الحوار الفلسطيني والنفق المظلم

اعداد : يوسف الحوراني

مركز الرأي للدراسات

4/2009

تولي القاهرة اهتماما استثنائيا بالمفاوضات الفلسطينية، وذلك بعد حوالي 21 شهرا من الصراع بين حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تسيطر على قطاع غزة، وحركة التحرر الوطني الفلسطيني فتح التي تبسط نفوذها على الضفة الغربية. وكانت إدارة اوباما والاتحاد الأوروبي قد شجعا القاهرة على التدخل للوصول إلى صيغة حكومة وحدة وطنية ترضى عنها واشنطن والاتحاد الأوروبي.

وكان الطرفان، فتح وحماس، قد خاضا جولات من الحوار في القاهرة إلا أن هذا الحوار لم يفض إلى نتائج إيجابية وبقي يراوح مكانه على حد تعبير رئيس كتلة فتح في المجلس التشريعي عزام الأحمد. وكان المتحدث باسم حماس فوزي برهوم قد أدلى بتصريحات إلى محطة (سي إن إن) بالعربية أعلن فيها أن الحوار اتسم بالايجابية والجدية وذلل كافة العقبات (!!) وتم معالجة العديد من القضايا الشائكة، ولكنه أشار إلى أن هناك قضايا جوهرية تحتاج لمزيد من التشاور حولها ومن بينها برنامج الحكومة المقبلة، نظام الانتخابات، إعادة بناء الأجهزة الأمنية، إضافة إلى المرجعية الوطنية التي تتولى البت في القضايا الوطنية وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وانتخاب مجلس وطني جديد، وهي ذات القضايا التي من أجلها أجرى عمر القيناوي نائب رئيس المخابرات المصرية حوارات مع قادة الفصائل الفلسطينية بهدف تذليل العقبات والوصول إلى حلول بشأنها يقبل بها طرفا الخلاف، والى اجل ذلك سوف يعود الفرقاء للقاء في القاهرة بعد إنهاء القمة العربية في الدوحة أعمالها.

صراع الأضداد

لم يكن الوفاق بين الفريقين قد حدث في يوم من الأيام حتى أثناء وجود الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ذو الجذور الاخوانية ، بل أن الأخير كان حريصا على وضع حماس تحت رقابة مستمرة وانفتاحه في بعض الأوقات عليها كانت لأسباب براغماتية تهدف لاستخدامها كأداة ضغط على الجانب الإسرائيلي وأحيانا العربي بما في ذلك تمويل بعض العمليات الاستشهادية في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ومن المفيد هنا العودة إلى الظروف التي نشأت فيها حركة حماس كحركة للمقاومة الفلسطينية، ففي الخامس عشر من كانون الثاني عام 1987 صدر البيان الأول موقع باسم حركة المقاومة الإسلامية واختصارها حماس ، ولم يكن هذا الفصيل الإسلامي، الذي يعود في جذوره إلى تنظيم الأخوان المسلمين في الوطن العربي وعلى مستوى العالم فقد جاء في المادة الثانية من ميثاق الحركة أن حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين . وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، وتمتاز بالفهم العميق، والتصور الدقيق والشمولية التامة لكل المفاهيم الإسلامية في شتى مجالات الحياة، في التصور والاعتقاد، في السياسة والاقتصاد، في التربية والاجتماع، في القضاء والحكم، في الدعوة والتعليم، في الفن والإعلام، في الغيب والشهادة، وفي باقي مجالات الحياة ، وهو التنظيم المقاوم الوحيد الذي تبنى الأفكار الإسلامية وفي التعبير عن رؤية الإسلاميين السياسية للقضية الفلسطينية فقد سبق حماس تنظيمات أخرى لعل أبرزها حركة الكفاح الإسلامي و المرابطون على أرض الإسراء وأسرة الجهاد عام 1981 ومجموعة الشيخ أحمد ياسين عام 1983. وكان لحادث الاعتداء الذي نفذه سائق شاحنة إسرائيلي في السادس كانون الأول عام 1987، بصدمة سيارة صغيرة يستقلها عمال عرب مما أدى إلى استشهاد أربعة أشخاص من مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين في غزة، الأمر الذي أثار جماهير الشعب الفلسطيني وإعلان الانتفاضة ضد الاحتلال الصهيوني، لتشكل انعطافة في مسيرة نضال الشعب الفلسطيني، لعب فيها التيار الإسلامي دورا هاما.

