الاتفاق التركيّ الإسرائيليّ وتداعياته على المنطقة

29/08/2016

ففي الندوة التي استضافها مركز الرأي للدراسات لقراءة ظلال هذا الاتفاق وتأثيراته، وكان فيها الكاتب السياسي حمادة فراعنة متحدثاً رئيساً، تداول منتدون مواضيع وساطة واشنطن بين أنقرة وتل أبيب في التوصل إلى اتفاق ينهي حالة القطيعة بين الطرفين منذ الاعتداء الإسرائيليّ على سفينة مرمرة التركيّة عام 2010، مع أنّ منهم من استبعد أن يكون الأمريكان قد لعبوا هذا الدور، كما قرأوا دوافع الاعتبارات الاستراتيجيّة، ومدى استفادة الشارع الفلسطيني من رفع الحصار عن غزة، وموضوعيّة مصالح تركيّا وخروجها من جملة التحديات التي تواجهها، وكذلك استراتيجيّة هذا القرار بالنسبة لإسرائيل واقتصادها ومحاولاتها الدخول عضواً في حلف الناتو. ورأى متحدثون أنّ علاقة حماس بتركيّا ستأخذ بعد الاتفاق بُعداً أكثر براغماتيّةً، أسوةً ببراغماتيّة تركيّا واتجاهها لروسيا وإيران.

 

على تنوّع آراء سياسيين ومتابعين بشأن الاتفاق التركيّ الإسرائيليّ وتداعياته على المنطقة؛ إلا أنّ ثمّة تقاطعات موضوعيّة في كثير من دوافع هذا الاتفاق وتداعياته على الوضع الفلسطيني، وانعكاساته على الأردن وعلى المنطقة بوجهٍ عام.

ونادى مشاركون بأنّ على العرب أن تكون علاقتهم مع تركيّا مبنيّةً على المصالح الاستراتيجيّة التي يحددونها هم، وأنّهم يجب أن ينطلقوا من حالة بناء ونهوض وتوافقٍ وطني، داعين إلى أهميّة القراءة الشموليّة للاتفاق وتأثيره على تركيا وحماس والسلطة الفلسطينيّة، وألا تُستثنى مصر من مسألة التنسيق الأمني. ولم يتفاءل مشاركون بسبب تخوفهم من نشوء موقف فلسطيني ضعيف يصبح فيه الاختراق أمراً طبيعيّاً، في قراءتهم دوافع تركيّا ومعطياتها لمثل هذا الاتفاق بالنظر إلى علاقاتها مع روسيا والعالم العربي وإيران وسوريا ولبنان وأمريكا وتحديات الأزمة السوريّة.

ورأى منتدون أنّنا يجب ألا نحمّل موضوع حماس أكثر مما ينبعي، أو أن ننظر إلى الأتراك بصفتهم الدولة العثمانيّة، أو نقرأ فقط التأثيرات على الصعيد الفلسطينيّ دون التركي، مثلما أنّ الاتفاق ليس اتفاق سلام بين دولتين في حالة عدائيّة، وأنّ انعكاسات الاتفاق ليست استراتيجية لعدم وجود ظروف موضوعيّة لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بشقّه الفلسطيني، وأن تركيّا ليست معنيّةً الآن بالشكل الاستراتيجي بسبب من مشاكلها الداخلية، وأن الاتفاق لا يشكّل شيئاً جديداً فعليّاً ونوعيّاً في العلاقة التركيّة الاسرائيليّة، مع أن متحدثين قالوا بهدف إسرائيل الحدّ من تعاظم قوة حركة حماس وانتقال اعتمادها من إيران لتركيّا، وأنّ علينا أن نقرأ بحث تركيا عن دور إقليمي مؤثر يضع لها مكانة في هذا الحراك الإقليمي والدولي لإعادة ترسيم الواقع الجيوسياسي في المنطقة، مناقشين دوافع تركيا في مسألة الأكراد والوجود العسكري الروسي.

على الصعيد الأردني، رأى مشاركون أنّ الاتفاق التركي الاسرائيلي سيجنب الأردن أعباء الحركات الإسلاميّة، ويخفف الضغط السوري على الجبهة السورية، وأنه من الممكن أن يوفّر غطاءً أمنيّاً للأردن، باعتبار تركيا مجالاً حيويّاً جداً للأردن، وأن استقرارها وأمنها مصلحة أردنيّة.

أدار الندوة - هادي الشوبكي حررها - إبراهيم السواعير وبثينة جدعون

 

فراعنة: الاعتبارات الاستراتيجية

أكّد الكاتب والباحث السياسي حمادة فراعنة أنّه لا يقدّم شهادة إدانة للسياسة التركية التي يقودها الرئيس أردوغان، مثلما هي ليست شهادة دفاع عن مواقفه السياسية، فهو قائد سياسي لشعبه ومنتخب منهم رئيساً، موضّحاً أننا نقترب منه أو نبتعد، بقدر ما تصل سياساته إلى خلاصات تحترم حسن الجوار، والمصالح المشتركة، والمنافع المتبادلة، وهو منطق وقاعدة وسلوك يجب أن يحكم علاقتنا مع البلدان القومية المجاورة لنا كعرب وهم تركيا وإيران وأثيوبيا، فلدينا مع هذه البلدان ومع هذه القوميات مصالح وتقاطعات، ويجب إعلاء الأدوات والقنوات الإيجابية بيننا وبينهم أكثر من غلو العداء والخصومة والبحث عن الذرائع لتغذية العداوة والخلافات.

ورأى فراعنه أنّ أردوغان تصرف كرئيس لتركيا، وليس كأسير لمصالح العرب والمسلمين وقضاياهم، منطلقاً من ذلك لفهم الاتفاق التركي الإسرائيلي الذي توصل إليه ووقعه مع حكومة نتنياهو في روما يوم 28حزيران 2016.

وقال فراعنة إنّ جهود واشنطن نجحت في الوساطة بين أنقرة وتل أبيب، وأثمرت في التوصل إلى اتفاق يُنهي حالة القطيعة بين الطرفين التي فرضها الاعتداء الإسرائيلي السافر على سفينة مرمرة المدنية التركية يوم 31 أيار 2010، والتي كانت متوجهة من تركيا إلى قطاع غزة في محاولة لكسر الحصار الاسرائيلي على أهل القطاع الفلسطيني.

وأضاف أنّ الوساطة الأميركية حكمتها دوافع الاعتبارات الاستراتيجية لطرفين تربطهما علاقات أمنية وعسكرية وسياسية لكل منهما من طرف وبين واشنطن من طرف آخر، وخصوصاً في ظل المأزق الأميركي متعدد العناوين والأشكال في منطقة حُبلى بالوقائع والمستجدات، مما يستوجب على الأميركيين لملمة أطرافها الصديقة في منطقتنا.

