من جامعة القاهرة إلى جامعة بار ايلان

اعداد : يوسف الحوراني

مركز الرأي للدراسات

7/2009

تقف السلطة الفلسطينية، وحكومة إسماعيل هنية أمام مرحلة جديدة وهي تواجه مشروع نتنياهو والموقف الأمريكي والأوروبي من هذا المشروع، ولا نتحرج بالقول بأن هذه المرحلة منعطف حاد يضع القضية الفلسطينية ومستقبل الشعب الفلسطيني في معركة سياسية أشد وأصعب سوف تحدد نتائجها مستقبل المنطقة العربية برمتها وعلى الرغم من النقاشات حول تقييم الوضع الفلسطيني بخاصة والعربي عموما وتحديد حجم المخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية إلا أن الاستخلاص الذي يمكن التوصل إليه أن السياسات التي انتهجتها السلطة الفلسطينية والإطار العربي المحيط بها ما زالت مفاهيمها وأساليبها وطرق التعاطي معها تعكس نتائجها على المرحلة الراهنة وعلى السلوك الإسرائيلي.

إن التحرك الأمريكي الذي بدأ مع تصريحات اوباما أثناء حملته الانتخابية وانتهاء باعتباره خطاب نتنياهو في جامعة بار ايلان خطوة مهمة مرورا بخطابه في جامعة القاهرة يطرح سؤالا مهما: هل واشنطن جادة في التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية؟ ولو أخذتنا حسن النوايا إلى أنها كذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه، هل إسرائيل مستعدة، بل من باب أولى هل العرب مستعدون؟.

قبل الإجابة، لا بد من التوقف أمام الظروف والسياق الذي أتى فيه هذا التحرك للتعرف على خلفيتها، وعلينا أن نتذكر أن جهودا أمريكية كانت قد بدأت منذ مؤتمر مدريد وما قبله لإيجاد حل ولكن كل المحاولات وصلت إلى طريق مسدود، وعلينا أن نتذكر كيف كان عليه الموقف الإسرائيلي حينما تقدم جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكية في عهد جورج بوش الأب أثناء جولاته في المنطقة بخطته ذات النقاط الخمس للوصول إلى تسوية، حيث قوبلت هذه الخطة بالتعنت والرفض فما كان من الأمريكان إلا أن استداروا دورة كاملة إلى الخلف ووضع الملف الفلسطيني في الثلاجة، وكذلك حدث في المحادثات التي جرت في اوسلو وفي واي ريفر وواي بلانتيشن وطابا وكامب ديفيد لتنتهي جميعا إلى نفس المصير وتحميل منظمة التحرير (عرفات) مسؤولية الإخفاق، وهكذا فعلوا برؤية بوش الابن (الدولتين) وخارطة الطريق وأنابولس والرباعية وإدارة الظهر للمبادرة العربية كإطار للتسوية، وناهيك، طبعا، عن مبدأ الأرض مقابل السلام.

لقد أثار خطاب اوباما في جامعة القاهرة (4 حزيران 2009) الكثير من الجدل بين من يرى فيه ضوءا في نهاية النفق، ومن يعتقد أنه مجرد كلام عام جاء في إطار العلاقات العامة، وإذا كان الأمر كذلك بماذا يمكن تفسير الموقف الأمريكي الأخير؟ لقد شعر الأمريكان أن مشروع الحرب على الإرهاب، وبالرغم من كل الحشد المادي والعسكري والأممي، لم يحقق النتائج التي كان تسعى إليها واشنطن والدوائر الغربية بل حصدت هذه الجهات الإخفاق والتورط في حروب ألحقت أضرار بالغة عكست بظلالها الثقيلة على الاقتصاديات الرأسمالية في العالم وجنت سياسات الولايات المتحدة كراهية المنطقة وفقدانها الثقة لدى شعوبها، كما أنها أخفقت في مشروعها الشرق الأوسط الكبير والجديد وفشلت بإخضاع المنطقة إلى هيمنتها ونفوذها، فحصدت الخيبة في حربها على العراق وأفغانستان وإنهاك قوتها العسكرية نتيجة التوسع المفرط في استخدام سياسة الحرب على الإرهاب، وتعززت هزائمها بما ألحقته المقاومة اللبنانية من هزيمة عسكرية وأخلاقية بالحليف الإسرائيلي وكذلك فعلت غزة، كما فشلت الإدارة الأمريكية ومعها كل الحلفاء في أوروبا والعالم من إجبار إيران على التراجع عن برنامجها النووي، وفشلت الدول الست (أمريكا، فرنسا، ألمانيا، روسيا، الصين، انجلترا) من الضغط على بيونغ يانغ لوقف نشاطاتها النووية، بل أن الأخيرة أدارت ظهرها وأجرت تجربتين نوويتين وقامت بإطلاق صواريخ بالستية تحمل رؤوسا نووية الأمر الذي بدت فيه القوى الأكبر في العالم منهكة وغير قادرة على الإمساك بكل الملفات العالقة والسعي لحلها.

