بابا القرن الواحد والعشرين فرنسيس

اعداد : أ. د. كامل صالح أبو جابر

مركز الرأي للدراسات

كانون ثاني 2014

حياته

ولد البابا فرنسيس باسم خورخيه ماريو بورغوليو في مدينة بوينس آيرس في الأرجنتين يوم 17 كانون الأول 1936 لأبوين مهاجرين من إيطاليا. وكان والده يعمل محاسباً في مصلحة سكة الحديد.

حصل على شهادته الأولى في علم الكيمياء، واختار الالتحاق إلى الرهبنة اليسوعية عام 1958، مواصلاً دراسته في تشيلي، ثم عاد إلى بلاده ليعمل استاذاً للآداب وعلم النفس.

جرت سيامته كاهناً عام 1969، وحصل على شهادة الدكتوراه عام 1986، وعمل في مجال التدريس والكهنوت، وتدرج في المراتب الكنسية حتى حظي على لقب كاردينال على يد البابا يوحنا بولس الثاني عام 2001، وانتخب لمنصب البابوية يوم 13 آذار 2013.

يحب قداسته الحياة البسيطة، حيث يقول: « إن رعيتي من الفقراء وأنا واحد منهم... وأن من يدوس كرامة أي إنسان يرتكب خطيئة كبرى». ومن المعروف عنه استعماله للمواصلات العامة، واقامته في شقة متواضعة، حيث يقوم بنفسه بطبخ ما يأكله.

من سماته التزامه القوي بالمبادئ العليا، وجرأته في الإفصاح والدفاع عنها، وحتى في نقده لسقطات الرأسمالية، فهو لا يريد لها الفناء بل أن تعود إلى مبادئها الإنسانية. وكذلك نجده ينتقد الفروق الهائلة في الرواتب، ويتحدث عن الفقر كنوع من «العبودية».

مقدمة

يظهر البابا فرنسيس على الساحة العالمية في لحظة تاريخية رديئة تلعب فيها وسائل الإعلام الدولية، التي تدخل اليوم كل بيت في العالم ليشاهدها الشيوخ والنساء والأطفال، دوراً سيئاً، حيث تروج للجنس والعنف والعنصرية، وتعمل على هدم وتدمير القيم الروحية والإنسانية النبيلة التي جاءت بها الأديان والعقائد البشرية عبر التاريخ لترفع الإنسان إلى مراتب أسمى وأرفع من مجرد غرائزه ورغباتية الأنانية.

أحسب أن البابا رقم 265، والأول من العالم الجديد لن يكون مجرد رجل دين تسلّم أرفع مركز ديني في الكنيسة الكاثوليكية يأتي ويذهب والواقع البشري على ما هو عليه. ولعل كونه البابا الوحيد منذ 1300 سنة الذي تسلم كرسي البابوية من خارج أوروبا، ومن بلد من بلدان العالم الثالث أحد أهم مميزاته وسماته التي تبرز اليوم تلو الآخر، وتجعل منه إنساناً أقرب إلى قلوب البشر أينما كانوا، وإلى أي ملة أو شيعة أو دين يتبعون. إنسان كبير في زمن تسود فيه قيادات قزّمتها شهوات السلطة والتسلط والغرائز الوضيعة والعنصرية التي تميز بين جنس ولون وآخر، لا بل ما بين كل فرد وآخر. يفكر من منطلقات مسكونية إنسانية تتخطى حواجز القومية وعقائد العصر لتخاطب الإنسان كإنسان، حيث يقول إن في الحوار احترام الآخر للآخر، لا فرق بين إنسان وآخر، وإن اليهودية رسالة سماوية سبقت المسيحية التي لم تنكرها، وإن الإسلام رسالة سمحة سماوية تدعو إلى محبة الله والجار معاً، فهو على تمام الاستعداد للدخول في حوار حتى مع الذين يعلنون كفرهم بالله، حيث قام هو شخصياً بالاتصال برئيس تحرير صحيفة لاريبوبليكا الإيطالية وأجرى معه لقاءات يسأله في إحداها بقوله «... تقول إنك علماني لا تؤمن بالخالق فبماذا تؤمن إذن... حيث أعتقد أنه لا بد لك أن تتساءل كما يتساءل الآخرون من نحن ومن أين جئنا وإلى أين نحن ذاهبون؟»

يسير البابا فرنسيس على خطى القديس فرنسيس الإسيسي الذي جرحت روحه مظاهر الفقر والبؤس والشقاء الذي يعاني منه البشر، ففعل ما فعله البوذا في ديانة أخرى وتخلى عن ترف ورفاهية عائلته، وصعّد إلى المثل المنادية بالعدل والإنسانية ليساعد الفقراء والمظلومين.

