطرافه ومعادلاته وأدوات تنافسه وصراعه، مضيفاً أنه من المعلوم أن إسرائيل هي الدولة التي يحرص العالم بأسره على أمنها.

وأضاف أن التدخل التركي في سورية (أمني-قومي) بالقضية الكردية وليس بمفهوم أصولية إسلامية، مشيراً إلى أننا إلى الآن لم نر أية عملية إرهابية في إيران، في حين أن تركيا تعاني تاريخياً، فهي تطارد الأحزاب الكردية التركية سواء من قَبِل منها بالديمقراطية أو رفضها.

وأكّد أن هناك أمناً قوميّاً لوحدة التراب التركي مع الأكراد، فالأمر يختلف عن الموضوع الإيراني، بخاصة أن إيران أخذت حصتها في المنطقة العربية بمفهوم المقدسات والعراق.

خريطة جديدة

وأشار الشناق إلى أنّ سورية هي التي سيعاد على ضوئها تشيكل المنطقة، مضيفاً أنّ العالم العربي بأسره بما فيه أفريقيا مُقدم على مفهوم الفيدرالية العربية، مؤكداً أنّ الخلاف الدولي في سورية تحديداً على قضيتين: هل ستكون دولة فيدرالية بدولة مركزية أم دويلات اتحادية على غرار الديكابولس؟!

وتابع أنّ المسألة السورية سيتحدد منها شكل الإقليم الجديد، الذي سيتحدد نمط علاقته الدولية الجديدة، ونمط العلاقات الإقليمية الدولية التي سيستقر عليها شكل هذا الإقليم، والتي سيتولد عنها نظام أمن إقليمي يضمن الأمن للجميع.

وبحسب رأي الشناق فإنّ هناك ثلاث قضايا أساسية تشكل البيئة الحاضنة الأساسية لما يجري بالمنطقة، أولها: فشل التيار القومي اليساري بما تم، فهو الذي أثقل ظهر الأمة من الهزائم تحديداً قضية فلسطين، التي يتحمل مسؤوليتها تاريخياً، وثانياً: الفشل في ايجاد مشروع فكري ثقافي يجمع الأمة على مشروع اتحادي يحاكي العصر والخصوصيات القطرية بعيداً عن القفز أو الاختراق من تحت الحدود، بما يبني مصلحة مشتركة بين الشعوب مثال ذلك الوحدة الأوروبية.

أما ثالث هذه القضايا فقال إنها تتمثل في الفشل ببناء الدولة، والحكم بسيف الشخص، وتغييب الديمقراطية ودور الشعوب والتنمية، وهذه القضايا جميعها احتقن فيها العقل العربي في هذه الدول.

ولفت الشناق إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار في سورية تم بعد أن انهت اللعبة الدولية إنهاك القوى، وتعادل موازينها على الأرض، بشرط أنه لا يجوز لأي من هذه القوى التحرك من الجغرافيا التي حددت.

وقال إنّ الإشكالية الكبرى في مسألة العراق وسورية ولبنان تكمن في قبول العرب السنة بتلك الدول بجغرافيتهم المحددة لهم، مشيراً إلى أن الصراع في العراق رغم كل ما يجري من تهميش إعلامي كان أساس المسألة الثانية بعد احتلاله ودسترته على أساس طائفي، مضيفاً أنه بدلاً من أن يكون نموذجاً ديمقراطيّاً أصبح مشروعاً طائفياً.

وأضاف أن التّمدد الإيراني في اليمن، وتعطيل الرئيس في لبنان، والمسألة السورية جميعها أمورٌ تصبّ تحت المشروع الطائفي وليس السني.

ورأى أنَّ روسيا تعمل وفق الإرادة الأميركية، مضيفاً أنّ الصراع في سورية قائم بصرف النظر عن الأدوات الموجودة على الأرض والتصريحات العالمية. واعتقد الشنّاق أنّ مؤتمر جنيف سيخرج بالحدث التاريخي الكبير بتقسيم سورية إلى دويلات أو اتحاد فيدرالي، إذ لم تعد هناك إمكانية للحل السوري السوري، كما أن الاتفاق الذي لم يحصل منذ الألف عام بين الأرثوذكس والفاتيكان يعدّ تطوراً تاريخيّاً، لأن الطائفتين الكاثوليك والارثوذكس معنيين بالأماكن المقدسة وحضورهم سيحدد كيف سيكون الشكل النهائي للدولة السورية.

