المسألة الإيرانية والخيار الصعب

اعداد : د. خالد الشقران

مركز الرأي للدراسات

5/2006

يبدو أن لعبة الخلافات بين إيران والولايات المتحدة ومعها دول الاتحاد الأوروبي وإسرائيل استعارت احدى قواعد البورصة والاسواق المالية المتعلقة بالعرض والطلب بحيث اصبح المتابع لتذبذب نبرات ولهجات الخطاب لدى الطرفين يحار ماذا يرصد اشارات التقارب ام اشارات التنافر فبعد ان كان الموقف على ماهو ظاهر آخذ في التصاعد الذي يوحي باحتمالية الوصول إلى طريق مسدود،فقد اخذت تلوح في الافق بوادر قد توحي بنوع من التقارب الامريكي الايراني في ظل صمت او تريث الموقفين الاوروبي والاسرائيلي انتظاراً لما قد يسفر عنه هذا التحول في الموقف الأمريكي من نتائج، وفي ضوء ذلك فإن السؤال المهم هو ما الذي يجري حقيقة وما هي الحلول والسيناريوهات المتوقعة اذا حصل اتفاق أو لما بعد مرحلة الطريق المسدود إن كان هناك حسب المستجدات طريق مسدود أصلا؟ وما هي احتمالات تأثيرات هذا وذاك على المنطقة؟

فالظاهر حتى الآن انه ليس هناك ثمة مخرج سهل من المأزق النووي الإيراني فإيران من جانبها يتملكها إحساس بعدم الأمان انطلاقاً من واقع التجربة العراقية المريرة والجرأة الأمريكية التي ترى انه ليس هناك سيادة مصونة لأي دولة في الشرق الأوسط من جحافلها العسكرية عندما يتعلق الأمر بمس مصالحها في المنطقة والتي تعتبر اسراءيل وأمنها جزء أساسي منها، تصر في ضوء ذلك على حقها في تطوير قدراتها لإنتاج دورة وقود نووي كاملة بما في ذلك القدرة على تخصيب اليورانيوم وما يتبعها من سهولة إمكانية إنتاج أسلحة نووية.

والولايات المتحدة التي كانت متشددة في موقفها الرافض على ما كان يبدو حتى لفكرة امتلاك إيران للتكنولوجيا النووية حتى ولو في حدها الأدنى انطلاقاً حسب التبريرات الأمريكية من افتقار إيران للشفافية في الماضي ودعمها المتواصل للحركات الإرهابية في المنطقة والخطاب الناري الذي تبنته الرئاسة الإيرانية في بداية ألازمة، صرحت وعلى لسان وزيرة حارجيتها السيدة رايس "بأن إيران ما زالت تواجه خيارين هما إما أن يكون لديها برنامج نووي سلمي ملائم يمكن إن يؤيده المجتمع الدولي وإما أنهم يواجهون العزلة، وان حلفاء واشنطن يشاطرونها الرأي في مسألة فرض عقوبات اقتصادية على إيران إذا لم يكن مجلس الأمن قادراً على الاتفاق على إجراء قوي بالقدر الكافي" وهذا بالطبع تحول ملحوظ في الموقف الأمريكي يصاحبه تهديد اقل حدة من التهديدات باللجوء إلى استخدام القوة والتي كانت تطلقها واشنطن من حين إلى آخر. ويعزز ذلك اعتراف وزيرة الخارجية الأمريكية بوجود آلية اتصال ما بين الدولتين على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بينهما.

وفي ضوء الحقائق السابقة يمكن مناقشة السيناريوهات التالية:

اولاً : قبول ايران بالتخلي عن فكرة امتلاك التكنولوجيا النووية ، خوفاً من قيام المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة بحرب ضدها، وبالمقابل تلقي مساعدات ودعم اقتصادي وسياسي وعسكري من المجتمع الدولي والولايات المتحدة، وهو بالطبع سيناريو في ضوء المعطيات سابقة الذكر مستبعد التحقق .

