المسألة العراقية : مسافة شاسعة بين الوهم والحقيقة

اعداد : د. خالد الشقران

مركز الرأي للدراسات

4/2006

جاء في تقرير الكرايسز جروب الخمسين حول الشرق الاوسط وعنوانه " بكلماتهم انفسهم: قراءة في التمرد العراقي) ما نصه " ان تجاهل الولايات المتحدة وعدم اخذها في الاعتبار ما يقوله – ما وصفهم التقرير بالمتمردين وهو بالطبع يقصد بذلك كل اشكال مقاومة الاحتلال في العراق- في وقت يقوم فيه المتمردون بالانتباه التام لما تقوله واشنطن مسألة يعتبرها تثير الحيرة وهي بحسب التقرير بمثابة شن حرب بيد واحدة واليد الاخرى مقيدة خلف الظهر".

ويضيف التقرير" ان الولايات المتحدة تقاتل في العراق عددا تكاد لا تعرفه من المقاتلين ( اسلاميين جهاديين وصداميين ووطنيين عراقيين واجانب) والذين تطورت استراتيجياتهم وتكتيكاتهم كرد على العمليات التي تقوم بها الولايات المتحدة وتعزيزا لقبول السنة العرب وتصاعدت ثقة المقاومة بقدرتها على دحر الاحتلال.

ويؤكد التقرير انه رغم ان هؤلاء المقاتلين يتقنون استخدام اعلام ودعايه الحرب حيث يحاولون دائما ابراز نبلهم ومحاورتهم التكتيكيه وقدراتهم الابداعيه ويقللون من الامور المتعلقه بقسوتهم وانكسارهم ,فان الولايات المتحده حتى الان لا تحاول الاستفاده من الخطاب الاعلامي لهؤلاء المقاتلين باعتباره نافذه يمكن من خلالها الاطلال على فكرهم وتوجهاتهم ومطالبهم واساليبهم وتوظيف ذلك في خدمه الهدف المعلن للولايات المتحده وهو الوصول الي مرحله تحقيق الاستقرار في العراق.

ويخلص التقرير الي مجموعه من الاستنتاجات والتوصيات والتي من اهمها ان هناك هيمنة متزايدة على حركه التمرد من قبل مجموعات قليله تستخدم وسائل اتصال متطوره اذ لم تعد هذه المجموعات ظاهره مبعثرة وغريبة وتعمها الفوضى، بل هي ذات تنظيم جيد وتصدر مطبوعات منتظمه وتستجيب بسرعه هائله للتطورات السياسيه وتبدو مركزية السيطرة بشكل يثير الدهشة وهنا يعترف التقرير بقوة وتنظيم هذه المقاومة .

وان هناك تقارب تدريجي حول خطاب وممارسات اكثر توحدا وحول هيمنة عربية ,ويتضح ذلك من خلال الالتقاء حول المذهب السني وحول مظالم العرب السنه حيث يلزم الجميع علنا بتوليفة من السلفية والوطنية واذابة التمييز بين الجهاديين الاجانب والمقاتلين العراقيين . وهذا في الواقع يمثل نقطه قوة اخرى يسجلها التقرير من خلال توصله الى توحد المقاومه ضمن اطار واحد.

وان هذه الجماعات تبدو شديده الانتباه للراي العام وعلى وعي متزايد بأهمية صورتها في الاذهان وذلك من خلال استجابتها للمجموعات السريعة والمنهجية لاي اتهامات بالفساد الاخلاقي او العنف الاعمى وترفض الاتهامات لها بالطائفيه , وتعمد الي الاعلان عن الجهود التي تقوم بها لحمايه المدنيين او تعويضهم عن خسائرهم ,لا سيما انهم بحسب التقرير اخذو ينبذون بعض الممارسات الفظيعه والمثيره للجدل محليا مثل قطع رؤوس الرهائن ومهاجمة المدنيين في مراكز الاقتراع , وتأكيد هذه المحموعات من جانب اخر على وحشيه العدو ورسمها افظع صور ممكنة للولايات المتحده وحلفائها من العراقيين .

وازدياد تفاؤل حركه(المقاومه) بتحقيق النصر :- وتنطلق هذه الثقة حسب ما ذكر التقرير من قناعة بأن شرعية الجهاد اصبحت الان ابعد من أي شكوك وان المؤسسات التي اقامها الاحتلال هشة ولا سبيل الى جعلها شرعية ,وان حرب الاستنزاف ضد قوات الولايات المتحده تحرز نجاحا.

وهنا يوكد التقرير بأن بروز حركة تمرد ويقصد المقاومه – اكثر ثقه بنفسها وافضل تنظيما واكثر تنسيقا واكثر وعيا لأهميه المعلومات وتتجاوب بصوره متزايده مع الرأي العام للعرب والسنه , ينطوي على دلالات عميقة لصانعي السياسة ,وان مجرد تمكن حركات المقاومه من البقاء والازدهار رغم التفوق عليها عددا وعدة يشير الي ان هناك حدودا لما تستطيع ان تحققه حملة مقاومة التمرد القائمه حاليا ,لا سيما وان هناك حركة قد نجحت في ادامة الاتفاق على قضايا عملياتية جوهرية واستطاعت حشر المجندين الجدد وتعبئه قدر من التأييد الشعبي المعنوي في اوساط الجمهور الذي تستهدفه . ورغم ذلك لازالت الولايات المتحده تنظر الي خطاب هذه الحركه باستهانة ؟

