مدى أحقية الأردني المتجنس و الأردني مزدوج الجنسية في تولي المناصب العامة، وجهة نظر قانونية ؟

اعداد : الدكتور نوفان العجارمة

مركز الرأي للدراسات

كلية الحقوق – الجامعة الأردنية

3/2010

 

حسب علمي، لم تثر مشكلة التجنس و ازدواج الجنسية، وانعكاساتها على الحقوق السياسية وتحديدا تولي المناصب العامة ، حتى تاريخه ، على الرغم من إن المجالس النيابية السابقة ، ضمت بعض السادة الأعضاء مزدوجي الجنسية ، ولم يلق وجود هؤلاء الأعضاء، تحت قبة البرلمان ثمة اعتراض يذكر، كذلك الأمر بالنسبة لبعض السادة الوزراء و بعض موظفي الصف الأول في الدولة، و لم تنشغل الدراسات القانونية بهذا الموضوع رغم أهمية ، وعليه ، سوف نخصص هذا المقال لمناقشة هذا الأمر .

في البداية نستطيع القول ، بأنه لايمكن تناول موضوع التجنس و ازدواج الجنسية ، بمعزل عن حقوق الإنسان ، الذي قد تضطره الظروف إلى التنقل من دولة إلى أخرى ، لذا فان مشرعنا الأردني في قانون الجنسية أجاز من حيث المبدأ ازدواج الجنسية وأجاز كذلك التجنس للأجنبي ، لغايات تسهيل معيشة الكثير من مواطني الدولة ، لاسيما المغتربين منهم.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل تصدق الحكمة السابقة، بخصوص مواطني الدولة الذين يقيمون إقامة دائمة على إقليم المملكة ؟ وهل يجوز لمزدوجي الجنسية تولي المناصب العامة ، لاسيما السياسة منها ؟ إن الوزير وعضو مجلس النواب و الأعيان وكذلك موظفي الصف الأول ليسوا اشخاص عاديين ، فهم على درجة من الأهمية ، مؤثرين في السياسة العامة للدولة من خلال رسم وتنفيذ السياسة العامة للدولة ، وكذلك وضع القوانين التي تحكم الدولة بسلطاتها الثلاث .

وعليه ، سوف نقسم هذه الدراسة إلى قسمين نخصص الأول للأردني المتجنس و نتناول في الثاني الأردني مزدوج الجنسية .

أولا: الأردني المتجنس :

لم تعد الجنسية رابطة أبدية بين الفرد و الدولة، وإنما أصبح من الممكن إنهاء هذه الرابطة من جانب افرد، إذا رغب بذلك. وقد اعترف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للفرد بهذا الحق، فنص في المادة(15/2) على حق الفرد في تغيير جنسته. فالتجنس تصرف إرادي يختلف عن الجنسية الأصلية من حيث كونه لا يفرض فرضا على الفرد عكس الجنسية الأصلية التي تثبت للفرد منذ ميلاده ، دون اعتداد بإرادته .

وعليه ، فقد لقد نظم المشرع الأردني موضوع التجنس في قانون الجنسية الأردنية رقم 6 لسنة 1954، حيث أجازت المادة (12) من ذات القانون لمجلس الوزراء منح الأجنبي شهادة التجنس بالجنسية الأردنية ، إذا كان متمتعا بالأهلية ، و له إقامة في المملكة لمدة أربع سنوات ، وغير محكوم عليه بأية جريمة ماسة بالشرف والأخلاق، وينوي الإقامة في المملكة، ويعرف اللغة العربية قراءة وكتابة، و حسن السيرة والسمعة، ويتمتع بسلامة العقل وغير مصاب بعاهة تجعله عالة على المجتمع ، وله وسيلة مشروعة للكسب.

وقد اعتبرت المادة (14) من قانون الجنسية (( الشخص الذي اكتسب الجنسية الأردنية بالتجنس أردنيا من جميع الوجوه على انه لا يجوز له تولي المناصب السياسية والدبلوماسية والوظائف العامة التي يحددها مجلس الوزراء أو أن يكون عضواً في مجلس الأمة إلا بعد مضي عشر سنوات على الأقل على اكتسابه الجنسية الأردنية كما لا يحق له الترشيح للمجالس البلدية والقروية والنقابات المهنية إلا بعد انقضاء خمس سنوات على الأقل على اكتسابها..)).

