قراءة فـي ملامح أزمة الأحزاب السياسية الأردنية

اعداد : يوسف الحوراني

مركز الرأي للدراسات

6/2009

منذ إقرار قانون الأحزاب رقم 32 لعام 1992، يجري الحديث، عن الأحزاب السياسية ودورها وما تواجهه من إشكاليات تشريعية وعزوف المواطنين عن المشاركة فيها والأسباب التي تقف وراء هذه الأزمات التي تمر بها الحياة الحزبية في الأردن وأخرها التعديلات التي طرأت على القانون والتي بموجبها تعين على الأحزاب القائمة تكييف أوضاعها مع متطلبات تشكيل الأحزاب وبخاصة ما تعلق الأمر بزيادة عدد المؤسسين، وضرورة توزعهم على خمس محافظات. على أن الموضوع هنا لا يتعلق بهذه التعديلات والعراقيل التشريعية التي تقف أمام بناء حياة حزبية ديمقراطية بخيارات شعبية بقدر ما يجب الاعتراف به من إقرار معظم القوى والأحزاب السياسية الوطنية في الأردن بوجود أزمة في العمل الوطني بشكل عام، ورغم هذا الاعتراف، إلاّ أن أيا منها لم تقم بتشخيصها موضوعيا وذاتيا، وبالتالي التقدم بحلول واقعية وعملية لتجاوزها، فبعضها يلقي باللوم على الحكومات ومواقفها المعطلة للحياة الحزبية، أو على القوانين الناظمة للنشاط الحزبي في محاولة للهروب من مواجهة الواقع داخل أحزابها.

وتحاول هذه الدراسة أن تعرض لواقع الحياة الحزبية في الأردن وتلمس واقع الأزمة التي تعانيها ومظاهرها، دون الادعاء بأنها تقدم حلولا لها باعتبار أن ذلك من مهمة الأحزاب السياسية والمشتغلين في الحياة العامة. وهي محاول لإثارة النقاش والحوار بين المهتمين والمعنيين انطلاقا من الاعتقاد بأن تشخيص الأزمة قد يفضي إلى فتح الباب أمام هذا الحوار.

من أبرز مظاهر أزمة القوى والأحزاب السياسية الأردنية ضعف وانحسار قاعدتها الشعبية رغم مرور قرابة العقدين على وجودها العلني وصدور قانون الأحزاب رقم 32 لعام 1992 لا زالت تستند في كل نشاطاتها على النخب السياسية والاجتماعية التاريخية وبعضها لا يزال يرتكز على العشيرة والعائلة، حيث كشف استطلاع الرأي الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية في كانون الأول 2007 أن الرأي العام ما زال يرى أن الأحزاب تعاني من أزمة في الوصول إلى الشارع.

لقد أظهرت سلسلة الأنشطة التي جرت في البلاد، من انتخابات نيابية وبلدية ومؤسسات مدنية وتحركات شعبية، الوزن الفعلي لهذه القوى إذ أنها كانت دون ما كانت توحي به إبان سريان الأحكام العرفية والعمل السري وأنها دون ما كانت تدعيه من أنها قوى معارضة حقيقية تمثل مصالح طبقات وشرائح المجتمع الأردني وأنها التعبير السياسي والطبقي لها، وبرغم انقضاء حوالي عشرين عاما على إطلاق حرية التنظيم الحزبي وزوال القيود المفروضة عليه إلاّ أن هذه القوى لم تجر تقييما لأوضاعها الداخلية التنظيمية وبرامجها ولعلاقاتها مع القطاعات الجماهيرية المختلفة، ولم تحاول البحث في الأسباب الموضوعية والذاتية لانحسار القاعدة الشعبية وعزوف قطاعات، مفروض أنها مستهدفة، عن الانخراط في صفوفها، فقد كشفت تجربة الفترة اللاحقة على الانفراج افتقار هذه القوى إلى أساليب الانتشار السياسي والتنظيمي.

بقيت الأحزاب التاريخية وإمتداداتها وتفرعاتها وتلك التي أنشئت بعد إقرار قانون الأحزاب أسيرة لميراثها التاريخي الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي مختصرة نشاطاتها في المركز (العاصمة)، مدينية الطابع والممارسة في الوقت التي اتسمت علاقاتها بالأطراف (المحافظات والريف والبادية ) بالموسمية وذا سمة برغماتية محضة لا صلة لها بواقع وقضايا ومشكلات هذه الأطراف ودون الالتفات إلى نزوع قطاعات واسعة من الشباب والمرأة نحو الانخراط في أطر حزبية تستوعب طاقاتهم ورغباتهم، فقد أظهر الاستطلاع السابق أن 38،5 من المستجبين يرون أن عدم كفاية القدرات التنظيمية تعد سببا من أسباب العزوف عن الانتماء للأحزاب السياسية.