وإذا ما أخذنا بالاعتبار المشاكل الداخلية من تضخم وارتفاع معدلات البطالة ومشكلات التأمين الصحي، يجد اوباما نفسه أمام ملفات شائكة ومعقدة ومهمات صعبة تحتاج إلى مراجعات وقراءات عميقة وعقل متزن ومتوازن لمواجهتها والتعامل معها والتخلص من الإرث البوشي الذي عمل على زيادة التوتر والاحتقان لدى شعوب المنطقة. واباما، الذي يدرك أن جزءا كبيرا من مشاكل المنطقة يكمن في استمرار الاحتلال الإسرائيلي، بادر إلى مخاطبة العالمين العربي والإسلامي بلغة وعظية وإنشائية في محاولة لتخفيف من بشاعة الصورة الأمريكية في ذهن العرب والمسلمين، وكان اوباما أكد في الخطاب سعيه إلى إرساء علاقة جديدة بين بلاده والعالم الإسلامي من خلال تجاوز الخلافات التي سببت عقودا من التوتر بين الطرفين، ومؤكدا أن ما يجمع بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة أكبر كثيرا من القوى التي تحاول أن تفصل وتباعد بينهما، داعيا إلى توفير أرضية مشتركة بين بلاده والعالمين العربي والإسلامي.

وعلى الرغم من أن إسرائيل سعت لتغيير أولويات الرئيس الأمريكي بتوجيهه نحو الخطر الإيراني وتحريضه على توجيه ضربة قاصمة لإيران في محاولة للانحراف به عن أي التزامات أو تعهدات تجاه القضية الفلسطينية، إلا أن اوباما كان يرى أن حل الخلاف مع إيران، التي تملك الكثير من الأوراق والتي زاد نفوذها وقوتها في المنطقة وأصبحت تشكل تهديدا واقعيا وموضوعيا للمصالح الأمريكية ولأمن إسرائيل في ظل ضعف عربي وغياب أي إستراتجية عربية قادرة على التعاطي مع الواقع الراهن والأزمات التي تغرق فيها المنطقة، هو المفتاح نحو إنقاذ النفوذ والمصالح الأمريكية وتدشين مرحلة جديدة في العلاقات بين الأطراف المعنية.

من جانب آخر تجد واشنطن نفسها ملزمة بالبحث عن إيجاد حل لضمان سيطرتها على المنطقة على الدوام ولذلك لا بد لها من استرضاء حلفائها من العرب والتخفيف من الحرج المتورطين فيه جرّاء الصلف والتعنت والغطرسة والعجرفة الإسرائيلية بإظهار اهتمامها بحل القضية الفلسطينية ولو عن طريق العلاقات العامة والدخول في لعبة كسب الوقت مستفيدة من الأوضاع الفلسطينية المتردية وضعف السلطة الفلسطينية والنظام العربي بتمرير الحل الإسرائيلي الذي عبر عنه نتنياهو في خطابه الأخير، ومن هنا يتبين مدى جدية واشنطن في الوصول إلى حلّ، وكون الإدارة الأمريكية معنية في تحسين صورتها في المنطقة ولا يمنعها ذلك من تمرير نسخة مشوهة عن اتفاقية كامب ديفيد 1979.

