الأزمة المالية العالمية وانهيار توافق واشنطن .. ما العمل ؟

اعداد : حسني عايش

مركز الرأي للدراسات

12/2008

العالم الآن منشغل بالأزمة المالية العالمية وتداعياتها عليه دولا وشعوبا وشركات ومؤسسات وأفرادا . الجميع خائف ويفتشون عن طرق أو طرائق لوقاية أنفسهم من سلبيات تلك التداعيات أو من قضائها على أعمالهم. والاقتصاديون والكتاب والمعلـّقون يفسّرون وينصحون. ومن هؤلاء مايكل هدسون ? أستاذ الاقتصاد في جامعة ميسوري في مدينة كانسس -، وجيفري سومرز - أستاذ الاقتصاد في كلية رايتان فالي والأستاذ الزائر في كلية الاقتصاد في جامعة ريغا السويدية - اللذان كتبا مقالا مشتركا بعنوان نهاية توافق واشنطن لتفسير الأزمة المالية ووضع اليد على سرّها الكبير.(CP: 1 ? 51 October,8002) يقول الأستاذان : يشكل الانهيار الحالي لوول ستريت علامة بارزة على انتهاء حقبة ومجيء أخرى. والحقبة التي انتهت أو ولت هي حقبة توافق واشنطن : (Washington Consensus) التي تمثلت بإطلاق حرية السوق والخصخصة .

لقد فشل توافق واشنطن في تحقيق الازدهار العالمي الموعود وفي إصلاح عجوز أو عجز ميزان المدفوعات، والميزان التجاري، والموازنة الأمريكية، والتضخم. لقد أضرّ رفع معدلات الفائدة مع إلغاء الحماية الجمركية والمنح الحكومية أكثر مما نفع، فما السبب؟ يجيبان : الفائدة هي كلفة البزنس . أما التبعية التجارية وتآكل قيمة العملة فترفع أسعار المستوردات . وعليه يدل تخصيص سبعماية مليار دولار ? التي رصدتها حكومة بوش لإنقاذ المصارف والديون المتعثرة ? على عدم نيتها في تطبيق النموذج الليبرالي الجديد، التي روّجت له على اقتصادها وقد أكد بوش ذلك في خطابه في قمة العشرين 14 -11 ? 2008م عندما رفض بشدة التعرّض لاقتصاد السوق على الرغم من كون تدخل الحكومة الأمريكية يشبه التأميم وكأن بوش يريد إطفاء الحريق دون إلغاء أسبابه . فالصرامة والتقشف والمسؤولية المالية Fiscal responsibility مطلوبة من البلدان الأخرى لا من أمريكا التي تنفق أكثر مما تملك، وتغرق العالم بدينها الذي تجاوز أربعة تريليونات دولار للبنوك المركزية الأجنبية. إن هذا المبلغ غير قابل للسداد بسبب العجز التجاري والنفقات العسكرية (الضخمة) في الخارج. لماذا لا تتبع البلدان الأخرى مثل هذه السياسة اللا متساوقة ؟ هل هي حقيقة من حقائق الطبيعة أم أنها طوعية ناجمة عن الجهل الذي غذته أيديولوجية عالمية شديدة قائمة على تحرير الاقتصاد من أية قيود (Liberation and Deregulation).