ظروف الأمة والمد الإسلامي

لقد منحت الظروف الموضوعية التي أحاطت بالقضية الفلسطينية دورا أساسيا في نهوض المد الإسلامي عموما فمن جانب أخفقت كافة التيارات التي تهيمن في الساحة العروبية وبخاصة التيار القومي التي أكدت هزيمة حزيران بأن برنامجه لم يعد قادرا على الصمود أمام القضايا والمشكلات التي تعاني منها المجتمعات العربية وبخاصة موضوع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وللقضية الفلسطينية على وجه الخصوص وتراجع القوى اليسارية ولاسيما بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 ووصول قواته لمشارف بيروت، فقد أخفقت القوى اللبرالية والعلمانية من تحقيق أي إنجاز في مرحلة التحرر الوطني ولم تعد قادرة على وضع الحلول الناجزة لحركة التحرر العربية، ففقدت الجماهير العربية ثقتها بهذه القوى مجتمعة، في وقت كان التيار الإسلامي معاف وغير مجرب ويحظى برعاية رسمية. إلى جانب ذلك فإن الأحداث المزلزلة التي جرت في العالم، سقوط الاتحاد السوفيتي ونتائج حروب الخليج والعدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي العربية (تموز 2006 في لبنان و2008/2009 في غزة)، جعلت قيادات في الحركة الإسلامية ترى أن أحدى الثوابت في السياسة الأمريكية هي إعادة تشكيل ورسم الخارطة السياسية للمنطقة العربية على أنقاض الحركات الإسلامية، وكانت ترى بأن انهيار النظرية الشيوعية بسقوط معقلها وهزيمة الفكر القومي بهزيمة وسقوط العراق وتراجع تأثير التيار العلماني والليبرالي فإن شعار الإسلام هو الحل هو الأقدر والأوحد القادر على إخراج الأمة المأزومة من مآزقها وتوحيدها وجمع صفوفها للدفاع عن حقوقها ومصالحها، وأن الحركة الإسلامية وحدها بمقدورها مواجهة المشروع الأمريكي في المنطقة، بل أن بعض قادة الحركة الإسلامية يرون في الحركات الإسلامية تعبيرا عن طموحات الأمة القومية والاجتماعية وليست مجرد حركة للدعوة الدينية والإيمانية.

تراجع منظمة التحرير الفلسطينية

ورغم الإنجاز الذي تحقق للشعب الفلسطيني في بنائه لكيانه الوطني المتمثل بمنظمة التحرير الفلسطينية التي تعبر عن هويته الوطنية و تصدت للدفاع عنه من خلال برنامجها الاستقلالي والتحرري، إلا أن هذا الإنجاز ما لبث أن تعرض في إطار من الظروف الذاتية ونشوء تنظيمات فلسطينية في إطارها قامت على مركزة واحتكار السلطة واتخاذ القرارات من خلال مجموعات قيادية صغيرة دون الالتفات إلى أهمية بناء المؤسسات والأطر التي تتيح المجال أمام أوسع القواعد الشعبية من ممارسة الديمقراطية والمشاركة في المهام المختلفة التي تفرضها معارك المهام الوطنية والدفاع عن الكيان الفلسطيني واستقلال قراره الوطني، فجذر المشكلة التي عانت وما تزال تعانيها المنظمة هو غياب العلاقات الديمقراطية داخلها وداخل الفصائل الفلسطينية وعلاقتهما مع الشعب الفلسطيني وغياب المؤسسات والأطر التي تمكن من مشاركة الشعب وممثليه وبشكل ديمقراطي في إدارة شؤون المنظمة وفي صياغة القرارات التي تمس مصالحه ونضاله ومصيره وهي أزمة تعكس التباعد المتزايد بين السلطة والمنظمة وبين جماهير الشعب الفلسطيني، الذي سنرى كيف تراجع التأييد الشعبي في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، حيث تعرضت المنظمة وعلى رأسها فتح إلى مجموعة من الهزائم والتراجع في الانتخابات النقابية ومجلس طلبة الجامعات والاتحادات والمعاهد والكليات قبل أن تخوض الانتخابات التشريعية أفقدتها العديد من مواقعها ومعاقلها لصالح حركة المقاومة الإسلامية حماس.