اوباما يحاول انتهاج أسلوب جديد يجمع عناصر من السياسة التي اتبعها أسلافه لذا يبدي حذرا بحيث لا يعد بشيء أكثر مما يستطيع تقديمه وبما تسمح به عناصر وقوى الضغط الصهيونية والمحافظون به، وفي ذات الوقت يحافظ على الضغط على الأطراف كي يقدموا ما يستطيعونه،(للتذكير : أعلن ديفيد ليفي وزير خارجية إسرائيل في حكومة شامير عام 1991 عن اتفاق أمريكي إسرائيلي حول رفض إقامة دولة فلسطينية كهدف نهائي للمفاوضات وعدم التوقيع على أية اتفاقيات لا توافق عليها إسرائيل. وكانت الإدارة الأمريكية قد أبلغت محاوريها من العرب أثناء التحضير لمؤتمر مدريد، بأنها في حال عدم تجاوب الإسرائيليين مع الحل الأمريكي المقترح، لن تصدر بيان إدانة لإسرائيل ولن تحملها مسؤولية الفشل، كما أنها لن تلجأ إلى مجلس الأمن لاستصدار قرارات ضدها). كما أشار، أي اوباما، في خطابه إن مبادرة السلام العربية ليست نهاية مسؤوليات العرب ويجب عليهم أن يفعلوا المزيد (أي تقديم المزيد من التنازلات)، وربما من السابق لأوانه الحكم على قدرته على النجاح فلا زال التحرك الأمريكي في العهد الجديد في نقطة البداية وأمامها مشوار قد يبدو طويلا ومعقدا، وخاصة بعد خطاب نتنياهو في جامعة بار ايلان، قبل الوصول إلى النتائج والآمال التي يتوخاها بعض العرب، هذا إذا استطاع أصلا الوصول إلى شيء، والأمر المؤكد أن هذا الأسلوب يبدو خطرا لأنه ليس في وسعه الذهاب أبعد مما تقرره الحكومة والأغلبية اليمينية في الكنيست من أهداف، لذا لم يقدم، اوباما، في خطابه مبادرات أو مبادرة واضحة ومحددة لها إطار زمني (كما فعل في قضية غيران النووية). وحتى تتضح الصورة أكثر وينجلي الغموض سارع اوباما باعتبار خطاب نتنياهو الأخير في جامعة بار ايلان خطوة مهمة إلى الأمام في وقت أعلنت فيه الحكومة الإسرائيلية، ردا على دعوة اوباما بوقف الاستيطان بناء وتوسعا، عن برنامجها الاستيطاني ببناء 5800 وحدة سكنية في مدينة القدس ومصادرة المزيد من الأراضي وطرد مجموعات كبيرة من سكانها، كما أن وزير الحرب الإسرائيلي ايهودا باراك صادق على بناء 300 بيت استيطاني في مستوطنة تالوم في منطقة رام الله بالقرب من مقر السلطة الفلسطينية، إن تصريح رئيس الولايات المتحدة بشأن الترحيب بخطاب نتنياهو لا يعكس اللغة والتوجه الذي حاوله في جامعة القاهرة، ذلك أن خطاب نتنياهو لا ينطوي على أفق يدعو للتفاؤل أو أي تغير في السياسة الإسرائيلية القائمة على العدوانية والتوسع، وأن الإغراء بلفظة الدولتين لا يجب أن يأخذنا إلى أوهام أغرقنا فيها لعشرات السنوات وآلاف الساعات من المفاوضات العبثية، فقد حدد رئيس وزراء إسرائيل حجر الأساس لسياسة إسرائيل كما عبر عن ذلك آري شبيط في صحيفة هآرتس، دولة يهودية خالصة أي دولة عنصرية.

ولمزيد من الوضوح في الصورة أكثر لا بد من متابعة ما أسفرت عنه جولات المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط السيناتور السابق جورج ميتشل، فعلى الرغم من الموقف الأمريكي المعلن بممارسة الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف الاستيطان إلا أن نتائج الجولة الأخيرة لميتشل وتصريحه حول تخفيف واشنطن من حدة موقفها حول موضوع الاستيطان بأنه غير دقيق؟! يؤكد الأوهام التي أصابت بعض العرب بأن مواجهة وشيكة أو وقعت بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل وأن الزعماء العرب لا يتعظون بتجارب الماضي أو أنهم لا يقرأون التاريخ حتى القريب منه وهذا يذكرنا بنفس المشهد والسيناريو الذي حدث خلال جولات جيمس بيكر لإقناع إسرائيل بمبدأ الأرض مقابل السلام ووقف الاستيطان أو تجميده لمرحلة المفاوضات القادمة (مدريد)، حيث فشل بيكر، بإقناع شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي، في ذلك الوقت، بذلك وأتفق الطرفان على أن تواصل إسرائيل سياستها الاستيطانية مقابل مواصلة واشنطن انتقادها لهذه السياسة!.