لقد تبيّن للجميع أن السياسة الاقتصادية النيولبرالية كابوس وليست حلما جميلا . ولطالما تمّ الثناء وكيل المديح لدول البلطيق الصغيرة الثلاثة : لاتيفيا، وأستونيا، وليتوانيا، في القمم الغربية، باعتبارها قصص نجاح عظيمة للنموذج النيوليبرالي، التي صنعها البنك الدولي كبعض أفضل دول العالم للبزنس، فقد ارتفعت أثمان العقارات فيها بصورة جنونية، بانجذاب الاستثمارات الاسكندنافية إليها، لكن صناعاتها تفككت، وزراعتها تدمرت، وكثيرا من شبابها هاجروا. لقد حسنت أسعار العقارات الميزان القومي لعقد من الزمن فقط. كما نحت اقتصادات باقي دول الاتحاد السوفييتي السابق منحى آيسلندة، فاستدانت من الأجنبي دون وجود وسائل ظاهرة للسداد من خلال التصدير. وحتى وإن باعت مزيدا من موجوداتها (Assets) فإنها قد لا تستطيع تسديد الديون . إن اقتصادها منكمش نتيجة اتباعها نصائح النيوليبرالية، وتبعيتها السوق الدولية الحرّة التي روّج لها توافق واشنطن.كان يجب على البلدان الأخرى التمسك بالاقتصاد المختلط (Mixed Economy)، العام والخاص، لأنه الطريق الذي سار عليه كل اقتصاد ناجح في التاريخ. لقد تبيّن أن أسواق القطاع الخاص (إقرأ المالي) الاقتصادي الكلية التي كانت تديرها البنوك والمديرون الماليون مدمِرة (بكسر الميم الثانية) ومهدِرة (بكسر الدال)، وفاسدة وإنها في الحقيقة كانت تخضع لتخطيط مركزي شبيه بالحكومة الكلية الشمولية التي كانت قائمة في روسيا في عهد ستالين ثم في ألمانيا في عهد هتلــر. لقد وعدت الصورة المثالية التي رسمتها واشنطن لكيفية عمل الأسواق الحرّة ( وكأنها كانت موجودة فعلا ) البلدان الأخرى بالشراء السريع وبارتفاع مستويات المعيشة إلى مستوى المعيشة في أمريكا : فقط إذا سمحت للمستثمرين الأجانب بشراء مصانعها وبنيتها التحتية الرئيسية كالبوتاس والفوسفات والاتصالات والاسمنت... في الأردن ولنحو نصف قرن ظل هذا النموذج النيوليبرالي تمرينا مرائياً زائفا لسياسة فاشلة في أحسن الأحوال، أو قائما على الخداع في أسوأها، بإقناعه البلدان الأخرى بفرض سياسات مالية وضريبية مدمّرة على نفسها، وتمكين المستثمرين الأمريكيين والأوروبيين من الانقضاض على موجوداتها الأساسية بأقل الأسعار، وبقيام الاقتصاد الأمريكي بدفع ثمنها بأوراق تفيد أن الخزينة الأمريكية مدينة لك ( I Owe You: Iou s) لكن النظام النيوليبرالي لم يكن أبدا مفتوحاً بالفعل، فأمريكا لم تفرض على نفسها أبدا العلاج بالصدمة التي روّج لها وزير مالية كلينتون ومستشار أوباما الآن روبرت روبين في البلدان الأخرى، وبخاصة في روسيا وأقطار الاتحاد السوفييتي السابق، بل العكس.

كان ميزان التجارة وميزان المدفوعات الأمريكيان يحلقان وأسواق المال والعقار يغرقان، دون أن يدعو واحد من نخبة السلطة اليوم إلى ترك النظام يعمل كما طالبوا وادعوا إبان فورته، فوزارة الخزانة تدعم الأسواق المالية وتضحي ببعض الخراف، وتنفخ في أسعار موجوداتها، ولم تعمل شيئا لجعل الدولار مستقرا أو لإبطاء التضخم بعامة.

تثبت تجربة الولايات المتحدة أن السوق الحرّ الذي تديره المؤسسات المالية المقرضة خرافة، وأنها خطة زائفة هدفها فتح أسواق البلدان الأخرى للمستثمرين الأمريكيين والأوروبيين وأسواق الغذاء للمزارعين الأمريكيين (بالتي هي أحسن) بدلا من فتحها بالقوة المسلحة . إن النموذج المالي والتجاري الذي روّجت له الأقلية أو الأوليغاركية الأمريكية وحلفاؤها مزدوج المعايير إذ عندما وقعت الأزمة المالية في بلدان جنوب شرق آسيا سنة 1997م طلب صندوق النقد الدولي منها بيع بنوكها ومصانعها للأجانب بأسعار بخسة (Fire sale) وقد قامت الشركات الأمريكية الجشعة بالاستيلاء عليها، لكن عندما وقعت الأزمة نفسها في أمريكا قامت بكفالة بنوكها وديونها المتعثرة، أي ما يناقض تماما ما فرضته واشنطن على البلدان الأخرى . إن معنى ذلك أنه لا توجد نيّة (حقيقية) عند أمريكا للسماح للمستثمرين الأجانب بشراء الشركات والصناعات الأمريكية الرئيسية إلا بأسعار فادحة رفض شراء دبي لبعض موانئ أمريكا معروفة . كما قامت أمريكا بخرق قواعد التجارة العالمية بإنقاذ شركات صناعة السيارات الرئيسية الثلاث فيها (جنرال موتورز، وفورد، وكرايسلر) وليس صناعة السيارات فيها التي يملكها الأجانب مثل (تويوتا، ونيسان، وغيرهما) وهكذا تقدم أمريكا درسا في السياسة الاقتصادية الوطنية . وكما ترون فإن لأمريكا سياستين اقتصاديتين: سياسة اقتصادية خاصة بها وسياسة اقتصادية خاصة للتصدير.

