اعداد : عبدالله العتوم
مركز الرأي للدراسات
1/2006
ونحن نتابع حراك وزارة التنمية السياسية والشؤون البرلمانية، نتوقف امام فكر وآلية هذا الحراك الذي بدأ مبكرا لارساء وتدعيم ركائز الحوار من خلال توسيع قاعدة المشاركة الشعبية الحقيقية الفاعلة.. وهذه الرؤية شكلت ارقا لمحاولات ثلاث ولوزراء ثلاثة، رغم تطورات «ايجابية وسلبية» حكمتها تجربة نصف قرن ويزيد في الحديث عن التنمية السياسية، في احدى صورها كانت مسألة اجتياز عوائق، بدلا من تحقيق واقع جديد.
أمس الاول الخميس، كانت «الرأي» تشارك في مائدة مستديرة في فندق القدس بدعوة من مركز عمان لدراسات حقوق الانسان بحضور الدكتور صبري اربيحات وزير التنمية السياسية والشؤون البرلمانية ومشاركة نخبة من الاحزاب الاردنية وبعض المفكرين.
وعند انتهاء حفل الافتتاح كان الوزير يعلن ان هذا اخر لقاء يعقد في فندق للحديث عن التنمية السياسية، وسننتقل الى مناطق التنمية الى الناس في مواقعهم في المدن والارياف والبوادي والمخيمات.. وسألته كيف؟ فقال لي تحرك فورا - هكذا بصيغة الامر - مع الفريق المتوجه الان الى الطفيلة.
أهداف لا تصنعها الشعارات
كانوا نخبة من موظفي وزارة التنمية السياسية عددهم «13» موظفا «شباب وفتيات» وقبل ان اسأل اعطوني ملفا كاملا عن الطفيلة وقالوا : لقد انهينا هذا الملف عند منتصف الليلة الماضية «الاربعاء» وهو مملوء بالمعلومات عن الطفيلة حيث تم اختيارها لاول حراك خارج العاصمة لانها الاقل عددا، «وليس كما قال احد المحاورين للوزير في الندوة الشاملة انها الاقل حظا» وهذا الحراك سيتواصل الاسبوع القادم «بعد العيد» مع محافظة عجلون. اذن هناك اهداف... وهناك بحث متواصل عن سبل الوصول اليها، وهناك الاماني العائمة التي لا بد لها من ان تتبلور على شكل برامج وافكار ومذاهب ايدولوجية.
الوزير الدكتور صبري اربيحات بدأ جولته في لقاءات كانت معدة سلفا.. في مبنى المحافظة مع مجلس التنمية ومع المواطنين في قاعة جميلة ومرتبة تتسع للآلاف، ونادي شباب الطفيلة وكانت عناوين احاديثه تكريسا لشعار التغيير والاصلاح والتنمية والاسراع في اصدار القوانين والانظمة ... وكان يعلن بثقة «سيدنا ودولة الرئيس..» لدينا اهداف ايجابية حقيقية تسير الى الامام ولا ترتد الى الخلف، ولا بد من الاستمرار في بناء مؤسسات سياسية ديمقراطية ناجحة، مستندة الى رجال ونساء مؤمنين بالحوار... لا نقبل بظلم او فساد وتعسف، ولن نرضى بنتائج خذلان استلاب حريات وطن ومواطن، معلنا ان الوزير وحدة لا يصنع هذا التوجه او النهضة الحقيقية، والاهداف لا تصنعها الشعارات التي ترفع فوق مجتمع يسوده فراغ سياسي وروحي واخلاقي... وهذا كله لا يتحقق دون مشاركة كل المواطنين.
هذا التشخيص يقودنا الى فكرة مؤداها - يتابع الوزير - الى مسألة سيادة القانون اولا، ونحب الوطن بالتأكيد وان لا نتهم او نشكك، وان نستلهم مواد الدستور الاردني من 5-23 .
عندما ندقق في الشؤون الكثيرة التي نتصدى لها نريد للمواطن الذي كان يقاد، ان يتولى هو القيادة في الامور التي تهمه او تلك المطلوبة من الحكومة لانه الادرى بتفاصيل حياته اليومية، وعناصر التنمية السياسية ليست تنظيمات واحزاب وقوانين ومؤسسات منصوص عليها في الدستور وحسب، بل هي نمط مجتمعي يقوده مواطنون راغبون بتولي امورهم بالتنسيق مع نواب المنطقة ومع الحكام الاداريين ومؤسسات المجتمع المدني.
