العراق والولايات المتحدة: إعادة حسابات

اعداد : د. خالد الشقران

مركز الرأي للدراسات

10/2006

مر ما يقارب الثلاث سنوات على احتلال العراق وحتى الآن لم يتحقق الأمن بأدنى مستوياته ولم تسيطر قوات الاحتلال على الأوضاع داخل البلاد فيما تأخذ حركة المقاومة والعنف الطائفي والعرقي والإجرامي والتصفيات التي تقوم بها أجهزة مخابرات عالمية مختلفة بالتزايد بشكل مضطرد حتى انه بات من الطبيعي في ظل ما يحصل القول إنها الفوضى أصبحت تدب في كل أرجاء العراق، لكن ترى من هو السبب هل هو الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين ام حركات المقاومة على اختلاف انواعها سواء كانت شعبية ام اسلامية ام قومية ام غيرها؟! انه الاحتلال؛ اذ انه لم يكف الولايات المتحدة انها قامت باحتلال ارض الغير بغير وجه حق، بل انها حتى بعد احتلالها لهذا البلد لم تلتزم حتى بأدنى قواعد المسؤولية الاخلاقية التي تفرضها عليها الاعراف والقوانين الدولية، بأعتبارها دولة احتلال.

ولعل اكتفاء الولايات المتحدة بدور المشاهد او المراقب ان لم يكن المحرض لاعمال العنف والاقتتال الطائفية وعمليات التصفية والقتل والتهجير الجماعية هو االمشهد الذي يبرز حقيقة عدم اهتمام الولايات المتحدة او بذلها أي مجهود للحيلولة دون استمرار تردي الاوضاع في العراق الى الاسوأ، وعليه فلا يمكن لاي كان ان يدعي بأن الولايات المتحدة عاجزة عن وقف هذا الصراع الطائفي واخماد ناره بدل من تأجيجها الا اذا كانت الادارة الامركية تسير على قاعدة فرق تسد.

على ان المسؤولية الاخلاقية لقوات الاحتلال الامريكية في العراق لا تقتصر على وقف اعمال العنف الطائفي وتوفير الامن وتوفير الامن للناس فحسب، وانما تشمل هذه المسؤولية ضرورة اقتناعها واعترافها بأنها كانت على خطأ عندما قامت بإحتلال العراق، والاعتراف كذلك بأن هذا الاحتلال قد اعاد العراق الى نحو خمسون سنه الى الوراء ولم يأخذ بيد العراقيين نحو التقدم والازدهار، واخيرا ضرورة الاعتراف بحقيقة وواقية الخسائر الامريكية البشريه والمادية وارتفاع نسبتها عما كانت تتوقعه الادارة الامريكية او تصرح به.

صحيح ان هناك اعترافات يطلقها بعض اركان الادارة الامريكية بين فترة واخرى تشير الى الاخطاء التي وقعت بها الولايات المتحدة اثناء وبعد الحرب على العراق الا ان الاعتراف لوحده لا يكفي وانما لابد وان يتبع هذا الاعتراف عمل على ارض من شأنه التقليل ما امكن من الآثار السلبية الناجمة عن هذا الاحتلال، وفي هذه الحالة فإن على الولايات المتحدة ان تعترف بداية بالوجود الواضح لما يمكن تسميته بالمقاومة المنظمة والتي لم تستطع الولايات المتحدة وعلى مدى ثلاث سنوات رغم كل ما استخدمته من وسائل القوة ان تنهي وجودها او تأثيرها على الساحة العراقية، وتقوم من ثم بالتفاوض معها سعيا للوصل الى حل يمكن سيسهم بالتأكيد في التخفيف من حدة الاحتقان الموجود ان لم يكن انهاء حالة انفلات الامن والنزاع الطائفي والسياسي الذي يشهده العراق من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه.

يؤكد كثير من النقاد والمعارضين داخل الولايات المتحدة لأداء الإدارة الامريكية بأن العراق اليوم بات كفيتنام الامس وبرغم ان الرئيس بوش كان قد اجاب في احدى المقابلات التي اجريت معه مؤخراً عن سؤال حول هذه المقارنه بنعم، فإن السؤال الذي يبقى مطروحا والحال كذلك هو هل يستحق النفط كل هذه الدماء، وربما تكون الدماء العراقية رخيصه في حسابات الادارة الامريكية واباطرة النفط، لكن هل يعقل ان لايكون للانسان قيمة في بلد تدعى ادارته انها مفوضه من الله لحماية حقوق الانسان ومحاربة الشر.

رغم كل ذلك لا احد يعلم ما الذي تنتظره الادارة الامريكية حتى تأخذ قرارا واضحاً بالخروج من العراق بعد تسليمه الى اهله وشعبه العضيم الذي بالتأكيد يوجد من بينهم الكثير ممن هم على استعداد ان يبذلوا المال والجهد وحتى النفس في سبيل عراق عربي حر وموحد.

kshogran@yahoo.com