وأشار فراعنة إلى أن أنقرة سعت حثيثاً لرفع حصار الاحتلال الاسرائيلي عن قطاع غزة واشترطت مقابل إنهاء القطيعة وتطبيع العلاقات مع تل أبيب إنهاء حصارها لقطاع غزة، مضيفاً أنه شرطٌ لقي الاستحسان داخل فلسطين وخارجها، ولكنه تحوّل إلى رافعة، بحسب فراعنة، لتعزيز موقف حماس ضدّ الوحدة الفلسطينيّة.

وبيّن أن مراجع تركية وازنة وصفت الاتفاق بأنه يخدم المصالح العليا لدولة كبيرة عضو في الناتو الأطلسي، وأنه جاء في غمرة تحوّل يرقى إلى مستوى الانعطافة السياسية في حسابات دولة أخفقت في مجمل حساباتها الإقليمية، وفشلت في علاقاتها الخارجية، إذ تحوّلت سياستها المرتجلة من صفر مشاكل مع المحيط المجاور إلى رزمة كبيرة من المعضلات المعقّدة، الأمر الذي أضعف مكانة تركيا وأدخلها في متاهة من الخيارات الفاشلة، بل وأدّى إلى تعرضها لمخاطر داخلية حقيقية.

وأكّد فراعنة أنّ الطرفين توصّلا إلى هذا الاتفاق من دون أن يشعر أيٌّ منهما بالذنب أو الحرج أو التردد، خصوصاً الطرف التركي، إذ أنّ كل ما تمكنت أنقرة من فعله لرفع العتب عن كاهلها تمثّل في استدعاء خالد مشعل رئيس حركة حماس إلى العاصمة التركية، والاتصال الهاتفي بالرئيس محمود عباس لإشعارهما بمضمون الاتفاق بعد أن أصبح حقيقة سياسية دامغة، مضيفاً أنه وكمحاولة لـ(جبر) خاطر حماس الملتاعة من سقوط الرهان على أردوغان وسياساته، وحفظ ماء وجه الأطراف كلها تمّ تقديم دفعة من المساعدات العينية والوعود السخية، مثل إنشاء محطة لتحلية المياه، وبناء محطة أخرى لتوليد الطاقة الكهربائية، في سياق وعود مختلفة لا تتعارض مع برنامج نتنياهو نحو «السلام الاقتصادي».

ولفت إلى أن أردوغان لم يكن أول من انفرد في المحيط الإسلامي بالتفاهم المعلن مع الإسرائيليين، فقد سبقه العديد من القيادات الإسلامية وكان آخرهم الرئيس الأسبق محمد مرسي الذي أقرّ بالاتفاقات الدولية التي ورثها نظامه الإسلامي عن نظامي أنور السادات وحسني مبارك، بما في ذلك اتفاق «كامب ديفيد» الذي كان يهاجمه الإخوان المسلمون قياماً وقعوداً وهم في صفوف المعارضة قبل وصولهم إلى قصر الاتحادية، في حين أنهم التزموا به وبات مقبولاً ولا حرج عندهم حياله بعد أن أصبحوا في موقع القرار السياسي المصري.

وقال إنّ الاتفاق يتكون من ستة بنود وملحقين، ويتضمن فيما يتضمنه قيام تل أبيب بدفع مبلغ 20 مليون دولار إلى عائلات الضحايا الأتراك في سفينة مرمرة، مقابل التزامٍ تركي بإلغاء الملاحقات والدعاوى القضائية المرفوعة ضد ضباط الجيش الإسرائيلي وجنوده الذين اعتدوا على السفينة التركية، إضافة إلى سنّ قانونٍ عبر البرلمان التركي بهذا الشأن، كما سمح الاتفاق بتبادل السفراء وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين إلى طبيعتها السابقة.

ورأى أنّ هذا الاتفاق جاء مخيباً لآمال حركة حماس بدرجة أشدّ مما هو عليه الحال لدى أيّ جهة فلسطينية أخرى، وأنّه أتى في أسوأ الأوقات على الإطلاق بالنسبة للحركة التي خسرت جُلّ حلفائها السابقين، وفشلت في استعادة صلاتها القديمة مع طهران، وأخفقت في فتح كوة صغيرة في الجدار المغلق مع العربية السعودية التي تقود النظام العربي في هذه المرحلة، الأمر الذي يؤشّر على مدى فداحة الخسارة التي تلقتها حماس المحاصرة جراء هذه الانحناءة التركية المفاجئة ومصالحها الواسعة مع الدولة العبرية.

وأضاف فراعنة أنّ التهدئة التي تم التوصل إليها في أعقاب ثلاثة حروب شنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في الأعوام 2008 و2012 و2014، وهي حروب لم تكن أبداً تستهدف إسقاط سلطة حماس أو تقويضها، هي الدليل بعينه على سعي حماس بكل ثمن للحفاظ على نفسها وإبقاء سلطتها، حتى وإن كان المقابل لذلك تقليم أظافر الحركة المجاهدة وخلع أنيابها، ومن ثم تقييد كل عمل مسلح قد تقوم به منظمات فلسطينية أخرى.

وأشار إلى ما قاله القيادي في حماس د.أحمد يوسف من «إن الاتفاق أبعد شبح الحرب عن القطاع، في ظل العلاقات والترتيبات الأمنية بين الطرفين»، أي بين أنقرة وتل أبيب، مبيّناً أنّ الاتفاق تحدّث أيضاً عن «الإشكاليات المتعلقة بالكهرباء والمياه وعجز المستشفيات عن استيعاب الحالات المرضية، والخطّ التجاري بين تركيا وغزة، فضلاً عن المنشآت السكنيّة وتفعيل المنطقة الصناعية المتعطّلة باعتبارها قضايا تحمل صفة الأولوية بالنسبة للقطاع»، وهو بذلك يتفهّم موقف تركيا لأنه «فوق الشبهات» على حد وصفه، ولذلك يُقدّر القيادي الحمساوي موقف تركيا بقوله «تركيا لم تستطع إنجاز مطلب رفع الحصار عن قطاع غزة، مما دفعها للتراجع عن هذا الشرط مقابل بذل الجهود الحثيثة لتقديم كل ما يلزم من أجل تخفيف المعاناة عن الفلسطينيين في قطاع غزة».

كما أشار فراعنة إلى البيان الوصفي لجبهة التحرير الفلسطينية الشعبية التي رأت أنّ «الاتفاق يدشّن تطوراً جديداً في التعاون الاستراتيجي التركي الإسرائيلي، المستمر منذ قيام الكيان الصهيوني المحتل».