تجربة حزبية
وطالب السيد الوزير بالابتعاد عن تجارب تعثرت وسقطت او تجمدت او اجهضها القائمون عليها، وخنقتها الصراعات والقوالب المتجمدة، مشيرا الى التجربة الحزبية في البلاد عانت في فترات تاريخية من الصراعات، وانتشار اجواء التشنج والتعصب، بدلا من خلق اجواء الفكر الحر الموضوعي، وبناء العقلية الديمقراطية التي تقبل النقد والحوار واحترام الحقيقة.
ويضيف... الاردن كله حزبي، والاردنيون مسيسون لكن الاحزاب الاردنية ال 32 او 34 حزبا كيف لاوعيتها غير قادرة حتى الان لجمع 4000 منتسب الى صفوفها، اضافة الى انها تشكل جزرا مفصولة عن دائرة واحدة سواء اكانت تلك الدائرة هي الوطن ام المحافظة او الحي فتبرز هنا اهمية الاتفاق على المنهج... ولا مانع من ان نختلف على الايدولوجيات، لان الرؤية هي سيادة القانون اولا... ولان التجربة الحزبية هي المحصلة الناتجة عن الحوار والاقناع حتى نرسم الانتصار الحاسم على التشذي والضعف... والتبشير وحده لا يكفي للوصول الى هذه المعادلة.
اننا نحتاج الى التطبيق العملي بعيدا عن الواسطة والمحسوبية والعشائرية والطائفية لبناء الديمقراطية ودولة المواطنة الحديثة، دولة المؤسسات والنظام والقانون... لاننا اذا تجاوزنا دورنا السلبي تجاه الكثير من الامور والقضايا... فاننا وبجهد الدولة الاردنية والتعاون مع مؤسسة البرلمان نلاقي قبولا على اكثر من صعيد ونحقق تكافؤ الفرص والعدل الاجتماعي والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.
من اضاع الستة ملايين دينار؟
فواز ارشيدات محافظة الطفيلة قدم عرضا للوزير وفريق وزارة التنمية السياسية والشؤون البرلمانية وبوجود مجلس التنمية التابع للمحافظة عن الموجود والمفقود في الطفيلة، بدءا من انها محافظة طاردة، مرورا بتطور مفهوم التنمية، الى البنية التحتية الممتازة، وجيوب الفقر معلنا ان الطفيلة هي الاكثر فقرا بين محافظات المملكة، مستعرضا المشاريع الرأسمالية وموازنة المحافظة البالغة «12» مليون دينار انفق منها «6» ملايين فقط والباقي اعيد الى الموازنة دون انفاق، وهذه معادلة كبرى نتوقف امامها... كيف ان محافظة يقال عنها الاكثر فقرا ولا تستطيع استثمار ستة ملايين دينار، ومن هو المسؤول عن هذا الخلل.
يتابع المحافظ ارشيدات... ان نسبة الانجاز للمشاريع تجاوزت الـ 53% وصولا الى 63%، وفي مساقات محصورة وصل الانجاز الى 83% وطالب بمخصصات لصيانة الطرق الزراعية والقروية واستعرض وضع الزراعة في المحافظة، وشبكات المياه والصرف الصحي لان عددا كبيرا من المواطنين لا يشتركون بتلك الشبكة، مشيرا الى ان عجز البلدية وصل الى مليون و 200 الف دينار، والبلدية ليس لها مصادر دخل.
اما الأسر الفقيرة وعلاقاتهم مع وزارة التنمية الاجتماعية وعدد المستفيدين منها، فان شعورا من التذمر يرافق هذا المفصل، فيعلن كثيرون اننا لا نرغب بان نكون «متسولين» في دولتنا، ولا بد من احلال مشاريع ذات انتاجية بدلا من المعونة الوطنية التي يجب ان تنحصر في اضيق مساراتها وتتناول كبار السن والعاجزين عن العمل.
والعلامة البارزة ان مكرمة جلالة الملك تجاه توفير سكن للاسر الفقيرة، ستبدأ بعد اجازة العيد مباشرة، وان العطاء قد احيل على متعهد محلي من ابناء الطفيلة.
وكان الحوار من مدراء الدوائر يقطع تسلسل عرض المحافظ للموجود والمفقود في المحافظة واضعين المشاريع في الطرق والمدارس والمياه خاصة مشاريع تغذية الابار الجوفية بانها «مشاريع على ورق» مستذكرين لقاءات عدة مع رئيس وزراء ووزراء والقضايا لا زالت مكانها... حيث خطط لها منذ سنوات وترحل مع كل عام الى موازنة جديدة.