نلاحظ إن النص المتقدم حظر على الأردني المتجنس ((تولي المناصب السياسية والدبلوماسية والوظائف العامة التي يحددها مجلس الوزراء.. إلا بعد مضي عشر سنوات على الأقل على اكتسابه الجنسية الأردنية..)) .

و لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هل النص المتقدم و القاضي بحظر شغل المناصب السياسية والدبلوماسية والوظائف العامة على المتجنس، يتوافق وأحكام الدستور الأردني ؟

نستطيع القول بان النص المتقدم – المادة 14 من قانون الجنسية- لا يتوافق و أحكام الدستور فالمادة (6) من الدستور جاءت بنص ساوى ما بين الأردنيين أمام القانون سواء كان الأردني بالتجنس أو بالميلاد ، فهم سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق و الواجبات وان اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين، و لا يجوز للمشرع العادي في قانون الجنسية أن يخرج على المبدأ العام الذي نص عليه الدستور و المتمثل بمبدأ المساواة .

فالمشرع الدستوري الأردني صاغ المساواة من ناحية قانونية خالصة، وفكرتها تدور حول أن يكون جميع أفراد المجتمع إزاء القانون في مركز واحد دون تفرقه أو استثناء سواء كان هذا القانون يقرر منفعة(المساواة في المنافع العامة) أو يفرض التزاما ( المساواة في تحمل التكاليف العامة) .

والمساواة تعني أن يكون القانون عاما عمومية مطلقة حتى ينطبق على جميع أفراد المجتمع دون استثناء، ولما كان من العسير أن يكون جميع أفراد المجتمع في مركز واحد حتى يكون القانون واحد بالنسبة للجميع ، لذلك قيل بأنه يمكن الاكتفاء بالمساواة النسبية التي تنطبق على مجموعة من أفراد المجتمع التي تتوافر الشروط التي يتطلبها القانون

وقد أكد الدستور على المبدأ التقدم في المادة (22) عندما أعطى الحق لكل أردني في تولي المناصب العامة، وأساس المفاضلة بين الأردنيين – حسب الدستور- هو الكفاءة والجدارة، فالجدارة هي المعيار الأساسي لشغل الوظائف العامة، بحيث لا تكون ثمة أفضلية لشخص على آخر لأسباب تخرج عن قدراته كالأصل أو طريقة اكتساب الجنسية .

وقد يقول بعضهم بان الحكمة من وراء الحظر على الأردني المتجنس في تولي المناصب العامة إلا بعد مضي عشر سنوات، تتمثل باختبار ولاء هذا الشخص ، فلابد من إخضاعه إلى فترة اختبار قبل السماح له بتولي المناصب العامة .

نرد على ذلك بالقول بأنه لابد من احترام ما قرره الدستور من مبادئ، بما في ذلك مبدأ المساواة، و الدستور لم يميز ما بين الأردني بالميلاد و الأردني بالتجنس ، فهم سواء، و الطريقة القانونية للتأكد من ولاء الأجنبي الراغب بالتجنس تتمثل بوضع شروط موضوعية و صارمة لغايات التجنس ، بحيث لا يجتاز هذه الشروط إلا من ثبت ولاءه للأردن، ولكن متى اكتسب الأجنبي الجنسية الأردنية أصبح أردنيا من كافة ألوجوده ، و لا مجال لوضعه تحت الاختبار مجددا لغايات التأكد من ولائه للأردن ، فشرط الاختبار الوارد في المادة (14) من قانون الجنسية لا يتوافق و أحكام المادتين (6) و(22) من الدستور. وعليه نجد إن من حق الأردني المتجنس أن يتولى المناصب العامة ، من لحظة حصوله على الجنسية الأردنية .

ثانيا: الأردني مزدوج الجنسية:

يقصد بازدواج الجنسية هو أن يحمل الشخص أكثر من جنسية في آن واحد، و يعتبر وطنيا في أي دولة من الدول التي يحمل جنسيتها، و عندما يحل متعدد الجنسيات بأحد الدول التي يجمل جنسيتها ، يتم تغليب الجنسية المحلية عما عداها .