والسؤال الذي يلّح : إذا كانت هذه بداية التحرك الأمريكي فكيف ستكون عليه النهاية؟ وكيف يمكن لأي زعيم عربي أن يتوهم أن تغييرا جوهريا طرأ في الموقف الأمريكي؟.

من المؤكد أن أقصى ما يمكن أن تذهب إليه إسرائيل هو ما جاء في خطاب نتنياهو في جامعة بار ايلان الذي تجاهل فيه مبادرة السلام العربية وخارطة الطريق، وأكد على أن جميع قضايا الوضع النهائي ليست موضع بحث، وشدد على أن القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، ودعا لحل قضية اللاجئين خارج حدود هذه الدولة، والمضي في بناء وتوسيع المستوطنات الصهيونية، وفي تصريح له خارج الخطاب أعلن، نتنياهو، أن أية مفاوضات يمكن أن تجري مع سوريا لابد وأن تبدأ من نقطة الصفر، وأن أي تحرك أمريكي لا ينسجم مع مصالحها ولا تسير في الاتجاه الذي تريده سوف تعمل على تعطيله ووضع العراقيل أمامه وتحاول في نفس الوقت أن تفرض حقائق جديدة إضافية على الأرض وفي مقدمتها مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات القائمة وبناء مستوطنات أخرى.

إن ما يجري الترويج له الاعتراف بدولة فلسطينية!؟ أنه أول الغيث (لا ندري ضمن أي معايير يمكن أن يطلق عليها دولة!!؟) وما يلبث مسلسل التنازلات الإسرائيلية أن يتدحرج ككرة الثلج!، وأن لاءات نتنياهو فتوح كلام وهي مجرد محاولة لوضع شروط أو سقوف قاسية للتفاوض، هذا تضليل ووهم وأن الحل لن يتجاوز الشروط و الخطة التي وضعها رئيس وزراء إسرائيل أو كما تراه الدولة الصهيونية، (كان جيمس بيكر يقول للفلسطينيين المطلوب كسب ثقة الإسرائيليين وجذبهم للمفاوضات وبعد ذلك يمكن إنتزاع تنازلات إسرائيلية خطوة خطوة)، ويعلق الكاتب الإسرائيلي ناحوم برنيع في صحيفة يديعوت على هذا الموضوع بالقول بإمكانه، أي نتنياهو، قول عبارة الدولة الفلسطينية والبقاء حي يرزق : السماء لن تسقط والدولة الفلسطينية لن تقوم وفي ذلك تعبير واقعي عن النوايا الحقيقة التي تهدف إلى شراء الوقت في مواجهة الضغوط الأمريكية والالتفاف على الموقف الأمريكي من موضوع الاستيطان ويقول برنيع حول خطاب نتنياهو .. فقد اصطاد نتنياهو ثلاثة عصافير بطلقة واحدة، حصل على ثناء البيت الأبيض وإجماع إٍسرائيلي نادر من تسيبي ليفيني البيت اليهودي وكذلك أقنع أغلبية أعضاء الليكود بأن شيئا لن يحدث وإنما فقط غمزة خفيفة شقية للأمريكيين وعبارة عن خدعة في مجال العلاقات العامة، وهو ما يؤكد أن الحكومة اليمنية، وعلى أي حال كافة الحكومات والقوى السياسية الإسرائيلية، تحاول الهروب من استحقاقات العملية السلمية وتحقيق مكاسب، لذا تضع شروطا مسبقة على أي تقدم في المفاوضات المنشودة مع ضمان النتائج التي تسعى نحوها، وتوظيف الحراك الأمريكي لتحقيق هذه النتائج وإنجاز مصالحات وتطبيع العلاقات مع الدول العربية والإسلامية دون تقديم تنازلات أو أي انسحابات من الأراضي العربية المحتلة وتحاول فرض رؤيتها القائمة على أساس الاحتفاظ بالأرض وفرض سيادتها عليها، ورفض أية مبادرات للسلام.

