إعداد: د.حسام العتوم
سيبقى عام 2018 شاهداً حياً على انطلاقة العلاقات الأردنية الروسية وتحديداً بتاريخ 21/8/1963، عندما بادر الراحل الكبير جلالة الملك الحسين، بمد يد الأردن من وسط العرب لتصافح بلاد السوفييت. فاستقبلها بالقبول الزعيم نيكيتا خرتشوف، في زمن صعود الحرب الباردة، وتعالي ألسنة غبارها بين القطبين النوويين العملاقين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأميركية.
وأول سفير أردني في موسكو كان الدكتور جميل التوتنجي، تبعه مجموعة من السفراء، عبدالله زريقات، وحسن إبراهيم، وكمال الحمود، وهاني الخصاونة، وفالح الطويل، والدكتور محمد العدوان، والدكتور خلدون الظاهر، وأحمد مبيضين وعبدالإله الكردي، وأحمد الحسن، وغيرهم، والسفير الحالي أمجد العضايلة. وأول سفير روسي/ سوفيتي هو بيتر جلوسارينكا، وتبعه عدد من السفراء منهم رفيق نيشانوف، والقائم بالأعمال سيرجي كيربيجينكا، وألكسندر سلطانوف، ألكسندر شيين، والسفير الحالي بوريس بولوتين.
مركز روسي للعلوم والثقافة منذ عام 2009 برئاسة تسنيسلاف سيماكوف الآن القادم لطرفنا بعد خدمة طويلة في نيبال، وسبقه الدكتور فاديم زايجيكوف النشيط، وقبله عمل في إدارته بإخلاص المرحوم ألكسندر درافييف، وكان المركز في البداية، سوفيتياً.
وهنا حري بنا أن نعرف بأن علاقة السوفييت مع الأردن والمنطقة العربية، وحتى مع الكيان الإسرائيلي رافقها الفكر الاشتراكي والأيدولوجيا الشيوعية، وهو ما أكده المفكر السياسي رئيس وزراء الاتحاد السوفييتي الأسبق يفغيني بريماكوف، في كتابه (الشرق الأوسط على المسرح وخلف الكواليس/ ص257)، وبهدف ارادة الزعيم جوزيف ستالين لتحويل المنطقة العربية لجزيرة اشتراكية، وهو نفسه الذي اقترح على (إسرائيل) الرحيل مع يهودها، والانتقال من منبعهم بارادبيجان، وغيره إلى إقليم القرم/الكريم، عام 1950.
وتأسس الحزب الشيوعي الأردني مبكراً في عمان 1951 وصحيفته المقاومة/ الجماهير، وهو الحزب الأردني بحراكه الوطني الذي تمكن من المساهمة في إلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية عام 1956، وهو القرار الوطني الجريء الذي تصدره لاحقاً مليكنا الراحل الحسين العظيم في زمن امتداد شعار ثورة العرب الكبرى المجيدة (الوحدة، والحرية، والحياة الفضلى). وفي المقابل اختلفت وقفة السوفييت معنا في الأردن، ومع القضية الفلسطينية واجهة العرب، ففي الوقت الذي ساند فيه الأميركان (إسرائيل) سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ولوجستياً بالمطلق وحتى الآن، نجد بأن السوفييت اعترفوا ولا زال الروس من بعدهم يعترفون بحق العرب وعمقهم التاريخي والديني بإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف. وبضرورة العودة لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهي القرارات التي تغولت عليها أميركا ومعها إسرائيل عبر صفقة القرن المشبوهة والمرفوضة من قِبل الأغلبية الساحقة من أمم وشعوب العالم.
وللسوفييت وقفات مع العرب في حرب 1967، وفي حرب تشرين 1973، واستخدام الفيتو. والدبلوماسي فالنتين فالين أفصح عن رغبة السوفييت في دعم سوريا ومصر أبان حرب الأيام الستة اتضحت لاحقاً.
وشهدت العلاقات الأردنية الروسية تطوراً في العهد السوفييتي، وازدادت ازدهاراً حتى بعد الانهيار السوفييتي. ففي عام 1988 تم التوقيع على اتفاقية خاصة بتشكيل لجنة التعاون الاقتصادي والعلمي والتقني بين حكومتي البلدين. وفي عام 1993 أعيد تشكيل لجنة مماثلة. وفي عام 2004 وقعت اتفاقية في مجال السياحة ووصل التبادل التجاري عام 2002 إلى (32,7 مليون دولار)، وفي عام 2003 وصل إلى (50 مليون دولار)، وفي عام 2006 قارب الـ(140 مليون دولار)، وفي عام 2007 بلغ (410 ملايين دولار). وتم تسجيل الصادرات الروسية إلى الأردن بمقدار (406,5 مليون دولار). وواردات روسية من المملكة الأردنية بمقدار (3,5 مليون دولار).