ورغم أن هذه القوى انحسر نشاطها في إطار المدينة (المركز) إلاّ أنها، أيضا، في المقابل لم تستجب لعناصر التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت وبقيت في بنيتها الداخلية أسيرة قوى اجتماعية محددة دون أن تعكس واقع ووزن القوى الاجتماعية التي تدعي تمثيلها، كما بقيت لغة الخطاب السياسي والأيديولوجي في العلاقة مع الجماهير أسيرة الجملة اللفظية المنسوخة من التراث التاريخي والمقولات الإيديولوجية الجاهزة والتي تجهلها الجماهير وترى فيها طلاسم معقدة ومبهمة.

إن نخبوبة هذه الأحزاب وضيق القاعدة وسيادة أنماط من العمل التنظيمي الأبوي والبيروقراطي عكس بالضرورة الواقع السياسي والفكري التي عاشتها وتعيشها قياداتها ومساحات القضايا المنشغلة بها والتي كانت على الغالب تتمحور حول القضايا السياسية الرئيسية والتي تشغل بال النخب الاجتماعية في الصالونات السياسية بعيدا عن المساس بالقضايا الجوهرية التي لها صلة بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤرق الفئات الدنيا والمتوسطة من المجتمع والأكثر تضررا من الأزمات التي مرّت وتمر بها البلاد.

أدت طبيعة النشاطات الموسمية والتقليدية التي تقوم بها القوى السياسية وخاصة في إطار المنظمات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني والتي تحولت بفعل ذلك إلى مجرد واجهات للقوى المهيمنة إلى تآكل بنية هذه المنظمات وتراجع فعاليتها وتقلص قواعدها واستقرت فيها قيادات تقليدية ذات سمات اجتماعية معروفة لها مصالح خاصة ونفعية جعلت من هذه المؤسسات هياكل دون محتوى وأفرغتها من مهامها الحقيقية وربطت دورها ببعض الأجهزة والدوائر.

على أن ملامح الأزمة التي عانت منها الحركة السياسية في الأردن لا تقتصر على ما تقدم وإنما امتدت لتشمل بنية الأحزاب ذاتها وعلاقاتها الداخلية وبين أطرافها ومع الجماهير (أنظر، مثلا، الديمقراطية الداخلية وعلاقة الحزب بالجماهير) لتطال الأزمة طبيعة الهوية السياسية وازدواجيتها لدى بعضها والتي اختلطت فيها المهمات الوطنية الأردنية بمهمات حركة التحرر الوطني الفلسطينية التي تعود بجذورها إلى هزيمة حزيران عام 1967 وما ترتب على ذلك من تماهي البرنامج الأردني بالبرنامج الفلسطيني الأمر الذي أدى في حينه إلى تراجع الأول لحساب الثاني وحتى نجاح الفلسطينيون في بناء حركة وطنية مستقلة وانتزاع الاعتراف العربي والدولي بالشخصية الوطنية الفلسطينية وما أعقب ذلك من فك الارتباط الإداري والقانوني بين الضفة الغربية والدولة الأردنية عام 1988.

أزمة اليسار والقوى القومية في الأردن

إن مشكلات القوى اليسارية والقومية وأزماتها لم تكن بمعزل عن الأزمة العامة التي عاشتها ولا زالت عموم الحركة الوطنية في الأردن، ورغم أن قوى اليسار تعتبر من أكثر القوى تنظيما بعد الأخوان المسلمين وحزبهم جبهة العمل الإسلامي إلا أن العلاقات بين أطرافها على الرغم من التوافق المبدئي والأيديولوجي لم تخلو من الصراع والتنافس غير الموضوعي وغير البرامجي والتي غالبا ما كانت تتمحور حول قيادة وتصدر الحركة الجماهيرية المنظمة ومؤسساتها.

مثل هذا التنافس / الصراع (العصبوي التنظيمي) غالبا ما كان يفضي إلى نتائج ضارة بمصلحة هذه القوى وبالمصلحة الوطنية عموما وقد منحت هذه الصراعات في أكثر من مرة الفرصة للسلطات بالتدخل والانقضاض على العديد من المؤسسات الجماهيرية والنقابية إما بالإغلاق أو الاستيلاء عليها، ولاحقا أتاحت مثل هذه الحالات المجال أما القوى اليمنية والسلفية لأن تتصدر المؤسسات الجماهيرية والنقابية.

لقد فشلت قوى اليسار من تحقيق الحد الأدنى من التوافق والتحالف رغم أن ما يجمعها أكثر بكثير مما يباعدها وأن بعض التباينات الشكلية لم يكن ليقف دون تقاربها وإقامة علاقات متطورة ليس انطلاقا من مصلحة قوى اليسار فحسب وإنما لضرورات وطنية وأساسا في توحيد وتجميع القوى الوطنية في إطار من العمل الجبهوي الموحد القائم على أسس برنامجية توافقية تمثل قضايا الاتفاق، وهو ما عبر عنه فشل أكثر من تجربة على امتداد العقدين الأخيرين لتأسيس تيارات أو جبهات قائمة على تحالفات أو تجميع لبعض القوى والأفراد الذين هجروا أحزابهم وتنظيماتهم.