قد يقود هذا الكلام إلى الاتهام ببث نظرة تشاؤمية تبرر حالة الخوف والفزع التي تعيشها بعض الأوساط العربية والفلسطينية، والتي تتمسك بالانخراط في المساعي الأمريكية والسعي من أجل تحسين شروطه ومساره وهو ما يعبر عن حالة العجز في اتخاذ المبادرات والاشتباك مع مشروع اليمين الإسرائيلي المتطرف والتوقف عن الانقياد خلف المواقف العدمية التي تدعو للتمترس خلف الحقوق والمبادئ والشرعية الدولية دون اتخاذ خطوات عمليه لحماية هذه الحقوق وخوض المعارك السياسية بكل أبعادها وأشكالها ومتطلباتها وإعلان الطلاق البائن بينونة كبرى مع الحالة العبثية التي يعيشها الواقع العربي الرسمي والشعبي والإدراك بأننا نعيش وضعا صعبا تمسك فيه إسرائيل بزمام أوراق وخيوط اللعبة. وهنا يجب الإقرار بأن الكرة في الملعبين العربي والفلسطيني وعدم التستر وراء السياسة الأمريكية الجديدة في المنطقة والعودة إلى السياسة الإنتظارية وترقب ما سوف يسفر عنه الحراك الأمريكي!.

على العرب، الذين يفضلون الانتظار لما ستفضي إليه المواجهة بين واشنطن وتل أبيب، أن يبادروا إلى اتخاذ مواقف جدية لمواجهة برنامج اليمين الصهيوني المتطرف وأن يصحوا من الصدمة التي أوقعهم بها خطاب نتنياهو، على أن الجانب الأكثر أهمية في هذا المشهد، العنصر الذاتي الفلسطيني، الذي بوضعه الراهن المخزي، يعطي الإسرائيليين والأمريكيين والأوروبيين الفرصة للتنصل من أية التزامات ويمنح الإٍسرائيليين أوراقا وموقفا لا يبعد كثيرا عن الموقف الأمريكي، فالإدارة الأمريكية كما بدا من تصريحات اوباما الأخيرة، تبدو موافقة على جوهر المطالب الإسرائيلية، وما يظهر على السطح من خلاف هو ثانوي يجري تضخيمه بهدف الضغط على العرب ليقدموا تنازلات في مقابل تذليلها حتى يبدو الأمر وكأن حلولا وسطية قد تحققت، ودون شك فإن أقصى ما يمكن أن يكون الرد الأمريكي هو التجاوب مع مضمون خطاب نتنياهو وممارسة الضغوط على العرب والفلسطينيين لتقديم التنازلات المطلوبة إسرائيليا وعلى قاعدة أن هذا هو الحل النهائي، وكانت الإدارة الأمريكية قد صرحت في أكثر من مرة ومناسبة أنها لن تمارس الضغط على إسرائيل، في الوقت الذي تمعن فيه الأخيرة في ممارسة سياسة متعنتة ورافضة مستندة في موقفها هذا على التراخي والدعم الأمريكي لتحصد النتائج السياسية التي تسعى لتحقيقها. والمتابع للإعلام الأمريكي وبعض الإعلام العربي والتعليقات الصادرة عنها يلمس المحاولات المحمومة لإضفاء ميزات خاصة على التحرك الأمريكي (خطاب اوباما) وعلى جدية وتصميم الإدارة الأمريكية التوصل إلى نتائج إيجابية، محاولة إضفاء الصفة الموضوعية على الدور الذي تقوم به.

إن رد الفعل العربي الرسمي على خطاب نتنياهو، على خطورته ووقاحته، كان خجولا ولا يرتقي إلى مستوى الرد المطلوب ويثير الشكوك بمدى جدية النظام العربي في مواجهة الجهود الإسرائيلية المحمومة لعرقلة عملية السلام وفرض الرؤية اليمنية الفاشية على كافة الأطراف في ظل سياسة عربية متهالكة تقوم على قاعدة اذهب وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون!!؟.