ويتتابع الحوار .. المحافظة يعرض والوزير يتدخل والمدراء يتوقفون عند الانجاز... والحديث يصل الى المياه الصالحة للشرب والسدود والتبخر، واستثمار السدود كدورة حياة للمواطن في تربيته للماشية، والمناطق الرعوية والعوائد التي يجب ان تنعكس على الناس حتى يلمسوا عوائد التنمية، فيما يشير الدكتور اربيحات الى ان علاقة الانسان في بيئة بحاجة الى مراجعة.
نصف مليون دونم صالحة للزراعة
ان سوار الاشجار المثمرة الذي يحيط بالطفيلة وحققه الاباء والاجداء، بحاجة الى الاستمرار بالتشجير لزيادة الرقعة الزراعية.
ويعلن الوزير ربيحات ان نصف مليون دونم من مساحة الطفيلة صالحة للزراعة مزروع منها فقط «127» الف دونم ويتساءل ... ألم يكن لدينا مشتل للفستق الحلبي كان يزود المملكة بحاجتها من هذه الاشتال! اين هو الان؟ واين زراعة الاشجار حتى تظل الطفيلة المدينة الاحلى والاجمل.
ويقول... تقدموا بمشاريعكم والحكومة موجودة وجاهزة للدعم لكن هذه المشاريع يجب ان تنبع من حاجاتكم وان تتبنوها، وان التعثر في المشاريع مثل طريق الحسا - الطفيلة البالغ طوله 24كم وبقى منه 10كم سنتحدث مع وزير الاشغال به... لأننا كمواطنين لنا سلطة على الوزير ونحن كزملاء لنا سلطة ادبية عليه، وبالتالي هناك موازنة وسلطة حكومة ونية ورغبة عارمة في الانجاز، لذا علينا عدم التحسر ونحن نقف امام مشروع متعثر... انا واثق بأنه سينجز.
يتدخل محاور ليقول... منذ اربع سنوات ونحن نتحاور... وهذا نهج نسجله للحكومات، ونقول اكثر بأننا نتحاور منذ 1996، ونتحدث لكن دون نتيجة والمشاريع تظل على الورق.
يتدخل الوزير... هناك خطة تنموية، حكومية طرق مستشفيات... الخطة مقرونة بالزمن وهناك سلطة مواطن.. لانه في الحوار الوطني مطلوب من اطراف المعادلة التوازن الواقعي والمنطقي، وضمن المشروع الوطني للمملكة ككل، والمؤشرات على مختلف الصعد تدل على المعدل الوطني لشرعية الانجاز، والحكومة معنية بالتأكيد بتحسين مؤشرات هذا المعدل الوطني امام مواطنيها وامام العالم.
ويقول الدكتور ربيحات... جلست مع فريق العمل - الاربعاء - مساء ولساعات عدة، كنت مستمعا لرويتهم وتحليلهم، وكنت ايضا اتعلم منهم، تماما مثلما اتعلم منكم اهل الطفيلة.
والمؤشرات ان هناك 16 قطاعا في الطفيلة ناقشها فريق العمل... والان نتناقش فيها مع اهلنا في الطفيلة، وسأقوم بعرضها على الحكومة لايجاد الحلول لها، لان عدم توفر الخدمة، هو عائق من عوائق التنمية السياسية.
الارادة متوفرة
وسؤال للوزير عن القوانين والتشريعات... فيجيب: ان الارادة السياسية متوفرة لدى الحكومة ومصالح الدولة لا تتعارض بالمطلق مع الرغبة بتطوير التشريعات ووضع القوانين الناظمة لها او تعديلها وطرحها في الشارع الاردني بالتنسيق مع المؤسسة التشريعية، واطراف معادلة الحوار... هذه رغبة رأس الدولة ودولة الرئيس ومجلس الوزراء... وهذا ليس وعدا انه عهد وتعهد ... ولا اكتمكم بأن القائمة طويلة ونحن نتوقف احيانا امام «تقاليد او طقوس» قد تؤخر الفعل لكنها لا تلغي الارادة ولا تنقض العهد والتعهد.
هناك مواضيع الشباب .. المرأة ... الاصلاح الحوار... والقوانين مؤسسات المجتمع المدني.. النقابات كلها بحاجة لاعادة النظر.
