الطاقة النووية: هل هي طاقة نظيفة، متجددة ومستدامة؟

اعداد : د. أيّوب أبو ديّة

مركز الرأي للدراسات

2008

تجيء هذه الدراسة في ضوء ما نشر مؤخراً في "المجلة العالمية للطاقة الخضراء" كانون أول 2007 حول المخاطر المرتبطة بإنتاج الطاقة النووية ومحدودية المادة الخام في العالم، كاليورانيوم تحديداً.

إن الطاقة النووية هي تلك الطاقة المستمدة من الانشطار النووي حينما تنشطر نواة المواد الثقيلة كاليورانيوم بقذفها بالنيوترونات، الأمر الذي يولد سلسلة من التفاعلات تنتج طاقة هائلة، أو هي تلك الطاقة المستمدة من الاندماج النووي Nuclear Fusion حينما تنصهر نظائر مواد خفيفة تحت درجة حرارة مرتفعة جداً حتى يلتحمان ليشكلان نواة ثقيلة، ونتيجة ذلك تتوالد طاقة هائلة أعظم من طاقة الانشطار النووي، ولكن العلماء يعتقدون أن نجاح ذلك في الواقع سيحتاج إلى عشرات السنين، وربما إلى خمسين عاماً، فهذه الدرجة المرتفعة لا يمكن الوصول إليها على سطح الأرض إلا في المختبرات العلمية في الوقت الحالي.

الطاقة النووية المتوافرة، إذاً، هي الطاقة الحرارية التي يتم الحصول عليها بواسطة المفاعلات الذرية من خلال عملتي الانشطار أو الاندماج النوويين. وتستخدم الحرارة المنبثقة من هذه الوسائل النووية والذرية في توليد الكهرباء.

وهناك مخاطر بيئية ناجمة عن احتمال تسرب الإشعاعات، كما حدث في مفاعل تشرنوبل في الاتحاد السوفياتي السابق (أوكرانيا) عام 1986، بالرغم من أن المفاعل النووي كان حديثاً نسبياً، فيما يمكن اعتباره من النوع الأكثر أماناً في العالم. وقد تنقلت غيمة الإشعاعات حول مناطق معينة في العالم، وقد لوحظت بعض آثارها في شرق أوروبا تحديداً حينما هطلت أمطار ملوثة بالإشعاعات النووية وتلوث الماء والعشب الأخضر. وقد عولج مئات الآلاف من الأشخاص الذين تعرضوا للإشعاعات، وما زالت الحالة الصحية للمصابين غير واضحة تماماً.

وسمعنا قبل ذلك، وفي عام 1957، عن تسربات إشعاعية في مفاعل جبال الأورال في روسيا، نتيجة حدوث تآكل في جدران مستودعات النفايات النووية ذات المستوى العالي من الإشعاع. وفي بريطانيا، وخلال العام ذاته، حدث تسرب آخر في مفاعل نووي. كما ظهرت مشكلات تسرب الإشعاعات بفعل حادث جزيرة الأميال الثلاثة عام 1979 في الولايات المتحدة الأمريكية، ولن نغفل عن الإشارة إلى مفاعل ديمونة القريب منا والذي اتفق الخبراء على مخاطره الكبيرة على المنطقة برمتها.

وهناك مخاطر التخلص من النفايات النووية، كاليورانيوم المشع، الذي ما زالت المنشآت الخاصة قاصرة عن الاحتفاظ به لآلاف السنين في ملاجئ محصنة أو في طبقات جيولوجية عميقة، كما أن مناطق التخلص من النفايات النووية غير محددة تماماً وتلجأ بعض الدول إلى القرصنة ودفنها في الدول الفقيرة أو في أعماق البحار. وهذا يذكرنا بالحوادث الملوثة بالإشعاعات النووية منذ الستينيات، مثل حادثة احتراق السفينة الفضائية Sky-up عام 1964 خلال عودتها إلى الأرض، وتلتها حادثة السفينة الفضائية Cosmos عام 1978، ثم غرق الغواصة النووية قرب سواحل النرويج عام 1989، وغرق أخرى بعد اصطدامها بسفينة في المحيط الهادي عام 1998 وغيرها الكثير من الحوادث العالمية. إذن، إن الصناعة النووية مفتوحة على مخاطر لا حدود لها.

