الأمن ومكافحة الإرهاب والحرية اولويات ضائعة

اعداد : د.خالد الشقران

مركز الرأي للدراسات

8/2010

تتوالى السنوات وها هي ذكرى أحداث 11 سبتمبر تعود مجددا ويتكرر معها السؤال المهم الذي ظل مطروحا على الدوام وهو: هل اصبح العالم بعد احداث 11 سبتمبر وما تبعها من حملات كبيرة قامت بها الولايات المتحدة بشكل خاص والعالم الغربي بشكل عام تحت مسمى "الحرب على الارهاب" حيث احتلت الولايات المتحدة كل من افغانستان والعراق وساندت الغزو الاسرائيلي الاخير للبنان؟ .

في الواقع انه رغم كل ما قامت به الولايات المتحدة وحلفاءها في العالم في هذا المجال الا انه يمكن القول انه لم يلاحظ ان هناك أي تقدم ملموس نحو تحقيق الهدف الذي تدعي الولايات المتحدة بأنها تنشده وينشده معها الجميع - كل حسب نيته- وهو "العالم الآمن"، وهذا في الواقع يقود الى سؤال اخر يعتقد بأنه مهم ايضا وهو طالما ان الولايات المتحدة ومعها كثير من الفاعلين على الساحة الدولية يجمعون منذ خمس سنوات تقريبا وبكل الوسائل الممكنة على تحقيق هذا الهدف، فلماذا لم يتحقق حتى الآن؟وما هي الاسباب الكامنه وراء ذلك؟ وبلغة اخرى اين تقع المشكلة؟.

واستنادا الى النوايا او المصالح لو دققنا في في كل الحروب التي ارتكبت بأسم مكافحة الارهاب وكل الاجراءات التي قامت بها الولايات المتحدة ومعها كثير من الدول في سبيل تحقيق هذا الهدف، فسوف نكتشف ان المشكلة لا تكمن في المسمى " مكافحة الارهاب" وانما في الاجراءات التي اتخذتها والولايات المتحدة وحلفائها في ترجمة هذه المقولة على ارض الواقع.

فقد تم احتلال افغانستان والعراق بذريعة تخليص شعبي هاتين الدولتين من "الحكم الدكتاتوري الارهابي الرجعي واحلال الديمقراطية والحرية وتوفير ظروف اجتماعية واقتصادية افضل لسكانهما"، لكن الملاحظ انه وبعد مرور سنوات على هذا الاحتلال لم يتمتع الشعبين الافغاني والعراقي حتى بإبسط متطلبات الامن لا على المستوى الاجتماعي او الاقتصادي او حتى الشخصي، بل لقد انقلبت الاوضاع الى اسوأ مما كانت عليه الاوضاع في السابق- حتى بات الناس في كلا الدولتين يترحموا على عهود ما قبل الاحتلال حيث لم يكن الناس في افغانستان يحكموا بقوة السلاح ولم يكن النظام في العراق يسمح حتى بمجرد اللعب على ورقة الفتنة الطائفية في العراق والتي يعيش الشعب العراقي وحدة نتائجها المدمرة حاليا في ظل تشجيع قوات الاحتلال على تنامي مثل هذه الفتنة وعدم القيام بأية اجراءات من شأنها ان توقف نزيف الدم المتزايد في المجتمع العراقي من جراء هذا الموضوع.

وإذا أضفنا الى ما سبق عدم شعور المجتمع في كلتا الدولتين بأية بوادر او حتى مجرد امل ل "جنة الديمقراطية" التي وعدت الولايات المتحدة بها الشعبين الافغاني والعراقي عند بداية احتلالها للبلدين، ونهب قوات الاحتلال لخيرات وثروات البلدين والذي ينجم عنه نتيجه طبيعية مفادها تردي الأوضاع الاقتصادية للبلدين مع ما يتبع ذلك من انعكاس لهذه الأوضاع السلبية على مستوى معيشة المواطن، وعليه فلا يعتبر الحديث عن الأمن والحرية ومكافحة الإرهاب في ظل الفقر والجوع اولويه بالنسبه لهذين الشعبين.

