لقاء مع المفكر الفرنسي اريك رولو

مركز الرأي للدراسات

اعداد :عبد الله العتوم

يوسف الحوراني

11/2005

الكاتب والمحلل والمفكر الفرنسي إريك رولو ، هو أحد الشخصيات الفرنسية التي عاصرت القضايا العربية منذ ما يزيد على أربعين عاما ، وكان قد عمل سفيرا لبلاده في تونس ، وكان قريبا من منظمة التحرير الفلسطينية والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ، وقد جال في كل البلاد العربية محاضرا أو زائرا ، ومتابعا للقضايا السياسية في منطقة الشرق الأوسط ، ومعروف عن رولو أنه شخصية موضوعية بعيدة عن الانفعالات وردود الفعل ، وتأتي أفكاره ومواقفه ضمن هذا المنظور .

« الرأي » انتهزت فرصة وجوده في الأردن كمشارك في أعمال المؤتمر الأول للعلاقات العربية الأوروبية بعد أحداث 11 أيلول الذي عقد بالتعاون بين مركز الرأي للدراسات في المؤسسة الصحفية الأردنية والجامعة الهاشمية في الفترة بين 23 و24 تشرين الثاني 2005، وأجرت لقاء معه . يقول رولو في رؤيته لمستقبل العلاقات العربية الأوروبية ، أن العلاقة قوية ولا يمكن تفاديها أو تجاهلها ، فهناك مصالح مشتركة تربط شمال المتوسط بجنوبه ، وهذه المصالح قوية ومترابطة ومتشابكة ، وحتى أثناء المرحلة الاستعمارية الكولونيالية نشأت علاقات متواصلة ولو كانت بسيطة الا أنها تركت أثارا هامة على العلاقة بين الطرفين .

وقال إن أوروبا تعتمد بشكل كبير على مستورداتها من النفط من الخليج العربي ( تستورد أوروبا 50 % من احتياجاتها النفطية من الخليج : الرأي ) ، واعتمادها على النفط العربي أكبر من اعتماد أميركا ، إضافة إلى أن هناك تاريخيا تفهما في أوروبا للقضايا العربية بحكم القرب الجغرافي والعلاقات التاريخية والتبادلات التجارية ، فالأردن ومصر على سبيل المثال تستوردان 50% من احتياجاتهما من أوروبا و لبنان يستورد 70% وهو ما خلق تفهما عميقا لدى الأوربيين للواقع العربي ومشكلات الدول العربية ، فكان هناك تقاربات سياسية دون أن يكون هناك تحالفات بين الطرفين .

وأشار إريك رولو إلى تميز الموقف الأوروبي من القضية الفلسطينية، فقد اتخذت أوروبا مواقف إيجابية إزاء المسألة الفلسطينية في مؤتمر البندقية عام 1980 ، كما اعترفت، أي أوروبا، عام 1987 بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وإعادة الأراضي التي احتلت عام 1967 وحقه بإقامة الدولة المستقلة وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وبتمثل منظمة التحرير الفلسطينية للفلسطينيين، وأوربا في مقدمة الدول المتفهمة لأهمية القضية بالنسبة للعالم العربي، كما انها أكدت دائما على أن حل القضية الفلسطينية سيؤدي الى استقرار المنطقة، وسينعكس ذلك عليها فنحن جيران للدول العربية، وأي توتر في هذه الرقعة من العالم يعكس بنتائجه على الدول الأوروبية.

وأضاف أن الموقف الأوروبي إزاء القضية الفلسطينية موقف سليم وينسجم مع القرارات الدولية وصحيح أن ليس هناك مبادرات أوروبية نحو القضية ويعود السبب في ذلك إلى الحظر الأميركي على الأوربيين التدخل في الشؤون السياسية في الشرق الأوسط، والاتحاد الأوروبي لا يستطيع أن يتخذ أي خطوة نحو إيجاد حل في هذا الاتجاه إلا بموافقة واشنطن، و حاولت أوروبا في عدد من المناسبات التقدم بمبادرات سياسية كما جرى بعد حرب تشرين اول عام 1973، الا أنها وجهت برفض أميركي، فعمليا الإرادة السياسية في الاتحاد الأوروبي مشلولة تماما، وحتى لو قامت الجامعة العربية نفسها بطرح أي مبادرة لا بد لها من أن تتشاوروا مع البيت الأبيض، ولذا فإن المبادرات الأوروبية اقتصرت فقط على تقديم المساعدات المالية .