وما ينطبق على اليسار ينسحب على القوى القومية التي شهدت هي الأخرى حالات من التشرذم نتيجة الصراعات غير الديمقراطية بين أطرافها إما محاكاة لصراعات المراكز والمحاور (دمشق - بغداد) وأما بسبب غياب الديمقراطية الداخلية وإدارة الصراعات الداخلية ذات الطابع العشائري الحزبي مما أدي إلى تفريخ تنظيمات من رحم التنظيم الواحد.

لقد كان ولا يزال من الممكن تجنب هذه القوى (يسار وقوميين وليبراليين) الكثير من المواجهات بين أطرافها وبين بعضها البعض من خلال الحوار الديمقراطي والقبول بالآخر وتغليب المصالح المشتركة وتقديم التنازلات المتبادلة، وكان عليها دوام مراجعة تجربتها بروح من النقد المسئول بهدف تعزيز نقاط اللقاء وتضييق وحصر قضايا الخلاف وكان عليها تعبئة وتثقيف كوادرها بمثل هذه الروح بديلا عن حقنها المستمر بالعصبية.

على أنه من أكثر الأزمات حدة التي عانت وتعاني منها معظم الأحزاب الأردنية على اختلاف أطيافها وتلاوينها هي في علاقاتها مع الجماهير وعلاقة الجماهير بها حيث لم تتمكن، هذه الأحزاب، بسبب من أساليب عملها البدائية من تحقيق استقطابات شعبية يعتد بها أو أن يكون لها شأن في حياة الأمة والأفراد ولبعدها عن هموم وتطلعات الفئات الشعبية التي من المفترض أنها تمثلها.

الأحزاب فـي الأردن

ليست موضع اهتمام الأردنيين

فقد أظهر الاستطلاع أن أكثر من 90% لا يرون أن الأحزاب القائمة تمثل تطلعاتهم وتشير المعلومات الواردة في الاستطلاع إلى أن جميع الأحزاب السياسية القائمة تمثل فقط 7ر9% من التطلعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمواطنين وبالمقارنة مع الاستطلاعات السابقة منذ عام 1996 وحتى الاستطلاع الأخير يتبين أن الأحزاب السياسية في الأردن تمر بأزمة تحقيق الوصول إلى الشارع الأردني. وقد اقتصرت نسبة من أفادوا بمعرفة وجود حزب جبهة العمل الإسلامي (الأوسع انتشارا) 44% من المستجبين، وحلّ ثانيا حزب البعث العربي الاشتراكي (تأسس في الأردن كحزب موحد عام 1952) بنسبة 1ر12% وثالثا الحزب الشيوعي الأردني (تأسس كحزب موحد عام 1951) بنسبة 8ر11 % والحزب الوطني الدستوري في ذلك الوقت (حزب قريب من السلطة وهو نتيجة اندماج عدد من الأحزاب الوسطية وموالية للسلطة) بنسبة 2ر10 % فيما حل رابعا حزب الشعب الديمقراطي الأردني (أحد تفرعات الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بصيغتها الأردنية) بنسبة 9ر6% وجاء خامسا حزب الوحدة الشعبية (متفرع عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بصيغته الأردنية) بنسبة 6% أما بقية الأحزاب (وعددها 26 حزب قبل التعديلات الأخيرة) فلم يتجاوز أي منها نسبة 5%، وقد أظهر الاستطلاع أن نسبة 7ر14% من المستجبين يعتقدون أن حزب جبهة العمل الإسلامي هو الأكثر تمثيلا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وجاء في المرتبة الثانية الحزب الوطني الدستوري بنسبة 1 % فقط فيما بقية الأحزاب لم يتجاوز أي منها نسبة 2ر0%. وقد أكدت نتائج الانتخابات النيابية التي جرت في تشرين الثاني 2007 فوز حزب جبهة العمل الإسلامي بحوالي 5ر5 % من المقاعد في المجلس النيابي في حين بلغت النسبة في الانتخابات السابقة 2003 نسبة 5ر15%. أما الأحزاب الأخرى (يسارية وقومية) فإنها لم تحصل على أي من مقاعد المجلس النيابي.

هذه الأرقام تؤكد عمق الأزمة التي تعيشها الأحزاب الأردنية وبخاصة الأحزاب التاريخية في علاقاتها مع جمهور يفترض أن يكون مادتها وهدفها لحمل برامجها وتطلعاتها وهي، أي الأرقام، تعكس ضعف البنية الحزبية والأزمة الداخلية التي تعيشها فيما هي، أيضا، مشكلة برنامجية وفي أساسها، جميعا، هي أزمة الديمقراطية الحزبية وعجز هذه الأحزاب ممثلة بقياداتها عن الانتقال من حالة الجمود والبيروقراطية الحزبية إلى الانفتاح الفكري والسياسي على الجماهير وفي طار العلاقات البينية الوطنية ومع نظم الحكم على أساس من الحوار العقلاني والشفافية والتنبه بموضوعية إلى مجمل التحولات والتغيرات الجارية محليا وإقليميا ودوليا وفهمها والتعاطي معها على قاعدة المصالح الوطنية.