ولفت إلى ردود الأفعال المختلفة على هذا الاتفاق، ومنها وصف نتنياهو ما تم التوصّل إليه مع أنقرة، والتوقيع عليه يوم 26 حزيران 2016 في روما، على أنّ له «أهمية استراتيجية للأمن والاستقرار الإقليمي وللاقتصاد الإسرائيلي، فالاتفاق يتعهّد بمنع أيّ نشاطٍ عسكريٍّ ضد إسرائيل من الأراضي التركية بما في ذلك جمع الأموال، وهو تعهد مهم ومركزي غير مسبوق حتى اليوم»، كما قال رئيس حكومة المشروع التوسعي الإسرائيلي.

وأشار إلى ما تحدّث به نتنياهو في مؤتمره الصحفي الذي عقده في روما في أعقاب التوقيع على الاتفاق، عن فحوى هذه الوثيقة بقوله:

«الأمر الأوّل في الاتفاق هو الدفاع عن قادة الجيش الإسرائيلي ومقاتليه في وجه الدعاوي الجنائية والمدنية، سواء تلك المقدمة الآن أو التي ستقدّم في المستقبل، لقد تراكمت الآن دعاوى كثيرة قد تصل إلى ملايين الدولارات وتتسبب بمنع حرية الحركة لجنودنا، فالاتفاق يضمن أن لا يكون الجنود والمقاتلون والقادة معرضين لدعاوى من قبل تركيا، إضافة إلى ذلك فإن الاتفاق يضمن سنّ قانون في البرلمان التركي لإلغاء كل هذه الإجراءات في تركيا».(ملاحظة:هذا ما حصل حينما أقر البرلمان التركي هذا الاتفاق الأسبوع الماضي وأسقط الدعاوي المرفوعة ضد جنود وضباط البحرية الاسرائلية سواء داخل تركيا أو خارجها وبالتالي إسقاط حقوق المتضررين جراء اعتداء البحرية الإسرائلية على سفينة مرمرة).

وتابع أنّ الأمر الثاني بحسب نتنياهو هو «الحفاظ على الحصار الأمني البحري على قطاع غزة، كونه مصلحة أمنية عليا لنا،.. لم أكن على استعداد للتساهل بشأنها، هذه مصلحة حيوية لمنع تسلح حماس، وقد بقيت كما هي، نحن نسمح بالطلب للسفن بالوصول إلى ميناء أسدود وإنزال حمولتها، ولم نمنع ذلك في أي وقت».

وقال فراعنة إنّ الأمر الثالث وفق نتنياهو يتمثل في «علاج الأمور الإنسانية في القطاع بناء على الترتيبات الأمنية الإسرائيلية، فإضافة إلى الاعتبارات الإنسانية، هذه مصلحة واضحة لإسرائيل لاسيما في مجال المياه والكهرباء، حيث لا توجد مياه كافية في غزة، والمدينة تمر بعملية جفاف متدرجة وتلوث المياه، وهذا الأمر لا يقتصر على غزة والآبار الجوفية فيها، بل ينتقل إلى مياهنا، عندما لا توجد كهرباء كافية تنشأ مشاكل مختلفة بما في ذلك النظافة، وعند وجود الأوبئة فإنها لا تتوقف عند الجدار، هذه مصلحة إنسانية ومصلحة إسرائيلية واضحة».

كما أشار إلى رد فعل رئيس حكومة دولة الاحتلال بقوله: «إنّ الاتفاق سيدعم موضوع دخول إسرائيل إلى حلف الناتو» مشدّداً على الاقتصاد بقوله: «هذا الاتفاق يفتح مجالاً للتعاون في الأمور الاقتصادية وأمور الطاقة، بما في ذلك الغاز، فمن الضروري خلق أسواق للغاز الذي نستخرجه من المياه، وأقول لكم 60 في المئة من كل شيكل مقابل الغاز الذي يخرج من المياه يصل إلى صندوق الدولة، الحديث يدور عن مبالغ طائلة، باستطاعة (لفيتان) أن تعطي أيضاً السوق المصرية التي ننوي العمل معها، وأيضا السوق التركية، وإعطاء الغاز لأوروبا عن طريق تركيا، هذا مهم لإسرائيل استراتيجياً، ولم يكن بالإمكان عمل ذلك من دون اتفاق».

وأكّد فراعنة أنّ الاتفاق كرّس مسألتين في غاية الأهمية والخطورة هما: انفصال قطاع غزة عن باقي الأراضي الفلسطينية، فقد تم بدون مشاورة القيادة الفلسطينية أو التنسيق معها، بالرغم من أن الاتفاق يمس بالمصالح الفلسطينية مباشرة، «فقد تم الاتصال مع الرئيس محمود عباس لإبلاغه فحوى الاتفاق بعد إقراره، وليس للتشاور معه» مشيراً إلى ما صرح به عضو تنفيذية منظمة التحرير جميل شحادة، أمين عام الجبهة العربية الفلسطينية لصحيفة الغد يوم 29/6/2016.

وأضاف أن ثاني هاتين المسألتين يتمثل بكون هذا الاتفاق كرّس تبعية قطاع غزة أمنياً واقتصادياً للمشروع التوسعي الإسرائيلي، فبوابة المساعدات تمر عبر موافقة تل أبيب وقراراتها، وتدفقها يتم حصراً عبر ميناء أسدود الإسرائيلي على الساحل الفلسطيني.

ورأى فراعنة أن هاتين النتيجتين (الانفصال والتبعية) هما أبرز عناوين الاتفاق التركي الإسرائيلي فلسطينياً، وهذا يفتح سياسياً على مشروع التسوية مستقبلاً بحسب ما قال وزير الخارجية التركي مولود أوغلو: «سنواصل عقد الاجتماعات مع حركة حماس ولن نغلق مكاتبها عندنا، ولن يتدخل أحد في علاقاتنا مع حماس، التي تستهدف الوصول إلى سلام مستقر، فبدون حماس لن يقوم سلام يمكن أن يصمد».

وأكّد أنّ الاتفاق التركي الإسرائيلي حافل بالدروس المفيدة لكل المخاطبين به، فهو يعطي العرب درساً بليغاً، مفاده أن الدول تتصرف وفق مصالحها وليس وفق أهواء قياداتها، فها هو الرئيس التركي يقدم الاعتذار لروسيا، ويزورها مثلما وسبق رئيس الوزراء التركي أن زار طهران، الأمر الذي يعبّر عن الاستدارة العميقة بسبب حالة الانحسار والتراجع التي تواجه سياسة تركيا الخارجية، وتحديداً سياستها الإقليمية، وذلك بعد أن خاضت معارك عديدة على جبهات مختلفة، من دون أن تضيف مكاسب لأمنها واقتصادها ودورها، بل على العكس من ذلك تعيش أنقرة حالة استنزاف في مواجهة داعش والقاعدة، مثلما تعيش حالة تصادم دموي مع الأكراد، كما أن برنامجها نحو سوريا فشل إلى حد بعيد، عبر دعم المعارضة المسلحة بهدف إسقاط النظام، الأمر الذي دفع أنقرة بقيادة أردوغان لعمل استدارة سياسية كبيرة، للتعامل مع المستجدات، ومحاولة التكيف معها.