ونتساءَل كذلك: هل الطاقة النووية المنتجة حالياً مستدامة؟

في المفاعلات النووية المنتشرة اليوم في العالم والتي وصل عددها إلى 439 مفاعل في الشهر الأول من عام 2005، تنتج 2525 تريليون واط ساعة من الطاقة الكهربائية وتستهلك حوالى 66658 طن من اليورانيوم الطبيعي، الأمر الذي سوف يؤدي إلى نضوب الاحتياطي العالمي من اليورانيوم خلال 53 سنة، وهذه الفترة تتزامن مع تاريخ نضوب النفط على صعيد عالمي. وربما سيكون النضوب أسرع إذا اتجهت المفاعلات النووية لإنتاج غاز الهيدروجين لتزويد مركبات المستقبل بهذا الغاز الذي يتولد عن احتراقه ماء صافي (D. Jackson, "Is Nuclear Power Environmentally Sustainable?" International Journal of Green Energy, 2007, Volume 4, P.163) PP 161 – 172,

ولكن، إذا افترضنا أن العالم العربي لوحده مقدم على إقامة نحو 250 مفاعلاً نووياً في العقدين القادمين، فيمكننا تخيل العدد النهائي للمفاعلات في العالم، والذي ربما يزيد عن الألفين بعد عشرين عاماً، وهذا بدوره يعني أن نضوب اليورانيوم سيكون في غضون 30 – 35 عاماً بدلاً من 53 كما يقترح الباحثون المشار إليهم سابقاً، وهذا يؤكد أن الطاقة النووية التقليدية هي طاقة غير مستدامة، ليس على صعيد احتكار التكنولوجيا العلمية والأعباء الاستراتيجية الأمنية فحسب، إنما على صعيد نضوب المادة الخام أيضاً.

ومن ناحية أخرى، فإن اليورانيوم المستخدم في المفاعلات النووية يتم التخلص منه بعد استخدامه لمدة نحو سنة ونصف السنة، وهو ما زال مشعاً، وبعد أن يتم استخدام نحو 67 % من اليوارنيوم 235. ويستخدم بعض اليورانيوم المستنفذ في إنتاج الأسلحة والباقي يتم إعادة تأهيل بعضه للاستخدام من جديد Reprocessing في المفاعلات النووية، فيما يتم ردم البعض الآخر في طبقات جيولوجية عميقة.

وفي الحالة الأخيرة حيث يتم اللجوء إلى دفن النفايات النووية فإنه لا توجد ضمانات لعدم انتشار التلوث في باطن الأرض ومن ثم وصول التلوث إلى طبقة البيوسفير Biosphere خلال مئات الآلاف من السنين الضرورية لاستنفاذ قدرته الإشعاعية decay process (م. ن، ص 164 - 165). لذلك فإن معالجة النفايات النووية مسألة في غاية الأهمية والخطورة، وإن التخلص منها في البحار العميقة وتحت سطح الأرض لا يعني أن ضررها لن يصيبنا في المستقبل.

ففيما يتم تدوير وإعادة إنتاج البلوتونيوم واليورانيوم من النفايات النووية لمحطات توليد الطاقة النووية، فإن البعض الآخر يتم تحويله إلى أكسيدي البلوتونيوم واليورانيوم المستخدمين في بعض المفاعلات الأوروبية. ولكن الباقي يذهب إلى أماكن إما أن تكون أمينة لفترة من الزمن، أو أنها تكون خطيرة للغاية، كما يحدث اليوم في بئر دونري Dounreay Shaft في اسكتلندا / بريطانيا، أو في أماكن أخرى من العالم.

وبناء عليه، فإن الطاقة النووية في هذا العصر غير مستدامة، من حيث استخدامها لليورانيوم الطبيعي المحدود الكمية في العالم، أو من حيث ضررها على البيئة الذي يمتد لآلاف السنين القادمة، بل لملايين السنين. فما الحل إذاً؟

للإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن نطرح تساؤلات عديدة حول المفاعلات النووية التقليدية:

* ماذا نفعل بالنفايات المشعة؟

* هل نتخلص منها نهائياً، وكيف؟

* هل سيتم استخدامها لصناعة الأسلحة؟

* هل سنقوم بدفنها في الطبقات الجيولوجية العميقة لتلوث مياهنا الجوفية التي نحن نعتمد عليها لمستقبل الأردن ونجرها من مناطق بعيدة إلى العاصمة عمّان، كما نعتمد عليها لنجاح مشاريع التنمية المستدامة التي ترتكز على قاعدة "الإنسان السليم المعافى"؟