على الأحزاب الأردنية أن تقرأ جيدا ما آلت إليه والواقع الذي تغرق فيه وتضع إصبعها على مكامن الخلل وتواجه أزمتها ومشاكلها بروح النقد والمسؤولية وبغير ذلك ستبقى هذه الأحزاب بما فيها حزب جبهة العمل الإسلامي أسيرة عقلية القلعة والجمود والدغمائية، والانفتاح الديمقراطي بمعناه الشمولي من حيث يعني التجدد في المفاهيم والقيم والانفتاح على الجماهير والعالم والإمساك بالثوابت والمصالح الوطنية والأخذ بالاعتبار كافة المتغيرات.

لقد شكلت حالة الانفراج الديمقراطي التي انطلقت عام 1989 في الأردن تحديا واجه ولا زال القوى والأحزاب السياسية، كما أحدثت التحولات والتغيرات العربية والإقليمية والدولية ظروفا ومستجدات تستوجب من كافة الأطراف العاملة في الحياة العامة والشأن السياسي بشكل خاص إعادة النظر بواقعها وبرامجها وسياساتها وعلى الأحزاب بشكل خاص، وكافة القوى من منظمات ومؤسسات النظر إلى هذه الأوضاع بكثير من التدقيق والفحص والتعمق والوعي لفهم هذه التحولات والإفادة من هامش الانفراج في الأردن والعمل على تكريسها من خلال أحداث تطورات هامة وجذرية في بنيتها وتركيبتها والدفع باتجاه الاستجابة لضرورات هذه التغيرات وإجراء، في ضوء ذلك، نقلة نوعية في إطار المفاهيم والخطاب السياسي والطروحات الفكرية وإعادة النظر في المفاهيم التنظيمية بما يتناسب مع كل هذه المستجدات التي نشأت في مختلف جوانب الحياة. ولكن على ما يبدوأن هذه الأحزاب لم تلتفت إلى كل ذلك وأبقت على تراثها التاريخي خلال فترة نشاطها السري دون الاستفادة من الظروف الجديدة، بل أن محاولات التغيير التي تصدت لها بعض تيارات التجديد ووجهت من قبل المحافظين بنقد عنيف وصل في بعض الحالات إلى الإقصاء والتشهير والطعن بوطنيتها والتخوين.

وأمام تصادم الارادات بين التيارات المختلفة (المحافظة والمجددة) تعرضت بعض الأحزاب السياسية وخاصة اليسارية منها، التي وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع استحقاقات سياسية وأيديولوجية أفرزتها وفرضتها حالة انهيار الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاشتراكية، إلى انقسامات وتشرذم حزبي، وحتى تتمكن القيادات التقليدية من الإبقاء على هذه الأوضاع التي آلت إليها أحزابها، وحتى تنفي عن نفسها صفة الجمود والتكلس والدعوى بأنها تستجيب إلى رغبة التغيير والتجديد لجأت إلى تزويق أسمائها وخاصة تلك التي تشكلت أو تأسست ما بعد إقرار قانون الأحزاب رقم 32 لعام 1992 بإلحاق صفة الديمقراطية لما لهذا الوصف أو التشخيص من بريق وعناصر جذب تشدّ المواطن، ولما تحمله الكلمة من دلالات سياسية واجتماعية أهمها ما يتصل بحقوق الإنسان وحق المواطن بضرورة توفر المناخ الذي يؤمن له الحرية والآمان والحق في العمل والتعليم والصحة والحماية الاجتماعية والمشاركة في صنع القرارات التي تمس حياته ومستقبله على مختلف الصعد، وضمان المساواة في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص دون تمييز في العرق أو اللون أو الدين أو الجنس الخ.

