قراءة في قانون الضمان الاجتماعي

د. خالد الشقران

مركز الرأي للدراسات

2/2008

قد يكون من المبشر الإعلان بأن من أهم أهداف قانون الضمان الاجتماعي الجديد ربط الرواتب التقاعدية ورواتب الاعتلال بالتضخم وتطبيق تأمينات جديدة مثل تأمين الامومة والتعطل عن العمل والتأمين الصحي. ومن مزايا القانون الجديد نقطة تحول ايجابية في مواجهة ابرز العناصر التي تخل بالتوازن المالي للمؤسسة وهي التقاعد المبكر وسخاء النظام الحالي، مثلما انه لا يضع شروطا لاستحقاق الانصبة وانه يحقق منافع للمستحقين لتوفير حياة كريمة لهم ،واستحقاق الارملة كامل نصيبها سواء كانت تعمل او لا تعمل او متقاعدة واستحقاق الوالدة نصيبها دون أي شرط واستمرار صرف نصيب الابن لغاية بلوغه سن23 دون اشتراط ان يكون طالبا،

اضافة الى سماح القانون الجديد بشمول اصحاب العمل والعاملين لحسابهم ،ومعالجة الخلل فيما يتعلق باصابات العمل والرواتب التقاعدية ورواتب الاعتلال. علاوة على ان هذ القانون وكما اعلن سينأى بالضمان عن الاقتراب من نقطة التعادل بين الإيرادات والنفقات التأمينية الامر الذي يمكن ان يؤدي فيما لو حصل الى استنزاف العوائد الاستثمارية والأصول إلى أن تتلاشى كليا بحلول عام 2038 ما يعني حرمان الاجيال القادمة من التغطية بمظلة الضمان الاجتماعي، خاصة وان الدراسات الاكتوارية التي اجرتها المؤسسة بينت ان (73%) من المؤمن عليهم يتقاعدون سنويا تقاعدا مبكرا ، وانه في حال استمر الوضع على ما هو عليه فان "الضمان" سيبدأ في العام 2027 بصرف رواتب تقاعدية من اموال المؤسسة.

كل ما سبق ذكره جميل ويبدو انه يصب في مصلحة العاملين والمحافظة على اموال الضمان لكن يؤخذ على الطروحات السابقة انها تميل الى الخطاب العاطفي اكثر منه الى معالجة الاسباب الموضوعية لوصول الضمان الى هذه المرحلة الحرجة، وهنا لن نتحدث عن الاستثمارات المتعثرة منذ تأسيس الضمان الاجتماعي، ولن نبحث في ضرورة احداث تغيير في اساليب الاستثمار المتبعة بأموال الضمان بما يحقق مزيدا من الارباح وعدم الاقتصار على الاستثمارات ذات الربح المنخفض، ولن نبحث عمن هو المسؤول عن وصول الضمان الى هذه المرحلة، لكن نود ان نناقش بعض النقاط المهمة ومنها مقولة ان (73%) من المؤمن عليهم يتقاعدون تقاعد مبكر، فربما يكون هذا الكلام دقيقا لكن لم تشر الدراسات الى ان خوف الناس من ان يطالهم القانون الجديد هو السبب الريئس وليس رغبة الناس بالتقاعد المبكر، ولو عدنا لمرحلة ما قبل الحديث عن تعديل القانون لوجدنا ان نسبة المتقاعدين مبكرا هي اقل بكثير، ولو تم الاعلان عن ان تطبيق القانون الجديد سيكون على المشتركين الجدد من اعتبارا من تاريخ صدور القانون لما اضطر هذا العدد الكبير من العاملين من ذوي الخبرة والكفاءة الى اللجوء للتقاعد المبكر.

واذا كان مشرع القانون الجديد يهدف الى معالجة الاختلال المتعلق بالتقاعد المبكر خاصة فيما يخص تلك الفئة من ذوي الدخل المرتفع واللذين اقدمو على شراء سنوات خدمة بأجور مرتفعة وفقا لقاعدة ان التقاعد المبكر استثمار مربح جدا، فقد كان بإمكان المشرع نفسه ان يعالج هذا الخلل دون ان يضطر لمعاقبة كل الناس بما فيهم المضطرين للتقاعد مبكرا حيث يظهر القانون الجديد على انه يعاقب اكثر من مرة ومع سبق الإصرار والترصد كل من تسول له نفسه او اوضاعه الصحية باللجوء للتقاعد المبكر، فهو لم يكتف برفع سن التقاعد المبكر فحسب وانما رفع ايضا نسبة الخصم على هذا التقاعد، وادخل تعديلا مهما على العلاوة العائلية بأن جعلها مقطوعة ولا تخضع لحسبة النسب الطبيعية، اضافة الى تعديل احتساب الراتب من اخر خمس سنوات الى آخر ثلاث سنوات وهذا بالطبع يضر سلبا بمصلحة المؤمن عليهم بالدرجة الاولى، واقل ما يمكن قوله في هذا المجال ان هذا القانون يلغي حقوقا تمتع العمال الاردنيون بحق إكتسابها عبر سنوات خدمتهم وفقا لهذا النظام، الامر الذي سيكونوا معه مضطرين لتغيير كل خططهم المعيشية أملاً في التخفيف من عبء الأضرار المادية والمعنوية التي ستلحق بهم من جراء تطبيق القانون الجديد.

اما فيما يتعلق بالتأمينات المشار اليها اعلاه كالتأمين الصحي وتأمين البطالة فقد اثبتت التجربة العملية من خلال تطبيق هذه الأنظمة في كثير من دول العالم وعلى رأسها التجربة التونسية والجزائرية عدم جدوى تطبيق مثل هذه التأمينات حيث انها وعلى الاغلب ستشكل عبئاً كبيرا وإضافيا على نظام الضمان الاجتماعي الذي يعاني اصلا من الاختلال وخطر الوصول الى نقطة تعادل الإيرادات مع النفقات، فكيف يمكن لنا الحديث عن تطبيق نظام اثبت عمليا فشله في الدول الأخرى.

بقي ان نقول ان من حق الحكومات ان تنظر في تعديل أي قانون بما يتلائم مع التطورات الحياتية والاقتصادية والسياسية المختلفة وبما يخدم المصالح العليا للوطن، لكن من حقنا كمواطنين على هذه الحكومات ان لا تتعامل معنا كأرقام صماء وان تولي الجوانب الإنسانية والاجتماعية وأعباء العيش التي زادت كلفتها على المواطن مزيدا من الاهتمام أثناء حسابها للأرقام ، خاصة وان جلالة الملك لا زال على الدوام يولي عنايته الملكية السامية الخاصة لمسألة برامج الحماية والأمن الاقتصادي والاجتماعي للمواطن الأردني.