* ما هو مستوى الإشعاعات التي ستصدر عن هذه المفاعلات؟

* ما هو العمر التشغيلي لهذه المفاعلات؟

* هل وسائل الأمان كافية في الأردن لإنتاج اليورانيوم والتعامل مع النفايات التي تنتجها المفاعلات بعد سنوات؟

* وهل عامل الأمان الكامن في ثقافتنا الوطنية بالمستوى المطلوب بحيث يجعلنا واثقين تماماً من السيطرة على المخاطر الإشعاعية؟

* هل درسنا حالات التلوث الإشعاعي في العالم؟

* هل سوف نستورد تكنولوجيا المفاعلات النووية (استدامة استيراد التكنولوجيا) كاستيرادنا الذي لا يتباطأ للتقانة الغربية، وبخاصة لأحدث ما توصلت إليه صناعة الأجهزة الخلوية والحواسيب، وما إلى ذلك، والتي نسيء استخدامها في الكثير من الأحيان؟

أما فيما يتعلـّـق بالطاقة النووية بوصفها مصدراً من مصادر الطاقة المتجددة، والنظيفة إلى حد ما، وذلك بفعل تطور التكنولوجيا النووية في العالم، وبالرغم من توافر اليورانيوم بكميات معقولة في الأردن وعند أعماق قريبة من السطح، كما هي حال الكميات المكتشفة في منطقة سواقة جنوب عمّان، فضلاً عن إمكانية استخلاص اليورانيوم من الفوسفات الأردني، فإننا ينبغي أن نتنبه إلى أمور خمسة أساسية:

الأول، هو حساب تكلفة إنشاء ومن ثم إدارة هذه المراكز فيما بعد، ذلك لأن الهيمنة التكنولوجية على الطاقة النووية ستوقعنا في مشكلة التبعية من جديد، وهي مكلفة جداً واحتكاراتها في العالم محدودة، ولا يوجد العديد من البدائل المتاحة فنياً وتكنولوجياً. واندفاع الولايات المتحدة والصين وبريطانيا وفرنسا وروسيا صوب هذا الاتجاه محصّن بامتلاك التكنولوجيا الوطنية، فهل يمكننا أن نحصّن أنفسنا وأن نخلق كوادر راقية في غضون سنوات قليلة؟ ألا يذكرنا هذا الاحتكار بصناديق الاقتراض الدولية التي لم ينجُ من مصائدها أحد؟

وثانياً، علينا دراسة مدى تكلفة التأسيس للبنية التحتية التي تتطلب استهلاك كبير للمياه من أجل التبريد والتشغيل، وتستدعي إقامة أعمال هندسية عظيمة في منطقة المشروع، فضلاً عن بنية تحتية عملاقة تؤدي بالضرورة إلى تغييرات في البيئة الطبيعية: البرية والبحرية والجوية والجوفية، وأيضاً لن نهمل أثرها في البيئة الجمالية والاجتماعية ونحو ذلك.

وثالثاً، علينا أن نتساءَل عن مدى تكلفة إنشاء القاعدة العلمية الأكاديمية والعملية (المختبرات) القادرة على تخريج أفواج من الكوادر المؤهلة لإدارة هذه المراكز. وعلينا أن نتساءَل عن إمكانية القطع مع استيراد التقانة، أم أنها ستظل احتكاراً لدول الشمال في العالم؟

ورابعاً، فيما يتوقع بعض العلماء زيادة الطلب على الطاقة النووية حتى حوالى عام 2050، فإن الطلب على الطاقة النووية بعد ذلك سيبدأ بالانحسار لصالح مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الجوفية والطاقة الكهرومائية وطاقة أمواج البحر وطاقة المد والجزر والهيدروجين وغيرها. فهل يستحق الأمر كل ذلك العناء؟ وهل يستحق ذلك المجازفة بحدوث كارثة نووية لا قدر الله؟ لماذا، وفي مواجهة ذلك، لا نبدأ بتوسيع قاعدة إنتاج مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة المتاحة، بدءَاً من يومنا هذا؟ لقد بدأت إسرائيل التحضير لبناء أكبر مصنع لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في صحراء النقب، وخصصت عشرة آلاف دونم لهذه الغاية. فمتى سنبدأ نحن؟