الاعتراف بالأزمة

وبقدر ما تتحول هذه الصفة ، الديمقراطية، إلى مجرد نص أو عنوان أو وصف دون مضمون بقدر ما يفقد الحزب مصداقيته، لذا فإن العبرة ستكون دائما في الممارسة وليست في النصوص، على أنه لا نجد معنى للحديث عن الديمقراطية دون التسليم بمجموعة من المبادئ الهامة ومنها الاعتراف بالآخر والإقرار بالتعددية السياسية، ولا معنى لهذه التعددية ما لم تكن الآليات في تسيير المجتمع والتنظيمات والمؤسسات تتيح لأصحاب الأغلبية بتولي السلطة لتنفيذ ما تدعو إليه دون مصادرة لحقوق الأقلية بالتعبير عن وجهات نظرها والدفاع عنها داخل الحزب الواحد وخارجه ولا بد من أن تتاح الفرصة داخل الحزب للصراع على أسس ديمقراطية وبالطرق السلمية لوصول إلى السلطة فيه، ولا بد من الاعتراف بأن الأحزاب الأردنية وعموم القوى السياسية على امتداد الحياة الحزبية في الأردن كانت ولا تزال تعاني من أزمات بنيوية مركبة في إطار أزمة العمل الوطني العام، ورغم اعترافها بوجود هذه الأزمات إلا أنها أبقت على تقليديتها ومحافظتها دون أن تهجر إرثها من البيروقراطية والمركزية اللاديمقراطية وترفض الاعتراف بان جزءا هاما من تخلفها وتراجعها يعود لهذا الميراث والتحصن خلف عقلية سلفية يرفضها الواقع والتغيرات الموضوعية. ويعتبر موضوع غياب الديمقراطية الداخلية وخلل علاقة الحزب بالجماهير والأحزاب الأخرى واحدة من ابرز أزمات الأحزاب السياسية في الأردن بل أن غياب التقاليد والسلوك والممارسة الديمقراطية الداخلية ورفض الاحتكام للحوار وعدم توفر المناخات الصحية للتعايش بين الرأي والرأي الآخر وضمان حقوق الأقلية والتعبير عن رأيها وتلاقح الأفكار داخلها وتداول المناصب والمهمات القيادية سلميا بالوسائل الديمقراطية والاعتراف بالتعددية السياسية عصفت بالكثير من الأحزاب وأدت إلى تفتتها وانقسامها وتفسخها والى هجر العديد من عناصرها وكوادرها وفقدانها لخبرات وكفاءات سياسية وتنظيمية.

لقد بقي موضوع وطأة الظروف والأوضاع العامة وشروط العمل السري مبررا للقيادات أمام الهيئات والمنظمات الحزبية لغياب الحياة الديمقراطية الداخلية وهي كلمة حق يراد بها باطل وكان من الممكن تجاوز ذلك بالتكيف مع تلك الظروف وإيجاد أنماط من الاتصال والعلاقات وفتح أقنية للتشاور والحوار داخل منظمات الحزب كبديل مؤقت للمؤتمرات العلنية أو شبه العلنية، ورغم مضى قرابة العقدين من الزمن على انطلاقة العمل العلني للحياة الحزبية في الأردن وتأسيس أكثر من ثلاثين حزبا سياسيا (يبلغ عدد الأحزاب الرسمية الآن بعد تعديل القانون) بين من كانت تعمل سرا وأخرى أنشئت بعد سريان القانون فإن العديد من هذه الأحزاب لم تعقد مؤتمراتها أو تجري فيها انتخابات فعلية لهيئاتها القيادية، وبالعكس فقد تكرست قياداتها التاريخية واستمرت في كل الظروف والحقب، فالمؤتمرات هي مجرد نص في الأنظمة الداخلية للأحزاب واستمرت ذات العقلية وذات النهج يحكم مسيرة الحزب ولسنوات بعيدة بفعل تفشي الممارسات والتقاليد غير الديمقراطية وتكريس فكرة القيادة التاريخية وحرمان الدماء الجديدة من التدفق في جسد الحزب وتداول السلطة كما أدت إلى الجمود الفكري والسياسي والتمسك بالنظريات الجامدة والساكنة دون قراءة المتغيرات للواقع المتجدد وإشراك عموم الحزب في الحوار بحجج ومبررات مختلفة فعكس هذا الواقع بنتائجه على الحزب فتهالكت القيادات وتهالكت معها الهيئات الحزبية القيادية وتراجعت شرعيتها. وغالبا ما كان يجد الحزب نفسه أمام نتائج لا صلة له بها ودون مشاركة من هيئاته من خلال آليات تسلطية ولا ديمقراطية وبفعل لوائح ومواد وأنظمة استثنائية تعزز احتكار السلطة ومركزية القرار الأمر الذي أدى ويؤدي إلى احتقانات داخلية تفضي إلى تفشي الأمراض البيروقراطية والشللية وتسبب في شرذمة الحزب وانقسامه وتفاقم الصراعات الداخلية.

وعلى هزالة أوضاع الأحزاب الأردنية فإنها لا زالت تمارس ذات النهج في العلاقة مع بعضها البعض ومع المؤسسات الشعبية على قاعدة امتلاك كل منها للحقيقة والشرعية والطعن بالآخرين وخاصة حينما تشتد ظروف المنافسة في المعارك الانتخابية في مؤسسات المجتمع المدني واللجوء إلى أساليب التشهير والتعريض بالآخرين عوضا عن استخدام الحوار والتنافس الديمقراطي للتغلب على النزعات والمكاسب الذاتية والتنظيمية والنظر إلى هذه المؤسسات باعتبارها جزء من حركة ونشاط الجماهير ومفتوحة على كل الأفكار والتيارات وبالعكس فقد استخدمت بعض الأحزاب، هذه المؤسسات، كواجهات دعاوية وسياسية وبأساليب لا ديمقراطية مما عزز الرغبة لدى الجماهير بالانفضاض عن هذه القوى وربما عن المؤسسات نفسها وجعلها عرضت لغزوالقوى المحافظة.