وهناك جملة من الأسباب التي تدفع بالشخص إلى اكتساب جنسية دولة أخرى، كالهجرة إلى تلك الدولة و كذلك أزواج من أجنبية، و اختلاف الأنظمة القانونية في منح الجنسية فبعضها يأخذ بحق الدم والبعض الآخر يأخذ بحق الإقليم، وقد تمنح الجنسية كمكافأة للشخص الذي يقدم خدمات جليلة للدولة التي يقيم بها .

لقد تناول الدستور الأردني الشروط المتعلقة بالوزير، فلا يلي الوزارة إلا الأردني وفقا لأحكام المادة (42) من الدستور ، كما تناول الشروط الواجب توافرها في العين والنائب في المادة (75) من الدستور) والتي جاءت بالقول : لا يكون عضوا في مجلس الأعيان والنواب : أ . من لم يكن أردنيا . ب. من يدعي بجنسية أو حماية أجنبية .....) .

وعليه، ومن خلال استقراء نصوص الدستور الأردني لسنة 1952 ، نجد بان المشرع الدستوري (التأسيسي) و المشرع العادي اتجهت نيتهما إلى حرمان مزوجي الجنسية من مباشرة حقوقهم السياسية والمتمثلة بشغل المنصب الوزاري و كذلك الترشح لعضوية المجالس النيابية ، ونسوق الحجج التالية لتدليل على صحة ما ذهبنا إليه :

أولا: من حيث دلالة القسم الدستوري: إن القسم الدستوري المنصوص عليه في المادتين(43) و(80) من الدستور يفترض وحدة الجنسية ، فرئيس الوزراء و الوزراء و قبل مباشرة أعمالهم يقسموا أمام جلالة الملك اليمن التالية (( اقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا للملك و أن حافظ على الدستور وان اخدم الأمة و أقوم بالواجبات الموكولة إلي بأمانة))

كما يقسم النائب و العين وقبل الشروع في عملهم اليمن التالي: اقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا للملك والوطن ، وان أحافظ على الدستور، وان اخدم الأمة ، وأقوم بالواجبات الموكولة إلي حق القيام.

إن الاستخلاص الحتمي لنصوص الدستور، وعلى الأخص المادتين(43) و(80) والتي تحتم بان يقسم الوزير وعضو البرلمان ، وقبل مباشرتهم لعملهم، قسما قوامه خدمة الوطن و الإخلاص إلى جلالة الملك والوطن والدستور ومصالح الشعب ، مما لايتصور معه ، في الاستنتاج العقلي والمنطقي، إن يكون الولاء للوطن شركة مع وطن غيره أو لملك غير ملك الأردن أو لشعب غير الشعب الأردني ؟

ومن نافلة القول ، إن هذه الأمر لا يتعرض للولاء الفعلي ، لان الأمر لا يتعلق بإثبات الولاء الفعلي ، فالولاء ينصرف إلى الولاء القانوني كحكم موضوعي ولا شأن له في الولاء الواقعي ، فالأمر مرده إلى حكم موضوعي قائم من مفاد أحكام الدستور يجد سنده في التكييف القانوني المجرد لرابطة الجنسية ، فالجنسية الأجنبية ، تفترض ، قانونا، ولاء وانتماء ، الأمر الذي ينجم عنه، لامحالة ، تصادما مع متطلبات الحكم الدستوري المتقدم ، دون إمكان التحدي في كل حالة على حدة ، بقيام الدلائل التي تفيد غير ذلك، أي ليست ثمة ولاء أصلا للجنسية الأجنبية ؟ فمجرد وجود الجنسية الأجنبية دليل قانوني كامل على الولاء لتلك الدولة.