وأكد الشناق أن الأردن ومنذ البدء كان مقراً لرؤيته العربية والثابت القومي لوحدة التراب الوطني في العراق أو سورية، كما أنه كان خارج لعبة المكونات وكان حريصاً على المكون السني والشيعي، ويدعو لوحدة المكونات في إطار الدولة الواحدة.

وأضاف أن الأردنّ في أحلك الظروف كان الأحرص على ثابته القومي نحو سورية والعراق، مؤكداً على موقفه المتوازن الذي عبرّ عنه من خلال لقاءات جلالة الملك في واشنطن وموسكو وفي الاتحاد الأوروبي وغيرها، برؤيته الواضحة في المنطقة.

وأكد الشناق أن الأردنّ لم يساوم ولم يتراجع ولم يخبىء موقفه ضد الإرهاب، أو ضد تسليح أي طائفة أو مذهب.

الفاعوري: استهداف عربي

قال الأمين العام لمنتدى الوسطية المهندس مروان الفاعوري إنّ ما يجري في هذه المنطقة يأتي في سياقات تاريخية وليس ردة فعل على ثورات أو حركات سياسية هنا أو هناك.

وأشار إلى أنّ سايكس بيكو أوهمت العالم العربي أن هناك استقلالاً، فاستمرت الدول الغربية في نهب ثروات المنطقة وتصدير قرارها السياسي خارج حدودها، وبقيت مؤسسات الوحدة العربية عبارة عن هياكل وأشكال ليس لها دور وليس لها فاعلية، مضيفاً أن الدليل على ذلك مؤتمر جامعة الدول العربية الذي تعذّر انعقاده بسبب الظروف، متسائلاً: هل هناك أدعى من هذه الظروف لتلتقي القيادات العربية؟ وكذلك الأمر بالنسبة إلى منظمة التعاون الإسلامي وانهيار منظومة التحالفات ومجالس التعاون العربية التي أُنشئت بالعشرية الماضية.

ورأى الفاعوري أنّ النظام الكوني يريد لإسرائيل أن تبقى متفردة بهذه المنطقة، مضيفاً أننا ندخل المرحلة الأخيرة من تفتيت المفتت وتجزيء المجزأ، ولابد الآن أن يتم إعادة إنتاج الكيانات العربية بصورة لا تعكس أي أثر سلبي على أمن إسرائيل، مشيراً إلى أنّ هذا يعدّ جزءاً من التفاهم في موضوع الاتفاق النووي بين إسرائيل وإيران وأميركا والدول الغربية.

وأضاف أن هناك استهدافاً للمنطقة العربية بكياناتها وقواها السياسية. وأوضح الفاعوري أن الدور الروسي مأجور لمصلحة إسرائيل، فهناك الغاز الذي اكتشف في البحر المتوسط بمصر واختطفته إسرائيل وهو جزء من البيع والشراء، إضافة إلى ما يقال من أنّ الغاز الموجود في منطقة تدمر يعدّ جزءاً من صفقة تقايض به إيران مقابل وجودها في المنطقة.

وأضاف أن الحديث الآن هو عن سورية مفيدة لإسرائيل والنظام الغربي، مضيفاً أنّ هناك تحولات سريعة بالتحالفات، ولا تستطيع إلا أن تشاهد حركات متطرفة بأشكال مختلفة تضرب المنطقة، ويدفع العالم كله ثمن هذا التطرف، مبيّناً أن فتوراً واضحاً بفي قضية فلسطين نتيجة ما يمكن أن يكون انعكاساً للأزمة السورية، الأمر الذي يصب من وجهة في مصلحة إسرائيل، إذ لم يعد هناك أي حديث عن غزة أو الضفة الغربية أو حتى عن السلطة الفلسطينية.