وأثناء الحصار الأميركي على العراق لمسنا اتفاقا أوروبيا على رفض النتائج التي أدى إليها الحصار وبخاصة وفاة الأعداد الهائلة من الشعب العراقي ، فقد توفي ما يزيد عن 500 ألف طفل عراقي في السنوات الأولى للحصار وقد وقع العبء والظلم الأكبر على الشعب العراقي الذي أضطر معه أن يبيع المواطن العراقي حتى أبواب بيته ، في حين أن السلطة الحاكمة كانت تتمتع بأمتيازات وبحبوحة كبيرة . لقد توحد الشارع الأوروبي قبل وبعد الغزو الأميركي للعراق وخرج الملايين من الأوروبيين إلى الشوارع ورفعت شعارات ضد الحرب وضد السياسة الأميركية في حربها الإستباقية أو الوقائية في العراق ، وكانت الصحافة الأوروبية عموما رافضة للحرب وكانت قريبة جدا مما تكتبه وتنشره الصحافة العربية، لقد كان الرأي العام الأوروبي مناهضا للحرب ، وعلى أية حال مهما حدث الآن أو في المستقبل فإن العلاقات العربية الأوروبية محكومة بالمصالح المشتركة وهي قريبة جدا من بعضها وتتعدى المجال السياسي وبالتالي التعاون المشترك لمواجهة المشكلات التي تواجهها المنطقة، بالرغم من أن معظم الحكومات العربية وحتى الجامعة العربية مرتبطة بالولايات المتحدة ويأخذون بالاعتبار المواقف والسياسات الأميركية بالاعتبار.

وأضاف أن هناك خلافا أوروبيا أميركيا حول تحديد وتعريف الإرهاب ، فبينما ترد الولايات المتحدة جذور وأصول هذه الظاهرة لأسباب دينية كما يفعل بن لادن وأن الصراع يدور بين قوى الخير والشر، بينما تنظر أوروبا إلى المسألة نظرة موضوعية وعلمية وترى أن هذه الظاهرة لها جذور يجب تحليلها ومعالجتها بالطرق السلمية، في الوقت الذي ترفض فيه أميركا ذلك وتعتبر أن مصدر العنف هو الإسلام وهذه نظرة خاطئة.

ويقول رولو أن ما تتعرض له المنطقة من عمليات إرهابية كان أخرها ما جرى في عمان وقتل المدنيين الأبرياء، وحتى أوروبا لم تنج منها، هو الابن الشرعي ونتيجة موضوعية للاحتلال الأميركي للعراق فقد تحول العراق إلى مصدر للعنف وبيئة حاضنة للمتطرفين والإرهابيين ومصدرة لهم وقد استوطن الإرهاب منذ اللحظة التي تم فيها احتلال العراق ، وحيثما كان هناك ظلم سيكون هناك عنف ، وأضاف لقد حذر شيراك الأميركيين من مغبة غزو العراق ودعا بوش إلى الإطاحة بصدام حسين عبر الطرق والوسائل السلمية، وأن العنف لا يمكن أن يحل المشكلات .

وقال إن المشكلة العراقية لها وجهات وعوامل متشابكة ومعقدة وهناك تقلبات في المواقف ، فلم يحدث في تاريخ العراق القديم والحديث أن قام صراع بين الطوائف والأثنيات ومكونات الشعب العراقي وخاصة بين الشيعة والسنة ولا حتى في عهد صدام حسين ، ونحن نلمس لأول مرة هذه الانقسامات والصراعات بين الطوائف وهو أمر غريب عن العراق والعراقيين ، ولكني أعتقد من خلال قراءة التاريخ العراقي أن الفراق بين الشيعة والسنة هي مسألة جاءت مع الاحتلال وأنه سيأتي اليوم وبعد زوال الاحتلال لتعود فيه اللحمة الى الشعب العراقي وسيجري الاتفاق على أسس وطنية ، فكل من الشيعة والسنة وحتى الطوائف الأخرى تربطها جميع المشاعر القومية الوطنية والعروبية، ففي الحرب العراقية الإيرانية رغم أن غالبية الجيش العراقي من الشيعة وغالبيتهم لديهم ولاء روحي وعقيدي بآية الله الخميني ومع ذلك خاضوا الحرب ببسالة ضد الإيرانيين ، وهذا يدعونا إلى التفاؤل بعودة العلاقات الشيعية السنية الى طبيعتها.