ثانياً: قبول إيران ببرنامج نووي سلمي يكون بمساعدة وتحت إشراف المجمع الدولي ووكالة الطاقة الذرية على أن تحصل مقابل ذلك على دعم ومساعدة المجتمع الدولي والمؤسسات المالية والاقتصادية الدولية الكبرى لتحسين اقتصادياتها والأوضاع المادية لمواطنيها، وهو أيضا خيار مستبعد لإصرار إيران الواضح على الحصول على التكنولوجيا النووية .

ثالثاً : استمرار إيران في المضي قدما ببرنامجها النووي وقيام الولايات المتحدة مقابل ذلك باستخدام القوة العسكرية لوقف او تدمير هذا البرنامج وهو خيار مكلف بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ليس من الناحية المادية فقط بل من الناحية البشرية وهذا هو الاهم اذ يبلغ تعداد القوات الامريكية في العراق نحو ماية وثلاثون الفاً سيكونوا بمثابة رهائن لدى الايرانيين اللذين لن يقوموا بإدخال قوات عسكرية الى العراق والدخول في معارك مباشرة مع القوات الامريكية وانما سيعمدو الى الحاق خسائر كبيرة في الطرف الامريكي عن طريق حرب العصابات التي يمكن ان تقوم بها قوات ايرانية بملابس مدنية ومليشيات شيعية عراقية ومواطنين عراقيين يمكن ان يؤجج الخطاب السياسي الايراني مشاعرهم الدينية، مما يعني في النهاية تدمير الوجود الامريكي في العراق وتعريض احلامها وطموحاتها في المنطقة الى الخطر، وهو ما تحرص الولايات المتحدة على استبعاد حدوثه، وعليه ربما من المستبعد ان تلجأ الولايات المتحدة لاستخدام القوة ضد ايران.

رابعا: استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم مقابل فرض حصار وعقوبات اقتصادية ومالية وعسكرية وهمية وعدم اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية ، وهو ما يمكن أن يؤدي في النهاية إلى امتلاك إيران للتكنولوجيا النووية وربما سينهي الأمر بانضمامها إلى نادي الدول النووية، ولن يمتلك المجتمع الدولي والولايات المتحدة حينئذ شكليا كثيراً من الخيارات الأمر الذي يمكن أن يؤدي بحكم الأمر الواقع إلى تغير شكل وطبيعة علاقات إيران مع المجتمع الدولي بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص والتي ربما تمتد وتتطور إلى حد التعاون ما بين ايران والولايات المتحدة وربما التحالف خدمة للمصالح والاهداف الخاصة لكل منهما والمشتركة فيما بينهما، خاصة وان ايران تملك ورقة العراق الرابحة كما ذكرنا ويمكن ان تساعد على تهدئة الاوضاع في العراق على ان تكون بعد ذلك الشرطي المتقدم للولايات المتحدة في المنطقة والذي يمكن ان يضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه الحديث عن وطن عربي وثروات عربية .

 

بقي أن نقول ان كل المؤشرات المنظورة والمستخلصة من التحركات الدبلوماسية والخطابات السياسية والتجارب السابقة للعلاقات بين الطرفين تدعم على ما يبدو الاحتمال الأخير، لاسيما وان سوابق التعاون الإيراني الأمريكي فيما يتعلق بالسيطرة على مقدرات ودول المنطقة تبقى اكبر حتى في ظل حالة الخطابات النارية التي يطلقها كل منهما ضد الآخر، على ان السؤال الذي يظل مطروحا ، ماهو شكل ايران القادمة بعد الانتهاء من هذه الازمة هل هي ايران الشاه الحليف الاكبر للولايات المتحدة في المنطقة ام ايران التي قدمت كل المساعدات الممكنه للولايات المتحدة في أفغانستان وقبلت بوجود الجار الجديد في للعراق؟!

kshogran@yahoo.com