تكمن مشكلة العالم الثالث وبلدان الاتحاد السوفييتي السابق بعدم وجود خبرة عندها في النموذج الرأسمالي الإداري الناجح (Managerial capitalism) السابق للنموذج النيوليبرالي. لقد أدى ذلك النموذج الذي هيمن بعد الحرب العالمية الثانية حتى ثمانينات القرن الماضي، وقبلها في القرن الثامن عشر ( المركنتملية أو الروح التجارية ) البريطانية ثم في القرن التاسع عشر بالحمائية الأمريكية، إلى نمو اقتصادي عالي الهمة في حينه. لقد فضل المفكرون الاقتصاديون مثل جون كينز في بريطانيا، وهاري دكسر وايت في أمريكا، الإنتاج على المال السائل لكن ذلك احتاج إلى حربين عالميتين وركود اقتصادي شنيع، وديون تفوق القدرة على السداد. لتفضيل التصنيع على المال و القيام بالشيء الصحيح. وحسب ذلك النموذج يأتي التطوير الصناعي والعمالة الكاملة أولا والمال السائل ثانيا . وعندما وصلت هذه الفلسفة الاقتصادية قمتها في ستينيات القرن الماضي كانت حصة قطاع المال (البنوك ..) 2 % من أرباح الشركات الأمريكية. أما اليوم فحصتها 40% يذكرنا ذلك بالأرباح الفلكية للبنوك الأردنية الناجمة عن الفائدة المركبة والتمويل الواسع لشراء كل شيء بدءا من الشقة والسيارة وانتهاء بتكاليف الحج والرحلات..... .

يحرف ارتفاع الفوائد على الدين الخطي الدخول عن شراء السلع والخدمات لانصراف أصحابها لسداد الديون التي يعيد الدائنون إقراضها ثانية وهكذا لرفع أثمان العقار والأسهم . أما رأس المال المادي أي الاستثمار في الصناعة أو الزراعة /الإنتاج فصار يموّل من أرباح الشركات نفسها، ويحول قسم كبير منه لسداد الديون ذات الفوائد الصاروخية.. ونتيجة لهذا النموذج النيوليبرالي تضخم الديّن، وحدث انكماش في القدرة على الإنفاق لأن الفائض الاقتصادي يمولن ( Financialised ) وهو مصطلح اقتصادي جديد المولنة يجب أن يضاف إلى المصطلحات الاقتصادية المعروفة في العالم .

منذ الثمانينيات من القرن الماضي ونظام الضريبة الأمريكي يروج للمضاربة والتأجير لركوب موجة تضخم أسعار الموجودات (Assets) . وقد جعلت هذه الاستراتيجية ميزانيات البنوك والمؤسسات المالية والمضاربة في الإقراض تكبر وتصبح عالية الأرباح ? لأن أسعار الموجودات ترتفع بصورة أسرع من الديون نفسها، لكنها لم تؤد إلى زيادة في القدرة الصناعية . في أثناء ذلك أدت الاقتطاعات الضريبية إلى ارتفاع هائل في الدين القومي، مما جعل ديك تشيني ? نائب الرئيس بوش يقول: لقد أثبت ريغان أن العجز لا يهم . وصار كلما إزداد عجز ميزان التجارة وميزان المدفوعات يزداد تدفق الدولارات الأمريكية إلى الخارج، وقيام البنوك المركزية الأجنبية بإعادتها بشراء سندات الخزينة الأمريكية. وعندما هبطت الفائدة بحدة تقريبا حاولت هذه البنوك ضمان أموالها بسلاسل من الرهون العقارية. وهكذا يحصل الاقتصاد الأمريكي على مستورداته بالدين الذي لن يسدده قط حتى وإن استطاع ( لا يستطيع الآن حتى و إن كان مقداره أربعة تريليونات دولار).

كانت الرأسمالية الإدارية تستخدم ما يتوفر لها لبناء اقتصاد حقيقي، غير أنه بدءا من ثمانينات القرن الماضي ظهر جيل جديد من المديرين فضّل الإقراض لشراء الأسهم وتحقيق الأرباح السريعة على بناء اقتصاد حقيقي فارتفعت أسعار الأسهم وحصل المديرون على عوائد خرافية لأنفسهم وإن لم يؤد كل ذلك إلى تنشيط التكوين الرأسمالي المادي أو الملموس(Tangible) وهكذا تكونت فقاعات عقارية في كل البلدان نتيجة الرهن العقاري المتصاعد، فلشراء بيت جديد يجب أن يصبح المشتري مدينا مدى الحياة، مما جعل العاملين في كل قطاع المدينين للبنوك خائفين إذا أضربوا أو ضغطوا من أجل ظروف عمل أفضل، لأنهم قد يطردون من أعمالهم ومن بيوتهم اذا لم يدفعوا القسط، أو يحرموا من استرجاعها.