من جانب آخر هناك مشكلة الأكراد الطامحون بالاستقلال وإقامة دولة لهم في شمال العراق وقد منحهم الدستور الجديد أمتيازات أكثر مما يمنحه الدستور السويسري للفدرالية السويسرية وأكثر مما يمنح الدستور الأميركي للاتحاد الفدرالي بين الولايات، وقال رولو أن الدستور الجديد قد يكون عاملا يساعد على تفتيت الدولة العراقية ( لاحظوا كيف تم توزيع الثروة النفطية بين « القبائل » وهو أمر لا يمكن أن يجري في أعرق الديمقراطيات في العالم فهذه الثروة ملك لكل الشعب العراقي، وانظروا كيف تقوم كردستان بتوقيع اتفاقيات و أمتيازات لشركات أجنبية في ظل غياب الحكومة المركزية وهذا أمر خطير وسيؤدي عمليا إلى حروب أهلية وتقسيم البلاد وانهيار الدولة ). وإذا ما استمر العمل بهذا الدستور فإن ذلك سيؤدي إلى مشكلات ومصائب لا تصيب العراق وحده وإنما منطقة الشرق ألأوسط برمتها، لذلك نأمل أن تنجح الانتخابات المقبلة وتكون النتائج ممثلة للرأي العام العراقي بكل مكوناته وشرائحه والوصول إلى برلمان ديمقراطي يقوم بإعادة النظر بالدستور بما يشكل حماية وضمانة لوحدة العراق وسيادته.

ومن جانب آخر أشير إلى الدور الذي تلعبه إسرائيل في شمال العراق ، فهناك مستشارون إسرائيليون، ويسعون إلى إقامة علاقات بين كردستان وإسرائيل، وهناك أطماع إسرائيلية بتحويل هذه المنطقة إلى اسرئيل جديدة أو أخرى وتكون صمام أمان للقواعد الأميركية من جهة ولحماية إسرائيل على الجبهة الشرقية وفي مواجهة إيران .

وقال الكاتب والمحلل الفرنسي اريك رولو، إن العراقيين سيواجهون بعد خروج المحتلين مشكلة عليهم أن يحلوها، فالأميركان لن يغادروا العراق دون زرع قواعد عسكرية لهم، علما بأنهم ليسوا بحاجة لمثل هذه القواعد فليس هناك ما يهددهم في المنطقة سيما وأن لديهم عديد من القواعد في منطقة الخليج العربي وحينما كانت الولايات المتحدة تقيم قواعد لها في أطراف جنوب شرق أسيا أثناء الحرب الفيتنامية لمواجهة الاتحاد السوفيتي السابق والصين اللتين كانتا تقدمان الدعم لحكومة هانوي، ولكن ليس هناك من يقف وراء العراق.

وقال رولو أن الولايات المتحدة تعيش الآن ظروفا صعبة أكثر مما كانت عليه أثناء الحرب الفيتنامية، وهناك ضغوط كبيرة على واشنطن حتى من قبل الجمهوريين، حزب بوش، تدفع باتجاه الخروج من المستنقع والمأزق العراقي وخاصة مع تزايد وتصاعد أعمال المقاومة ، ولكن علينا أن ندرك أن أميركا لن تخرج دون الحصول على أمتيازات تؤمن لها السيطرة الكاملة على منابع واحتياطيات النفط في المنطقة وتأمين السيطرة على الأسواق الاستهلاكية فيها بما فيها التسلح الذي تنفق عليه دول الخليج العربي مليارات الدولارات وتعتبر أكبر منطقة مستوردة له ، ويقول رولو إن واحدة من أهم الأهداف في السيطرة على منابع النفط هو التحكم في الأسواق والأسعار سيما وأن أوروبا تستورد 50% من احتياجاتها النفطية من الدول العربية وأن حوالي 70% من مستوردات اليابان من النفط يأتي من الدول العربية النفطية، كذلك الصين وهو ما يتيح للولايات المتحدة أن تمارس الابتزاز السياسي ضد هذه الدول طالما كانت تتحكم بهذه المادة الحيوية في الصناعات .