صراع الأقلية والأغلبية وغياب التجديد

إن أي حزب لا يمكن له أن يتطور وينمو ويزداد نفوذه الشعبي ما لم تتسع فيه المساحة لتعدد الآراء والاجتهادات والاتجاهات داخله وتلاقح الأفكار ويسمح بمراجعة دائمة لبرامجه ولوائحه بين فترة وأخرى من خلال الحوار الصريح والجريء بين كافة الأطراف سواء في الأغلبية أو الأقلية وليس هناك ما يضير الحزب أن يكون الناس على إطلاع بما يدور داخله من نقاشات وخلافات وعلى العكس فقد يسهم ذلك على إنضاج وتطوير فكر الحزب ويسهم في تحديث برنامجه ولن يتأتى ذلك إلا من خلال الاعتراف بالآخر وان يجري النقاش على قاعدة الاحترام المتبادل بين وجهات النظر بعيدا عن إلصاق التهم وعن أي ممارسة للإرهاب الفكري وقمع الآخر والاحتكام دائما إلى الأغلبية دون حرمان الأقلية من حقها في طرح مواقفها والدفاع عنها وإعادة طرحها في مراحل أخرى وإتاحة الفرصة أمامها لإقناع الحزب بوجهة نظرها فكثيرا ما يمكن أن تكون الأقلية على صوابية في مواقفها.

إن قدرة الحزب على تجديد نفسه باستمرار وفق المتغيرات الموضوعية لن يتحقق إلا من خلال التفعيل الدائم لميكانيزم الحوار وآليات الانتخابات الدورية فالأعضاء في كل مستوى ينتخبون قيادتهم وفق معايير وأسس يحددها الأعضاء سواء على أسس سياسية أو نضالية ويساهمون بواسطة مؤتمرات الحزب في اختيار قيادته العليا ليتحول بذلك إلى مؤسسة أكبر من القيادة وتنتفي فيه فكرة الزعامة والقيادة التاريخية والملهمة كما يتخلص من النزعات العشائرية والشللية وتصبح الممارسة الديمقراطية هي الأساس والبوصلة التي يسترشد بها أعضاء الحزب في حسم القضايا الخلافية ويحافظ على وحدته التنظيمية ويقطع الطريق على الاتجاهات المغامرة بالانشقاق أو حسم الصراع بالاقتتال كما جرى لدى العديد من الأحزاب العربية.

لقد شكلت الأنظمة الداخلية للأحزاب صورة الحزب الداخلية وعكست طبيعة الحياة والعلاقة بين القيادة والقاعدة من جهة وعلاقة الحزب بالجماهير من جهة أخرى، وإن كانت العقلية التي سادت في ظروف العمل السري أو شبه السري هي التي فرضت وتفرض طبيعة هذه الأنظمة وحكمت العلاقات الداخلية التي اتسمت معظمها بـ المركزية فإن أحزابا قليلة ربما تعدّ على أصابع اليد الواحدة هي التي أجرت تعديلات على أنظمتها ولكن دون أن تمس هذه التعديلات حقيقة بقاء المركزية هي السمة الغالبة لهذه الأنظمة وإن أضيف لها بعض الأوصاف كـ المركزية الديمقراطية أو الديمقراطية الحزبية وبقيت الهيكليات التنظيمية والتراتبية الحزبية على حالها واستنادا للموروث التنظيمي دون إحداث أي تعديلات جوهرية تعكس استحقاقات المرحلة الجديدة من حياة الحزب حيث بقيت سيطرة العقلية الأبوية (البطريركية) على حياة الحزب الداخلية ورفضها الخلاص من نموذج المرحلة السابقة بما في ذلك أحزاب اليسار الجدلية .

أنظمة داخلية رجعية وجهد ضائع

لقد استمرت الأحزاب المختلفة تعمل بلوائحها وأنظمتها حتى تلك التي مضى عليها عشرات السنين وأصبحت من الماضي وترفض التحولات التي طرأت على تكوين الحزب ذاته ولا زال النهج البيروقراطي المركزي يتحكم بأوضاع الحزب الداخلية الذي لا يرى فيه أصحابه سوى إطار يسمح لهم بممارسة الدور التاريخي في إطار الحركة الوطنية وجعل من الشبكة التنظيمية الداخلية مناطق نفوذ يسهل من خلالها توزيع الرتب والمناصب في إطار السيطرة المحكمة للقيادة المركزية فتعددت المواقع التنظيمية وجعلها متشابكة مما يشتت جهد الحزب وتجعل من وسائل الاتصال والحوار بين أعضاءه متقطعة ومعقدة.

