ما الذي فعلته الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة

اعداد :د. خالد الشقران

مركز الرأي للدراسات

12/2006

لن استشهد بإعترافات رامسفيلد ولا كوفي عنان الأخيرة حول الخطأ والفشل الأمريكي في العراق، لأنها جاءت بغير وقتها وهي بطبيعة الحال تمثل صحوة ضمير متأخرة جداً كنا نتمنى ان تكون قبل احتلال العراق، ولن نذكر بالديمقراطية أو حماية حقوق الإنسان أو عهد الحرية وغيرها من الشعارات التي صاحبت الحملة الأمريكية لاحتلال العراق على اعتبار أننا كنا نعلم تماما بأنها شعارات زائفة ليس لها علاقة بالواقع ولن تكترث الولايات المتحدة بإعطائها أولوية على أجندة مصالحاها وأهدافها في العراق أو حتى في منطقة الشرق الأوسط.

ولا يستطيع المرء الذي يفكر فيما آلت إليه الأوضاع في المنطقة إلا أن يصاب بالدهشة لنتائج وتداعيات ما سمي بالحرب الأمريكية على الإرهاب، وخاصة الشق المتعلق منها باحتلال العراق، ذلك البلد الذي الصقت به التهمة اعتباطا، على ان السؤال الكبير الذي لابد من طرحه في هذا المجال هو ما الذي فعلته الولايات المتحدة في العراق بشكل خاص وفي المنطقة بشكل عام؟!.

حقيقة لو حاولنا وبشىء من الموضوعية التدقيق في المشهد على الساحة العراقية او حتى على منطقة الشرق الاوسط برمتها فإننا سنلاحظ حقائق مهولة لا ينبغي ان نستمر بتجاهلها او تحديدا بالتخوف من اثارتها او الخوض فيها، لانه اذا ما استمر الامر على هذا النحو فإنه ينبىء بنتائج ربما ستكون كارثية على المنطقة برمتها.

ولعل اول الحقائق التي ينبغي ان نعترف بوجودها كنتيجة مباشرة للوجود الامريكي في المنطقة هي إحياء و انبعاث النزعات الطائفية الدينية والعرقية والقومية التي انبثق عنها بوادر الحرب الطائفية الدائرة حاليا في العراق والتي كلفت العراقيين الكثير من الدماء والدمار لبنية وحضارة هذا البلد المادية والمعنوية.

اما الحقيقة الثانية التي قادها الينا الوجود ومن ثم الفشل الامريكي في العراق فهي تتمثل في تزايد النفوذ الايراني في العراق بشكل خاص والمنطقة بشكل عام وما يتبع هذه المسألة من تداعيات يتطلع الايرانيين من خلالها الى تكريس حالة عدم الاستقرار في المنطقة وزيادة صعوبة وضع القوات الامريكية فيها بإعتبار ذلك يشكل ضمانة اكيدة لمضيهم قدما في البرنامج النووي الإيراني، دون وجود عوائق تعكر عملية تحقيق هذا الهدف.

وتكمن الحقيقة الثالثة تعزيز بوادر تقسيم العراق بين اقاليم سنية واخرى شيعية وثالثة كردية الامر الذي تطفو معه وفي ظله قضية تقسيم العراق الى اقاليم او دول سنية وشيعية وكردية مع ما يمكن ان يتبع ذلك من ارتباك وربما اضطراب في التفاعلات والعلاقات العربية الإيرانية والتركية العراقية او السورية العراقية او حتى الاردنية العراقية، وكذلك الحال في فلسطين بين حماس والسلطة الوطنية، وبين الحكومة والمعارضة في كل من لبنان والسودان والصومال.

اما الحقيقة الرابعة فهي تتمثل بزيادة تشرذم او تحديدا حالة الانقسام في الموقف العربي الذي لم يعد لدية القدرة على الخروج بموقف يحيط بكل جزئيات المشهد على الارض العربية سواء في العراق او لبنان او السودان او فلسطين، مما يحد من قدرة العرب على استيعاب مشكلاتهم وقضاياهم داخليا ويضعف قدرتهم على ايجاد حلول ناجعة لها.

وترتبط الحقيقة الخامسة في زيادة نقمة شعوب المنطقة تجاه السياسات المتخبطة التي تتبعها الولايات المتحدة في المنطقة، حتى اصبح اكثر الناس ليبرالية مصابون بالاحباط من جراء تداعيات هذه السياسية، فكيف اذا نقلنا المشهد للحديث عن موقف المعارضين بالاصل لكل ماهو امريكي، الامر الذي يمكن أن يقود إلى ارتفاع عدد من يميلون إلى استخدام العنف في مواجهة الوجود الأمريكي في المنطقة.

بعد هذه الحقائق التي خلق الوجود الامريكي في المنطقة منها الكثير، بقي ان نقول : هل يمكن لعاقل ان ينكر حقيقة ان الاوضاع في المنطقة كانت قبل انطلاق ما يمسى بالحرب الامريكية على الارهاب هي افضل بكثير مما هي عليه الآن؟! وهل يمكن لمتفائل ان يتوقع ان تهدأ الاوضاع في المنطقة قبل حل ثلاث مسائل اساسية هي البحث عن حل عادل للقضية الفلسطينية، وانهاء الوجود العسكري الامريكي في المنطقة، وتوقفها كذلك عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.

kshogran@jpf.com.jo.