عالم أكثر أمناً واستقراراً

اعداد : د. خالد الشقران

مركز الرأي للدراسات

10/2008

في إطار مسلسل الاعترافات الأمريكية والبريطانية حول فشل السياسة العسكرية الأمريكية والبريطانية في العالم بشكل عام وفي العراق وأفغانستان بشكل خاص تناولت وسائل الإعلام التحذيرات التي أطلقها اكبر قائد عسكري بريطاني في أفغانستان من أن الحرب هناك لا يمكن تحقيق نصر فيها مشددا على ضرورة خفض سقف التوقعات بشأن الوضع في أفغانستان ومؤكدا بالقول " إننا لن ننتصر في هذه الحرب" وداعيا إبداء مزيدا من الاستعداد للتفاوض على صفقة محتملة مع حركة طالبان، في الوقت الذي قال فيه انه لا يرى بأسا من مغادرة قواته أفغانستان!

وفي الوقت ذاته فقد تداولت وسائل الإعلام تصريحات لعدد من القيادات الأمريكية عسكريين ومدنيين حول صعوبة الوضع في العراق وضرورة سحب الجيش الأمريكي بأقل الخسائر الممكنة لأن بقاء هذه القوات في العراق سيعني مزيدا من الاستنزاف لأرواح الجنود وللخزينة الأمريكية.

في خلفية المشهد تزداد حدة ألازمة التي تعصف حاليا بأسواق المال العالمية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص والتي ولدت موجة من الذعر وتهاوي كثير من الأسهم رغم جهود ومحاولات الإنقاذ التي بذلتها الإدارة الأمريكية والتي لم تجد نفعا حتى الآن وعلى ما يبدو انها لن تفلح بحسب الخبراء في التخفيف من حدة ألازمة التي يتوقع في حال استمرارها حدوث انهيارات كبيرة في الأسواق العالمة والأمريكية.

وعلى صعيد متصل كتب أستاذ السياسة والاقتصاد جون غراي في صحيفة الاوبزيرفر البريطانية مقالاً تحت عنوان " لحظة الانكسار في سقوط قوة امريكا" قال فيه ان حقبة الهيمنة الامريكية قد انتهت، مبينا ان الازمة المالية التي تشهدها الولايات المتحدة ستؤدي بالبلاد الى السقوط بذات الطريقة التي سقط فيها الاتحاد السوفييتي مؤكدا ان غليان الاسواق المالية العالمية هو تغيير جيوسياسي تاريخي يعاد فيه تشكيل موازين القوى في العالم دون رجعة ولي مجرد ازمة مالية.

وعليه فإن ثمة تغييرات يتوقع ان تحدث على مستوى توزيع اللعبة على الساحة الدولية فيما يتحدث البعض عن تغييرات جوهرية سيشهدها النظام الدولي في مشهد قد تكون بدايته انحسار بلا رجعة للدور الأمريكي على المستوى العالمي يرافقه صعود نجم قوى أخرى ربما ستكون في المرحلة القادمة اكثر فاعلية وتأثيرا على المسرح الدولي وفي مجرى التفاعلات الدولية بشكل عام، فيما يشير بعض المحللين الأكثر تفاؤلا الى إمكانية ظهور نظام عالمي في أعقاب هذه ألازمة يتسم بتعدد الأقطاب ينهي فترة السيطرة والتحكم الامريكية ونظام القطب الأوحد.

ما يهمنا إن حدث ذلك هو الآثار الناجمة عن الامتداد والتوسع الأمريكي غير المحسوب والذي أسفر عن احتلال العراق وأفغانستان وتورطها في كثير من النقاط الساخنة في العالم، هذا الانتشار الامريكي في مناطق العالم الذي يبين وبإمتياز عدم اجادة صناع القرار الامريكي لقراءة التاريخ واتقان مهارة التعلم من الدروس المستفادة منه، حيث من الطبيعي لكل من يعلم الف باء السياسة ان يعلم تمام العلم بأن تركيز أي حضارة على الانتشار العسكري غير المدروس بشكل دقيق في مناطق العالم والذي سيرافقة بالتأكيد ضعف التركيز على الاهتمام بإدارة الاوضاع الداخلية بشكل جيد سيكون سببا رئيسا في تراجع هذه الحضارة ان لم يكن انحسار قوتها المفضي الى ضعفها وتقوقعها على نفسها ان لم يكن انهيارها.

على ان اهم التساؤلات التي ستبقى معلقة؛ من هو المسؤل عن انهيار نظام الدولة وأحداث الفوضى وتشريد ملايين الناس في كل من العراق وافغانستان؟ ومن سيعوض الشعوب التي تم سرقة معظم مقدراتها وثرواتها بسبب الاحتلال او التدخل الامريكي؟ ومن سيعيد البسمة والامل لأسر مئات الالاف من القتلى بسبب وبدون سبب في هذه المناطق ويخفف معاناتهم جراء فقدان ذويهم؟ ومن سيكون المسؤول عن اعادة التوازن الطبيعي والنظام الى هذه المناطق ووقف الصراع الديني والعرقي الذي كان الوجود الأمريكي مسببه الأول؟ وهل ثمة مجرمي حرب سيتم تقديمهم الى المحاكمة دوليا؟

كان الرئيس الامريكي قد اكد في كثير من تصريحاته ان العالم سيكون اكثر امنا واستقرار بتدمير بنى الدولة وتفكيك المجتمعات في العراق وأفغانستان وغيرها الكثير من مناطق العالم، لكن على ما يبدو ان التغيير يسير بعكس ما خطط له المحافظيين الجدد في الولايات المتحدة، وعليه نأمل ان يكون العالم اكثر امنا واستقرار بفشل مخططات المحافظين الجدد وانتهاء مغامراتهم وغياب نظام القطب الأوحد وظهور بودار أمل لوجود نظام متعدد القطبية.

kshogran@yahoo.com