ورغم ان ذلك لا يشكل - في ضوء قوة المقاومة والأخطاء الأمريكية التي صاحبت احتلالها للعراق – مفاجأة بل هو امر متوقع لدى كثير من المحللين والمراقبين، الا ان العقدة التي بات من الصعب على كثير من المحللين معرفتها هو لماذا لا زالت الولايات المتحدة رغم الخسائر الكبيرة التي تتعرض لها يوميا ، والمؤشرات الواضحة حول تردي أوضاع جيشها في العراق تصر على عدم الاعتراف بهذه الحقائق بل وتعلن انها لا زالت تسيطر على الوضع، رغم انها تلمح بين الحين والآخر الى ذلك، ويكمن في هذا السياق النظر الى القرار الامريكي بالمشاركة في مباحثات تحضرها ايران وسوريا حول العراق بعدما كانت دوما ترفض ذلك بإعتباره مؤشراً لا لبس فيه على التخوف المتزايد لدى الإدارة الأمريكية من احتمالية تكبدها خسارة استراتيجية في العراق والمنطقة.
اخيرا اعترف فريقا من نخبة الضباط الامريكيين في العراق بأنهم توصلوا الى قناعة مفادها "أنه لم يعد امام الولايات المتحدة سوى ستة اشهر للانتصار في الحرب على العراق او مواجهة انهيار على الطريقة الفيتنامية" في ظل الاوضاع التي تزداد صعوبة يوما بعد يوم في هذا البلد ، واكد الفريق المذكور - الذي يتكون من محاربين قدامي وخبراء في مكافة التمرد عهد اليهم اضافة الى تقديم المشورة لقائد القوات الامريكية في العراق بنتفيذ الخطة الجديدة التي اعلن عنها الرئيس الأمريكي–" ان هذا الانهيار سيكون اولا في مدى التأييد الشعبي والسياسي ما قد يجبر الجيش على سحب قواته بصورة متعجلة"، مبدين خشيتهم من ثلاثة أشياء اساية هي انخفاض معنويات الجيش ونقص الأفراد وتبدد الإرادة السياسية، ومدركين أنهم سيسمعون مزيدا من الحديث في واشنطن حول الخطة "ب" التي تعني حسب رأيهم " الانسحاب".
فالحقائق على الارض تشير الى انه ثمة تطور وتقدم واضح في إنجازات المقاومة تشير اليه أعداد القتلى من طرف قوات الاحتلال بشكل عام والقوات الامركية بشكل خاص والتزايد الواضح في عدد الطائرات المروحية التي تم اسقاطها بفعل نيران المقاومة، اضافة الى النتائج الاولية المخيبة للآمال التي تمخضت عنها خطة امن بغداد رغم الاستعدادات والتحضيرات والحشود العسكرية والمالية المبكرة لها ورغم ما صاحبها من خطابات اعلامية تهدد وتتوعد بالويل والثبور لكل من تسول له نفسه بتعكير صفو هذه الخطة التي وصفها أصحابها "بالمرسومة بإحكام".
وفي ضوء الحقائق السابقة وبعيدا عن السيناريوهات المحتملة المتعلقة بالملف النووي الايراني سواء ما تعلق منها بتوجيه ضربة عسكرية لايران او باحتمالات التوصل الى حل دبلوماسي سلمي، فما الجديد الذي يمكن للولايات المتحدة ان تفعله في العراق والمنطقة في غضون الستتة شهور القادمة ؟! ففي حقيقة الامر تشير دلالات الواقع بأن الولايات الولايات المتحدة لم يعد لديها الكثير من الخيارات المتاحة امامها فيما يتعلق بتحقيق انجاز يذكر في العراق، بدليل انه لو دققنا بكل ما فعلته الولايات المتحدة في العراق فإننا سنصطدم بحقيقة السؤال حول ما الذي لم تفعله الولايات المتحدة خلال السنوات السابقة في العراق؟! فبرغم انها استخدمت كل انواع القوة المادية والمعنوية خلال السنوات الماضية ومختلف انواع الاسلحة والقتل العشوائي والمنظم ضد العشب العراقي بشكل عام والمقاومة بشكل خاص الا انها لم تحقق او لم تستطيع حتى الوصول الى مجرد تكوين قناعة لدى الرأي العام الامريكي والعالمي بأنها تسير ولو بخطى متواضعة نحو تحقيق النصر المزعوم، فكيف يمكن لعاقل ان يقتنع بأنها ستتمكن في غضون ستتة شهور من تحقيق ما عجزت عن تحقيقه منذ احتلالها للعراق عام 2003.
وبين قتال طائفي يدمر البلاد والعباد ويدمر الثروات، ومقاومة لا تقبل الا برحيل كلي ونهائي للاحتلال ، واحتلال قد يجد نفسه مرغما على الانسحاب بسرعة، وحكومة ليس فقط لا تسيطر على الاوضاع المختلفة داخل البلاد بل ويتندر حولها بعض السياسيين استنادا الى حديث لا يخلو من الطرافة لاحد سياسييها وهو يرد على وزير الدفاع الامريكي الذي كان يهدد الحكومة العراقية بإنسحاب قواته من العراق اذا لم تحسن هذه الحكومة ادارة البلاد بالقول " اذا قررتم الانسحاب سننسحب قبلكم"، سيبقى مستقبل العراق مجهولا في ظل سيناريوهات مفتوحة الاحتمالات، فماذا لو رحل الاحتلال فعلا؟ وما الذي يمكن ان تفعله الحكومة العراقية في هذه الحالة؟ وهل يمكن ان يتحول الصراع الطائفي الى حوار بين اطياف الشعب العراقي؟ ام سيبقى العراق ساحة للتعبير العنيف عن خلافات الدول والتيارات السياسية والدينية والفكرية المختلفة؟ وهل لدى المقاومة خطط مدروسة لإدارة العراق في مرحلة ما بعد رحيل الاحتلال؟ في الواقع ان كل هذه التساؤلات تشير إلى أن مستقبل العراق سيبقى رهينة وجود إجابة عقلانية واضحة عليها.