الشرق الأوسط واحتمالات التصعيد والتهدئة

اعداد : د. خالد الشقران

مركز الرأي للدراسات

7/2006

أجواء عالية التوتر, تلك التي باتت تسود منطقة الشرق الاوسط وهي نتيجة طبيعية لما يحدث في غزة من حصار وقتل ودمار وتشريد وما يتبع ذلك من مآس انسانية، ولعل ما زاد في الأمر سوءاً هو "ردة الفعل غير المتكافئة" كما سماها البعض التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي ضد لبنان حيث تدمير البنى التحتية والجسور والمصالح المدنية رداً على قيام حزب الله بأسر جنديين اسرائيليين.

على ان ثمة سؤالا مهما يطرح نفسه في هذا السياق, وهو ما الذي يحدث فعلاً؟ وما هي احتمالات التصعيد والتهدئة في ظل الأوضاع الجارية في المنطقة?

المقاومة الفلسطينية وحزب الله يرفضان إعادة الاسرى من الجنود الاسرائيليين الا من خلال التفاوض المفضي الى اطلاق اسرائيل سراح الاسرى الفلسطينيين واللبنانيين والعرب في السجون الاسرائيلية.

فيما اشترطت اسرائيل من جانبها لوقف اطلاق النار على الجانبين الفلسطيني واللبناني الافراج عن جنودهما الاسرى ووقف اطلاق الصواريخ وتطبيق القرار الدولي رقم 1559 الذي ينص على نزع سلاح حزب الله.

واثناء ذلك كله, استمرت اسرائيل في فلسطين ولبنان بقصف المواقع الحيوية والبنى التحتية والجسور والوزارات وحتى مساكن المدنيين الآمنين لم تسلم من القصف الاسرائيلي، فيما استمرت المقاومة الفلسطينية واللبنانية باطلاق الصواريخ والقذائف تجاه المناطق والمنشآت الاسرائيلية.

والملاحظ ان تبادل اطلاق النار من قبل الطرفين والذي كان قد بدأ عسكرياً وامتد بمبادرة واصرار اسرائيليين ليشمل التدمير المتعمد والممنهج للمدن والمنشآت والمساكن المدنية بما فيها السكان المدنيون, ولا يبدو انه تلوح في الافق أية بوادر تبشر بان الاوضاع لن تمضي قدماً في الامتداد والتوسع, خاصة في ظل التعنت الاسرائيلي، والموقف الضعيف للقوى العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة التي يؤخذ عليها انها ما زالت وكعادتها في اية مواجهات تكون اسرائيل طرفاً فيها تتهرب من تحمل مسؤولياتها الحقيقية كدولة قائدة للنظام الدولي، لا سيما في ظل اصرارها على ان تكون سبباً في افشال اي جهود دولية لانهاء الأزمة وتهدئة الأوضاع في المنطقة باستخدامها حق الفيتو في مجلس الأمن, وتصريحات مسؤوليها المتكررة "بأن لاسرائيل كل الحق في الدفاع عن نفسها".

والحقيقة انه اذا اردنا معرفة ما الذي يجري فعلاً على الارض لا بد لنا بداية من معرفة ما الذي تريده المقاومة الفلسطينية واللبنانية من عملياتها وكذلك ما الذي تهدف اليه اسرائيل من وراء تصعيد وتأزيم الموقف في الشرق الاوسط برمته, فالمقاومة وعلى حد تعبيرها في كل من فلسطين ولبنان تريد انهاء الاحتلال والإفراج عن آلاف الأسرى المعتقلين في السجون الإسرائيلية، ولما كانت عملية السلام وكل الجهود المبذولة دولياً من اجل ذلك قد أجهضت بسبب التعنت الإسرائيلي وعجز المجتمع الدولي عن اتخاذ إجراءات رادعة لها على ما تقوم به بين الحين والآخر من إعمال قتل وتدمير لمكتسبات الشعبين الفلسطيني واللبناني, فإنه لم يبق امام هذه المقاومة الا محاولة تحقيق مطالبها من خلال العمل وفقا لاعتقادها الذي يرى بأن اسرائيل لا تفهم الا منطق القوة ولا تلتزم بأية اتفاقيات ولا تحترم اية معاهدات الا اذا اجبرت على ذلك.

اما فيما يتعلق بما تريده إسرائيل فمن الواضح إن المسألة لا تتعلق بإطلاق سراح الجنود فقط وانما ربما يمتد الامر ليشمل مجموعة من الاهداف المهمة بالنسبة لاسرائيل التهرب من استحقاقات المسيرة السلمية التي من المفترض حسب اجندة عملية السلام على اسرائيل ان تقوم بتطبيق بنودها وارجاع الحقوق الى اصحابها، فافتعلت الازمة مع حماس منذ البداية وضخمت رد الفعل على عملية اسر الجنديين الاسرائيليين من قبل حزب الله، حيث لم تكتف بتدمير كثير من المرافق والمنشآت والبنى التحتية والسكنية، وانما حاولت زرع بذور الفتنة ما بين الشيعة والطوائف والمذاهب المختلفة في لبنان .