وفي هذا السياق، تساءل فراعنة عما إذا كان الانقلاب العسكري الذي حصل في تركيا يوم 15 تموز 2016، له علاقة بالاتفاق التركي الإسرائيلي؟ وهل هو أحد دوافع الانقلاب؟ أم أنّ الانقلابيين الذين خططوا وبرمجوا منذ وقت قد وظّفوا الاتفاق ليكون ذريعة لهم وحجة للقيام بانقلابهم؟ وذلك إثر الشكر الجزيل الذي قدمه مستشار الرئيس التركي «أيلنور تشباك شفيق» عبر التلفزيون الإسرائيلي. كما أشار إلى وصف الصحفي الإسرائيلي «بن دور» اليميني في يديعوت أحرنوت الاتفاق بقوله «إنه أحد أهم الاتفاقات التي وقعتها إسرائيل في السنوات الأخيرة»، رغم معارضة القوى الأشد يمينية والأكثر تطرفاً لهذا الاتفاق بما فيهم ثلاثة وزراء في حكومة نتيناهو.

بريزات: الوجود الإسلامي

رأى المفوّض العام في المركز الوطني لحقوق الإنسان د.موسى بريزات أنّ هذا الاتفاق لا يشكّل شيئاً جديداً فعليّاً ونوعيّاً في العلاقة التركية الإسرائيلية، والتي كانت قبل الاتفاق أفوى بكثير، مرجّحاً أن تكون(القطيعة) قد عززت العلاقات التركية أكثر مع حماس. وافترض بريزات أنّ علاقة حماس بتركيّا بعد الاتفاق ستأخذ بعداً أكثر براغماتيّةً، مدللاً ببراغماتية تركيّا واتجاهها لروسيا وإيران ومحاولتها عمل توازنٍ في سياساتها، منتقلاً للحديث عن افتراض فراعنة الثاني، المتعلّق بالمصالح العربية، متسائلاً عن هذه المصالح العربية التي يتحدث عنها مع الطرف الآخر، فلم تكن هناك، تاريخياً، مصلحة عربية مشتركة استراتيجية في قضية فلسطين، متناولاً

الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، مستعيداً فترة العشرينات ووضع القيادة الفلسطينية والانقسامات الفلسطينية ودور إسرائيل، ودور العرب، واصفاً كلّ ذلك بأنّه (هو هو لم يتغير)، مثلما لم يتغيّر هذا (النهج) منذ ثورة القسام حتى اليوم.

ورأى بريزات أنّ هناك دائماً ثنائية في التمثيل الفلسطيني، كما أنّ إسرائيل لها طرف أساسي في ذلك، مثل (الدول الأخرى) التي لها دورٌ أساسيٌّ في استثماره، ومثل (الدول العربيّة) التي لها دورٌ أيضاً في تكريسه.

ونوّه بأنّ علاقة تركيا مع إسرائيل منذ الخمسينات والتسعينات هي أعمق بكثير، متحدثاً عن نظرة موازية لمصلحة تركيا، وسعي أردوغان الذي كان(يريد أن يأخذ)، فضلاً عن اعتبارات شخصية في خلفيّته الدينية، وهو الذي كان أراد أن يستغلّ الورقتين: التركية الدينية، والفلسطينية، لافتاً إلى سياسة إيران في ذلك.

ورأى بريزات أنّ تركيا كانت تبحث عن شراكة فعليّة مع الدول العربية، حتى أيّام الغزو الأمريكي 2002-2003 ، فكانت مع العرب، وتقول إنّها تريد وضع طريقة لمنع الاحتلال الأمريكي، لافتاً إلى تحضيرات تركية ضد الغزو.

وتعجّب: عندما تريد تركيا أن تحافظ على مصالحها، نقول إنّها ابتعدت! معتقداً أنّ المشكلة هي في التوجه الإسلامي الذي لم يكن الغرب راضياً عنه، منوّهاً بأنّ علاقات الدول العربية مع أمريكا والغرب أقوى من علاقات تركيا مع الغرب، منتقلاً إلى السؤال عن الموقف الأردنيّ ومدى وجود استراتيجية في ذلك. ومع إدراكه باهتمام الأردن بمستقبل المصير الفلسطيني، تحدّث بريزات عن خيار الدفاع عن هذا المصير، بالسياسة الأمريكية الإسرائيلية، التي رأى أنّها شوّهت السياسة العربية، متسائلاً: (هل نحن أبعد من أمريكا عن تركيا؟!، ومن هو في النهاية الذي يسيّر المشروع الصهيوني الأمريكي الاستيطاني: الاتفاق التركي الاسرائيلي أم العلاقة الاستراتيجية الأمريكية، وهل تركيا هي المشكلة أم الغرب في دعم إسرائيل؟!).

ومع عدم رغبته بالحديث عن الموضوع الإسلاميّ والانقسام الداخلي، لفت بريزات إلى انقسام الأنظمة المستقرة العربيّة سياسيّاً حول الوجود الإسلامي، في حركة إسلامية لأسباب إيديولوجية أو من أسماهم(الإخوان اليساريين) والقوميين، أو لأسباب أخرى، متطرّقاً إلى تحميلنا البعد الإسلامي حماس والشعور بغياب الوعي السياسي لإسرائيل وانقسام غزة وارتباطها بالمشروع الصهيوني، متسائلاً عن موقف الطرف الآخر مما يحصل في القدس، في حديثه عن وقوف أو سقوط (مشروع حماس) و(مشروع أردوغان)، وموقف الدول في خضمّ ذلك.

ومن ذلك، ولأننا نعاني من هذه الصراعات، دعا إلى تكريس أنظمة ديمقراطية سواء في الضفة وقطاع غزّة أو في أيّ دولة عربيّة لتدافع عن حقوق شعوبها، لا الاعتماد على الآخر، في ذلك، متحدثاً عن معيار الدول العربيّة بناءً على المصالح الاستراتيجيّة في إنشاء علاقة مع تركيا، مؤكّداً أن تكون ضمن مصالح استراتيجية فعلية تحددها الدول العربية باستقلال عن أي أطراف أخرى مؤثرة.

واستعاد بريزات ما يدلل على أنّ الغرب كان يريد تركيا قاعدة عسكرية حتى 2001 ، بعد أحداث 11 أيلول، متحدثاً عن خمسينات القرن الماضي ودخول تركيا الناتو، مؤكّداً أنّ الغرب لم تكن له استراتيجية سياسية اقتصادية مع تركيا، بل كانت له سياسة استراتيجية أمنية، ومن ثمّ، بعد 11 ايلول، بدأ ينظر إليها لاستيعابها، فوُضعت شروط صعبة أمام مشاركة تركيا في أفغانستان.