أدى خروج منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية من لبنان عام 1982 وتداعيات تلك المرحلة بما في ذلك الاعتراف بإسرائيل والقرارات الدولية ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي والاعتراف الرسمي بإسرائيل بعد نهاية المفاوضات التي أسفرت عن اتفاقية أوسلو قبل مراسم التوقيع على الاتفاقية، والتي تضمنتها رسالة الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى إسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل، بتاريخ 9 أيلول 1993، وجاء فيها أن منظمة التحرير الفلسطينية تعترف بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن. وتوافق على القرارين 242 و 338 لمجلس الأمن الدولي إلى تراجع دور المنظمة ومشروعها في مواجهة المشروع الصهيوني وأهدافه وتطوراته إلى موقع البحث عن حلول وتوفير الظروف العربية والدولية للقبول بالبرنامج المرحلي والنقاط العشر.

إن غياب دور منظمة التحرير كمرجعية أساسية للسلطة الوطنية جعل منها هياكل فارغة و دون فاعلية، فقدت بوصلتها وتراكمت الأخطاء حتى عشش فيها الفساد الإداري والمالي والأخلاقي والاجتماعي وأصبح سمة من سماتها. الأمر الذي جعل من حركة المقاومة الإسلامية المحصنة بقرار مقاومة الاحتلال وبالعمليات الاستشهادية تقلب الموازين وتصبح بديلا جاهزا تتمتع برصيد شعبي كبير في أوساط الشعب الفلسطيني والشارع العربي المسلم.

حماس والصراع على القوة المركزية

في عام 1991 أعلنت حماس عن تشكيل ذراعها العسكري (كتائب الشهيد عز الدين القسام) والتي كان يطلق عليها (مجاهدو فلسطين) أو)المجاهدون) رغم أنها، عمليا، باشرت نشاطها المسلح منذ ما قبل الإعلان عن انطلاقتها حينما كانت تمارس نشاطها تحت أسم مجموعة الشيخ أحمد ياسين، بعمليات عسكرية وخاصة في العمق الإسرائيلي.

على أن حماس وبقدراتها البراغماتية تركت المجال أمامها لتعديل أو تغيير أجندتها وفق الظروف الموضوعية العربية والدولية وهو ما يمكن ملاحظته في الانتخابات التشريعية باستخدامها شعارات إصلاحية ولم تنف قبولها بدولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 وبقدس شرقية عاصمة لهذه الدولة حينما وضعت ذلك شرطا لهدنة طويلة الأجل مع إسرائيل وهو ما يشير على تحول، ولو تكتيكي، في الخطاب الحمساوي بهدف انتزاع تنازلات إسرائيلية.

إن فكرة بناء دولة أو نظام سياسي بناءا على تصورات وبرنامج حماس كتنظيم مقاوم إسلامي سوف يشكل عقبة كبيرة أمام أية شراكة مع الفصائل الأخرى لعمق الاختلاف والخلاف في الرؤية المستقبلية وفي المرجعيات المتناقضة والمتعارضة، ناهيك على أن الصراع بين الفريقين، كما تطور أخيرا بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية إذا ما استبعدنا الجانب السياسي، هو في الصراع على تحديد القوة المركزية الفلسطينية لقيادة الشعب الفلسطيني.

لقد كان من الواضح، مع ازدياد نفوذ حماس، أن الأوضاع تسير باتجاه تغيرات في ميزان القوى، وأن ذلك سيفضي إلى صراع بسبب غياب قوة مركزية واحدة تكون قادرة على قيادة السلطة، وفي ظل تنافر البرامج السياسية سيؤدي إلى تهديد وحدة الشعب الفلسطيني وتمزيقه وعزله عن بعضه والى انتشار الفوضى والعنف، وهو ما كانت تدركه إسرائيل وتمسك بورقة العلاقات الداخلية المتوترة و تراقب ما يجري، وحاولت بخروجها من غزة أن تغذي الصراعات بين الأطراف الفلسطينية المتنازعة ومن وجهة نظرها يجب أن لا تسيطر أي قوة على مركز القرار فتوازن القوى المتصارعة ضروري لخدمة تكتيكاتها في التفاوض مع الطرف الفلسطيني وابتزاز المفاوض باللعب على الخلافات فهي حريصة على وضعه في الزاوية لإجباره على تقديم التنازلات.