ولعل القضية الرئيسة التي لاينبغي على المجتمع الدولي بشكل عام وعلى الولايات المتحدة بشكل خاص اذا ما رغبو فعلا في تحقيق تقدم في قضية الامن العالمي لا ينبغي ان يستمروا في اغفالها وتجاهلها وهي القضية الفلسطينية التي تعتبر من اكثر القضايا التي يمكن ان تتسبب في تعميق كراهية الشعوب للولايات المتحدة جراء سياستها المنحازة بالكامل لاسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، اذ على الولايات المتحدة ان تتفهم وتحترم ثقافة ومعتقدات الشعوب، وانطلاقا من ذلك عليها ان تعلم وتدرك جيداً كل المسلمات المتعلقة بهذا الموضوع والتي من ابجدياتها أن فلسطين والقدس في وجدان كل عربي ومسلم في هذا العالم، وعليه فإنه كلما مضت الولايات المتحدة قدماً في دعمها لإسرائيل بحق وبغير حق كلما ازدادت مشاعر الكراهية للولايات المتحدة من قبل هذه الشعوب ورفضت لا شعوريا كل ما هو أمريكي سواء تعلق بالسياسة ام بالثقافة ام بالاقتصاد ام حتى بالفكر.

ولو عدنا لمسألة مكافحة الارهاب وسألنا ما المقصود بالارهاب ومن هو الارهابي الذي يهدد الامن العالمي في نظر الولايات المتحدة، ومن ثم لو ابتعدنا في بحثنا عن اجابه لهذا السؤال عن الاطار النظري ودققنا في الخبرة الواقعية وتحديدا خبرة الولايات المتحدة في التعامل مع هذا الموضوع فسنجد حقيقة انه يندرج وفقاً للفهم الامريكي تحت مفهوم "ارهاب وارهابي" كل من يقاوم الاحتلال في فلسطين والعراق وافغانستان ولبنان، وكل من يقاوم التدخل الامريكي في الدول والذي يأتي عادة تحت مسمى " حق التدخل لحل المشكلات الانسانية المشتركة" كحماية الاقليات وحقوق الانسان والحريات العامة او حل النزاعات والصراعات الدولية ، مع انه بات من الواضح تماما ان الولايات المتحدة والمجتمع الدولي الذي اصبحت ارادته مرهونه الى حد كبير برغباتها لا تقرر التدخل في منطقة ما من العالم الا تحقيقا او حماية لمصالحها وان الدفاع عن المبادىء الانسانية التي تنادي بها هو اخر ما تفكر في تحقيقة في مثل هذه الحالات، والا ما معنى ان يهب المجتمع الدولي في نخوة لم نعهدها به من قبل الى المشاركة في نشر قوات دولية على الاراضي اللبنانية، او لحل مشكلة دارفور، في حين ان معظم شعوب افريقيا تموت من جراء الجوع والفقر والحروب ولم نسمع ان الولايات المتحدة او المجتمع الدولي قد هبوا لمساعدة هذه الشعوب.

واذا امعنا النضر اكثر في البحث والتدقيق فإننا لن نجد حتى شخص واحد على الاقل ممن احتجزوا او اطلق عليهم مصطلح ارهابي غيرعربي او مسلم وهذا يوكد ان ثمة حقيقة واحدة في هذا الموضوع وهو ان كل من اطلقت عليه هذه الصفة اما ان يكون عربي او مسلم غير عربي وهذا في الواقع امر يستدعي النظر والتساؤل لماذا اقتصر ما يسمونه بالارهاب في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر على العرب والمسلمين فقط؟! هل لهذا الامر علاقة بما يسمى بصراع الحضارات؟ ام هو متعلق بوجود المحافظين الجدد بفكرهم الصهيوني التلمودي على رأس السلطة في الولايات المتحدة؟.

وحتى نكون منصفين فلو حاولنا البحث في جذور العلاقة ما بين العرب والمسلمين من طرف والولايات المتحدة من طرف اخر سنجد ان العلاقات بين العرب والمسملين والولايات المتحدة لم تعاني منذ نشأة الولايات المتحدة من أي خلل ولم يكن هناك أي نوع من انواع التأزم في العلاقة او حتى الكراهية لدى الشعوب العربية والاسلامية ضد الولايات المتحدة حكومة وشعباً، وانما بدأت بعض بوادر الانزعاج تظهر لدى هذه الشعوب ضد سياسية الولايات المتحدة في المنطقة وليس شعب الولايات المتحدة والتي اخذت بالازدياد تبعا لمدى توغلها وتورطها في دعم اسرائيل اللامحدود.

وهنا لو لجأنا لاحتمالات الخطأ والصواب وافترضنا ان شعب دولة او دولتين في منطقة الشرق الأوسط على خطأ في حنقهم من سياسية الولايات المتحدة في المنطقة وهذا أمر ربما يكون منطقيا ولكن هل يعقل أن تكون الشعوب العربية والإسلامية في كل دول العالم قد أخطأت في مشاعرها تجاه الولايات المتحدة وان تكون الأخيرة على حق في سياساتها.