العلاقات الأردنية السعودية.. العراقة والأصالة

اعداد: د.فتحي محّمد درادكة

مركز الرأي للدراسات

7/2010

 

اتسمت العلاقات الأردنية -السعودية بخصوصية مميزة عن غيرها من العلاقات العربية- العربية الأخرى، وقد أسهم في رسم هذه العلاقة الكثير من المعطيات التاريخية والسياسية والحضارية والثقافية والجغرافية.

وظلت العلاقات بين البلدين الشقيقين قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون؛ مما شكل عمقاً استراتيجياً للأردن والسعودية على حد سواء؛ مما يدل على النظرة الحكيمة من القيادتين.

تبادلت حكومتا المملكة العربية السعودية وإمارة شرقي الأردن الاعتراف المتبادل في آذار عام 1933م، من خلال برقيتين تبادلهما الملك عبد العزيز والأمير عبدالله، أعربا فيها عن رغبتهما في تحسين العلاقات بينهما. وعلى إثر الاعتراف المتبادل شرعت الحكومتان الأردنية والسعودية بمباحثات نتج عنها عقد معاهدة صداقة وحسن جوار لتنظيم العلاقات والتعاون بين البلدين وتنظيم الحدود بين الطرفين. ولزيادة تعميق العلاقات بين الجانبين قام الأمير سعود -ولي العهد السعودي- بزيارة إلى شرقي الأردن عام 1935م، أقام فيها أربعة أيام، زار خلالها مختلف المناطق وقام بزيارة لفلسطين وحظي بالصلاة في المسجد الأقصى. وكان لتلك الزيارة دور كبير في تعزيز العلاقات بين الجانبين، وقد تلقى الأمير عبدالله رسالة من الملك عبد العزيز شكره فيها على حسن الضيافة التي لقيها ولي عهده في شرقي الأردن.

وقد لعبت الدبلوماسية الأردنية والسعودية بقيادة الأمير عبدالله والملك عبد العزيز دوراً كبيراً في إنهاء الإضراب الفلسطيني الذي حدث في ثلاثينيات القرن الماضي، من خلال النداء الذي وجهه الى الفلسطينيين لفك الإضراب والعودة إلى الحياة الطبيعية في فلسطين. كما شاركت المملكة العربية السعودية وإمارة شرقي الأردن في تأسيس الجامعة العربية، وكانت من الدول السبع التي وقعت على برتوكول الإسكندرية. لذا نرى أن الدولتان كانتا تسعيان إلى التعاون والتكاتف العربي.وعندما حصلت شرقي الأردن على استقلالها في 25 أيار عام 1946 بعث الملك عبد العزيز ببرقية تهنئة إلى الملك عبدالله الأول.

وفي حزيران - تموز عام 1948م زار الملك عبدالله الأول الرياض، وكان يتطلع لهذه الزيارة منذ زمن بعيد، وقد لقي الملك عبدالله حفاوة كبيرة من لدن الملك عبد العزيز وقد استمرت الزيارة ثلاثة أيام تبادل الملكان خلالها الأحاديث والآراء حول قضايا العرب ومستقبل الصراع في فلسطين. وقد عبر البيان الختامي عن الرغبة في توثيق عرى العلاقات، وعن اتفاقهما في الغاية والهدف، وفي تأييدهما للجامعة العربية.

ومن طرائف المجاملة بين الملك عبد العزيز والملك عبدالله قول الملك عبدالعزيز للملك عبدالله حينما وصف زيارته بانها كالماء حيث قال: « إن الماء أيها الأخ لا يُقدّره إلا المحتاج إليه، وأنا أشد الناس حاجة الى هذه الزيارة».

وقد وصف الملك عبدالله الأول الملك عبد العزيز بقوله « فأنا اقرّ بأنّ جلالته من دهاة العرب في العصر الحاضر، حلو المعشر، اصحل الصوت، لطيف الكلمات والجمل، وهو سعيد النزل، ومكرم الضيف رزقه الله من البنين والحفدة، ومهّد له كل ما أراد ولقد صادف قرمين من العرب كلاما أشجع من أسامة بن زيد، ولكنه عرف كيف يتقي بأسهما ثم يتخلص منهما». وقد نتج عن تلك الزيارة أن تبادل الطرفان التمثيل الدبلوماسي.

