وعود انتخابية شيطانية

•  القرار الاميركي بنقل السفارة الاميركية في اسرائيل الى مدينة القدس شيطن فضاءات وساحات العالم الاسلامي والعربي والدولي السياسية والانسانية، وخلط الاوراق والمعاهدات الدولية،وجمد الامل بقدوم السلام لدى الطامحين بالسلام بين العرب واليهود والمسيحيين، ويهيئ اليوم الاجواء والبيئة لنمو مزيد من التطرف والارهاب ،ويحمل تنفيذ هذا القرار الانتخابي للرئيس ترمب اكثر من وجه واكثر من تفسير اداري وسياسي وسيكون له تداعيات خطيرة وكامنة على العالم.

 

د. صالح ارشيدات

• فالقرار الاميركي، من الناحية السياسية، رغم ان الكونجرس الاميركي وقعه عام 1995 بعد توقيع معاهدات الصلح مع الفلسطينيين والاردنيين مباشرة وجمد الرؤساء الاميركيون السابقون تفعيله، وقعه الرئيس الحالي ترمب هذا العام، جاء ليلغي انجاز مسيرة طويلة من تاريخ التفاوض بين العرب والإسرائيليين ليقفز فوق اجندة المراحل التي حددتها الية المفاوضات الدولية للسلام بين العرب وبين الإسرائيليين، ويختطف معها ملفات المرحلة النهائية للتفاوض ،اللاجئين والحدود والمستوطنات والمياه، تلك المفاوضات التي اشرفت عليها ورعتها الادارة الاميركية نفسها بتفويض من الشرعية الدولية منذ سنوات طوال.

• القرار الاميركي جاء بإيعاز وضغوط واضحة من الادارة الاسرائيلية اليمينية وبالتنسيق مع اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، و بإصرار وضغط من رئيس الوزراء نتنياهو على الرئيس ترمب شخصيا، وهو يعكس الوجه الحقيقي للحركة الصهيونية الاحتلالية الرافضة للشرعية الدوليةوللسلام مع العرب، و يعكس اطماع مشروعها الصهيوني الكبير الذي يطمع ويهدف ان تكون القدس عاصمة موحدة للدولة القومية اليهودية ويطمع بإقامة ما سمي بالهيكل على انقاض المسجد الاقصى او قبة الصخرة واقامة الدولة القومية اليهودية، بمعنى انه لا اعتراف بوجود كيان سياسي ولا مكان مستقبليا للفلسطينيين العرب في فلسطين المحتلة، وينسجم مع افكار ما يدعى صفقة العصر لتصفية القضية الفلسطينية، رغم انه محتل حسب القرارات الدولية وعليه مواثيق ومتطلبات مسؤولية سلطة الاحتلال من الوجهة الدولية تجاه الشعب المحتل.

 

• ويتزامن قرار نقل السفارة الاميركية الى القدس مع قرار الرئيس ترمب العنيد غير المسبوق في عالم السياسة الاميركية، بقرار فك الالتزام الاميركي بالاتفاق النووي مع ايران، رغم معارضة كل دول العالم ومؤسساته الدولية ومعارضة شركاء وحلفاء اميركا الأوروبيين الاساسيين في حلف الناتو، الذين عملوا معه على الاتفاق النووي منذ عشر سنوات واعتبروه انجازا لأوروبا وتحييدا للقوة المتشددة في ايران ودعما للقوى الاصلاحية في ايران.

هل كانت الوعود الانتخابيةبريئة!

• يعود القراران الصاعقان للرئيس ترمب بالذاكرة الى فترة الانتخابات الرئاسية واطلاق العهود الانتخابية (الشيطانية) الجامحة التي اطلقها خلال حملته الانتخابية الصارخة المتوثبة امام الاعلام والناخب الاميركي، ليستقطب الاصوات الاميركية واليهودية من جهة، وليعلن حملة شخصية حاقدة على ارث الرئيس اوباما وإنجازاته وعلى برنامج الديموقراطيين من جهة اخرى.