وأكد الفاعوري أن ما يجري الآن هو محطة من محطات التحول الكبرى التي يمكن أن تقود في النهاية إلى ثورة قادمة لدى العالم العربي، ولا يمكن أن تتنبأ بها الإدارة الأميركية أو مراكز الدراسات الغربية، لأن موجات الربيع العربي ليست موجة واحدة كما حدث في عامي 2011-2012، إنما هي موجة حضارية مترددة، مشدداً أن الشعوب العربية بعد أن جربت طعم الحرية والاستقلال لا يمكن ان تتنازل عنه.

وأضاف أنه وبالرغم من أن الطائرات والصواريخ وراجماتها تضرب يومياً، إلا أن هناك إرادة حقيقية لدى القوى السياسية كافة، بوجوب انصهار الإيرانيين والأتراك والعرب بمشروع واحد في هذه المنطقة، وأنه لا بد أن تكون القوى السياسية واليسارية والإسلامية حاضرةً وكذلك طبيعة مشروع النهضة القادم لمواجهة مشروع التقسيم.

فرغل: لاعب رئيس

قال مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في القوات المسلحة الأردنية اللواء المتقاعد د.محمد فرغل إن المرحلة الحالية بصرف النظر عن تسميتها التاريخية والجيوسياسية هي مرحلة مصيرية، لأنّ من الممكن أن يكون هناك اتفاق بإعادة صياغة خارطة المنطقة، فسايكس بيكو عمرها 100 سنة وهي للآن لم تنجح، الأمر الذي يقودنا إلى القول بأن مصير المنطقة يُقرر من الخارج.

وأضاف آسفاً أنّ العرب يأخذون المواقف من بعضهم بعضاً في السياسة وهذا أمر واقع، مشيراً إلى أن المنطقة خرجت من الاستعمار ودخلت في مرحلة فريدة من نوعها، إذ لا توجد منطقة في العالم فيها جمهوريات ملكية ألا في المنطقة العربية، كما أنه لا توجد أي منطقة في العالم خرجت من الاستعمار ولم تجنِ مردوداً بشكل فعلي إلا في المنطقة العربية، مضيفاً أنه حتى في إفريقيا نجد تقدماً حقيقيّاً بلغة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحكم، بكل معايير التقدم باللغة العصرية.

ولفت فرغل إلى أنه قبل البحث عن الحلول لا بد من البحث عن الأسباب، مؤكداً أن ما يسمى بـ «الربيع العربي» جاء أساساً نتيجة تراكمات محلية بصرف النظر عن الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعدم توفر العدالة الاجتماعية والفقر والبطالة وعدم الرضا عن الثغرة الموجودة بين أنظمة الحكم وشعوبها، فجميعها عواملٌ موجودة.

وبخصوص التدخل الروسي في سورية، قال إنّ من الأسباب الروسية البحتة للتدخل كون الروس خائفين من أن ينتقل الإرهاب إليهم بطريقة أو بأخرى، وسواء حلت مسألة سورية أو لم تحل، لأن التنظيمات الإرهابية إذا ضُغط عليها كما هو حاصل الآن في سورية فستذهب إلى مكانٍ آخر.

وأضاف فرغل أن عدداً كبيراً من الإرهابيين كانوا جزءاً من الجمهوريات الإسلامية التي كانت في السابق جزءاً من الاتحاد السوفيتي، وبالتالي فهم يشكلون خطراً حقيقياً عليها، إضافة إلى أن شعوب العالم أصبحت لديها قناعة بأن الإرهاب الصادر عن الجماعات التي تدّعي الإسلام مرتبط بشكل رئيسٍ بالإسلام السنة، مشيراً إلى أن روسيا فيها 12 مليون مسلم سني.

وأكد أيضاً على أهمية السبب الاقتصادي للتدخل الروسي، منطلقاً من أن القرار السياسي مرتبط بالاقتصاد، إذ لا نستطيع فصل الاقتصاد عن السياسة، مشيراً إلى أن روسيا تطمع في عهد بوتين بإعادة إحياء روسيا القيصرية، وإعادة الهيبة التي خسرها الاتحاد السوفيتي.