في تلك الأثناء كان كثير من الشركات تنقل نشاطاتها إلى الخارج Outsourcing وتسرّح عمالها، وتقلص ميزات العمل، وتطيل ساعاته، وتوظف المزيد من النساء والأطفال بأجور أدنى .

لا يقوم الاقتصاد الجديد الراهن على التكنولوجيا الجديدة، والاستثمار الرأسمالي الملموس، بل على سعر التضخم الناجم عن المكاسب المالية في أسعار الأراضي بصورة رئيسية، فالأراضي لا تزال أكبر الموجودات في أمريكا وغيرها من البلدان الصناعية والعالم .

صار الفائض الاقتصادي يُمتص بخدمة الدين وارتفاع كلفة العناية الصحية، وليس في الاستثمار في الإنتاج، أو في زيادة الإنتاجية عند العاملين. كما ظلت الأجور ومستويات المعيشة راكدة عند معظم الناس، فيما يحاول الاقتصاد أن يكون أكثر ثراء بمعجزة الفائدة المركبة، بينما توفر الرأسمالية المالية الناجمة تأسيسا لقروض جديدة (وبفوائد مركبة) لترتفع أسعار الموجودات فيدور الاقتصاد في حلقة مفرغة بالقروض والديون والفائدة التي تصب في مصلحة الواحد في المائة الأغنى من الناس الذين يراكمون ثروتهم بانتزاع المزيد من الفائدة والأرباح والمكاسب المالية التي كانت نحو 37 % قبل عشر سنوات ثم قفزت إلى نحو 70 % اليوم. نعم. تبقى الإدخارات مرتفعة ولكنها لعشرة في المائة من السكان الذين يدخرون وتقرض مدخراتهم للتسعين في المائة منهم فلا يبقى ثمة ادخار يحول إلى الاستثمار المادي أي الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي ؟ ما العمل ؟ يجيب الأستاذان عن هذا السؤال بما يلي :.

1. يجب على بلدان العالم كافة الاعتراف بأن الاقتصاد العالمي النيوليبرالي مختل وغير فاعل.

2. يجب عليها أن تقرر ما يجب إهماله من الفرضيات التي يقوم عليها هذا الاقتصاد.

3. وإن السياسة الضريبية والمالية المتحيزة للمال وتضخم أسعار الموجودات تلحق أيما ضرر بالتكوين الرأسمالي المادي، و توجه السياسات المتشددة المضادة للعمال وعدم فرض ضرائب على العقارات والأسهم والسندات الموارد بعيدا عن النمو وعن ارتفاع مستوى المعيشة. لطالما حاولت الحكومات الأردنية فرض ضرائب على أرباح الأسهم ولكن مجلس النواب كان يتصدى لها ويمنعها .

4. إن الفائدة المركبة والمكاسب المالية مدمرة في المدى الطويل لأن الاقتصاد الحقيقي يحصل على أقل نسبة مئوية من الفائدة في أحسن الأحوال.

5. وأنه من المستحيل رياضيا للفائدة المركبة الاستمرار دون إخماد، والمكاسب المالية النمو أكثر من معدل النمو الاقتصادي .تاريخيا تمحو الأزمات الاقتصادية هذه المكاسب عندما تكون أسرع وأكبر بكثير من النمو الاقتصادي الحقيقي. إن الفائدة المركبة والآمال بالمكاسب المالية لا تستطيع ضمان الدخل للمتقاعدين والاستمرار في جذب الاستثمار الأجنبي. ففي المدى الطويل لا تستطيع الاستثمارات المالية تحقيق مكاسب ذات دلالة. لقد احتاجت الولايات المتحدة نحو خمس وعشرين سنة بدءا من سنة 1929م إلى الخمسينيات من القرن الماضي لاستعادة القيمة الشرائية السابقة للأسهم والسندات والأرض .

6. يجب على جميع البلدان الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي، وفي زيادة الإنتاجية والأجور. ويجب على الحكومات محاربة المضاربين والمكاسب المالية عندما تكون مجرد انعكاس لتضخيم قيمة الموجودات، أي لا تعكس قيمتها الحقيقية وهي لعبة البنوك والمؤسسات المالية وكثير من الشركات المتعثرة لأن القوى الإنتاجية للإقتصاد الحقيقي ومستويات المعيشة سوف تتضرر كثيرا في النموذج النيوليبرالي المثقل بالديون.