وخلص إلى أهميّة أن نكون واقعيين وأن ندرس قضايانا وعلاقاتنا الخارجية ليس من انقساماتنا وصراعاتنا الداخلية وتبرير حالة عجز معين أو حالة ضعف، بل انطلاقاً من حالة بناء ونهوض وتوافق وطني.

شنيكات: القراءة الشمولية

ولفت رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسة الدكتور خالد شنيكات إلى القراءة الشموليّة لمثل هكذا موضوع، في الحديث عن تركيّا وحماس والسلطة الفلسطينيّة.

وأبدى شنيكات استغرابه من أن نستثني دور مصر في مسألة التنسيق الأمني، مدللاً بممر رفح والمساعدات الممنوعة خلاله تجاه غزّة، استناداً إلى مبررات مصر بأن حماس تشكل تهديداً للأمن القومي وتهديداً للنظام.

وتحدث عن حالة الانشقاق التي خلقتها حماس بهذا الاتفاق، وحالة التنسيق الأمني بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل.

كما اعترف بموقف الفلسطينيين الضعيف الذي أصبح فيه الاختراق أمراً طبيعيّاً، وهو ما ينطبق كذلك على حماس في حالتها مع الحصار.

ودعا شنيكات إلى قراءة المعطيات والظروف التي دفعت تركيا لمثل هذا الاتفاق،

مبيّناً أنّ لديها مشكلة مع روسيا، ومشكلة مع العالم العربي، وكذلك مع إيران، ولديها كذلك مشكلة مع سوريا، وحتى مع لبنان، ورأى أنّ الظروف الدولية هي التي دفعت تركيا لذلك؛ فقد حوصرت ولديها علاقات أصبحت سيئة مع أوروبا وأمريكا بسبب الأزمة السورية.

معايعة: المصلحة التركية

وعقب استهلاله بمناقشة هدف الأتراك وهدفنا نحن من الاتفاق، سأل رئيس جمعيّة رجال الأعمال الأردنيّة التركيّة الدكتور عبدالرحيم معايعة: هل هذه الاتفاقية هي الوحيدة الموجودة في المنطقة، أم أنّ هناك اتفاقيات أخرى؟! مجيباً بأنّ هناك اتفاقيات اسرائيلية موجودة مع الأمريكان، وكذلك اتفاقيات مع الأوروبيين هي أقوى بكثير ، وحتى مع الشرق؛ فالهنود لديهم على سبيل المثال أقوى الاتفاقيات مع الاسرائيليين، لافتاً إلى الأسلحة التي ما تزال تأتي من الهند لإسرائيل، ومن ذلك، دعا معايعة إلى ألا

نركز على موضوع حماس، موضّحاً أنّ الأتراك كانوا في مأزق رهيب، فخرجت تركيا بتجربة يجب أن نعرفها، مقارناً بالعلاقات العربية مع إسرائيل، منوهاً إلى أنّ الاتفاقية التي تمت استفاد منها الشارع الفلسطيني، بدليل حصار غزة، قارئاً معنى وجود محطة كهرباء هناك.

وبعيداً عن (البعد) الذي تمّ الحديث عنه، رأى معايعة أنّ الاتراك يعملون لذاتهم، عادّاً ذلك أمراً طبيعيّاً ليحافظوا على مصالحهم، متمنياً علينا نحن العرب أن نذهب لمصالحنا، لافتاً إلى الوضع في سوريا والعراق واليمن وبوادر تشكيل الدولة الكرديّة، متسائلاً عن استراتيجيّتنا نحن أمام كلّ هذا الذي يحدث.

كما رأى معايعة أنّ الأتراك لهم مصلحة تؤكّدها اللعبة السياسية، فذهبوا لروسيا وإيران و(الكيان الصهيوني)، مضيفاً أنّ هذا الاتفاق الذي قرأناه بسطحية، إنّما هو لصالح أهل غزة، المحاصرين، وهو ما تؤكّده حاجتهم إلى الدعم والغذاء، حيث الكهرباء مقطوعة، والمياه ملوثة، ولديهم خيرات لا يستطيعون أن يأخذوها، فهو دمار، وعلينا أن نهتمّ بالمواطن الذي يتألم في غزة منذ عشرات السنين ولا يوجد أي مدٍّ عربي أمامه، بينما، على الأقل، هناك بصيص من الأمل من الأتراك، وتعجّب معايعة من أننا كعرب نواجه مشكلة أننا ننظر للأتراك بوصفهم الدولة العثمانية، فكأن الدولة العثمانية على الأبواب!

الفاعوري: المصالح العربية

ورأى الأمين العام للمنتدى العالمي للوسطيّة المهندس مروان الفاعوري أنّ إسرائيل تريد لهذا الاتفاق أن يمهد لاتفاق سلام مع (الطرف الفلسطيني الأقوى) أكثر من اتفاق لعلاقات سياسية واقتصادية مع تركيا، وشرح هدف إسرائيل من وراء هذا الاتفاق في الحد من تعاظم قوة حركة حماس وانتقال اعتماد حماس من إيران لتركيا، ومنع استخدام الساحة التركية لتمرير الأموال والصفقات لحركة حماس ، وليكون هذا الاتفاق توطئة لتسهيل مرور الغاز لأوروبا من خلال تركيا.

كما رأى أنّ تركيا تهدف إلى كسر الحصار المفروض عليها الآن من قبل إسرائيل وأمريكا وإيران وسوريا، للحد من عمليات التفجير والتخريب الموجّهة على الساحة التركية، والتي توّجت بالمحاور الأولى من الانقلاب العسكري الذي جرت في تركيا الشهر الماضي.

وقال إنّ هذا الاتفاق يكرس زيادة صمود الشعب الفلسطيني، إذ لا نتحدث عن صمود حماس في قطاع غزة، لأن غزة جزء من الساحة الفلسطينية، مؤكّداً أنّ الاتفاق يشكل أيضاً إحراجاً لإسرائيل أمام المجتمع الدولي، على اعتبار أنها تمنع حقوق الإنسان الطبيعية في الماء والكهرباء والعلاج، وأنّها تفعّل القناة الدبلوماسية في استخدام توصيل الاحتياجات الإنسانية بين تركيا وإسرائيل للشعب الفلسطيني.

ودعا الفاعوري إلى أن يخدم هذا الاتفاق المصالح العربية في المنطقة، إذا كانت هناك رؤية عربية باتجاه التخفيف على الشعب الفلسطيني، معرباً عن أسفه للصراع الإسلامي السياسي مع الأنظمة العربية، وهو الصراع الذي يجعل حماس في صف هذا الإسلام السياسي.

