ماذا بعد اغتيال رفيق الحريري ؟

اعداد :هادي الشوبكي

مركز الرأي للدراسات

2005

باغتيال الرئيس رفيق الحريري ومطالبة لبنان وسوريا بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1559 والقاضي بسحب القوات الأجنبية من لبنان ، أخذ هذا البلد يدخل مجدداً في متاهات اللعبة الدولية . دوامات الأمن واللاأمن والنفوذ في دولة كلبنان ، تقررها وإلى حد بعيد بنية النظام الدولي وموقفها من ذلك النظام . في عامي 1988 _ 1989 دعمت واشنطن الجهود العربية واللبنانية للوصول إلى اتفاق الطائف بين القوى السياسية اللبنانية المتصارعة من أجل العودة إلى الاستقرار بعد حرب أهلية استمرت 17 عاما وعودة لبنان للمشاركة في محادثات السلام إلى جانب بعض الدول العربية والوصول إلى اتفاقات أمنية مع إسرائيل .

اغتيال رفيق الحريري الزعيم السياسي اللبناني الأبرز الذي شارك في صياغة اتفاق الطائف وشارك " الطائف " في صنع زعامته أدى في دلالاته وفي تداعياته إلى أحداث تؤثر في إحداث تحولات فعلية ، وترتقي إلى مستوى أزمة جديدة وتسوية جديده .

الثابت لبنانياً ، أن الأزمة اللبنانية لن تجد طريقها إلى الحل إلا عبر تسوية سياسية على محورين داخلي وخارجي ، ومنذ فترة وجيزة دخل لبنان منعطفاً خطيراً على أثر السجال السياسي حول تعديل الدستور مؤقتأً وما نتج عنه من تمديد للرئيس لحود لثلاث سنوات إضافية ، وحول الموقف من الدور السوري في لبنان على قاعدة ( مع ، ضد ) من القرار 1559 ، ولتعود الأوراق السياسية تختلط مجدداً بعد حادث الاغتيال . المتابع لمجريات الأمور في لبنان ، يجد أن لبنان كنظام سياسي قام منذ البداية على أساس حفظ حقوق الطوائف ، فاحتفظ خلال مرحلة من تاريخه بطابع مميز في بنيته الاجتماعية وتعدد طوائفها الدينية وقد أخذت الطائفية بمضمونها السياسي وصفاً قانونياً تسرب إلى أنظمة الحكم منذ قيام نظام القائمقاميتين في الجبل سنة 1842 وساعد على قيام هذا الوضع الطائفي تدخل الدول الكبرى لدى الطوائف اللبنانية في ظل تواطؤ مريب من السلطات العثمانية . وأعلن عن ولادة لبنان الكبير تحت وصاية فرنسا المنتدبة عام 1920 ، وظهرت الطائفية من خلال أخذها بالاعتبار لدى تشكيل السلطة التنفيذية ( الحكومات ) .

وأخذت تتكرس الطائفية من خلال بعض مواد الدستور وميثاق 1943 ثم اتفاق الطائف عام 1989 الذي جاء ليضع حداً للحرب الأهلية منذ عام 1975 _ 1990 ، فأفرز الاتفاق جمهورية لبنانية جديدة ، وكان المحور الهام فيه ، أي الاتفاق ، إجراء الاصلاحات السياسية والتفاهمات على السيادة ، فرفع الاتفاق قدرة النظام على الاستجابة للمطالب المقدمة اليه ، لانه عدَل التوازن الطائفي الذي كان مفقوداً ، وجاء نتيجة مطالبة الطوائف الإسلامية لذلك خاصة انه لم يجر أي تعداد رسمي منذ عام 1932.

وكان من نتائج الآليات التطبيقية للاتفاق ترجمت بإعادة توحيد السلطة بمرجعية واحدة والتفويض الدولي الذي أعطى لسوريا ، جاء في سياق مقايضة سياسية ، بين دور سوري في كل لبنان ، مقابل تأييد للقرار الأميركي حيال العراق في ملف دخوله إلى الكويت والانضمام السوري إلى حفر الباطن .

لكن معطيات موقف واشنطن حيال العراق تبدلت عبر إدخال احتلاله على ألا جنده الاميركيه .