ولفت فرغل إلى أنه عندما تستمع لحديث الجنرالات الروس تدرك أن الحرب الباردة لم تنته، وأن لديهم رغبة بالانتقام، مضيفاً أنّه، ولحسن حظهم، جاءت قرارات روسيا بالتدخل سواءً في سورية أو أوكرانيا بمرحلة استدارة الأميركيين، وبالتالي وجدوا التدخل في سورية فرصة وقفزوا عليها، وأخذوا قرارهم بالتدخل من دون مشاورة أحد.

وأضاف أنّ الأميركيين هم من أرادوا الاستدارة، إذ أصبح لديهم أولويات أكثر أهمية، مشيراً إلى أن هناك تلكؤاً أميركيّاً وتردداً، كما أن النظام السوري تعدى الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس الاميركي، وبالتالي فالروسيون فرضوا الأمر الواقع في سورية وأصبحوا لاعباً رئيسياً ويمكن أن يكونوا كذلك لاعباً مقرراً.

وأوضح فرغل أنّ روسيا دائماً تخدم مصالح إسرائيل، إذ أن نتنياهو كان أول شخص زار موسكو بعد التدخل ليطمئن على مستقبل سورية لأسباب عسكرية وأمنية، مشيراً أنّ أكبر عدد مهاجرين في تاريخ إسرائيل كان يأتي من الاتحاد السوفيتي الذي سنّ قانوناً يسمح بهجرة اليهود الروس إلى الخارج باستثناء أميركا التي منعتهم من دخولها، وبالتالي لم يبق لديهم خيار إلا إسرائيل.

وقال إن التحالف الروسي-الإيراني مشحون بتنافر وتنافس، لأن مزيداً من النفوذ الروسي في سورية يعني قليلاً من النفوذ الإيراني، فهذه علاقة فيها تناقضات، لكن بعض المحللين يقولون إن التحالف الروسي الإيراني السوري هو المهيمن الجديد على الشرق الأوسط والمنافس الرئيسي لإسرائيل بصرف النظر عن الحكم في سوريا، مضيفاً أن الذين يروجون لهذه الفكرة جميعهم مؤيدون لإسرائيل في أوروبا وأميركا، وهم يحذرون صانع القرار الأميركي من السماح لهذه الهيمنة الروسية الإيرانية أن تكون.

وأشار فرغل إلى أن إيران لديها مشروعها الناضج وأهدافها واستراتيجيتها ووسائلها لتنفيذ هذه الاستراتيجية، متسائلاً عن كيفية التعامل مع المشروع الإيراني.

ورأى فرغل أنّ الدولة القادمة التي يمكن أن تنافس كلاً من إسرائيل وإيران وتركيا في المنطقة هي الدولة الكردية، مشيراً بذلك إلى التحول السياسي الأميركي تجاه الأكراد، مضيفاً أنّهم أقرب حليف يمكن الاعتماد عليه في المنطقة بعد إسرائيل، فالعالم جميعه مقتنع بأن الأكراد ظلموا، وبأنه يجب أن يكون لهم دولة، وبالتالي فإنّ التقارب الإسرائيلي الكردي الذي بدأ منذ قيام إسرائيل واضحٌ الآن.

قعوار: مخطط واع

قال عضو مجلس النواب المهندس عاطف قعوار إنّ الأزمة السورية هي نتاج لمرحلة انحطاط عربي عام وشامل، وحصل في غيبة الوعي، مضيفاً أن العالم كافة يدرك ما هي مصالحه باستثناء العالم العربي، مؤكداً أننا بأمسّ الحاجة إلى ذلك.

وأكد قعوار أن روسيا كانت من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل، فالدول العقائدية وذات المبدأ، أي الدول الاشتراكية، كانت تراعي مصالحها على حساب المبادىء، مشيراً إلى قيام دولة إسرائيل على حساب الشعب العربي والفلسطيني.