ورأى أنّ الاتفاق يمثل مصلحة عربية إسلامية فلسطينية، كما أنّه في النهاية مصلحة تركية ويمثل الحد الأدنى الذي نجح الرئيس أردوغان في أن ينتزعه من الإسرائيليين.

وقال إنّ هذا الاتفاق مرحلي وليس استراتيجيّاً بعيد المدى أو ذا أثرٍ على الشعب الفلسطيني، حيث التحولات التي تجري في تركيا الآن هي أعمق من أن تمس مصالح إسرائيل الحيوية في المنطقة، وأنّ إسرائيل تعمل على تغيير البنى التحتية للمعادلات السياسية والاقتصادية في تركيا بما يضمن سيطرتها لتحقيق أكبر قدر من المنافع والمصالح على الساحة الفلسطينية.

فهمي: الاستراتيجية الأردنية

ودعا أستاذ العلوم السياسيّة الدكتور عبدالقادر محمد فهمي إلى ألا نقصر الحديث على جانبٍ دون آخر في الحديث عن مزايا الاتفاق، منتقداً أن نلتزم في الحديث عن الجانب الفلسطيني دون الجانب التركي، مؤكّداً أنّ الاتفاق بين الطرفين تترتب عليه نتائج ومزايا ومصالح بالنسبة للأطراف المتفقة.

وانطلق من أنّ السؤال المحوري المهم هو في قراءة الاتفاق التركي الإسرائيلي وتداعياته على المنطقة، وفي نظرتنا نحن لإسرائيل، وحديثنا عن المصالح، فهو اتفاق يتوقف على مدى رؤيتنا لما نريده من إسرائيل، ورأى فهمي أنّ الاتفاق رتّب مزايا عديدة، ونتائج مهمة للطرفين، الاسرائيلي والتركي.

وفي حديثه عن الجانب التركيّ، دعا إلى دراسات موسّعة في المستقبل، لافتاً إلى أهميّة ألاّ نبعد تركيا عن اعتبارين أساسيين، الاعتبار التاريخي وما يترتب عليه وما يحمله من موروث ثقافي وحضاري وما يمثله بالنسبة للغرب، وهذا له دور كبير للمساعي والمطالب التركية فيما يتعلق بانضمامها للاتحاد الأوروبي.

وكذلك الاعتبار الجغرافي لتركيا، إذ لعبت جغرافية تركيا دوراً كبيراً في الصراعات، منوّهاً بأنّ تركيّا حتى في الفترة الأخيرة بعد الحرب العالمية الثانية كانت مهمّةً جغرافياً لاعتبارات كانت تقتضيها في وقتها الحرب الباردة، وفي الوقت الحاضر هناك حسابات أخرى أقلّها هو هوية تركيا في حلف الناتو.

وناقش فهمي الكاتب فراعنة بأنّه لم يقف بشكل واضح على المنافع التي ترتبت على الاتفاق لتركيا، معتقداً بأنّ تركيا على الأقل في السنوات الست الماضية أخذت تشعر بأنها تعيش في حالة عزلة وأنّ خياراتها في المنطقة ليست عزلة وإنما شبه عزلة، فخياراتها مع أوروبا ضعيفة وخياراتها مع أمريكا كذلك بات يصيبها شيء من التراجع، لذلك وجدت أنّ من الصائب أن تتكىء على حليف إقليمي قوي، فروسيا تطورت مواقفها بالضد من مطالب تركيا في منطقة الشرق الأوسط، وكان لا بد لتركيا أن تبحث عن دور إقليمي مؤثر يضع لها مكانة في هذا الحراك الإقليمي والدولي لإعادة ترسيم الواقع الجيوسياسي في المنطقة، فإلى من تتوجه؟!.

ورأى فهمي أنّ خياراتها تمثّلت بإسرائيل، لافتاً إلى عام 1996 حيث الاتفاق الاستراتيجي ما بين تركيا وإسرائيل، وقد كان آنذاك من الملام بالنسبة للعرب أن يحتضوا الدور التركي ويجدوا لهم مكاناً أفضل من هذا الطرق الذي استمر على الباب الأوروبي.

ورأى أنّ دوافع عديدة في هذا الاتفاق، أقلّها هو مسألة الأكراد، ومسألة الوجود العسكري الروسي، إذ كان ينبغي على تركيا أن تفكر في شرق البحر المتوسط، وأن يكون هذا الحضور العسكري البحري لروسيا موازناً بقوة إقليمية. وبعد نقاشه خيارات تركيا مع إيران ودول عربيّة ومروره على المذهبيات والحركات الإسلاميّة ، رأى فهمي أنّ إسرائيل يمكن أن تكون حلقة ربط للتخفيف من مشاكل تركيا مع الغرب والولايات المتحدة.

وقبيل حديثه عن الجانب الأردنيّ، انطلق من نظرتنا نحن العرب لإسرائيل، لكي نحلل مزايا الاتفاق الاستراتيجي، معتقداً بأنّ الدور التركي خفف من وطأة الكره لحماس في قطاع غزة، وأيضاً من الممكن أن يجعل في المستقبل قبولاً أكثر لحماس في التفاوض مع إسرائيل.

ورأى أنّ الاتفاق التركي الاسرائيلي سيجنب الأردن أعباء الحركات وتصدير الحركات الإسلامية الجهادية عبر تركيا إلى سوريا، وسيخفف من الضغط السوري على الجبهة الأردنية، وبالتالي فمن الممكن أن يوفر غطاء أمنيّاً للأردن عن طريق هذا التحالف.

ولفت فهمي إلى أنّ الاستراتيجيّة الأمنيّة الأردنيّة تقرأ جانبين، الأول إمكانيّة أن يؤدي الاتفاق إلى تنامي دور الجماعات الإسلاميّة في هذا الاتجاه، والثاني أن تأتي جماعات إسلامية أصولية في سوريا في ضوء اتفاقيات معينة يمكن أن تشكل نوعاً من التهديد للأمن القومي الأردني.

بني خالد: الصف الفلسطيني

وانطلق القيادي في حزب جبهة العمل الإسلامي المهندس خضر بني خالد من رمزيّة كسر الحصار في سفينة مرمرة، التي لم تحمل أسلحةً بل حملت معونات إنسانيّة لغزّة.

وقال بني خالد إنّ تركيا عندما تقدمت لهذه الخطوة قدمت ما استطاعت أن تصل إليه، لافتاً إلى أنّ الاتفاق لا يعني أنه أخذ كل شيء أو أعطى كل شيء. ومع تنديده بالمحتل، أكّد أنّ الاتراك ما يزالون شعباً شرقيّاً، حتى وإن تقدموا وأصبحت لديهم حضارة غربيّة.

