الايديولوجيات الاقتصادية المطاطية

اعداد : محمد سامي ابو غوش.

مركز الرأي للدراسات

مستشار الادارة والتسويق

11/2010

يشهد العالم أزمة اقتصادية لا يفهمها الا الراسخون في الراسمالية تركت العالم معلقا ما بين الهاوية والهاوية والبنوك العالمية في مأزق والسوق العقاري في جنون والنظام التقاعدي في غرفة الانعاش، وتحاول الدول الرأسمالية حلها وإيجاد السبل للخروج من هذه الأزمة التي سببت كارثة اقتصادية تهدد العالم بأسره.وتركته مضرجا بدماء اقتصاد منهار , فقد انعقدت قمة العشرين بلندن يوم الخميس الثاني من نيسان عام 2009م في محاولة للخروج من هذه الأزمة الخانقة .ولكن ازدادت الأزمة الإقتصادية العالمية سوءا منذ قمة واشنطن في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني ، والتي عقدها زعماء الدول العشرين والتي تستحوذ على 90% من الناتج الإقتصادي العالمي و 80% من التجارة العالمية وهي تضم ثلثي سكان الأرض ,وكانت القرارات السياسية والبطولات الكاريكاتورية والبيانات والخطابات الاقتصادية مثل الايديولوجيات المطاطية. فقد فشلت معالجات الدول الرأسمالية جميعها للأزمة الاقتصادية الكارثة، لأنها من جنس المبدأ الذي أنتج هذه الأزمة، فالمبدأ الفاسد في أساسه سينتج عنه اقتصاد فاسد حتماً، وسيولد الشقاء لمن يطبق هذا المبدأ، وكذلك فإن المعالجات المنبثقة عنه ستكون معالجات فاسدة،

هذه الأزمة التي تعصف الآن بالعالم ليست الأولى من نوعها, فلقد كانت هناك أزمة كبرى في عام 1929 وسميت بأزمة الكساد الكبير, ومن أشهر أزمات النظام الرأسمالي ما حصل في الأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول عام 1997 حيث حصل هبوط حاد في أسعار الأسهم في الأسواق المالية الكبرى ، بدأ في هونغ كونغ ،وانتقل إلى اليابان ، ثم لأوروبا ،وتتالى الهبوط من بلد لآخر مع تتالي طلوع الشمس في كل منها ، وقد سبق هذه الأزمة التي حصلت في أوروبا وأمريكا ما كان يجري في جنوبي شرق آسيا من تدهور في أسعار صرف عملات دولها وهبوط أسعار أسهم شركاتها فأشرفت عدد من المصارف والشركات على الهلاك من الصين إلى الفلبين وماليزيا وإندونيسيا ثم امتدت الأزمة كالعدوى إلى شمال آسيا ومن ثم الى دبي واوروبا وامريكا .

تفاعلت أزمة الرهن العقاري، وتوسعت البنوك في اعطاء القروض، وعجز المقترضون عن السداد، فأفلست كبرى البنوك والمؤسسات المالية وصلت اعدادها فوق 250 بنكا في أمريكا ، وبسبب كثافة الدعاية لسوق الرهن العقاري في أمريكا، وللأرباح الوفيرة المتوقعة وفق أرباب صناعة الإعلان… فقد تسارعت البنوك الدولية والأسواق المالية للإستثمار في هذا السوق، وهكذا انعكس إفلاس البنوك والمؤسسات المالية الأمريكية على العالم، وأصابت “عطسة” أمريكا العالم بالزكام.لقد قدَّرت بعض المصادر المالية خسائر الرهن العقاري بنحو “1400” مليار دولار في أمريكا وحدها، و"550" مليار دولار في دول العالم الأخرى! فبدأت الدول، وبخاصة الغنية، تضخ الأموال بالمليارات إلى الأسواق المالية لإسناد السوق وتوفير السيولة لتحريك عملية الاقتصاد، بل إن بعضها تدخلت مباشرة لدرجة وصلت التأميم لبعض المصارف كما حدث في بريطانيا! وإن ما حصل مؤخرا في أزمة الرهن العقاري الحادة والمستمرة دليل على فساد النظام الإقتصادي الرأسمالي, فقد وجدت آلاف الأسر نفسها في الشارع بعد أن خسرت بيوتها التي ذهبت إلى المؤسسات الربوية.