ومن المهم القول هنا بأن جلالة الملك عبدالله الثاني شارك شخصياً عام 2004 في موسكو، في مؤتمر الأعمال الروسي – الأردني، وفي عام 2005 ثم تأسيس مجلس الأعمال الروسي الأردني، ومشاركة اردنية ناجحة لـ(20) شركة في معرض التجارة والصناعة (اكسبو) عام 2008 في موسكو، وشركات روسية مثل (ستروي ترانس غاز) و(تيخنو بروم أكسبورت) و(أورال تينخو ستروي) فتحت مكاتب لها في عمان. وسلسلة من معارض (اكسبو) الاقتصادية بين عامي 2002 و2009، واتفاقية لتجميع السيارات الروسية بعمان عام 2007.
وشهد عام 2009 التفاهم الأردني الروسي للتنقيب عن البترول وأشرفت شركة (انتر راو ياس) على ذلك، واتفاقية طيران مدني سبقت ذلك عام 2008 شملت عمان والعقبة.
وزيارات ملكية أردنية متكررة، واخرى ديبلوماسية رفيعة المستوى لموسكو، ومثلها رئاسية روسية وغيرها دبلوماسية لعمان، وقريباً ستشهد العاصمة عمان توافداً للدبلوماسية الروسية بهذه المناسبة (55 عاماً) المهمة لبلدينا ولشعبينا. ولقد سبق لجلالة الملك عبدالله الثاني أن زار موسكو رسمياً عدة مرات وكل عام، ولقاءات مهمة بين وزير خارجيتنا أيمن الصفدي ومثيله الروسي سيرجي لافروف. وقطعة أرض خصصها جلالة الملك لاستخدامات روسيا الصديقة لنا، حيث تم بناء كنيسة روسية عليها ساهمت في تعزيز الروابط الدينية، وحولت المغطس إلى مكان للحجيج الروس، ولأقطار الاتحاد السوفييتي السابق، وإلى منطقة خلابة للسياحة العلاجية في البحر الميت. ووادي رم، والبتراء، وحمامات ماعين، وآثار جرش، وأم قيس في الشمال بانتظارهم دائماً وترحب بهم. وللمأكولات الشعبية الأردنية التي يتقدمها المنسف نكهة مفضلة عند السياح الروس وغيرهم.
ولقد سبق للرئيس الروسي بوتين أن زار الأردن مرتين، والرئيس ميدفيديف، ثم عقيلته مرة، وكان الرئيس الراحل يلتسين هنا في عمان في وداع مليكنا الحسين الراحل إلى مثواه الأخير 1999، وقفزة نوعية لحجم التبادل التجاري بين عمان وموسكو بين عامي 2009 و2018 تقدر بت(147 مليون دولار). و(2100) طالب أردني على مقاعد الدراسة الروسية الآن، وزيادة في عدد المقاعد المخصصة للمنح الدراسية السنوية للطلبة الأردنيين وصلت إلى (120) منحة دراسية. ومصاهرة أردنية روسية وصلت إلى عدة آلاف زوجة وعدد كبير من الأحفاد،وكتاب متخصص في الشأن السياسي الروسي اصدرته نهاية عام 2016 تحت عنوان (روسيا المعاصرة والعرب) شكر صدوره جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله، وآخر في مطبخ الإعداد يركز على أهمية مواجهة الفوبيا الروسيا، وحرب الإعلام على روسيا وسط العرب وعلى خريطة العالم. وللإنصاف وقول الحق فإن روسيا لا تتحمل وزر عدم تمكنها من العثور على النفط والغاز في الأرض الأردنية عبر مراحل تنقيبها، ولا حتى موضوع التراجع النووي الأردني للأغراض السلمية من الحجم الكبير المكلف مادياً ولدرجة كان من الممكن أن تصل إلى (112 مليون دينار)، فالموضوعين الأول والثاني عرض وطلب. وتوجه أردني حسب رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية البروفيسور خالد طوقان للتحول إلى المفاعلات الصغيرة الحجم، للتعاقد مجدداً مع الصين في هذا المجال لبناء ستة مفاعلات أقل تمشياً مع قوة الطاقة الكهربائية الأردنية ومستوى تحملها لضغط العمل ومع إمكانات الأردن المادية.