ويخلص التقرير الى توصيات مهمة لكل من الولايات المتحده والقوات المتحالفه معها وحلفائها العراقيين ,حيث يلفت الانتباه الي ان مقاومة حركات التمرد (المقاومه) تتطلب النظر بصوره جديه في خطابها .والمراقبة الحثيثه والسيطرة على قوات الأمن وانزال عقوبات عليها عندما يقتضي الأمر. ووقف العودة لاكثر انواع الممارسات اثاره للتساؤلات بما في ذلك التعذيب والأساليب غير العادية في الاستجواب والحجز والعقوبات الجماعيه واعمال القتل دون محاكمات لاسيما وان الضرر الناتج عن الاستخدام المفرط للقوة والتعذيب والتكتيكات التى توقع بإصابات كبيرة بين المدنيين والاعتمادعلى المليشيات الطائفيه يتعدى في تاثيره أي مكسب عسكري ,وعليه فلابد من انهاء استخدام المليشيات الطائفيه باعتبارها قوات مكمله او بديله للقوات المسلحه النظاميه ,والتزام الحكومه العراقيه الجديده بتحمل مسؤولياتها وافهامها بان العلاقات الطويله المدى معها والمساعدات الاقتصاديه والتعاون العسكري مستقبلا ستعتمد علي الخطوات التي ستتخذها للسيطرة على المليشيات وحلها في نهايه المطاف ووقف اعمال القتال لدوافع سياسيه واحترام حقوق الانسان وسياده القانون ,واعراب الولايات المتحده بشكل واضح عن استعدادها اثناء وجودها في العراق للتفاوض علنا حول المدة التي ستبقى فيها بالعراق وقواعد الاشتباك التي تعمل بموجبها , واخيرا الاعراب بشكل واضح وبصوره متكرره وعلى المستويات بأنها تقبل بأن موارد العراق النفطيه هي ملك الشعب العراقي وليست لأي جهه اخرى وانها ستنسحب من العراق حالما تطلب منها الحكومه العراقيه الجديده المنتخبه ذلك ؟

ورغم تحفظنا على بعض ما جاء فيه الا ان هذا التقرير يؤشر الي حد كبير على مكمن الخلل في السياسة التي تنتهجها الولايات المتحده في العراق ,فثمه تأييد واضح في التقرير بالاستناد الي الحقائق على الارض بأن مجرى سير تطور الاوضاع في العراق لا يصب في مصلحه الولايات المتحده ولا مصلحه العراق الذي تدعي الولايات المتحده الرغبه في تحويله الي نظام ديمقراطي يقوم على احترام حقوق الانسان والحفاظ على حياته.

والغريب ان تصريحات المسؤولين الامريكيين السياسيين والعسكريين لاتزال تصر على ان القوات الامريكية تحرز تقدما في العراق وتدافع عن السياسه الامريكيه تجاه المعتقلين في العراق بتهمه الارهاب برغم ما يرتكب ضدهم من معامله غير انسانيه , وتدافع عن كثير من تصرفات العسكريين التي تمتهن قيم المجتمع الدينيه والثقافية والاجتماعية رغم انها تعتبر في كل الاعراف الدوليه من اهم الامور التي يمكن ان تتسبب في استفزاز الشعوب وتحريك مشاعرها الدينية والعرقيه ضد كل من يحاول المساس بهذه القيم .

فالولايات المتحد قوة عظمى وهي تستطيع بحكم واقع سيطرتها على الساحه الدولية ان تصرح بما تشاء ولكن هذه التصريحات لا تتعدى في النهايه كونها مجرد كلام في حين لاتزال هذه القوة العظمى غافله او تتجاهل كثير من الحقائق على الارض في الساحه العراقيه , وعليه فان ثمة نقاط اساسيه نضيفها الي ما سبق وذكره التقرير والتي من اهمها ان مقاومة الاحتلا(أي احتلال) هو حق مشروع لكل الشعوب ,وانه لا احتلال استمر او يستمر الي الابد , وان هناك فرقا ما بين المقاومه المشروعه للاحتلال واعمال العصابات الي ترتكبها جهات مجهوله في العراق ضد المدنيين واماكن العباده بهدف ايقاع الفتنة الطائفيه التي لا سمح الله ولا قدر ان وقعت لن يسلم منها احد ولا حتى الاحتلال الامريكي، ومع ذلك فانه من الغريب ان تصر الولايات المتحده على الخلط بينهما , وان تغيير فكر الشعوب لا يكون بانتهاك حرماتها وكرامتها , وان مسأله انصات الولايات المتحده جيدا لما تقوله حركه المقاومه العراقيه التي اصبح وجودها حقيقه واقعه - لا يمكن تجاهلها باي حال من الاحوال- لا ينبغي ان ينظر اليه عبر زاوية التقليل من هيبة القوة العظمى في العالم بل من منظور المصالح الحقيقية للولايات المتحدة في المنطقة وانعكاس عدم استقرارها على هذه المصالح.

واخيراً ورغم اعتراف بعض المسؤولين في الولايات المتحدة بأن احتلال العراق كان خطأ فادحاً انطلاقاً من القاعدة التي تقول " ان الاعتراف بالذنب فضيلة" الا ان هذا الاعتراف لا يصل بالضرورة الى درجة الفضيلة اذا لم ترافقه اجراءات فعلية على ارض الواقع بغية إصلاح ما يمكن إصلاحه، حفاظا على كرامة الشعب الأمريكي الذي بات يرفض هذا الاحتلال جملة وتفصيلا، ورحمة بشعب العراق العظيم الذي أنهك من جراء حروب تم فرضها عليه بغير حول منه ولا قوة.

kshogran@yahoo.com