فقد اعترف الساسة والإقتصاديون عجزهم عن إيجاد حل لهذه الأزمة الكارثية، وأعلنوا عجز مبدأ الرأسمالي عن تجاوز الأزمة وحلها،( اللهم لا شماتة في ميت ) وقد صدر هذا اليقين وهذا الإعلان على لسان كبار ساستهم من أمثال الرئيس الفرنسي ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني براون والرئيس الامريكي اوباما وغيرهم، ومع أنهم قاموا ببعض الأعمال لمعالجة الأزمة إلا أنهم اعترفوا بفشل تلك الأعمال، كفكرة ضخ السيولة في الأسواق والبنوك والشركات المتعثرة، مع أنهم كانوا يدفعونها من أموال دافعي الضرائب ، أي يأخذون من الفقير ليقيلوا عثرة الغني... فما زالوا على ضلالهم القديم، في حرصهم على إنهاض الغني الرأسمالي المتعثر، ولو على حساب الفقير...إن هذا الإقتصاد الرأسمالي الذي سبب كل هذه الكوارث المعيشية والاجتماعية يقوم على ركائز ثلاثة هي أساس الداء ومكمن البلاء وهي التالية:

1- شركات المساهمة الوهمية : وهي الشركات التي يتم تداول أسهمها في البورصة فتصبح قيمة هذه الشركة أضعاف قيمتها الحقيقة نتيجة للمضاربة على أسهمها, فالشركة التي أصولها على الحقيقة تساوي 200,000 دولار مثلا, قد تصبح قيمتها في البورصات نتيجة المضاربة مليون دولار, وهذا معناه بيع أوهام لا أكثر فربما دفع مضارب 100,000 دولار في اسهم شركة لعله يحصل على 10% منها, ولكنه يكتشف أن الشركة لا تساوي بجميع ما فيها 10,000 دولار.

2- الربا . او الفائدة بنظام البنوك الغربية ,او المرابحة العالية بنظام البنوك الاسلامية.وهي النسبة المتصاعدة للفوائد على القروض وهي ايضا على بطاقات الائتمان والشيكات وغيرها

3- النقد الإلزامي , أي أن الدول لا تغطي عملتها المطبوعة بالذهب أو الفضة, وإنما العملات مثل الشيكات تصدرها الدولة وتلتزم بتصريفها دون أن يكون لها رصيد حقيقي, ولعل في عملة العراق مثال يوضح المسألة فقد تهاوى سعر صرف الدينار العراقي الى قيمة تقارب الصفر ولو كان هذا الدينار مغطى بالذهب أو نائب عن الذهب والفضة لما خسر الناس أموالهم لمجرد أزمة سياسية ألمت بالبلد.

وقد تآزرت هذه الأنظمة الثلاثة لتقسم الإقتصاد الرأسمالي إلى نوعين من الإقتصاد أو الأسواق

• الأول هو الإقتصاد الفعلي وفيه يكون إنتاج وتسويق السلع والخدمات الفعلية ،

• الثاني هو الإقتصاد المالي ، وهو ما يسميه بعضهم بالإقتصاد الطفيلي القائم على الشركات المساهمة والبورصات والأسواق المالية التي يتم فيها بيع وشراء الأسهم والسندات، والبضائع دونما شرط التقابض للسلع بل تشترى وتباع مرات عدة ، دون انتقالها من بائعها الأصلي، وهو نظام باطل يُعقِّد المشكلة و لا يحلها، حيث يزيد التداول وينخفض دون تقابض بل دون وجود سلع...، كل ذلك يشجع المضاربات والهزات في الأسواق، وهكذا تحدث الخسائر والأرباح بطرق شتى من النصب والإحتيال وقد تستمر وتستمر قبل أن تنكشف وتصبح كارثة اقتصادية.

إن هذه الأسواق المالية مصدر كبير للفقر المدقع لكثير من الفقراء حول العالم, و هي أسواق تقتات على حساب المستثمرين الصغار, و الجائعين و المحرومين. و مع أن حجم الأموال المتداولة فيها تقدر ب 98% مقارنة بالمال المستخدم في الإقتصادي الحقيقي و الفعلي المتعلق بالإنتاج, إلا أن هذه الأموال لا ينتفع بها إلا فئة قليلة من الناس، و لا شك أن المضاربات من أهم الأسباب في الأزمات الاقتصادية الأخيرة, حتى أن سياسي العالم انتقدوها مؤخراً وطالبوا بفرض قيود صارمة على المضاربين و مراقبة البورصات.

من ذلك ما قاله الرئيس الفرنسي ساركوزي: لقد حان الوقت لجعل الرأسمالية أخلاقية بتوجيهها إلى وظيفتها الصحيحة، و هي خدمة قوى التنمية الإقتصادية و قوى الإنتاج، و الإبتعاد تماما عن القوى المضاربة .

لقد جمعت المضاربات في الأسواق المالية كل مساوئ النظام الإقتصادي الرأسمالي: الفوائد الربوية, العملات الإلزامية الغير مغطاة, البيع و الشراء بغير تقابض, اعتماد أساليب الغش و الكذب والاحتيال و التمويه و التآمر في رفع الأسعار و تخفيضها, و المجازفة بالاعتماد على العامل الغيبي في البيع و الشراء .