وأشار إلى أن المسألة السورية هي مسألة إقليمية، مستنتجاً أنّ مخططاً بدأ يتضح لشرق أوسط جديد، مضيفاً أن هذا المخطط يعدُّ استكمالاً لسايكس بيكو، وقد بدأ منذ اجتياح العراق، إلا أن هذه الفكرة أصابها شيء من الإرباك، وكانت سورية مستهدفة منذ ذلك الوقت، كما أن الاجتياح الأميركي للعراق كان يمكن أن يمتد لسورية، ولكن المقاومة العراقية حمت سورية آنذاك.

وأضاف قعوار أن المسألة التي كانت في العام 2011 امتدت واتسعت، فوجدت القوى العالمية في منطقتنا بيئة إيجابية لتدخلها، مشيراً إلى قيام الدول الأقليمية بدعم المعارضة السورية وتغذيتها.

وقال إننا في الأردن تجنبنا الويلات الدموية وبدأنا بالإصلاح الوطني الشامل، ووقفنا موقفاً متوازناً من المسألة السورية، ودعينا إلى أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة السورية مدركين أن أمننا الوطني جزء من أمن سوريا.

وأضاف أننا كذلك دعينا إلى الإصلاح الوطني الشامل بشقيه السياسي والاقتصادي وإلى إصلاح التعليم وقمنا ببعض هذه الإصلاحات، معترفاً بأنّ الإصلاح يمر بأزمة فالمواطن الأردني لم يشعر بنتائجه، ولم يلمس أياً من عوائده ، وبالتالي يجب علينا أن نتدارك ونعمق إصلاحاتنا السياسية والاقتصادية.

ولفت قعوار إلى أننا لا نستطيع أن نقول إن التدخل الروسي تمّ بالرضا الأميركي، لأن روسيا تربطها اتفاقية دفاع مشترك مع سوريا.

ورأى أن الدور الروسي جاء متأخراً مما نتج عنه تعقيدات في الأزمة، إذ أن روسيا كانت لديها الفرصة القانونية السانحة اعتماداً على اتفاقية الدفاع المشترك بالتدخل على الأرض السورية ووضع بعض الحلول وألا تسمح بانهيار الوضع وتقعيده كما هو الآن.

وأضاف قعوار أن المصالح الروسية حاضرة في المنطقة، وأنّ روسيا ستتدخل سواء سمحت لها أميركا أم لم تسمح، مشيراً إلى أن روسيا تدخلت في أوكرانيا واحتلت إقليمين من جورجيا، ولها مصالح بمرور خط الغاز الروسي لتركيا، وهناك شبكة من خطوط الغاز التي تمر عبر تركيا والبحر الأسود تغذي شرق وجنوب أوروبا، لافتاً إلى أنها تسعى بالتكامل مع الدور الإيراني والسوري والعراقي إلى إمداد شبكات غاز لتغذية أوروبا وشمال أفريقيا ودول المنطقة التي تحتاج لذلك، مؤكداً أن روسيا ستبقى المزود الأول للغاز في العالم، وستبقى تحتفظ بمصادر الطاقة بقدر ما تحتفظ أميركا بالخليج، وبالتالي كان من الواجب على روسيا أن تتدخل في سورية وأن تحمي مصالحها وتتوسع بها.

وأشار إلى تلميحات من التصريحات الروسية بأنهم لا يستبعدون قيام دولة اتحادية في سورية، بالرغم من أنهم عادوا ونفوا ذلك موضحين أن تصريحاتهم لم تفهم بالطريقة الصحيحة.

وأوضح قعوار أن أطراف الدولة الاتحادية في سورية هي الدولة العلوية في الساحل السوري، والدولة السنية ودولة داعش، وأضاف أن هذه الدولة ستمتد وأنها (ولدت لتبقى).

وفي ما يتعلق بلقاء قداسة البابا فرانسيسكو مع كاريلي بطريرك روسيا في كوبا قال قعوار إنه اللقاء الأول منذ 1200 سنة، وقد اتفقا فيه على حماية المسيحيين في المنطقة وإيقاف هجرتهم منها، مشيراً بذلك إلى العنف الذي يتعرض له المسيحيون في العراق وسورية، مؤكداً أن ما يحصل لمسيحيي الشرق العربي هو جزء من التآمر العالمي على المنطقة.