 

• لقد حقق الرئيس ترمب في سنته الاولى معظم واخطر تلك الوعود التي شيطنت العالم العربي والاسلامي وحليفه الاتحاد الاوروبي والعالم كله، ابتداء من موضوع نقل السفارة الى القدس، الى موضوع فرض شروط حماية التجارة الخارجية الجديدة، الى موضوع فرض زيادة التمويل الاوروبي لحلف الناتو، وطلبه اموال دول الخليج العربي مقابل حماية اميركا، الى الغاء قانون الرئيس اوباما الطبي الوطني، الى الغاء التزام اميركا باتفاقية باريس للمناخ، الى فك الاتفاق النووي مع ايران، وهي اهم محاور حملته الانتخابية وقد شملت اثارها الجانبية معظم دول العالم بما فيها الشعب الاميركي نفسه، ليؤكد ذلك للمراقب السياسي، ان احد اهم اهداف الرئيس ترمب الشخصية والاساسية، هو تدمير ارث اوباما وكل ما سعى الرئيس اوباما الى انجازه في العالم.

موقف اسرائيل من الاتفاق النووي!

• لو تذكرنا وتفحصنا موقف اليمين الاسرائيلي وإجراءاته المسعورة الاستفزازية بالتعاون مع مؤسسات اللوبي الصهيوني في اميركا، خلال فترة المفاوضات الغربية مع ايران قبل عام 2015 والتي هدفت لأفشال الوصول الى اتفاق عالمي ما مع ايران،لادركنا عمق ومرارة العقيدة الحربية الاسرائيلية المرعوبة والمسكونة بقصة القلعة والمحرقة، التي فشلت حينها في الغاء الاتفاق النووي الذي وقع بمباركة دولية ابان حكم الديموقراطيين.

• لم ييأس اليمين الاسرائيلي من فشل جهوده لافشال الاتفاق النووي سابقا، وعاد وخطط مع بعض القوى والشخصيات والمراكز الاقليمية ذات الصلة، كل شيء لمرحلة قادمة يكون له اليد الطولي في التأثير على قرارات الادارة الاميركية ومؤسساتها السيادية، وهو اليوم ينجح ويحقق اهدافه بعد ان وصل الرئيس ترمب الى السلطة العليا في اميركا، ويؤكد بالنتيجة قدرة وقوة اللوبي الصهيوني في اميركا على شيطنة ثوابت النظام العالمي السياسية والاقتصادية والانسانية.

• لم يكن قرار الرئيس ترمب فك الاتفاق النووي مع ايران مفاجئا للبعض بالرغم كل الوساطات الدولية وخصوصا من قادة دول اوروبا فرنسا والمانيا، والبعض الاخر لا زال بانتظارالمزيد من تداعيات هذا القرار على منظومة النظام العالمي الجديد وخصوصا موضوع السلام او الحرب على ايران بعد ان عزز الرئيس ترمب فريقه الوزاري بالصقور الداعين للحرب وتأثير ذلك على حلفاء اميركا في الشرق الاوسط وفي العالم كله، وكذلك تأثير صدى قرارات العقوبات الاقتصادية الاميركية القادمة على ايران وعلى شركات الدول والمصارف الاوروبية المتعاملة مع ايران ضمن منظومة الاتحاد الاوروبي التي تقف اليوم فزعة رغم قوانينها الجديدة عاجزة عن وقف العقوبات الاميركية بسبب ادراكها ان اسلوب الرئيس ترمب الاحادي المزعج لأوروبا، لا يكترث باي قانون اوروبي يمنع عقوباتها على الشركات الاوربية،والتي تشير الى تشكل فجوة كبيرة قادمة قد تشمل الطلاق والعزلة التجارية والامنية بين اوروبا والولايات المتحدة لسنوات، ويعزز ذلك الشعور السلبي لدى الغرب، الرسوم التي فرضت على السيارات الالمانية والمعادن المستوردة من اوروبا والصين، وموقف الرئيس الشخصي من استمرار تواجد حلف الناتو في اوروبا.

• هذا يقودنا الى طرح السؤال التالي: هل جاءت وعود ترمب العميقة و نفذت خلال سنة واحدة من حكم الرئيس صدفة انتخابية ام خطط لطرحها بدراسة وعلم مسبق، وهل كان ذلك التنفيذ السريع للوعود الانتخابية، نتيجة قوة شخصية الرئيس كرجل اعمال صلب وصاحب قرار، لا يخلف وعده، رغم افتقار مسيرته للعمق السياسي والعمل الحزبي المؤسسي المطلوب لأي رئيس اميركي في دهاليز السياسة الاميركية ومكوناتها الرسمية ودولتها العميقة.