وبعد أن تولى الملك طلال الحكم في الأردن، سعى إلى تمتين العلاقات مع السعودية، وقام بزيارة إلى الرياض بعد مدة وجيزة من توليته الحكم. وتابع الملك الحسين نهج جده ووالده في تعميق العلاقات الثنائية، وعلى إثر توليته سلطاته الدستورية شاركت السعودية بوفد رسمي كبير ترأسه الأمير مشعل للاحتفال بتتويج الملك الحسين؛ وتبع ذلك زيارة ولي العهد السعودي الأمير سعود لعّمان لتقديم التهاني باعتلاء الملك الحسين سلطاته الدستورية.

وأول زيارة قام بها الملك الحسين خارج مملكته كانت إلى الرياض للقاء الملك عبد العزيز. ولعل السبب الأساس في تلك الزيارة كان للتحالف معه، لما يمثله الملك عبد العزيز من خبرة وقوة كبيرة وقد كان الأردن بحاجة لمثل هذا التحالف.

مواقف المملكة العربية السعودية مواقف ثابتة وراسخة تجاه الأردن؛ فالسعودية هي الدولة العربية الوحيدة التي وفت بالتزاماتها تجاه الأردن عقب إنهاء المعاهدة الأردنية-البريطانية عام 1957م، وتوقيع اتفاقية المعونة العربية. وكان للبلدين مواقف متطابقة في الكثير من الأزمات التي عصفت بالمنطقة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين؛ فقد اشتركت القوات الأردنية والسعودية في تثبيت الأمن والنظام إثر اندلاع الأزمة العراقية الكويتية عام 1961م في الكويت، وشارك الجندي الأردني مع الجندي السعودي، جنبا الى حنب، في الدفاع عن حدود المملكة العربية السعودية الجنوبية في العام 1962م بعد الأزمة اليمنية، وكان التنسيق الأردني والسعودي على درجة عالية من التطابق والترابط في وجهات النظر. تجاوب الأردن بقوة مع دعوة الملك فيصل للتضامن الإسلامي وكان للأردن دور كبير في هذا الأمر، ونتيجة لهذا التطابق فقد قام الملك فيصل بزيارة للأردن في العام 1966م، تجول في ربوع الأردن وزار المسجد الأقصى المبارك. وعبّر البيان الختامي عن التطابق في وجهات النظر والمصير المشترك، وقد نتج عن تلك الزيارة أن رسمت الحدود الأردنية السعودية بشكل كامل، وسمحت السعودية للصياديين

الاردنيين بدخول المياة الإقليمية السعودية للصيد فيها.

رابطت القوات السعودية جنبا إلى جنب مع القوات الأردنية على الأراضي الأردنية، فقد دخلت القوات السعودية على اثر العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، ودخلت مرة أخرى في الحرب العربية الإسرائيلية الثالثة عام 1967م، وبقيت مرابطة في الأراضي الأردنية على خطوط الدفاع الأولى إلى العام 1975م، وقد انطلقت القوات السعودية من الأراضي الأردنية في العام 1973 للمشاركة في الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة، وبعد انتهاء الأعمال الحربية في الجبهة السورية عادت لترابط على الأراضي الأردنية. وكان الجندي السعودي مثالا للجندي العربي الأصيل الحرّ الذي يطلب إحدى الحسنيين امّا النصر أو الشهادة.

مواقف الملك خالد والملك فهد مواقف راسخة وثابتة تجاه الأردن؛ فقد التزمت السعودية، عقب مؤتمر بغداد عام 1979، بتقديم مساعدات للأردن بعد أن اقرّ العرب في هذا المؤتمر تقديم الدعم والمساندة لها، ولم توقف السعودية تلك المساعدات طوال تلك المدة، على الرغم من كل الظروف السياسية الصعبة التي عصفت بالمنطقة. تجاوب الأردن مع دعوة الأمير/الملك فهد للسلام في العام 1981م، مثلما تجاوب مع دعوة الأمير/ الملك عبدالله للسلام في العام 2001، في قمة بيروت وأصبحت تلك المبادرة محوراً للدبلوماسية الأردنية، كما أنها محور للدبلوماسية العربية من اجل حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على أساس من العدل والحق. وهذا مما يدلل على عمق العلاقات الثنائية والتطابق في وجهات النظر، ووحدة الرأي لحل الأزمات العربية العربية والعربية والدولية.