الوضع الذي نشأ بعد فوز حماس بالأغلبية في المجلس التشريعي وتشكيل حكومة فلسطينية برئاسة إسماعيل هنية، أدى إلى النتائج التي ذهبنا إليها، فحمل، هذا الفوز، نذر تحولات على الأرض تؤسس لصراعات كامنة تحت الرماد متعددة الجوانب لدى الأطراف الفلسطينية، في مجتمع يمزقه الاحتلال ويفتك به يوميا، وتناقض البرامج السياسية بين المركزين جعل الأمور تسير نحو المزيد من الفوضى والتردي.

إسرائيل واللعب على التناقضات الفلسطينية

إن الاحتلال يدرك ذلك بوضوح ويسعى إلى تأجيجه وتوسيع الهوة، فمن المصلحة الإسرائيلية، كما أشرنا، اللعب على التناقضات وخلق توازن في الصراع الفلسطيني الداخلي. وفي كل الأحوال لا تريد التفاوض مع أي طرف فلسطيني وتنكر وجود شريك من أجل مزيد من الابتزاز وإظهار الأطراف الفلسطينية أنها غير مؤهلة للتحدث باسم الشعب الفلسطيني وبالتالي لا بد لإسرائيل أن تمضي بالحل الأحادي الذي يؤمن لشعبها الأمن والسلام.

إن الاحتراب والتآكل الداخلي والصراع الدائر بين فتح وحماس ودخول منظمة التحرير الفلسطينية على الخط هو إضعاف لكافة الأطراف وعامل قوة تحاول إسرائيل توظيفها لإضعاف الجانب الفلسطيني لفرض شروطها، وأكثر من ذلك فإن تأجيج التناقضات ليست مجرد رهان إسرائيلي بل هو، أيضا، رهان عربي وأمريكي، على الصراع بين الأطراف الفلسطينية وجعل وجود حماس عبئا على الشعب الفلسطيني وليس على الاحتلال، ولذا ينبغي التوقف عند هذه الظواهر الخطيرة التي تطال مضارها ليس أطراف الصراع وإنما الشعب الفلسطيني برمته.

إن زيادة حدة التوتر بين الأطراف الفلسطينية لن تساعد الشعب الفلسطيني على الخروج من الأزمات التي تعصف به وعليها، أي هذه الأطراف، أن تدرك بأن الحوار والاتفاق الوطني يتطلب منها فتح كل الملفات الثقيلة والشائكة، وهي ملفات معقدة وصعبة، والدخول بالعمق والتفاصيل، في حوار استراتجي وتفكيك الأزمات بهدف الوصول إلى صيغ وحلول مقبولة للشعب الفلسطيني وقواه السياسية والوصول إلى حكومة وفاق وطني وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وفي إطارها حماس والجهاد الإسلامي وتشكيل هيئاتها القيادية على أسس ديمقراطية وضمن برنامج سياسي يستظل بالشرعية الدولية والثوابت الوطنية الفلسطينية. وعلى حماس التعامل مع العالم كممثل للشعب الفلسطيني سواء من خلال واقعها كأغلبية تشريعية، أو من خلال منظمة التحرير الممثل الفعلي الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني على المستوى الأممي، وهي ملزمة أيضا بإنعاش مسلسل السلام العادل والشامل كما تتوق إليه شعوب المنطقة والعالم، وستجد نفسها أمام ضغط دولي كبير ينبغي توفر قدرة هائلة من الدبلوماسية والمناورة من أجل تدبيره وتحويله إلى طاقة عمل لصالح الشعب الفلسطيني، مثلما هي حريصة على توفير وضع اجتماعي واقتصادي بديل وملائم لتطلعاته واحتياجاته. وبدون ذلك سيكون الوضع مرشحا لاستمرار التوتر وربما الانفجار ومزيدا من الفرقة والصراعات يفقد فيها الشعب الفلسطيني قضيته والاهتمام الذي أبداه العالم أثناء الحرب على غزة، وأصبحت فيه وحدته الجغرافية والسياسية والاقتصادية والثقافية مهددةً بالتفكك والتشرذم والانقسامٍ وفقدانه لدولته المستقلة وانهيار لمشروعه الوطني.