 

• للإجابة على ذلك لابد من البحث في سيرة رجل الاعمال والعقارات والمال الناجح جدا ترمب ومدى تأثره بالظروف المختلفة التي ادت الى وصوله المفاجئ الى الرئاسة!

سيرة الرئيس ترمب المهنية!

• فمسيرة الرئيس ترمب المهنية، رجل الاعمال الناجح في معظم الاحيان هي امتداد لسيرة والده رجل الاعمال الناجح (فريد)، حيث نجح واكد ترمب تفوقه ولمع بعمر 39 سنه كأعظم مطور عقارات في نيويورك وملك الفنادق والكازينوهات واندية الرياضة وحقق شهرة اعلامية غير مسبوقة،ولكن مسيرته في عالم المال تأرجحت مؤخرا واصبحت معروفة بعد خساراته لإمبراطورتيه الكبيرة بعد انهيار السوق المالي عام 2009 من خلال وسائل الاعلام الصاخب لحياته العائلية،

• حيث تشير وتدل الكتب والافلام الوثائقية الاخيرة لسيرة حياته المهنية على انها ،

قادته من قطاع الاعمال والمال والعقارات، الى عالم السياسة، وهو قطاع المال الذي وصفه بانه (فهلوي) صنع امبراطورية كبرىبما يشبه الاعجاز وتغلب على معظم المعيقات الادارية والمالية والافلاس وبانه اعظم مخادع في تاريخ الاعمال المالية والعقارية، ورجل قاسي غير نادم على ما دمره من حوله، شعاره الاول «الغاية تبرر الوسيلة»،

وجاء الى عالم السياسة والانتخابات الرئاسية نتيجة ظروف سياسية عامة واجتماعية متعلقة بحياة عائلته،وظروف اعلامية من خلال موقف اعلامي اهوج وردة فعل شخصية حاقدة تجاه الرئيس اوباما تحت ما سمي»وثيقة مكان ولادة الرئيس اوباما» اثناء حملته الثانية للرئاسة، سبقها زواج ابنته عام 2009 من ابن رجل الاعمال اليهودي المشهور في نيويورك شارلز كوشنر، رغم اتهام ترمب سابقا باللاسامية.

• ويؤكد التحليل المعلن لمسيرته باثر رجعي، بان وصول الرئيس ترمب الى سدة الحكم لم يكن صدفة السنوات الاخيرة فقط، وانما كان ترمب نفسه «هدفا سمينا» خططت له مافيا الانتخابات الاميركية منذ سنوات بانتظار فرصة نضوج وتوفر عدة عوامل داخلية منها وجود بيئة شعبوية ساخطة سببها هيمنة العولمة والشركات الكبرى و تراجع دور اميركا بالخارج وعوامل شخصية لدى الرئيس ترمب، تتعلق بتراجع وتيرة الاعمال عنده، قد يكون الاعلام والمال وهيمنة تقنيات التواصل الاجتماعي في العالم ساهم بها.

• وخصوصا اذا علمنا ان فكرة الاغراء الاولى لترشيح ترمب للرئاسة عن حزب الاصلاح عام 1988،وهو حزب ثالث في اميركا،قد بدأت مبكرة حين اصبح ترمب يحظى بتايد شعبي كرجل اعمال ناجح من خلال احتضان و توجيه مافيا الانتخابات الاميركية بقيادةالمحنك الاعلامي الاستراتيجي رئيس تنظيم الشباب في الحزب الجمهوري روجر ستون (امير الظلمات) الذي احتضنه واعجب بشخصيته القيادية،وروجر ستون كان مشهورا بقيادة حملات الرؤساء الأمريكان مثل الرئيس نيكسون والرئيس ريجان و لعب دورا في صعود الرئيس بوش امام الغور عام2000.