ورأى أنّ تحلُّل تركيّا من تركتها ليس بالأمر السهل، لافتاً إلى دور الجيش في استلهام وتطبيق مبادئ أتاتورك. وقارن بني خالد بين نظرة العرب لتركيا حليفة أمريكا التي كانت بعيدةً عن مصالحهم، ونفورهم منها اليوم وهي تقترب منهم، بسبب الإيديولوجيّة.

وعلى مستوى الشعب التركي، رأى ومن خلال الحزب الموجود أنّ هناك تحولاً، متحدثاً عن التعاطف الشعبي مع العرب وقضاياهم. وتساءل بني خالد:

ماذا فعلنا نحن لجذب الأتراك؟!، فقط كنا نخرج في مظاهرات ونقول إنّ فلسطين عربية، فماذا قدمنا تجاه فلسطين؟!، وإن كنت أريد من التركي أن يأتي معي، فماذا أعطيت للتركي أو لغير العربي؟!،

وفي حديثه عن المقاومة في غزة، دعا إلى اتفاق الصف الفلسطيني ممثلاً بمنظمة التحرير وحماس، كما دعا بني خالد إلى ألا نتعامل مع العالم حسب مصلحة الغرب، بل أن نتفق على مشروع الأمة ومصلحتها.

المومني: الواقع الجيوسياسي

ورأى أستاذ العلوم السياسيّة د.حسن المومني أنّ هنالك تضخيماً بهذا الاتفاق؛ فكأننا ننظر إليه اتفاق سلام بين دولتين في حالة عدائية، وبالتالي ستكون له تداعيات كبرى على المنطقة، بينما

الاتفاق أنهى قضايا معينة خلافية ضمن علاقة مستمرة تركية اسرائيلية بهذا الجانب لا أكثر، كما جاء ضمن تداعيات المنطق والواقع الجيوسياسي في المنطقة حول تركيا، فاستغلته إسرائيل لإنهاء هذا الأمر. وتساءل المومني عن القضايا الاستراتيجية بين دولتين؛ فهل يريد أن ينهي وضع غزة أو ينهي الاحتلال الاسرائيلي وبالتالي تكون هناك دولة فلسطينية؟! وهي قضايا متداولة من قبل.

وقال إنّ الواقع الجيوسياسي تغيّر خاصة بالنسبة لتركيا، وأن هنالك التقاطة اسرائيلية لهذا الواقع الجيوسياسي من أجل أن تخرج من عزلتها السياسي، وهي التي ذهبت نحو إفريقيا. ودعا المومني إلى وجوب أن تتم مناقشة الاتفاق من خلال القضايا ضمن النطاق الاستراتيجي وانعكاساته الاستراتيجية التي من الممكن أن تكون على الواقع الفلسطيني، مكاشفاً بصعوبة أن يختزل موضوعاً معقداً وله أطراف عديدة، كموضوع القطيعة بين حماس وفتح من خلال اتفاق تركي أو غيره.

كما تحدّث عن دور مصر في غزة، غير معتقدٍ بأن تمنح إسرائيل دوراً لتركيا أكثر من مصر في هذا الأمر.

ورأى أنّ الاتفاق أنهى حالةً معينة ووضعاً قائماً ومجموعة قضايا لا أكثر، وأنّ من مصلحة تركيا تحييد إسرائيل في مسائل أقلّها المسألة الكردية، موضّحاً أنّ

الهم الداخلي لتركيا بات يقلقها أكثر من القضايا الخارجيّة. وقال إنّها مسألة أولويات متعلقة بالموضوع التركي استغلتها إسرائيل في هذا الظرف، وقد تكون أتت باتفاق متوازن، ولم يكن بهدف إنهاء حالة صراع فلسطيني اسرائيلي في هذا الجانب.

وحول الدور الأمريكي، قال إنّ الأمر بدا وكأنّ الأمريكان اشتغلوا كوسطاء بهذا الاتفاق، معتقداً أنّ أحد الأسباب التي دعت الأتراك إلى الموضوع الإسرائيلي لحد ما يتمثّل في التوتر الحاصل بين إدارة أوباما وتركيا، موضّحاً أنّ إسرائيل لها نفوذ وتأثير بكثير من المراكز السياسية في الولايات المتحدة، وأنّه لا يعتقد أنّ الأمريكان لعبوا دوراً كوسيط في الفترة الحالية لإنهاء هذا الأمر، لأنّ العلاقة التركية الأمريكية علاقة استراتيجية، منوّهاً إلى أنّها مع إدارة أوباما تبقى بحاجة لوسيط حتى يخفف من هذا التوتر خاصة في الموضوع الكردي.

وفي نقاشه حول موضوع (الناتو)، رأى أنّ إسرائيل لن تستطيع الدخول إلى حلف الناتو كعضوٍ كامل بهذا الاتجاه، فهناك شراكة، موضّحاً أنّ الناتو إذا أدخل إسرائيل سيورّث الصراع العربي الإسرائيلي في هذا الجانب.

وقال إنّ هنالك محاولات لتعزيز الشراكة الإسرائيلية مع الناتو، وهو الذي كانت تركيا في الفترة السابقة تعترض عليه، متحدثاً عن موضوع الأردن التي دخلت بموضوع الناتو ضمن هذا الأمر، مبيّناً أنّ أصواتاً تدعو إلى رفع مسألة الشراكة الاردنية مع الناتو، وساق موضوع الفيتو لدى تركيا على إسرائيل. كما رأى المومني أنّ الاتفاق إن كانت له انعكاسات فهي ليست انعكاسات استراتيجية، مؤكّداً أنّه لا توجد في الوقت الحاضر ظروف موضوعية لإنهاء الصراع العربي الاسرائيلي بشقه الفلسطيني في هذا الجانب وإنما هو نوع من الإدارة بالنزاع. وتابع بأنّ تركيا الآن بالذات ليست معنية بالشكل الاستراتيجي في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، فلديها همومها وقضاياها، وهي هموم وقضايا داخلية، وتحدث المومني عن محاولة الانقلاب في هذا الوضع، واهتمام تركيا بوجوب ترتيب الوضع الداخلي والتعاطي مع الموضوع الكردي. ورأى أنّه إذا ما حصل تطور في العلاقة التركية المصرية فسيكون له انعكاس على موضوع حماس في هذا الجانب،وأضاف أنّه من الممكن أنّ إسرائيل استفادت إلى حدٍّ ما من وجود قناة تركية تستطيع ضبط إيقاع حماس في غزة، ومن الممكن كذلك أن تستفيد حماس من تركيا كقناة للتواصل مع الاسرائيليين بطريقة تهدئة الوضع.

