التنمية السياسية: نحو مقاربة استراتيجية ملائمة

اعداد : د. خالد الشقران

مركز الرأي للدراسات

12/2004

من الطبيعي ان يولي صانعوا القرار فيما يتعلق بعملية التنمية السياسية اهمية لتوسيع قاعدةم مشاركة التيارات والاطياف المختلفة على الساحه الاردنية في العملية السياسية، وإجراء حورات مفتوحه حول قانون الانتخاب ومقترحات تعديله، لكن من العقلانية اكثر ان نكثف البحث عن صيغ اضافية ربما قد تعكس رؤى استراتيجية بعيدة المدى فيما يتعلق بالنتائج المستقبلية للتنمية السياسية بشكل خاص والاصلاح السياسي بشكل عام.

فإذا امعنا النظر بأحدى قواعد الخبرة السياسية التي ترى " بأنه لا يرجى لأي اصلاح سياسي ان يضرب جذوراً في الواقع ما لم تصحبه صحوه ثقافية تؤسس مشروعية العقل والمصلحة العامة والحرية" فإن ذلك يدفعنا لمناقشة قضية التنمية السياسية بإستحضار عاملين اساسيين نأمل اخذهما في الاعتبار عند الشروع بتطوير استراتيجية التنمية السياسية – التي من المفترض ان تبقى مفتوحة لتستوعب اية امكانيات جديدة للتطوير – يتعلق احدهما بالنخب بينما يرتبط ثانيهما بالتعليم.

ففيما يتعلق بالنخب فليس من الانصاف لا لعملية التنمية السياسية ولا لمصلحة الوطن ان تنحصر عملية التفاعل والحراك نحو التنمية السياسية ضمن اطار النخب المختلفة في المجتمع، وانما من المستحسن ان يشمل هذا الاجراء جميع فئات المجتمع لأن النخب على اختلاف انواعها سواء كانت سياسية ام اقتصادية ام ثقافية ربما لا تعبر بالضرورة عن الاولويات التي تخدم تطور المجتمع ويتطلع اليها هذا المجتمع ، ولا تعبر دائماً عن المصلحه الوطنية العليا بقدر ما تعبر عن خدمة مصالح وتحقيق اهداف بعض الفئات الضيقة، الامر الذي يخشى في ضوءه ان لا تستطيع عملية التنمية وفقاً لهذه الآلية التغلغل في مفاصل الكيان الكلي للمجتمع.

ولعل التجارب التي شهدتها المنطقة العربية في مجال التنمية والاصلاح السياسي تؤكد ما اوردناه سابقاً ، حيث دارت معظم المحاولات الفكرية والايديولوجية كالقومية والاشتراكية والشيوعية في فلك نخبوي، وبالتالي لم تستطع اختراق الجسم الاجتماعي التقليدي للمجتمع الا بصورة قشرية، وربما كان السبب المباشر في فشل هذه التجارب يكمن في اعتقاد هذه النخب بأنها الادرى بمصلة الشعب، ومصادرتها واحتكارها لفهم مصلحة واحتياجات الناس في المجتمع.

اما فيما يتعلق بعامل التعليم فإنه من ضرورات التنمية والاصلاح السياسي والديمقراطي ان يتم اعتبار التعليم كأداة لهذه العمليات لاسيما وان التعليم يمكن ان يقدم- بعد تخصيص الامكانيات والموارد - امكانية حقيقية لنقل المعرفة وترسيخ القيم والاتجاهات من جيل الى آخر من خلال جعل المقررات الدراسية وسيلة لهذه العملية، من اجل تحقيق اهداف النظام التعليمي بخلق جيل جديد تتوافر لديه المهارات الاساسية والاحساس بالانتماء للأمة والوعي والقدرة على الانجاز والرغبة والدافع لتوسيع دائرة المشاركة السياسية.

فإذا اردنا تحقيق تنمية سياسية حقيقية وفاعلة في المجتمع فإن علينا ان لا نغفل اهمية دور الخلفيات التعليمية والاطر المرجعية للأفراد والجماعات التي يمكن ان تكون مستقبلاً ذات تأثير بالغ في الحياه السياسية وفي صنع القرارات والسياسات، خاصة وان التعليم بأمكانه اذا ما احسن توظيفه ان يكون بمثابة محدد اولي واساسي للتنمية السياسية، علمًا بان النظام المؤسسي للتعليم الحديث هو وحده الذي يستطيع ان يزود المجتمع بالمهارات الشابه الواعية المدركه لمصلحة الوطن والمجتمع، أي بمعنى الوصول الى جعل مخرجات التعليم الوطني من الشباب مفتاح للحراك السياسي الى مراكز النخبة.

ففي المجتمعات الحديثه ذات التوجه على اساس الكفاءة والجدارة يتعبر التعليم المحدد الاول للحراك الاجتماعي لأنه بمفره يؤدي الى تهيئة كفاءات تستقي منذ بداية تعليمها الضروريات والاساسيات الاصيلة اللازمة لتحقيق عملية التنمية السياسية بما يتناسب وطبيعة المجتمع وبيئة النظام الذي تعيش فيه.

مركز الرأي للدراسات والمعلومات