• حيث كان الهدف المبرمج لبعض المؤسسات المنخرطة في الشأن الانتخابي الاميركي هو ترشح ترمب عام 2016 بعد انتهاء فترة الرئيس اوباما الثانية،وقاد ستون حملة ممنهجة ذات تخطيط مبرمج تستعمل وسائل وفضائح اخلاقية واكاذيب مفبركة اثرت على الاغلبية الصامتة وعلى الناخب الاميركي ، الذي تملكته نظرة معادية للحكومات وعدم ثقة بالحكام وسئم من مرشي الحزبين الحاكمين، مما خلق حالة شعبوية صاعدة في المجتمع الاميركي ضد العولمة والاغنياء والاجانب وضد هيمنة البطالة وضد سياسة الاحزاب الرئيسة وفشلها في تحقيق الحلم الاميركي للمواطنين،وضغطت الشعبوية باتجاه التغير للقيادات الحالية، ونجح (ستون) في ايصال مرشح جمهوري (بالاسم فقط) ،حيث اختلفت عليه قيادات الحزب الجمهوري الذي كان في اسوا حالاته من حيث التراجع الشعبي والتشرذم الداخلي، ولكنه خاطب تطلعات الشباب منهم ونجح في الترشح عنهم.

• رفعت حملته الانتخابية لعام 2016 شعارات مثل «اعادة الحلم الاميركي الميت»»ولنصنع اميركا عظيمة ثانيا»بالإضافة الى طرح وعود انتخابية جامحة هدفها اذكاء الشعور القومي الاميركي وتفعيل اهتمام الاغلبية الصامتة بالعمل العام وخلق وظائف جديدة للأميركيين وارجاع الدور الاميركي القوي في العالم، لم يصدقها احد في البداية اشتملت على وعود منها، موضوع القدس وموضوع الغاء الاتفاق النووي الايراني وفرض رسوم جمركية وعقوبات على الشركات الاوروبية والغاء الاتفاق البيئي حول المناخ وغيرها الكثير من الوعود.

ما حجم وتأثير الوعود الشيطانية على الفوضى في العالم!

كثرت الوعود الشيطانية لتفوق السبعة وعود وسأتحدث فقط عن وعدين

هما نقل السفارة الى القدس وفك الارتباط النووي الايراني لترابطهما.

 

• السؤال الثاني الذي يطرح اليوم:

• هل خطط للوعود الانتخابية الشيطانية حول القدس وحول الغاء الاتفاق النووي الايراني كشعار ضد سياسة الرئيس اوباما، الذي لا يتفق الرئيس ترمب معه ويكرهه.

• ام هل حقق ترمب وعودا تخدم اهداف اسرائيل الاستراتيجية الكامنة في عقل المشروع الصهيوني بدون قصد وبالصدفة؟

• فإسرائيل وحدها هي المستفيدة من موضوع نقل السفارة الاميركية الى القدس والاعتراف بانها عاصمة اسرائيل الابدية، وقتل مبادرة ومسيرة السلام وحل الدولتين الضاغطة عربيا وعالميا، وتجميد مفاوضات الحل النهائي الذي يبدأ بالقدس لتمرير صفقة ما سمي «بصفقة العصر».

• واسرائيل وحدها وبعض العرب، حاربت الاتفاق النووي المصدق من الامم المتحدة منذ البداية ودعت لتدميره، واعتبرته تهديدا كامنا لدولة اسرائيل ودول الخليج العربي يجب التصدي له مبكرا،وتحمل تداعياته السياسية والاقتصادية.

• واسرائيل واميركا تعارضان بشدة وصلابةلأي تواجد عسكري ايراني في سوريا لأنه بنظرهما يخل بمعادلة التوازن الاستراتيجي في الاقليم، وهي اليوم تهدد بضرب ايران في سوريا وقد تهدد بضرب المفاعل النووي الايراني لاحقا، ولها اسبقيات في تحقيق عقيدة التفوق الاسرائيلي.

• وقد يستنتج القارئ والمحلل السياسي ان موضوع تدخل الطرف الروسي المزعوم في حملة ترمب الانتخابية يمكن ان تكون مفبركة وضمن سياق اخراج حملة التمويه الشيطانية ، لان قرارات ترمب الشيطانية حول القدس والغاء الاتفاق النووي لا تنسجم اطلاقا مع المسار السياسي للموقف الروسي الرسمي كما هو على ارض الواقع اليوم، لا بل تغرقه بالالتزامات الجديدة وخصوصا بوجود موضوع العقوبات الاميركية على روسياوعلى الدول والشركات المتعاملة مع ايران.