ومع فشل محادثات الراحل الرئيس الراحل حافظ الاسد _ وبيل كلنتون في جينيف عام 1998 اخذت دمشق تتعرض لضغوطات أميركية متعددة الجوانب بدءاً بالإجراءات العقابية وقانون محاسبة سوريا وانتهاءاً بإدارة حملة دولية على سوريا عبَر عنه القرار 1559 بهدف المزيد من الضغط على سوريا لتعديل موقفها حيال العراق ، وإسقاط آلية الإشراف على الشأن اللبناني عبر شقيه السياسي والأمني .

على ما يبدو أن الرئيس الحريري دفع حياته نتيجة فهمه اللعبة السياسية الدولية والإقليمية والمحلية بعد قراءته الذكية للمرحلة المقبلة للبيئة الدولية ، وشارك بالحكم فعلياً كرئيس للوزراء منذ عام 1992 الى عام 1998 ثم من عام 2000 إلى عام 2004 ، مع تزايد نفوذه في الحكم تولدت صيغة حكم ثلاثية بين الرؤساء الثلاث ( الترويكا ) لدرجة وصلت خلافاته مع رئيس الجمهورية اللبناني أميل لحود أن أدت إلى شلل السلطة التنفيذية ، وقدم الحريري استقالته في تشرين الأول / أكتوبر عام 2004 بعد خلافات عميقة مع أميل لحود ودمشق على خلفية قرار التمديد للرئيس لحود ، وبعد أيام من صدور قرار مجلس الأمن الدولي 1559 ، وانفتاحه على المعارضة التي تنامت وتنوعت أطيافها السياسية والطائفية ، فتأثرت علاقته مع سوريا بسبب من ذلك ، إضافة إلى العلاقة التي تربطه بالرئيس الفرنسي جاك شيراك ودور الأخير في صياغة القرار 1559 .

الحريري ومنذ عودته إلى لبنان يعتبر ظاهرة مميزة في الحياة السياسية اللبنانية ، فأصبح ينظر له كزعيم وليس كأبن طائفة ، فأصبح ثقلاً محلياً وعربياً ودولياً للمعارضة التي رفعت من شعاراتها مطالبة بانسحاب القوات السورية من لبنان وخروج النفوذ السوري وخاصة بعد الانقسام الداخلي على خلفية القرار 1559 بين السلطة المدعومة من سوريا والمعارضة .

لكن غياب الحريري يعتبر خسارة وطنية حقيقية لما عرف عنه بأنه "رجل المصالحة" فلم يغلق الأبواب لا مع السلطة ولا مع الموالاة ، وكان لديه استعداداً عالياً للتوصل إلى تسويات معينه في القضايا الخلافيه ، وكان يمكن أن يشكل وجوده فرصة كبيره لاعادة إنتاج تفاهمات وطنية أو توافقيه داخليه للخروج من الأزمة إلحاده التي يعيشها لبنان .

وكان يملك " مشروع دوله " كامل ينطلق من الثوابت التي تجمع اللبنانيين ، ومتمسكاً بشده باتفاقية الطائف حرفيا، حيث صرح أنه لايمكن على الإطلاق أن يوقع على قرار لتوطين الفلسطينيين مستقبلاً ، وهو لم يشهر معارضه في وجه سوريا ، ولم تتأثر نظرته لأساسيات العلا قه التي تربط لبنان بسوريا ولم تنقطع الاتصالات السياسية بين الرئيس الحريري ودمشق .

علامات الاستفهام كثيرة وكبيرة حول اغتيال الحريري خاصة انه سيترك فراغاً كبيراً ، وبدأت التداعيات الخطيرة تطفو على السطح منها ، عودة التداول الدولي للعلاقات اللبنانية _ السورية ، وانتقال السجال والصدام السياسي من مؤسسات الحكم اللبناني إلى الشارع اللبناني .

آن الأوان لكل الأطراف اللبنانية أن يحتكموا إلي اتفاق الطائف والتنسيق مع دمشق للخروج من ألازمه بسلام .

هادي الشوبكي .

مركز الرأي للدراسات والمعلومات .

Hadi693@yahoo.com