السلطة الفلسطينية ووهم المفاوضات

إن الأسباب التي دفعت حماس للحسم عسكري في قطاع غزة لا يبرر لها فصله عن الضفة، والنتائج التي أسفرت عنها لن تكون في مصلحة مستقبل القضية الفلسطينية، فكما تحاول حماس حماية النتائج الديمقراطية التي أوصلتها لأغلبية المجلس التشريعي عليها كذلك احترام الأسس القانونية والديمقراطية للسلطة الفلسطينية ورئاستها رغم كل الملاحظات على أداء السلطة ورجالاتها وسير المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي.

وفي هذا السياق لا نبالغ في القول أن ما تواجهه القوى والفصائل الفلسطينية والشعب الفلسطيني من خيارات صعبة، لا تقل خطورة عن تلك التي واجهها الشعب الفلسطيني وقيادته الوطنية عام 1948، بل هي ربما أشد خطورة وأكثر تعقيدا، وذلك بسبب من طبيعة الحلول الأمريكية ونوعية الخيار الذي تطرحه على السلطة الفلسطينية. ومن الواضح أن صعوبة الاستحقاقات المطلوبة فلسطينيا وعربيا تنبع من الخلل الفادح في موازين القوى الدولية والعربية لصالح المعسكر الأمريكي الإسرائيلي. على أنه يجب أن يكون جليا أن التباعد في الرؤية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تشكل عاملا من عوامل التوتر والاحتراب الداخلي، ما بين تيار يرى في المفاوضات هى الأساس في الاشتباك مع العدو وينبغي الانخراط في العملية السلمية للتخلص من الاحتلال وانتزاع الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة ولا ترى في الكفاح المسلح جدوى وأنه عبارة عن ممارسة عبثية لا تقبل به دول القرار، في مقابل تيار آخر (حماس)، التي ترى في المفاوضات إضاعة للوقت وهو العبث بعينه وأن انخراط السلطة فيها قبول للشروط الإسرائيلية والأمريكية والاستسلام والضلوع في المؤامرة، وكلا الموقفين على طرفي تناقض ناهيك عن رفضها الاعتراف بدولة إسرائيل وقرارات اللجنة الرباعية وكافة الاتفاقيات التي نشأت عن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية والتعهدات الفلسطينية، في حين أن باقي الفصائل الفلسطينية المعارضة للمفاوضات والتي تعتبر المشاركة في العملية السلمية نابع من الوهم بإنهاء الاحتلال عبر هذا الأسلوب وأنه يأتي في إطار التجريب والبراغماتية دون الموافقة على موقف حماس الذي يشطح نحو اتهام السلطة الضلوع في المؤامرة.

وإذا كنا لسنا بصدد مناقشة الخيارات السياسية، فالواضح أن أي قرار بشأنها يتطلب عقد المزيد من اللقاءات المكثفة والجادة بين قادة القوى والفصائل الفلسطينية دون الحاجة للتمترس خلف مواقف مختبرة وثبت عدم فاعليتها وجدواها، والحوار الفلسطيني قد يكون فرصة ثمينة للانطلاق نحو تعزيز وتعميق الوحدة الفلسطينية بين كافة القوى وكل الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه وطبقاته الاجتماعية، والدعوة لانطلاقة جديدة في مجال دمقرطة الأوضاع الفلسطينية وفي العلاقات بين القوى من خلال إعادة صياغة العلاقات السائدة التي لم تعد قادرة على استيعاب حجم ونوع التطورات الكبيرة التي طرأت على بنية وواقع المجتمع الفلسطيني وعلى بنية القوى الفلسطينية، ولا شك أن إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني فرصة لمعالجة تركيبته المجلس وإصلاحها بما ينعكس إيجابا على العلاقات الوطنية الفلسطينية بمختلف مستوياتها وتشكيلاتها لجهة استيعاب كل هذه التطورات وتطوير علاقات القوى الفلسطينية وأن يكون معبرا بشكل ديمقراطي عن إرادة الشعب الفلسطيني. ورغم أن الخلافات السياسية أمر مشروع وطبيعي وكسب تأييد الشعب الفلسطيني لهذا الجانب أو ذاك هو في صلب العملية الديمقراطية، إلا أن الانتصار إلى أي من البرنامجين هو في الاحتكام إلى الشعب بكافة فئاته وتلاوينه وقبول الأطراف جميعا بالنتائج التي يقرها الشعب الفلسطيني.

مركز الرأي للدراسات