وخامساً، بما أن اليورانيوم يتوقع له أن ينضب من العالم بعد نحو خمسين سنة، كما هي حال الوقود التقليدي الأحفوري، هل يمكن القول إن الطاقة النووية هي مصدر للطاقة المتجددة؟ وطالما أن هناك احتمالية للتلوث الإشعاعي ومشكلة في الفضلات النووية، هل يمكن القول إن الطاقة النووية مصدر نظيف للطاقة؟

اليوم، هناك ما يقارب من خمسمئة مفاعل نووي يعمل في أكثر من ثلاثين دولة، ويمد العالم بأكثر من 15 % من مجمل الطاقة الكهربائية. وبالرغم من ذلك فإن التوقعات العالمية تشير إلى زيادة الطلب على مصادر الطاقة المتجددة الأخرى. والسبب هو تطور تقانة توليد الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية، فضلاً عن أن المصادر الأخيرة أكثر أماناً وأبسط تكنولوجياً. فمن المتوقع أن يتم بناء أكبر منشأة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بقدرة 1GW عام 2009، وفق تصريح شركة M&W Zander & Partner باستعمال الخلايا الضوئية PV cells، وهي تكاد تعادل نصف حاجة الأردن من الطاقة الكهربائية. كما تتطور اليوم صناعة توربينات الرياح بحيث أصبح الجهاز الواحد يتألف من عمود ضخم يحمل شفرة تمتد إلى قطر نحو 180 متر وتولد طاقة تتراوح بين MW 12 – 8، ويعني ذلك أن بضع مئات من هذه المراوح العملاقة التي ستشرع أوروبا في تركيبها عام 2009 سوف تؤدي إلى اكتفاء الأردن من الطاقة. وإذا كانت تكلفة الطاقة المنتجة بهذه الوسائل أكبر من تكلفة إنتاجها بالوسائل التقليدية، كالغاز والنفط مثلاً، هل هذا سبب كاف لمحدودية طموحاتنا في هذا المجال، وبخاصة في ضوء ارتفاع أسعار النفط المضطرد وضبابية ات

فاقات الغاز على المدى الطويل؟

إن فكرة التنوع في مصادر الطاقة فكرة في غاية الأهمية، ولكننا يجب أن نحذر من الاحتكارات الغربية في مجال الطاقة النووية، بحيث لا نعتمد عليها بصورة أساسية. فالتنوع ضروري والطاقة الكهربائية يمكن أن يتم إنتاجها من طاقة الشمس وطاقة الرياح كذلك، مع إدراكنا لبعض العقبات الماثلة أمامنا. وقد أصبح إنتاج هذه التكنولوجيا متطوراً للغاية بحيث أخذت مؤخراً تنافس مصادر الطاقة التقليدية (طاقة الرياح، مثلاً، وضمن سرعات مرتفعة). ويمكن الاستناد على الخبرات الغربية لفترة قصيرة نسبياً بحيث تصبح بعدها الكوادر الأردنية قادرة على إدارة شؤونها بنفسها إدارة تامة وكاملة ومن دون إشراف احترازي من هيئات دولية تنتهك السيادة الوطنية، على عكس الطاقة النووية الذي سيكون الإشراف عليها محتماً لفترات طويلة جداً لغايات ضمان السلامة العامة والأمن الإقليمي والعالمي وما إلى ذلك. وربما تتفاجئ دول الجنوب بعد بضع سنين من الاستثمار أن افتتاح المفاعلات للإنتاج التجاري غير ممكن!

والدخول في معركة إنتاج الطاقة من المفاعلات النووية يستدعي النظر في الطريقة التي سنتعامل بها مع إدارة النفايات النووية، للسيطرة على الإشعاعات. ففي بريطانيا هناك عدة مكبات للمخلفات النووية، مثل المكبات الضحلة Shallow burials للنفايات المتدنية التلويث Low level Wastes في منطقة Drigg مثلاً، فضلاً عن بئر دونري Dounreay المشهور في اسكتلندا (بعمق 65 متراً) الذي ما زالت الحكومة البريطانية لا تعلم كيف تحل مشكلته التلويثية، وهو يحاذي البحر وقد بدأت عمليات الحت تقترب منه ليصبح مكشوفاً على البحر. وقد تم التخلص من كميات ملوثة كبيرة فيه في الماضي، وبات يسبب إشكالية سياسية وبيئية معاً سوف تستمر لزمن طويل. وقد شرعت شركة بريطانية في عام 2007 في تنفيذ مشروع حقن المنطقة المحيطة بالبئر من خلال أربعمئة ثقب، وذلك لإغلاق مسامات التربة ومنع حركة الماء منه وإليه. ويتوقع أن ينجز المشروع في غضون 2 – 4 سنوات.