7. يجب تشجيع المشروعات لا المضاربة. لا يعني ذلك تجاهل التضخم والعجز في الموازنة أو الميزان التجاري أو ميزان المدفوعات، وإنما لأن التضخم والعجز لا يبدآن متساويين، وبعضها يضر بالاقتصاد، والبعض الآخر قد يعكس اسثمارا صحيا في الإنتاج الحقيقي. إن التمييز بين هذا وذاك أمر حيوي إذا كان لا بد من اقتصاد يعتمد على نفسه في البقاء والازدهار.

والخلاصة : يمكن خلق اقتصاد أفضل برفض نموذج واشنطن المالي والبرامج المتشددة، والتخاصية، والتبعية التجارية الممولة بعملات أجنبية مقترضة . لا يمكن تحقيق الازدهار بخلق مناخ مؤات لرأس المال الأجنبي الانتزاعي ( Extractive) أو بتضييق الائتمان، وموازنة الموازنات عقدا وراء آخر.

لطالما رفضت الولايات المتحدة نفسها هذه السياسات، وعلى بقية البلدان اتباع المنهج الذي جعل أمريكا دولة غنية، وليس اتباع منهج أو نصائح النيوليبرلية الأمريكية لإرضاء بنوكها والمستثمرين الأجانب. كما يجب رفض السياسة الضريبية النيوليبرالية المعادية للعمال والضرائب الثقيلة على الموظفين وأصحاب العمل، بينما الضرائب منخفضة إلى درجة الصفر على العقارات والأموال، والمكاسب المالية، وكذلك رفض السياسات المعادية لتحسين ظروف العمل والرعاية الصحية.

لقد هيمن النظام الأمريكي بالتنظيم والرقابة في الفترة التقدمية السابقة للحرب العالمية الأولى التي تعززت بإصلاحات الصفقة الجديدة (New deal) إبان الركود الكبير.

لقد تمّ الترويج لاقتصادات النيوليبرالية كوسيلة للتخلص من التنظيم والرقابة ( Regulation) وبالتخلص منها أنكر توافق واشنطن على البلدان الأخرى إستراتيجية التنمية التي نجحت أيما نجاح في خلق أسواق محلية نابضة بالحياة، وبزيادة الإنتاجية، والتكوين الرأسمالي، وارتفاع مستوى المعيشة.

لقد تم في عهد النيوليبرالية الفصل بين المدخرات والتكوين الرأسمالي المادي، وهي بحاجة إلى الاقتران اليوم، وذلك ممكن باسترجاع شكل ما من الاقتصاد المختلط الذي دفعت أمريكا وأوروبا به نموها الاقتصادي إلى الأمام .

يبدو أن محافظي البنك المركزي الأردني بوجه عام كانوا دوما على قدر المسئولية والتحدي، وللسياسة النقدية الأردنية التي اتبعوها مع البنوك أثر لا ينكر على الاستقرار المالي والاقتصادي الأردني . وجاء إعلان رئيس الحكومة عن ضمانها للودائع البنكية تطمينا قويا لأصحابها فلم يبادروا إلى سحبها.

والحقيقة أن البنوك الأردنية توسعت كثيرا في الإقراض إبان الفقاعة ولكل شيء بمجرد تحويل المرء راتبه إليها أو توفير كفيل تقبل به، ما خلا لدعم الصناعة والزراعة والإنتاج والإنتاجية بوجه عام، لأن الفوائد المركبة التي تحصل عليها من القروض السكنية وغيرها كالمتاجرة أو المضاربة بالأسهم، تأتي لها بأرباح فلكية، وإن أدى ذلك في النهاية إلى دعم الاستيراد والصناعات الأجنبية، وانقلاب السحر على الساحر.

تراجع الحكومة عن خصخصة صوامع الحبوب وربما البريد أيضا، وإقدام المؤسستين الاستهلاكيتين: العسكرية والمدنية على إنشاء محطات وقود كما يقول حسام لإحباط التواطؤ بينها عندما يتوقع رفع أسعار الوقود فلا تبيع حتى يصدر القرار، وتمتنع عن البيع عندما يصدر قرار يخفضها. يخدم الاقتصاد الأردني والناس من الإرباك.

تتضمن هذه الإشارة كلاماً أو تعليقاً للمترجم