وتعود سلطة الحوار الى الندوة المنعقدة في مبنى المحافظة «مجلس التنمية» ويعود الوزير وفريقه الى الاستماع.
اعطينا افكارا لم تنفذ
ويتطرق الحديث الى حمامات عفرا.. وتقصير وزارة السياحة، والانتقاد الذي تناولته «الرأي» وغضب وزارة السياحة على مندوب الرأي في الطفيلة ، الا موقف المحافظ الذي انصف المندوب، وموقف الاستاذ رئيس التحرير حال دون اللجوء الى فترة من الزمن طويناها دون عودة الى ما سمي الاحكام العرفية.
وطالب المنتدون من السيد الوزير فأيد مطلبهم، بعوائد للمدينة من الاسمنت التي تتحرك في بيئتنا كي نحصل على عوائد منها بدل تلوثها للمنطقة واستعمال الطرق ومنافذ المدينة.
وينضم فواز ارشيدات المحافظ الى مطالب اهل الطفيلة ويقول... اعطينا افكارا ولم تنفذ، وهناك مشاريع متواضعة في المدينة «32 مزرعة دواجن» لكن مصنع الالبان الذي تعهدت به وزارة التخطيط يقف منذ عام بعد ان دفعت الوزارة مئات الالوف، وعند السؤال لماذا يقف مصنع الالبان؟ يأتي الجواب انه نقص المهنية... ويظل السؤال حائرا.
وجامعتنا... التي لديها ثمانية طلاب فقط يدرسون التعدين ، مع انها جامعة تقنية، والجمعيات التعاونية وارتفاع مستلزمات الانتاج الزراعي... وجامعاتنا التي فصلت طلابنا للماجستير والدكتوراه لان معدلهم «مقبول» قصة اخرى.
ويدافع الوزير عن قرار التعليم العالي تجاه مسألة «المقبول» وينتقل سريعا الى القطاع الزراعي ويقول: مسؤولياتنا ان نوجه الانتاج الزراعي ونحل مشاكل القطاع، مشيرا الى ان هذه هي الزيارة الميدانية الاولى للطفيلة مؤكدا لانها اقل محافظات المملكة سكانا.
تحديد الاحتياجات
يقول الدكتور اربيحات ... الحكومة بنت خطابها السياسي ردا على كتاب التكليف السامي، ورد دولة الرئيس على نواب الامة بفقراته الـ 88 ... «فيتدخل احدهم بالقول انها 76 فقرة» بحيث لا يحتوي برنامج هذه الحكومة على حرق المراحل، والاصلاح سيكون شاملا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا... لكن المفصل الهام هو مشاركة المواطن، ودورنا في الوزارة تحفيز المشاركة، ودور الحكومة اقامة مشاريع ريادية تتحدى الفقر والبطالة، لاننا لا يمكن ان نتصدى للمشاكل دون سياسات ودون مشاركة المجالس التنموية في المحافظات، والقوى الشعبية المحلية التي تحدد الاحتياجات.
اليس المطروح امام مجلس التنمية مسألة الامية التي تصل في الطفيلة الى 14% بينما هي في باقي محافظات المملكة لا تتجاوز 9% ، اليس توسيع الرقعة الزراعية، ورفع الانتاج الزراعي بشكل استفزازا لمجلس تنمية المحافظة، ان تصوير من يتلقى مساعدة من صندوق المعونة الوطنية اهانة للناس، وان الواسطة والمحسوبية والمصالح الشخصية هي ايضا اهانة للمسؤول والناس.
القدرة على التواصل
وتتواصل جولة الوزير ... فيلتقي مواطنين في مناطق المدينة، وعلى هامش اللقاء الموسع الذي جرى في قاعة المدينة وحضره بحدود 300 مواطن، وتركزت المطالب على الخدمات، وهي مطالب معهودة، ولم تنقص هذه المطالب الحدة احيانا، وكان اغلب هذه المطالب شخصية، لكن الدكتور ربيحات امتص غضب البعض وكان قادرا على ارضاء الناس، واعطى ارقام هواتفه للناس واعدا بالتواصل.
اما نادي المدينة - نادي الشباب فدار الحديث عن مسؤولية الشباب تجاه كل القضايا التي تهم المحافظة طالبا من الشباب التصدي للقضايا الحالية والمستقبلية دون اللجوء الى قضايا قديمة لم تعد تهم الناس.
وقد تلقى النادي هدية من الكتب قدمتها «الرأي» لهم دعما لمكتبة النادي او ستصلهم خلال الايام القادمة.