وهناك مناطق دفن مغلقة في مواقع متعددة من العالم، وهي مخازن مغلفة بالاسمنت بسماكات كبيرة أو ببعض أنواع المعادن التي تمنع مرور الإشعاعات النووية من خلالها، وهي منشآت ذات تكلفة بناء عالية. فهل نحن مستعدون لبناء منشآت للتخلص من النفايات النووية، وهل سينتفع منها غيرنا أم ستكون لنفاياتنا وحدنا؟ وهل ستصمد هذه القلاع أمام أنواء الطبيعة (الحركات الأرضية مثلاً)؟

ونتطلع للاستفادة من تجارب بريطانيا التي شرعت في التحضير لبناء ستة مفاعلات نووية لتعويض المفاعلات القديمة التي ستتوقف عن العمل بعد أعوام نتيجة قدمها. وسوف يكـُـلف بناء ستة مفاعلات حوالى 12 بليون جنيه إسترليني، وهذا يعني بليوني جنيه إسترليني للمفاعل الواحد. وهذه الأسعار مرشحة للارتفاع الفلكي في ضوء ما نشهده من عدم استقرار في السوق العالمي.

والمفاعلات التي تعمل حالياً في بريطانيا تنتج نحو 19 % من حاجة المملكة المتحدة للطاقة الكهربائية، فيما يشكل الغاز رافداً لحوالى 40 % من إنتاج الطاقة الكهربائية. والرقم الأخير لنسبة الغاز الطبيعي كبير نسبياً وخطير أيضاً، فقد اتضح ذلك في شتاء 2006 عندما انقطعت إمدادات الغاز من روسيا وأوكرانيا عن بريطانيا لأسباب تتعلق بالاختلاف على أسعار الغاز. فأغلب الظن أن البريطانيين سوف يخفضون اعتمادهم على الغاز في المستقبل مقابل تطوير مصادر الطاقة الأخرى، ومنها الطاقة النووية، أو أنهم سيدعمون مشروع وصول خط الغاز العربي إلى أوروبا.

هناك شروط لإنشاء المشروع: المادة الخام واستدامتها، المادة الأولى المصنعة، رأس المال، الاحتكارات، الخبرات وتطويرها، تحقيق الحد الأدنى من درجة الأمان، العلم والتكنولوجيا. فهل جميع هذه الشروط متوافرة لدينا؟

فإننا نتساءَل في النهاية حول جدوى هذا التحول إلى الطاقة النووية بنسبة 6% من سلة الطاقة المتنوعة في الأردن عام 2020، إذا استطعنا بلوغ ذلك الهدف، إذ تعلمنا من الاستراتيجيات السابقة أنها تحقق على أرض الواقع أقل من نصف طموحاتنا النظرية إجمالاً. وعليه، أليست هناك بدائل متوافرة أقل خطورة؟

أليس الأجدر بنا التوجه صوب إقامة البنية التحتية لمصادر الطاقة المتجددة والنظيفة التي لا تنضب، كطاقة الشمس والرياح والحرارة الجوفية المتوافرة والمتجددة ذاتياً باستمرار؟ وما زال منها مكلفاً للإنتاج اليوم سوف يصبح منافساً واقتصادياً في القريب العاجل بارتفاع أسعار النفط أو اقتراب نضوبها. لذلك ينبغي الشروع بتأسيس القاعدة العلمية والتقانية والاجتماعية والمادية (البنية التحتية) للتحضير للمستقبل.

وهل يجوز ألا تشير الاستراتيجية الوطنية للطاقة إلى أي طموحات ملموسة في مجالي الطاقة الشمسية والانتفاع من الطاقة الحرارية الجوفية، ولو بنسب متواضعة ومشاركة في رفع درجة حرارة الماء المبدئية، وبخاصة في ضوء نتيجة استدلالاتنا في هذه الدراسة الموجزة عن مدى "نظافة" و"استدامة" و"تجدد" الطاقة النووية التقليدية؟