لدى قراءة بعض الأنظمة الداخلية لبعض الأحزاب، غالبا ما تصادفك تناقضات وتعارضات بين الأهداف التي يحددها الحزب لنضاله ونشاطه في صفوف الجماهير وبين المواد التي على أساسها يقوم الحزب ويمارس عمله الداخلي وفي أوساط الجماهير بين مركزية الحزب والديمقراطية التي يدعولها وأسس الحياة الداخلية لأعضائه وغياب المؤتمرات، بين توصيف المرحلة التي يعيشها وبين الأهداف المعلنة له والسمة الطبقية للحزب.

لقد عانت أحزابنا ولا زالت من الانغلاق وفقدان الصلة بين الحزب والجماهير وجعلت من التنظيم وكأنه جيتو لا يجوز لغير الأعضاء من الإطلاع على نشاطاته الداخلية ومؤتمراته ولقاءاته ولا يجوز لمن هم أقل مراتبية من الإطلاع على حوارات ولقاءات أصحاب المراكز الأعلى ولا تنطبق صفة العضوية إلا ضمن شروط الصديق والنصير والمرشح والانخراط في الخلايا والحلقات والمحليات والهيئات المختلفة للحزب والالتزام باجتماعاتها التنظيمية فضيقت بذلك الأحزاب على نفسها وجعلت الصلة بينها وبين الشارع البيان والنشرة والجريدة إن وجدت دون دعوة الجماهير إلى أن تصبح جزءا من صنع القرار الحزبي ففي التجربة الإيطالية للحزب الشيوعي الإيطالي يكفي للمواطن أن يقدم طلب انتساب إليه ليصبح عضوا فيه وإذا رغب بأن يكون له دورا داخل الحزب يمكنه الانخراط بأحد منظمات الحزب، كما يلعب الحزب دورا بارزا في المناطق والأحياء في المدن الإيطالية ففي المؤتمرات المحلية أو المنظمة القطاعية يدعى إليها سكان المنطقة، حزبيين وغير حزبيين، لحضور المؤتمر والمشاركة في النقاشات الدائرة باعتبارها قضايا عامة تهم كافة المواطنين ومن حقهم الإدلاء بآرائهم وأفكارهم بأي شأن مطروح في جدول أعمال المؤتمر دون أن يكون لهم حق التصويت ولكنهم بمساهماتهم يؤشرون للمؤتمر على توجهات الرأي العام في شأن من الشؤون موضع الحوار ويفسح المجال أمام الحزب لتحسس موطئ قدمه وصياغة برامجه.

نحو إعادة النظر بواقع الأحزاب

لقد بات من الضروري على الأحزاب الناشئة أو تلك التاريخية أن تعيد النظر بكل أساليب عملها ونهجها وبرامجها ولوائحها وأنظمتها الداخلية وفي العلاقة مع القوى الأخرى ومع الجماهير وفي العلاقات الداخلية وإجراء التطويرات اللازمة لتحويل الحزب إلى مؤسسة شعبية ديمقراطية قادرة بفعالية أن تكون ممثلا مقبولا للفئات والقطاعات التي يمثلها الحزب وفي هذا المجال على الأحزاب أن تقدم على اتخاذ خطوات جريئة تنسجم مع الحاجة للتغيير والتحديث والتقدم : الالتزام بدورية عقد المؤتمرات من مستوى القاعدة حتى قمة الهرم التنظيمي.

إعادة النظر باللوائح والأنظمة الداخلية وتحريرها من كل أشكال التعقيد التنظيمي وتبسيطها وإضفاء المرونة والتيسير عليها وتخفيف أعباء الالتزام التنظيمي وتعزيز النهج الديمقراطي داخل أطر الحزب وفي العلاقة بين الأعضاء وعلاقة الحزب بالأحزاب والمنظمات الجماهيرية ومؤسسات المجتمع المدني والجماهير بشكل عام.

إعادة النظر بالبرامج الحزبية بشكل مستمر لتصبح أكثر واقعية وبحيث تكون قابلة للتغيير والتعديل وفق المتغيرات وكل ما دعت الضرورة إلى ذلك ولتكون قريبة من المفاهيم والتوجهات العامة للفئات والقطاعات التي يعبر عنها فكر وسياسة الحزب وبما يسمح بتطوير أساليب عمله وبرامجه المرحلية وسياساته وشعاراتها انسجاما مع التغيرات التي تجري في المجتمع والواقع الاجتماعي والفكر البشري وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بتعزيز الروح الديمقراطية.

الانفتاح الواسع على قطاعات الجماهير المختلفة وجعلها جزءا أساسيا من سياسات ونشاطات الحزب والاستعانة بالكفاءات والقدرات من غير أعضاء الحزب ممن يعزفون عن الالتزام التنظيمي أو الحزبي وإشراكها في نقاشات وحوارات الحزب باعتبار أنه، أي الحزب، يعمل من أجل الجماهير المستهدفة وليس بمعزل عنها فلا يسيء للحزب أن يعلم الناس بما يدور داخل الحزب من مناقشات واختلافات في وجهات النظر طالما أن القرارات تؤخذ بالأغلبية وبهدف تحقيق أهداف الحزب الذي يعمل في صفوف الجماهير.