وعلى صعيد القضية الفلسطينية ذات التماس الأقوى مع الأردن ومستقبله السياسي، فإن روسيا عارضت بوضوح ما يسمى بصفقة القرن الإسرا-أميركية السرابية، وإن تمكنت واشنطن ومن خلفها تل أبيب من تحويلها إلى واقع مؤسف وعلى شكل خطوة واحدة، وأضرت بمعاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية 1994، ومست الوصاية الهاشمية على المقدسات في فلسطين، رغم عمقها التاريخي الذي يعود إلى عهد ملك العرب وشريفهم الحسين بن علي 1924. ودعا وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف إلى نقل ملف ترحيل السفارة الأميركية إلى القدس، إلى قبة مجلس الأمن. وهي،أي روسيا، من كشفت الزيف الأميركي الإسرائيلي المشترك عندما رفض مجلس الأمن التصويت إلى جانب الصفقة المشؤومة. وتصويت ساحق لصالح رفض أي تغيير قانوني لمدينة القدس المحتلة بحجم (128) دولة من قبل الدول المعتمدة في الأمم المتحدة، وفي مقدمتها روسيا. والمعروف بأن روسيا من أهم الدول المطالبة بحل الدولتين، وباعتماد القدس الشرقية عاصمة لفلسطين وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن (181/194/ 242، 338) المتضمنة حدود الرابع من حزيران. وفي المقابل على العرب أن يتحملوا سياسياً إخفاقهم في وضع القضية الفلسطينية فوق طاولة لقاء بوتين – ترمب في هلسينكي في فنلندا، هذا العام 2018، بينما استبق نتانياهو اللقاء بزيارة لموسكو وقبلها لواشنطن لطمس القضية الفلسطينية، ونجح في تحويل أنظار اميركا وروسيا لأهمية مساعدة إسرائيل فقط. والملفت للنظر هو أن الرئيس الأميركي ترمب في مؤتمره الصحفي مع بوتين في هلسينكي اعترف بمساعدة روسيا لأميركا في موضوع مطاردة إرهاب داعش، بينما ركز الرئيس بوتين على أهمية إعادة اللاجئ السوري إلى وطنه.
وفي الشأن السوري المجاور لنا ووسط ازمته الدموية التي سرعان ما تموجت من أقصى بوابات الربيع العربي والسوري الذي كان من غير المتوقع أن يبقى اخضراً، والتحول إلى أقصى درجات الإرهاب وبمشاركة (80) دولة عالمية تقدمها تنظيم داعش وعصاباته المجرمة وبالاشتراك مع النصرة المتشابهة رسالة وهدفاً معه. فتحركت موسكو مبكراً سياسياً من خلال أروقة الأمم المتحدة، فوقفت خلال مؤتمر جنيف (I) عام 2012، وطورته إلى الاستانا، وواصلت عقد جلسات جنيف إلى الأمام، ونجحت في تقريب اميركا، وأوروبا، والعرب، وتركيا، وأوصلت الملف السوري بعد تدخلها عسكرياً إلى مرحلة بناء مناطق لخفض التصعيد، وأشركت الأردن، وأميركا بمشروعها المهم هذا، الذي دفع باتجاه التخطيط بنجاح لإعادة اللاجئ السوري طوعاً إلى وطنه سوريا، وسط اهتمام مباشر من الرئيس بوتين في المحافل الدولية في هلسنكي وبرلين وفرنسا، وصوب فتح المعابر السورية مع الأردن وهو موضوع اقتصادي وسياسي واجتماعي مهم، وتمكنت روسيا من الاتفاق مع أميركا عام 2014 على تدمير الترسانة الكيماوية السورية، وخدمت في خطوتها تلك سوريا، والأردن، واستقرار عموم المنطقة العربية والشرق أوسطية.
وتمكنت روسيا وبعد تدخلها عسكرياً من التعاون والتنسيق مع الأردن، ومن قلب الطاولة على الخطة (ب) العسكرية الأميركية التي هدفت للإطاحة بنظام الأسد بعد زج العرب في مقدمة المشروع، فنجح خيارها العسكري ومطاردتها لإرهاب داعش، والنصرة معاً وحتى للإرهاب الخارج من بلادها السوفييت وبحجم خمسة آلاف مقاتل، والسياسي، واللوجستي كذلك، وتفوق حتى على الأميركي، رغم التنسيق والحذر، وتم تقديم الحلول السلمية على العسكرية، ومن ثم دفعهما معاً إلى الأمام، والتمسك بصناديق الاقتراع في دمشق، والإشراف على صياغة دستور ديمقراطي عادل في سوريا، وإصرار أردني روسي مشترك أكده الصفدي ولافروف لحل الأزمة السورية وفقاً لقرار مجلس الأمن (2254)، وعيون موسكو قلقة على إدلب البوابة الأخيرة للسلام السوري. وهي تتحرك وسط العرب من منطلق التوازن العسكري العلني مع أمريكا والتفوق عليها سراً.
أبارك من جديد الانطلاقة السابقة للعلاقات الدافئة بين الأردن وروسيا، واستمرار هذه العلاقة بنجاح لما فيه الخير للإنسان والسلام. وفي الختام أتمنى أن أرى مكتباً صحفياً أردنياً روسياً في كل من عمان وموسكو، وصندوق استثماري، ونهوضاً في مستوى الصادرات الأردنية إلى روسيا واستقطاباً للاستثمار الروسي إلى عمان.