ما يقوله البابا ويفعله صرخة ضد البؤس والظلم والطغيان الذي تعاني منه أجزاء واسعة من البشرية اليوم، الأمر الذي حدا به أن يلعن الرأسمالية المتوحشة في عالم اليوم، والانقسام الدولي إلى عالم الغرب المرفه والعالم الآخر، عالم الفقر والجهل والاستبداد في معظم أرجاء المعمورة.

لا شك في أن مواقفه الإنسانية وضعته على طريق المواجهة المباشرة مع عالم الغرب الذي فقد الكثير من المثل العليا الإنسانية التي طالما دعى إليها، فابن الأرجنتين التي عانت من تعنت واستكبار الرأسمالية العالمية، كما عانت معظم بلدان أمريكا اللاتينية والعالم الثالث واع كل الوعي لما عانته بلاده وكوبا وفنزويلا، وغيرها من دول العالم الثالث في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط، جراء الرأسمالية وامتداداتها الإمبريالية على مدى القرون الخمسة الماضية.

فرحة الرسالة

ما أحوج عالم اليوم إلى قيادة عالمية إنسانية يعتمر قلبها بالإيمان والرحمة التي وضعها الفقه الإسلامي حتى فوق العدالة، إذ لا مكان حقيقيا في الحياة البشرية للعدالة وحتى الحرية إذا انعدمت الرحمة التي دعت كلتا الديانتين المسيحية والإسلامية، وما رسالته الأخيرة بعنوان Evangelie Gadium أو «فرحة الرسالة» إلا صرخة تذكر الناس بالتعاليم والمثل العليا التي دعا إليها المسيح، الذي كان المثال والقدوة ضد الاستكبار والاحتكار والرأسمالية الجشعة. مثل هذا الفهم لطبيعة الدين وإنسانيته ما قاد البابا الجديد إلى الدعوة ضد مفاهيم الرأسمالية المطلقة، والتي تزعم زوراً وبهتاناً أن لا بد من أن ترشح بعض المنافع للطبقات الدنيا والفقيرة جراء إطلاق العنان لقوى السوق الحر تفعل ما تشاء. مثل هذه المفاهيم رجعت بالبشرية إلى عهد عبادة العجل الذهبي، وولادة استبداد جديد داخل المجتمعات وبينها، تسود من خلاله شريعة الغاب، حيث الغنيمة للأقوى والأقدر على البقاء من غيره. ويقول قداسته «لقد خلقنا أصناماً جديدة.... إذ نقبل بسيادة المال على أنفسنا وعلى المجتمع وعبادة الذهب التي تفتقر إلى المعايير الإنسانية، وتقود إلى عطش لا يرتوي، إلى مزيد من السلطة والتسلط واكتناز للمال لا حدود له»، كما يفعل البعض والشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للحدود. مثل هذه الحال تقود إلى عدم المساواة التي تشكل بدورها العمود الفقري لجميع الأمراض الاجتماعية، حيث لا بد أن يكون من حق كل إنسان أن يقوم المجتمع بتوفير العمل الكريم له والتعليم والرعاية الصحية.

لا أعتقد أن الرأسمالية العالمية التي تتهمه اليوم بالماركسية، والمقصود حقاً بالشيوعية، والتي سيطرت على مقدرات العالم على مدى القرون الخمسة الماضية، وقادت إلى حال الفوضى والحيرة والضياع والعنف على صعيد الكون لصالح ما أسماه الرئيس الأمريكي الراحل أيزنهاور بالتحالف «الصناعي العسكري»، ستغفر له هجومه الواضح عليها وعلى مخالبها التي لا تعرف معاني الرحمة والإنسانية. لكنها مما لا شك فيه لن تستكين وتستسلم، حيث لم تقدم سابقاً ولا هي تقدم الوسائل اليوم للتعامل مع مثل هذا التحدي غير المسبوق من أرفع سلطة دينية مسيحية في عالم اليوم، هذه الكنيسة الكاثوليكية التي أسهمت سابقاً في القضاء على الشيوعية المادية تجد نفسها اليوم في مواجهة مع مادية أقوى وأعتى من الشيوعية.

والصراع الذي انتهى قبل نحو عقدين من الزمن فقط بين الشر ق والغرب ينتقل اليوم إلى صراع داخلي في ما يسمى في الغرب، لا على روحه ومبادئه فحسب، بل وربما على مصير الإنسانية وقيمها الروحية تجاه عقيدة مادية سخرت المثل والمبادىء النبيلة وحتى الدين لخدمة أغراضها.