على ان اسرائيل التي ما فترت يوماً عن التعامل بقانون الغاب الذي يقضي بأن الحق مع القوة ربما تهدف ايضا من توسيع عدوانها الى استغلال الاوضاع غير المستقرة أصلا في المنطقة والتوجه الامريكي لقمع بعض الدول والحركات الاسلامية في العالم العربي بحجة مكافحة الارهاب باعتبارها فرصة ذهبية لاعادة رسم خريطة المنطقة، والتأكيد على قوة سطوتها وشوكتها في منطقة الشرق الاوسط, اضافة الى اعادة عملية السلام التي لا تعترف اسرائيل باستحقاقاتها الفعلية الى نقطة الصفر، ومن ثم البدء بمشروع سلام جديد يحقق لها الامن حسب مفهومها دون التنازل عن الارض وحتى دون تقديم اي تنازلات تذكر، بدليل ان اسرائيل التي تعلن باصرار عن تنفيذ خطة الفصل الاحادية الجانب وخطة اولمرت لترسيم الحدود من جانب واحد لا تزال تحتفظ بامتياز بلاءاتها المتعلقة باللاجئين والقدس وحدود عام 1967، الامر الذي يعني اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه انتهاء عملية السلام فعلا.

النقطة الاكثر خطورة في الموضوع هو ان اسرائيل ومن خلال تتبعها للجدل الدائر داخل الولايات المتحدة ومع حلفائها حول الملف النووي الايراني لاحظت على ما يبدو ان غالبية الآراء تدعم فكرة استبعاد الحرب وتعزز فكرة تفاوض الولايات المتحدة مع ايران حول اجراءات ترتيب اوضاع المنطقة لمرحلة ما بعد امتلاك الاخيرة للسلاح النووي، الامر الذي يعد بمثابة شبح يقلق مضاجع القادة الاسرائيليين ويرفضونه جملة وتفصيلا، ولعل اصرار اسرائيل على تصعيد الاوضاع في المنطقة ومحاولة زج كل من ايران وسوريا فيه يعد بمثابة محاولة لقطع الطريق امام اية مفاوضات او اتفاق ايراني امريكي متوقع من خلال خلق واقع جديد على الأرض تقوم بفرضه على صانعي القرار في الولايات المتحدة بهدف تغيير قواعد اللعبة.

وهنا لا بد من القول بانه اذا ما اردنا فعلا الى تهدئة الاوضاع في المنطقة والوصول بالصراع العربي الاسرائيلي الى حل عادل وشامل ومقبول لمختلف الاطراف فلا بد من الوقوف والتدقيق جيدا ببعض الحقائق التالية:

اولا: ان على اسرائيل والولايات المتحدة ان تدركا انه لا توجد قوة في العالم يمكن ان تمنح اسرائيل الامن مالم يمنحها اياه الشعب الفلسطيني، ولا يمكن ان يفعل الشعب الفلسطيني ذلك طالما يتعرض يوميا للقمع والقتل والتدمير وانتهاك الحقوق والحريات، وبالتأكيد لن يفعل ذلك طالما بقيت أرضه وحقوقه منقوصة ومغتصبة.

ثانيا: يقول احد حكماء الصين القديمة "انه من العبث ان تهدد من يريد الموت بالموت" وعليه فان على اسرائيل ان تدرك تماما بان سياسة القتل والتدمير والاغتيالات ليس هي الطريق الامثل لوقف اعمال المقاومة ضدها سواء في فلسطين او لبنان, ولا يمكن ان تكون الاداة الصحيحة لاعادة رسم خريطة المنطقة، وان هناك العديد من الخيارات السياسية الاخرى التي يمكن ان تجعلها في منأى عن هجمات المقاومة في كلا البلدين, على ان اهم هذه الخيارات يكمن اولا واخيرا في ارجاع الحقوق الى اصحابها والكف عن العبث بمقدرات وارواح الشعوب والامتناع عن اعمال التصعيد التي تمارسها باستمرار.

ثالثا: ان الدعم الاميركي غير المحدود لأعمال إسرائيل العدائية ضد جيرانها لن ينهي المقاومة ولن يجلب للمنطقة سوى مزيد من التأزم والاحتقان, وان الضغط باتجاه وقف الاعمال العدائية الاسرائيلية والاعتراف بقرارات الشرعية الدولية وبمبادرة السلام العربية الصادرة في قمة بيروت لعام 2002 باعتبارها اطارا مرجعيا رئيسا للتسوية السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين ربما تكون اقصر الطرق لانهاء الازمة في المنطقة والخروج من دائرة الصراع الى وضعية السلام.

رابعا: ان امتناع الولايات المتحدة وبعض القوى العظمى عن تهديد بعض المنظمات السياسية والاسلامية العربية التي تمارس اعمال المقاومة والتضييق عليها لا يعني بالضرورة تهديد امن إسرائيل, وانما من الممكن ان يؤدي ذلك الى فتح آفاق للحوار ربما تؤدي في النهاية الى تشجيع هذه المنظمات والحركات على القبول بالمضي قدما في عملية سلام شاملة وعادلة مع اسرائيل.

خامساً: مهما كانت الاهداف الخفية لهذه الحرب سواء كانت تتعلق بتحقيق مصالح إسرائيل لإعادة رسم خريطة المنطقة أو تأهيل إيران لتصبح رقما صعبا فإن المنطقة لا يتوقع لها أن تحضى بالاستقرار المنشود مالم يتم ايجاد حل عادل ومقبول للقضية الفلسطينية.

بقي ان نقول انه ما لم تؤخذ هذه الحقائق الموجودة على الارض فعلا على الساحتين الفلسطينية واللبنانية وفي الشرق الاوسط بصورة عامة على محمل الجد ويتم التعامل معها بنوايا صادقة من جميع الاطراف فان الموقف في المنطقة ربما سيكون مرشحا لاكتساب مزيد من مظاهر التأزم التي يمكن ان تقود - لا سمح الله - اذا ما اضفنا اليها ما يحدث في العراق من عدم استقرار الى اضطراب عام في المنطقة من الصعب التنبؤ بنتائجه.

مدير وحدة الدرسات والبحوث - مركز الرأي للدراسات

kshogran@yahoo.com