وأكد قعوار أنه آن الأوان لإنهاء المسألة السورية بتفاهمات دولية وشركاء إقليميين وإيجاد توازنات إقليمية، بالرغم من أن هذه التوازنات ستبقى تصب في المصلحة الإسرائيلية، مشيراً في الوقت نفسه إلى الفراغ الإقليمي الذي أحدثه غياب العراق وانشغال سورية بمشاكلها الداخلية وانفراد تركيا وإيران وإسرائيل بالتوازن الإقليمي.

ريال: رؤية أردنية

قال أمين عام حزب الإصلاح والتجديد مازن ريال إننا على أبواب سايكس-بيكو جديد، ولكن بمسمى جديد هو كيري-لافروف وبرؤية جديدة لتقسيم الوطن العربي وتجزيئه تحت عنوان تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ.

وأضاف أنه ومع اكتشاف الغاز في المياه الإقليمية السورية واللبنانية وصولاً لقطاع غزة بكميات هائلة جداً، بدأت «معركة الغاز»، إذ أن حقول الغاز الهائلة الموجودة في تلك المنطقة تساوي أضعاف ما هو موجود في دول الخليج.

وأكد ريال أنّ إسرائيل هي المستفيد الأول في كل ما يحصل في المنطقة، وهو في النهاية يخدم مصلحتها بالدرجة الأولى، مشيراً إلى أن البوصلة اليوم ليست للقدس، فالجميع ينظر إلى ما يجري في بغداد وليبيا ودمشق، ولكن لا أحد يعلم ماذا يجري في فلسطين، مؤكداً أن الفاتورة الأكبر ستدفعها القضية الفلسطينية لأنها محور الموضوع الشمولي بما يتعرض له الوطن العربي من تجزئة وتقسيم.

ولفت إلى أن الأردن أخذ موقفاً جيداً وبرؤية يتحدث الجميع عنها، فقد كانت له رؤية حقيقية في الموضوع السوري، مضيفاً أنه كان على حق بهذه الرؤية واستطاع أن يحافظ على استقراره مع تسليط الضوء على دوره بالدعوة إلى محاربة الإرهاب بالعالم، من خلال مواقفه العالمية والدولية التي عبّر عنها جلالة الملك في جميع المحافل.

ورأى ريال أن مشروع كاليروف بإعادة إنتاج سايكس بيكو لن ينجح، خاصة وأنّ القضية الفلسطينية هي أساس القضايا المركزية في الوطن العربي، مؤكّداً دور انتفاضة الشعب العربي الفلسطيني في إعادة البوصلة لفلسطين.

العتوم: تداعيات استراتيجية

قال رئيس وحدة الدراسات الإيرانية في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية د.نبيل العتوم إن الأزمة السورية تتجه لاثنين من السيناريوهات، وهي إما الدولة الموحدة وهذا له تداعيات كبيرة على الأردن، أو سيناريو الدولة الفيدرالية ضمن التنظيم الدستوري لهذا الأمر.

وتحدث عن سيناريو الدولة الفيدرالية، مهتماً برؤية صانع القرار الأمني والسياسي الأردني على ضوء ما يحدث في سوريا من تغيرات، خاصّةً في جنوب سوريا.

وأكد العتوم أن ترتيب الأوضاع الداخلية في الأردن على ضوء التغيرات بسورية يُعدّ هدفاً استراتيجياً أردنياً، وإعادة تشكيل مؤسسات صنع القرار الأردنية بما فيها المؤسسات الأمنية بالتعامل مع المستجدات، إضافة إلى رفد مؤسسات صنع القرار بنخب قادرة على التعامل مع المتغيرات بمختلف أطياف السياسي الأردني.

ورأى أن السيناريو الذي قد تلجأ له إيران بحال بقاء سورية موحدة هو سيناريو البناء والتفكيك، متحدثاً عن جنوب سورية منطقة جغرافية واسعة بحال بقاء سورية موحدة، محذّراً من سيناريو الفيدرالية والفيدرالية السورية، وأبدى العتوم قلقه تجاه هذا السيناريو وتبعات تقسيم المنطقة.