وفي معرض رده على أسئلة الرأي أشار رولو أن الحالة الاستثنائية التي يعيشها العراق لن تدوم فحكومة الجعفري والحكيم تربطهم علاقة وثيقة بإيران منذ أيام المنفى ووجدوا أنفسهم مقيدون بالتحالف معها ، وبدورها ، أي إيران، وجدت الفرصة مؤاتية لانتهازها ، واللعبة الإيرانية في تجميع أوراق الضغط على الولايات المتحدة ودخول إيران إلى هذه الساحة كان أحدى وسائل الضغط ، لذا فالأميركان منزعجون من حكومة الجعفري بسبب هذا التقارب العراقي الإيراني ويمارسون الضغوط القوية من أجل فك هذه العلاقة، وواشنطن لا تملك وسائل الضغط على حكومة الجعفري ولا على إيران ولا يستطيعون فرض عقوبات على الأخيرة بسبب التبادلات التجارية بين البلدين وبسبب من الموقف الأوروبي الذين يرون في العقوبات حلا غير فعال ولا يوصل إلى نتيجة فبالرغم من الحصار على العراق إلا أن منافذ اتيحت لتسرب البضائع والسلع إليه. وأضاف أعتقد أن انضمام السنة للعملية السياسية سيغير من وجه النظام في العراق وسيكون للحكومة وزن على الساحة السياسية .

وفي معرض الحديث عن التهديدات الأميركية لسوريا وإيران قال رولو، إن المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية يدفعون باتجاه توجيه ضربة عسكرية لكل من سوريا وإيران، ولكن ذلك لن يحدث بسبب الظروف والمصاعب التي تتعرض لها الولايات المتحدة في العراق ولأتساع الشعور بالكراهية لها في المنطقة، والسوريون يدركون ذلك، ولذلك يحاولون ، أي سوريا، رفع أكلاف احتلال العراق وتعميق المأزق الأميركي . إن ظروف المنطقة بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والانحياز الأميركي إلى جانب إسرائيل يعقد المسألة ويزيد حالة التوتر والكراهية ، لذلك تحاول الولايات المتحدة ممارسة بعض الضغوط على إسرائيل للخروج من غزة وفتح معبر رفح .

وحول التغيرات الجارية في إسرائيل قال رولو لقد أدرك شارون بأن حزب الليكود لم يعد يستطيع الاستمرار ولن يكون حزب المستقبل وسيزيد من حجم المشكلات مع واشنطن ، والدعوة لإنشاء حزب جديد هو محاولة لتهدئة الأوضاع مع الولايات المتحدة وأوروبا، وربما الحزب الجديد « الى الامام » بقيادة رجل قوى مثل شارون يحظى بقوة في الشارع الإسرائيلي قد يحقق نجاحات ملموسة في الفترة القادمة ، وفي المقابل أحدث حزب العمل انقلابا فبعد حركة التململ التي جرت في صفوف الحزب وشعور كوادره بأنه قد فقد الكثير من شعبيته وحضوره السياسي في الشارع الإسرائيلي وأنه لم يعد لديه قواعد ولا جمهور ولا لون سياسي وعلى وشك التلاشي، فجاءوا بشخصية تحظى بتأييد ودعم الأوساط العملية والشعبية ، وهو أول شخصية إسرائيلية من الـ « السفارديم » اليهود الشرقيين يصل إلى منصب مهم وهو لديه برنامجا للسلام ، ومن الممكن أن يكسبة، التأييد العمالي واليهود الشرقيين، أصوات كثيرة ويحقق نجاحا في انتخابات الكنيست القادمة .

وحول الأحداث الأخيرة التي جرت في بعض المدن الفرنسية قال رولو، أن ما جرى لا يحمل الطابع السياسي أو أنه لها جذور دينية إنما هو نتيجة لأوضاع اجتماعية وطبقية وقد اعترف بذلك اليمين الفرنسي والصحافة والمسؤولون الفرنسيون أكدوا على مسؤولية الحكومة عن هذه الإضطرابات ، وعلينا أن نعيد النظر في أوضاع هؤلاء الذين احتجوا على أوضاعهم وأن نحارب التمييز ونؤمن لهم العمل والحياة الكريمة ونسهل عملية إندماجهم في المجتمع الفرنسي وإخراجهم من الـ «الغيتوات» ويجب أن لا يتكرر ذلك في المستقبل ، وأن ما جرى في فرنسا كان تحذيرا لباقي الدول الأوروبية التي تعيش فيها جاليات من مختلف أنحاء العالم، وإثارة التفكير لديها بحماية حقوق هؤلاء ورسم سياسة أوروبية تستند في التحليل الى جذور المشكلة وأسبابها والبحث عن حلول عملية وناجعة .