كان لوصول خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز إلى السلطة في المملكة لحظة تحول تاريخية في العلاقات الثنائية إذ إن خادم الحرمين الشريفين يكن للأردن مشاعر دافئة، ويقول المقربون منه إنها تعبير عن روح قومية تتملكه وتقدير خاص لموقف الأردن الحساس وأهميته في المنطقة. وللملك عبدالله بن عبد العزيز مواقف كبيرة وواضحة تجاه الأردن؛ فيوم رحيل المغفور له الملك الحسين بن طلال كان أول من وصل للأردن لمواساة الأسرة المالكة والشعب الأردني برحيل فقيدهم الكبير، ويومها أحاط جلالته الملك عبدالله الثاني بمشاعر وديّة، وتعهد بدعم الأردن لتجاوز المرحلة الانتقالية. وبالفعل تحقق ما سعى له الملك عبدالله بن عبد العزيز للأردن. كما شهدت العلاقات الأردنية السعودية نقلة نوعية في عهد خادم الحرمين الشريفين، وتتجه نحو التكامل في مختلف المجالات.

سجلت الزيارات المتبادلة بين القيادتين الأردنية والسعودية في عهدي الملك عبدالله الثاني وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز أعلى نسبة من الزيارات والمقابلات بين القيادتين، وتدل تلك الزيارات على الدرجة العالية من التطابق والتشاور في الآراء وتوحيد المواقف على المستويين العربي والدولي، والمواقف الأردنية والسعودية دوما متطابقة.

كان للزيارة التاريخية التي شرف فيها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد العزيز إلى عمّان في حزيران من عام 2007م، وقع كبير من لدن القيادة والشعب الأردني، وقد عكس الاستقبال التاريخي الذي جرى لخادم الحرمين الشريفين في عمّان، حيث ازدانت عمان بالإعلام الأردنية والسعودية وصور الملكين، وتجمعت إعداد غفيرة من المواطنين على طول الطريق التي سلكها الموكب الكبير، وعاشت عمان أحلى اعراسها الوطنية والقومية، وكان الاستقبال عفويا، حتى ان كبار السن، والنساء والأطفال تواجدوا على طول الطريق الذي سلكه موكب القائدين وهم يلوّحون بالإعلام الأردنية والسعودية. وفي نهاية زيارة الضيف الكبير تمّ الإعلان عن إقامة مدينة سكنية بالقرب من مدينة الزرقاء أطلق عليها اسم مدينة الملك عبدالله بن عبد العزيز بواقع 70 ألف وحدة سكنية يستفيد منها 370 ألف مواطن.

ونختتم حديثنا عن العلاقات الأردنية السعودية بما وصف به الملك عبدالله بن عبد العزيز العلاقة التي تربطه بجلالة الملك عبدالله الثاني والعلاقة بين الشعبين الأردني والسعودي قبيل زيارته لعمّان بقوله: « تربطني بأخي جلالة الملك عبدالله الثاني علاقات أخوية قوية قائمة على المحبة والثقة المتبادلة والاتصال والتشاور بيني وبين جلالته قائم ومستمر، هدفة مصلحة الشعبين السعودي والأردني ومصالح الأمة العربية. أمّا العلاقة بين الشعبين السعودي والأردني فيطول الحديث عن عمقها ومتانتها، لأنها قائمة على القربى والجوار والدين والمصير المشترك، ولذلك فلا غرابة في أن تجد هذا القرب وهذه الحرارة في الروابط بين قيادتي وشعبي البلدين».

فاهلاً وسهلاً بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز ضيفاً عزيزاًعلى قائدنا ومليكنا جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وعلى الشعب الأردني الذي يرى بخادم الحرمين قائداً عربياً مميزاً وزعيماً من زعماء الأمة الذين يحرصون على أمن واستقرار هذا الوطن العزيز، والحريص دوماً على تنقية الأجواء العربية.

? أكاديمي أردني

fdaradkeh@yahoo.com