خليل: غياب فلسطيني

قال رئيس تحرير وكالة شيما برس ناجح خليل إنّ موضوع الأزمة السورية له تفاعلات وستكون له آثار سلبية على جيران سورية سواء في حالة تصاعد الصراع أو في حال الوصول إلى توافق على إنهائه.

وأضاف أنه يوماً إثر يوم ستتداعى هذه البرامج جميعها وتتساقط في أعين كل من المواطنين والسياسيين والمحللين الاستراتيجيين الذين يتابعون ما يحدث في المنطقة، مؤكداً أيضاً أن سورية منطقة (قتل منتخبة) وتدريجية للآثار الايجابية للموضوع الفلسطيني على منظومة الصراع العربي الإسرائيلي وعلى منظومة البرامج التي يؤمل أن تكون بنية تحتية لمحاولة إصلاح في هذه المنطقة.

تعامل ذكي

دعا فرغل إلى عدم تضخيم قدرات إيران وما ستفعله في المنطقة لأسباب منها: أن إيران تمددت أكثر مما تتحمل، بالرغم من أنها كسبت من أزمات المنطقة عبر استخدامها عناصر القوة ورسم الاستراتيجيات، مؤكداً أن إيران ستكسب اقتصادياً وسياسياً من تبعات الاتفاق النووي الإيراني، لكنها في الوقت نفسه تحاول أن تثبت للعالم أنها دولة ملتزمة وصروفاتها مراقبة عالمياً بصرف النظر عن كيفية رؤيتنا للاتفاق وبأنّ فيه مؤامرة، موضحاً أنّ إسرائيل وإيران لا يوجد تصالح بينهما، مضيفاً أن هناك شيئاً من التخوف تجاه التغول الإيراني في المنطقة وأنّ هناك متابعة حثيثة لهذا الموضوع.

وأضاف أن الأميركيين بسبب التجارب الصاروخية يتحدثون عن فرض عقوبات جديدة على الإيرانيين، مشيراً إلى أن هذا الأمر يجب أن يكون له معنى، إذ لا يجوز الانسياق للمؤامرة، فالمؤامرات موجودة والمنطقة قدرها أن تكون محطّ أطماع.

وأشار إلى أن إيران عليها ضغط دولي وتصرفاتها مراقبة، كما أن هناك ضغط إسرائيلي وعناصر ضعف داخلية في إيران سواءً ديمغرافية او اقتصادية أو أغلبية علمانية. وأكد أنّ علينا أن نتعلم كيف نتعامل مع إيران، وأن نطور مقاربة جديدة للتعامل معها، مشيراً إلى أن الأردن والسعودية تعدان أكثر دولتين مؤهلتين لقيادة هذا الجهد.

أكد الشناق أنّ علينا أن نقرأ تداعيات الأزمة السورية على الأردن، وأنّ علينا أن نقرأ ذلك بعيداً عن القراءات السطحية.

وقال إنّ العرب السنة قنبلة موقوتة بوجه أي مشروع لأنه لا يمكن لهم أن يعيشوا كأقلية في أي قطر عربي.

قال فراعنة إن المسألة الأساس تكمن في أن النظام العربي برمته فشل في إنجاز خطوات الاستقلال السياسي والاقتصادي، وبتحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية لشعوبه العربية، كما أن هناك بعض التسيبات في النظامين الملكي والجمهوري.

وأضاف أن وجود انتخابات في الدول العربية لا يعني وجود ديمقراطية، فالديمقراطية تعني التعددية وتداول السلطة، مضيفاً أنه طالما لم تتحقق هذه الخطوات ستتواصل الانتكاسات.

ورأى أنه وبالرغم من أنّ (الدب الروسي) بدأ ينهض، إلا أنه كان له علاقة بتطور الأحداث في سورية من دون تدخل مباشر، مضيفاً أن من يطّلع على البيانات وتفاصيل ومحاضر الاجتماعات يجد أن التدخل الروسي في سورية لم يكن إلا باتفاق وموافقة أمريكية أوروبية.