وعلى الصعيد الاستراتيجي رأى المومني أنّه لا توجد هنالك مصلحة لحماس بافتعال أزمة أو حرب مع إسرائيل في هذا الأمر، فحماس، باعتقاده براغماتية لحد ما لذلك،

وتساءل حول مدى مفاوضات تركيا إسرائيل دون التشاور مع حلفائها في المنطقة، قارئاً الإطار الاستراتيجي في ذلك، مبيّناً أنّ تطوّر الأحداث خلق واقع أنّ مصلحةً مشتركة بين اسرائيل وكثير من الدول العربية خاصة فيما يتعلق بإيران.

عبيدات: المسؤوليات الجديدة

وعدّ السفير الأسبق الدكتور خالد عبيدات تركيا مجالاً حيويّاً جداً بالنسبة للأردن، استناداً إلى أنّ كلّ ما يحصل في تركيا أمرٌ في غاية الأهمية بالنسبة للأردن، كما رأى أنّ استقرار تركيا وازدهارها وأمنها مصلحة أردنية مباشرة، بمعنى أنّ كلّ ما في تركيا موضوع اهتمامنا، ورأى أنّ تركيا في السنوات الأربع الماضية وصلت إلى قمة أوجها من ناحية الازدهار والأمان والدور القيادي في المنطقة، حتى أنّ مرحلة من المراحل جعلتنا نتساءل لماذا لا تفكر تركيا أن تقود صناعة نظام إقليمي جديد في المنطقة نتيجة السعة والراحة التي كانت تتمتع بها، مستدركاً أنّنا رأينا تركيا بدأت تختزل ذاتها بعد ذلك.

وحول ماذا تستطيع الأردن أن تفعل لتركيّا في الوقت الحاضر، رأى أنّ الأوضاع التركية وهذا الاتفاق رتب مسؤوليات جديدة على الأردن، رغم أنّ الأردن غير راغبة بالتصدي لهذا، لكنّها مسؤوليات قدرية، خاصة اتجاه فتح واتجاه الضفة الغربية واتجاه حماس.

وتحدّث عن تركيا بين أن تنظمّ لأوروبا أو أن تبقى دولة شرق أوسطية، متناولاً مسألة الهويّة والقضايا العلمانيّة والدينيّة.

المخرجات:

فراعنة:

بعد الاتفاق, على الفلسطينيين أن ينحازوا لصالح قضيتهم الوطنية أولاً.

على العرب أن يتعلموا إجادة التعامل مع الآخرين على أساس الندية.

نتينياهو قناص فرص لخدمة مشروعه الاستعماري.

بريزات:

تركيّا كانت تبحث عن شراكة فعليّة مع الدول العربيّة حتى أيّام الغزو الأمريكي 2002-2003.

إنشاء العرب علاقةً مع تركيّا يجب أن تكون بناءً على المصالح الاستراتيجيّة الفعليّة التي يحددها العرب.

دراسة قضايانا وعلاقاتنا الخارجيّة بواقعيّة بعيداً عن الانقسامات، وانطلاقاً من حالة بناء نهوض وتوافق وطني.

شنيكات:

أهميّة القراءة الشموليّة لموضوع تأثير الاتفاق على تركيّا وحماس والسلطة الفلسطينيّة.

نشوء موقف فلسطيني ضعيف أصبح الاختراق فيه أمراً طبيعيّاً.

قراءة دوافع تركيّا ومعطياتها لمثل هذا الاتفاق، وقراءة علاقاتها مع روسيا، والعالم العربي، وإيران، وسوريا، ولبنان، وأوروبا، وأمريكا، وتحدّيات الأزمة السوريّة.

معايعة:

ماذا على العرب أن يفعلوا في التعامل مع تلك الاتفاقيات؟.

يمكن أن يستفيد الأردن من مخرجات الاتفاقية.

ماذا يريد العرب من الإسرائليين ؟.

الفاعوري:

الاتفاق يكرّس صمود الشعب الفلسطيني ويشكّل إحراجاً لإسرائيل أمام المجتمع الدولي.

أهميّة أن يخدم الاتفاق المصالح العربيّة في المنطقة.

الاتفاق يمثّل مصلحة عربيّة إسلاميّة، مثلما هو مصلحة تركيّة.

الاتفاق مرحلي وليس استراتيجيّاً بعيد المدى أو ذا أثرٍ على الشعب الفلسطيني.

فهمي:

القراءة الموضوعيّة للاتفاق هي في النظر إلى تداعياته على المنطقة، وفي نظرتنا نحن إليه.

الاهتمام بالدراسات المستقبليّة في الموضوع التركي.

قراءة الاعتبار التاريخي وما يترتّب عليه وما يحمله من موروث ثقافي وحضاري وما يمثّله بالنسبة للغرب(الانضمام للاتحاد الأوروبي).

قراءة الاعتبار الجغرافي لتركيا وهويّتها في حلف الناتو.

الاتفاق التركي الاسرائيلي سيجنب الأردنّ أعباء الحركات وتصدير الحركات الإسلاميّة الجهاديّة إلى سوريا.

الاتفاق سيخفف الضغط السوري على الجبهة الأردنيّة.

من الممكن أن يوفّر الاتفاق غطاءً أمنيّاً للأردن عن طريق هذا التحالف.

بني خالد:

قراءة رمزيّة كسر الحصار في سفينة مرمرة ومعوناتها الإنسانيّة.

أهميّة اتفاق الصفّ الفلسطيني لمنظمة التحرير وحماس.

عدم التعامل مع العالم حسب مصلحة الغرب، بل حسب مشروع الأمّة ومصلحتها.

المومني:

يجب عدم النظر إلى الاتفاق على أنّه اتفاق سلام بين دولتين في حالة عدائيّة.

الاتفاق أنهى قضايا معيّنة خلافيّة ضمن علاقة تركيّة إسرائيليّة مستمرّة، لا أكثر.

ضرورة مناقشة الاتفاق من خلال القضايا ضمن النطاق الاستراتيجي وانعكاساته على الواقع الفلسطيني.

عبيدات:

تركيّا مجال حيوي جدّاً بالنسبة إلى الأردن.

استقرار تركيّا وازدهارها وأمنها مصلحة أردنيّة مباشرة.

تركيّا في السنوات الأربع الماضية وصلت إلى قمّة أوجها في الازدهار والأمان والدور القيادي في المنطقة إلا انها بدأت في الاختزال الذاتي.

تحدّيات تركيّا والاتفاق رتّب على الأردنّ مسؤولياتٍ جديدة قدريّة تجاه فتح والضفة الغربيّة وحماس.

قراءة تركيّا بين أن تنظمّ لأوروبا أو أن تبقى دولة شرق أوسطيّة، وقراءة مسألة الهويّة والقضايا العلمانيّة والدينيّة.