ثانيا: تضار المصالح: من المستقر فقهاء وقضاء، بأنه في كافة التعاملات المدنية والتجارية وحتى السياسية ، هو عدم وجود تعارض أو تضارب للمصالح ، فهذا الأمر من المبادئ المستقرة في الضمير الإنساني تمليه العدالة المثلى ، وان مبدأ وحدة الجنسية يتفق مع مبدأ عدم تعارض المصالح ، ومن ثم ، فان وجود الأزواج يؤدي إلى وجود شبه تعارض في المصالح، لاسيما إذا كان هناك عدم توافق ما بين الدولتين التي يحمل الشخص جنسيتيهما ، و المثال التقليدي الذي يضرب هو اندلاع حرب ما بين هاتين الدولتين فإلى أي جانب سوف يقف هذا الشخص ؟؟

ثالثا: مفهوم الجنسية : يعرف فقهاء القانون الدولي الخاص الجنسية ، بأنها رابطة ولاء بين الفرد والدولة، حيث يدين فيها الفرد بولائه للدولة التي يحمل جنسيتها ، وفي المقابل ، يتعين على تلك الدولة إن تقوم بحمايته، سواء كان مقيما على إقليمها أو كان مغتربا، إذا ما تعرض قي دولة أخرى لأي مساس أو تعدٍ ، وعليه، فان الشخص الذي ينتمي إلى دولتين بحكم تمتعه بجنسيتين ، يعتبر متعدد الولاء بتعدد الجنسية.

إن المشرع الدستوري لم يكتفي بشرط الجنسية الأردنية ، كشرط للترشح لعضوية مجلس النواب ، بل أردف المشرع قائلا (( من يدعي بجنسية أو حماية أجنبية) ، ومما لاشك فيه ان لهذا النص دلالاته ، يتوجب استيعابها ، إذ ان المشرع يشترط فيمن يرد ان يمثل الشعب الأردني، ان يكون انتماؤه عميق الجذور في تربة الوطن ، مهموما بمشاكله وقضاياه حاملا لها في قلبه ووجدانه وحتى لو رحل إلى آخر الدنيا ، غير مُشرك في ولائه، قانونا، للأردن أي وطن آخر، حتى لو كان ذلك الوطن أكثر دول العالم تقدما .

وحيازة الشخص لجنسية غير الجنسية الأردنية، معناه إن الولاء المطلق والكامل و الواجب من قبله لوطنه (الأردن) قد انشطر قانونا إلى ولاءين احدهما للأردن والثاني لوطن أجنبي آخر، وحينها يكون الولاء الكامل للشعب والقيادة والوطن منقوصا إذا قسمناه على الأردن وعلى غيره من الأوطان .

و تولي المناصب العامة يتطلب ولاءَ كاملا للوطن (الأردن) لاسيما إن مهمة السلطة مجلس الوزراء إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية، ومهمة مجلس الأمة طبقا لأحكام الدستور هي تولي سلطة التشريع وإقرار جزءا مهما من السياسة العامة للدولة وممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية.

وأخيرا، نقول إن السماح بازدواج الجنسية في قانون الجنسية الأردني، كان وما زال يرمي إلى تعضيد الأردنيين المستقرين في الخارج واكتسبوا جنسية المهجر، وتشجيعهم على الاستمرار في النضال في الدول التي استقروا فيها. لكن إذا عاد الأردني مزدوج الجنسية إلى الأردن وأقام فيه ومارس أعماله، فان العلة من الاحتفاظ بالجنسية الأجنبية تزول، إلا إذا كان حمل الجنسية الأجنبية بجانب الجنسية الأردنية يمثل من وجهة نظره ميزة له لايريد النزول عنها ، أو يمثل حماية له من قبل دولة أجنبية لايريد أن يفقدها ، وكلا الأمرين يزعزع من يقين انتماءه للأردن ، فالأردني الحق هو من يعتز بأردنيته ويرفض تماما أن ينازعه في ولائه لها أي وطن آخر مهما كان.

هذا رأيي الاجتهادي في هذه المسالة، وهو بالطبع يحتمل الخطأ و يحتمل الصواب.

المراجع :

د. ثروت بدوي، النظم السياسية، دار النهضة العربية، القاهرة ، 1972 .

د. محمد إبراهيم علي ، مبدأ المساواة في تقلد الوظائف العامة – دراسة مقارنة، رسالة دكتوراة ، جامعة القاهرة ، 1984 .

د. هشام صادق، الجنسية و الموطن و مركز الأجانب، القاهرة، 1996 .

د. إبراهيم احمد إبراهيم، مركز الأجانب ، القاهرة 1993 .

د. هشام عكاشة، الحقوق السياسية لمتعدد الجنسيات ، دار النهضة العربية، القاهرة ، 2004 .

حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية الصادر بتاريخ 27/10/2000 بشان الطعون الانتخابية