وأما بالنسبة لنظام الربا المصرفي فإن القروض الربوية تشكل مشكلة اقتصادية كبرى،حتى إن مقدار الدين الأصلي سيتضاءل مع الزمن بالنسبة للربا المحسوب عليه، فيصبح عجز الأفراد والدول أمراً وارداً في كثير من الحالات، ما يسبب أزمة تسديد الدين، وتباطؤ عجلة الإقتصاد لعدم قدرة كثير من الطبقات الوسطى بل والكبرى عن تسديد الدين ومواكبة الإنتاج.

وأما بالنسبة لنظام النقد الإلزامي فإن النقود تُعرّف بأنها الشيء الذي اصطلح الناس على جعله ثمنا للسلع وأجرة الجهود والخدمات وقد كان النظام المعدني هو النظام السائد من قديم الزمان قبل التعامل بالدينار والدراهم ، أي بالنظام المعدني ،

فيجب أن يكون الذهب والفضة هو النقد لا غير، وأن إصدار الأوراق النائبة يجب أن تكون مغطاة بالذهب والفضة بكامل القيمة وتستبدل حال الطلب. وبذلك فلا يتحكم نقد ورقي لأية دولة بالدول الأخرى، بل يكون للنقد قيمة ذاتية ثابتة لا تتغير.

ومنع بيع السلع قبل أن يحوزها المشتري، وما تنص علية جميع قوانين الارض في عدم بيع ما لا يملك الإنسان،او التداول في الأوراق المالية والسندات والأسهم الناتجة عن العقود الباطلة، وحرم وسائل النصب والاحتيال التي تبيحها الرأسمالية بدعوى حرية الملكية.

لقد تم إقصاء الذهب عن كونه الغطاء النقدي، وإدخال الدولار شريكا له في اتفاقية بريتون وودز مع نهاية الحرب الثانية، ثم بديلا له في أوائل السبعينات، قد جعل الدولار متحكما في الاقتصاد العالمي، بحيث تكون أية هزة اقتصادية في أمريكا مشكِّلةً ضربة قاسية لاقتصاد الدول الأخرى، وذلك لأن مخزونها النقدي، معظمه إن لم يكن كله، مغطى بالدولار الورقي الذي لا يساوي في ذاته أكثر من الورقة والكتابة عليها، و حتى بعد أن دخل اليورو “حلبة الملاكمة"، وأصبحت الدول تحتفظ في مخزونها النقدي نقودا غير الدولار، إلا أن الدولار بقي يشكل النسبة الأكبر في مخزون الدول بشكل عام.نضيف إلى ذلك كله أمرا مهما، وهو عدم الوعي على واقع الملكيات، فهي كالتالي :

مِلكية عامة تتولاها الدولة تماما كالنظرية الاشتراكية الشيوعية، وهي منع الأفراد والمؤسسات والشركات من امتلاك ما هو داخل في الملكية العامة، كالبترول والمعادن والطاقة والكهرباء المستعملة في الوقود… وجعل الدولة تتولاها وفق الأحكام الشرعية. والمِلكية عامة تشمل المناجم الصلبة والسائلة والغازية، كالبترول، والحديد والنحاس والذهب والغاز وكل ما في باطن الأرض، والطاقة بكل صورها، والمصانع الكبرى التي تكون فيها الطاقة عنصرا أساسا… فيجب أن تتولى الدولة استخراجها وتوزيعها على الناس عينا وخدمات.

• مِلكية خاصة يتولاها القطاع الخاص ولا تتدخل الدولة بها وفق النظرية الرأسمالية الليبرالية المعتمدة على حرية السوق، والخصخصة، ثم أضيف لها العولمة. والملكية الخاصة بالافراد سواء الفقير ام الغني

إن عدم الوعي هذا على واقع المِلكيات أوجد ويوجد الهزات الاقتصادية والمشاكل الاقتصادية، وذلك لأن المِلكيات ليست إما أن تتولاها الدولة، أو يتولاها القطاع الخاص،

• مِلكية دولة وهي ما تأخذه الدولة من ضرائب بأنواعها، وما تنشئه من تجارة وصناعة وزراعة في غير الملكية العامة، وهذه تنفقها الدولة على مرافق الدولة .

ثم المِلكية الخاصة وهي الأمور الأخرى، وهذه يتصرف بها الأفراد وفق الأحكام الشرعية ولقد أيقن الساسة والاقتصاديون والمفكرون في العالم أن سبب ما يمرون به من كارثة اقتصادية طامّة؛ إنما هو المبدأ الرأسمالي، الذي يحرص على مصالح الرأسماليين فيه، فيملأ جيوبهم على حساب باقي الناس، وقسم العالم إلى فئتين: فئة لا تصل إلى 5% من الناس تملك أكثر من 80% من مقدرات العالم وثرواته، والأخرى 95% من الناس، ولا تكاد تملك 20% من الثروة، بل إنه يحرم الملايين من لقمة العيش ليحقق الرفاهية للرأسماليين