العراق العربي: من وطأة الاحتلال الى خطر التغريب

اعداد : د. خالد الشقران

مركز الرأي للدراسات

7/2009

غادرت قوات الاحتلال الأميركية مدن وبلدات العراق في خطوة سبقت اعادة تمركز هذه القوات في قواعد محصنة خارج المدن العراقية، ورغم تأكيد المسؤولين الامريكيين بأن هذا الانسحاب يشكل خطوة كبرى في طريق الانسحاب الكامل وانتهاء الحرب، الا ان الامر على ما يبدو ربما لن يكون كذلك على الاقل في المستقبل المنظور، فشكليا يمكن التسليم بحقيقة خروج قوات الاحتلال الامريكي من المدن والقرى العراقية لكن عمليا لا زالت هناك قواعد حصينة لجيش الاحتلال الامريكي في مختلف مناطق العراق من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه، وهذا الواقع انما يطرح مجموعة من التساؤلات المتعلقة بطبيعة هذا الانسحاب والنتائج التي يمكن ان تترتب عليه مستقبلا ومن اهمها؛ الى أي مدى يمكن ان يشكل هذا الانسحاب عمليا استعادة العراق لسيادته الوطنية المستقلة؟ وهل يمكن ان تكون عملية الانسحاب هذه مقدمة لفراغ امني قد يعاني منه العراق لسنوات طوال؟ وما هي احتمالات حدوث احلال لقوى اخرى خارجية لملء هذا الفراغ؟ وكيف يمكن للشعب العراقي وحكومته التصدي لهذه القوى الخارجية للحيلولة دون سيطرتها بشكل مباشر او غير مباشر على الحياة السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية والدينية وكذلك فرض هيمنتها على القوى والتيارات المختلفة داخل العراق؟ وهل سيستمر العرب بتقمص دور المتفرج وكأن " العرس عند جيرانهم" مع الاكتفاء بإطلاق التصريحات والخطابات المتعلقة بالحفاظ على سيادة العراق وسلامة اراضيه؟

وفي الوقت الذي اعلن فيه بعض المسؤولين العراقيين عن وجود خطط متكاملة لحفظ الامن في البلاد ووصف اخرون البند المتعلق بحق الحكومة العراقية في طلب تدخل قوات الاحتلال الأميركية بأنه "بند شكلي لا أهمية له"، في حين قال مسؤول إن زمن الإرهاب ولى ولن يستطيع الإرهابيين أن يهاجموا ولو مخفرا واحدا حتى وإن كان في المناطق النائية كما كانوا يفعلون سابقا" الا ان الواقع على الارض قد يشير الى خلاف ذلك حيث ثمة تحديات كبرى يمكن ان تتسبب في المزيد من الازمات للشعب والحكومة العراقية من اهمها الخطر الايراني وشبح التقسيم الذي يطالب به الاكراد في الشمال.

فمن جانبها لن تنتظر ايران طويلا امام المغريات التي يتيحها لها واقع العراق سواء من حيث اثبات قوتها وسيطرتها التي ترغب ان تكون واضحة للعيان - وخاصة الولايات المتحدة والدول الغربية واسرائيل- مع السعي الايراني المتواصل لجعل ارض العراق ساحة لمعركتها مع الغرب والتي تستطيع من خلالها اثارة القلق وخلق ازمات تساعد في تحويل الانظار عن اوضاعها الداخلية ومسألة ملفها النووي، وذلك لاجبار الغرب على القبول بوجودها كقوة اقليمية لا يمكن تجاوزها بل وحتى يمكن الاعتماد عليها كشرطي اضافي للغرب لتنظيم حركة التفاعلات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية في المنطقة، وبالطبع يمكن الاعتماد على هذا الشرطي في حال الضرورة ليقوم نيابة عن الغرب بتأديب كل عربي يمكن ان تسول له نفسه معارضة مشاريع الهيمنة الغربية على المنطقة.

وفي حين رحبت جامعة الدول العربية بإعادة انتشار وانسحاب القوات الأميركية من المدن العراقية، مشيرة الى ان هذه الخطوة تمثل مكسب عراقي وخطوة هامة نحو استعادة العراق لسيادته الوطنية الكاملة على أراضيه" فقد التزمت بقية الدول العربية وكعادتها الصمت حيال هذا الموضوع، وهنا مكمن الخطورة في المسألة اذ ان الدول العربية باتت مطالبة بموقف اكثر وضوحا وجرأة فيما يتعلق بكل ملفات المسألة العراقية، اذ ليس في مصلحة العرب ولا العراق ان يترك الشعب العراقي لتتخبطه القوى الدولية والاقليمية نحو مستقبل يمكن ان يجير لمصلحة أي كان الا العرب والعراق.

وعليه يمكن القول ان على العرب اعادة حساباتهم وبشكل جاد لايجاد الصيغ المناسبة لتفعيل علاقاتهم مع العراق والتأثير بشكل ايجابي في مجرى العمليات المجتمعية والسياسية في داخله، وعدم ترك الساحة العراقية للاخرين ليعيثوا فيها فسادا، مع تجاوز النظرة الطائفية الى توثيق الصلات القومية لا سيما وان معظم العشائر العربية على اختلاف مذاهبها تتطلع بكل اهتمام لمبادرات وجهود عربية مخلصة تحفظ وحدة العراق وعروبته وتساعده على استعادة مكانته وبفاعلية بين الأسرة العربية الواحدة، وبخلاف ذلك ستبقى عاصمة الرشيد ورقة في مهب رياح المصالح الاقليمية والدولية والتي يمكن ان تحولها لا قدر الله الى عضو غريب آخر في جسم المنطقة العربية.

kshogran@yahoo.com