التأكيد على ضرورة احترام حقوق الأقلية في الحزب ومن ضمنها حقها في التعبير عن وجهات نظرها والدفاع عنها وإعطائها الفرصة لتصبح أغلبية والاعتراف بالاختلاف في وجهات النظر على أسس غير عدائية لأن حزبا أو تجمعا بدون تناقضات وخلافات تتفاعل داخله لا حياة فيه وأن التناقض ظاهرة صحية والتسليم بأن التقدم رهن بالقدرة على تجاوز الشيء ونقيضه إلى شيء أرقى من الاثنين.

توفير الفرص الديمقراطية أمام المرأة للوصول إلى المراتب القيادية في الحزب والدفاع عن حقها في ذلك.

السماح بتعدد الآراء والاتجاهات داخل الحزب وهو ما يمكن أن يخلق الحيوية والتفاعل بين الأعضاء ويفضي إلى اتخاذ قرارات ناضجة بعد مداولات ونقاشات صريحة وواضحة وعبر الاختلاف في وجهات النظر والرؤى ألمتابينة بعيدا عن الإرهاب الفكري والسياسي ومحاولات الإقصاء.

الالتزام بدورية الانتخابات مما لذلك من دلالات سياسية، فإتاحة الفرصة أمام أعضاء الحزب باختيار قياداتهم على أسس من التقييم السياسي والأداء العملي يؤكد على حيوية الحزب وانتهاجه أسلوب مرن يقتضيه ضرورات التعديل في سياسات الحزب وأساليب عمله استجابة للمتغيرات الموضوعية وداخل الحزب ذاته وهو ما يتيح أيضا الفرصة لتجديد دماء الحزب وتداول القيادة ويحصنه من أمراض الشللية والعشائرية وتخليد الزعيم والجمود البرامجي والتنظيمي ويقطع الطريق على التكتلات التي قد تودي بالحزب وتطيح بوحدته.

إلغاء الأحكام العرفية لم يلغ الخوف

على أنه بالرغم من كل ما تقدم من تحليل وملاحظات لا يمكن إغفال حقيقة أن الناس في بلدنا ما زالت تخشى الانتساب إلى أي حزب سياسي، حتى لو كان مواليا، فتجربة ما بعد حل الأحزاب عام 1957 من مطاردة واعتقالات لأعضاء حزبيين ونشطاء سياسيين وطنيين استمر حتى عام 1992(على الرغم من أن الدستور أقر الحق للأردنيين في تشكيل الأحزاب والجمعيات السياسية)، ناهيك عن نقص التجربة الحزبية وهزالها أدى إلى ضعف الحياة الحزبية وتراجع الحياة السياسية نتيجة الضعف والتراخي في تنمية سياسية حقيقية وغياب الثقافة الحزبية الوطنية.

وبالرغم من إقرار قانون تنظيم الأحزاب وظهور حوالي 36 حزبا إلا أنها لم تستطع جذب الجمهور إليها الذي يخشى أن تعاد تجربة عام 1957 إذا ما قيض لبعضها أن تحول إلى حزب جماهيري واسع الانتشار ويحظى بدعم شعبي كبير. عن التجربة الحزبية خلال العقدين الماضيين لم تقدم تجربة يعتد بها ويبنى عليها. ومما زاد في تفاقم الوضع الحزبي في الأردن صدور قانون الأحزاب رقم 17 لعام 2007 الذي أطاح بالعديد من الأحزاب الضعيفة، ذلك أن القانون الجديد أشترط أن لا يقل عدد أعضاء الحزب عن خمسمائة عضو، وأن يكون الأعضاء من خمس محافظات على الأقل، بالإضافة إلى العديد من الشروط الإجرائية التي أعتبرها بعض الحزبيين أنها تعجيزية ، مما دفع ببعضهم إلى اتهام الحكومة بأنها، بهذا القانون، تهدف إلى تحجيم العمل الحزبي وإبقائه في دائرة السيطرة، كما أن قانون الانتخاب القائم على الصوت الواحد، هو الآخر، يسهم في تعزيز الطابع العشائري في اختيار المرشحين ويضعف الدور الذي يمكن أن تقوم به الأحزاب في الانتخابات، وبالمحصلة فإن الحكومة لم تقدم، كما الأحزاب القائمة، لم تقدم للحياة السياسية وتعزيز النهج الديمقراطي، بيئة صحية حقيقية تفضي إلى الإصلاح والتنمية السياسية والحياة الحزبية من خلال التنمية السياسية الشاملة ما يؤكد نيتها وجديتها في توفير المناخ الذي يعزز الثقة لدى الجمهور حرصها على وجود حياة حزبية وسياسية ناضجة وقادرة على الصمود والنمو واستقطاب الجماهير من خلال التعبير الصادق عن مصالحها الحقيقية.