إن الكنيسة الكاثوليكية تقع اليوم على درب صدام مع المادية الرأسمالية، بالذات في أمريكا، حيث يقف ملايين المحافظين الجدد خلف المبادىء التي تحارب العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية بحجة الدفاع عن حرية السوق والديمقراطية الشكلية، التي قادت إلى تقسيم المجتمعات إلى طبقتي الأغنياء والفقراء داخلها وما بينها كذلك، وكأن هناك للحرية السياسية أية معنى في غياب المساواة والعدل بين البشر. فالأزمة التي كانت قبل عقود قليلة ما بين شقيّ الحضارة الغربية شرقيها وغربيها تنتقل اليوم إلى مواجهة داخل الحضارة الغربية الغربية، ما بين كنيسة كاثوليكية تطالب بالعدل وتغلب القيم المسيحية البسيطة، التي بشر بها السيد المسيح، وقوى رأسمالية ترغب في الحفاظ على النظام الرأسمالي، ويساندها ملايين المحافظين.

واضح أن البابا فرنسيس يدعو إلى ميثاق اجتماعي دولي إنساني يعمل على أنسنة المجتمات، ويسمو فيها فوق المجتمع الاستهلاكي المادي الذي تعلو فيه قيم الربح والخسارة على أي قيم إنسانية أخرى. ومن أهم مظاهر هذه الدعوة أنها تأتي في زمن خلت فيه الساحة الدولية من قيادات ذات رؤية عابرة لحدود القومية والعرق وحتى العقيدة.

عقيدة الرأسمالية أعادت إلى بعض المجتمعات الغربية مفاهيم الداروينية الاجتماعية التي تؤكد على أن البقاء هو للأقوى والأقدر على التكيف، والتي رجعت بها إلى شريعة الغاب حيث تسود مقولة «إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب».

الرحمة

ما يقوله سيد حاضرة الفاتيكان الجديد إن رحمة الله واسعة، وإن لكل دينه أو حتى كفره، وإن الله هو من يحاسب الجميع في النهاية، يذكر بالمبادىء الإنسانية التي تجمع جميع البشر تحت لوائها دون استثناء، بغض النظر عن هذه الطائفة أو تلك، أو حتى عدم الدين كذلك.

ما يعمل له البابا هو محاولة لإحياء القيم الروحية والإنسانية التي تراجعت في الغرب، حيث يصرّح بعض القادة الغربيين، كالسيدة ميركل في ألمانيا، وكاميرون في بريطانيا، وهولاند في فرنسا بموت التعددية (Multiculturalism)، والتي تعني عملياً رفض الآخر، وكذا التراجع عن أجمل القيم التي كانت نتاجاً لعصر التنوير والنهضة الأوروبية، كالمساواة والعدالة وحقوق الإنسان. ما يدعو إليه البابا فرنسيس بمثابة ثورة تعود بالمسيحية إلى أصولها المتمثلة بيسوع الناصري وبساطته وتواضعه، ومناصرتها للفقراء والمساكين، والذي كانت حياته ثورةً على الظلم ودعوة تذكر الإنسان بأخيه وجاره الإنسان، وأن الحياة المادية الشرسة هي ما دعته إلى القول إنه أسهل على جمل أن يدخل ملكوت السموات من ثقب إبرة من أن يدخلها ثرى انعدمت فيه قيم الإنسانية، وسيطرت عليه أحاسيس وفهم الدنيا. هاجس قداسته الأكبر هو الرحمة التي يقول إنها أهم عناصر رسالة الخالق للبشر، الخالق القادر الذي هو قطعاً أكبر من الخطيئة.

وأحسب أن في مثل هذه الدعوة التي يدعو لها هذا الرجل الصالح، وفي مثل هذا الزمن التي استشرت فيه الصهيونية ذات النفوذ الواسع على وسائل الإعلام والمال والسياسة الدولية، ما يضعه على خط تصادم مباشر معها، الأمر الذي يدفعنا جميعاً إلى أن نعضده ونسانده، وهو الذي خاطب اليهود والإسلام والمسلمين، وحتى العقائد غير التوحيدية الأخرى، وما زال يخاطبهم من منطلق الاحترام والتقدير والمحبة، أما وهو الذي ما زال يؤكد المرة تلو الأخرى أن رحمة الله أرحب وأوسع، وأنها تشمل حتى من كفروا به، وهو كذلك الإنسان الذي يحاول أن يعود بالمسيحي وبالدين إلى برائته وبساطته، فيعزف عن مظاهر الأبهة والفخفخة لينزل إلى الشارع، ويعيش في شقة ويستعمل وسائل النقل الشعبية. وهو يدعو الكنيسة إلى النزول إلى الشارع لتحسس الآم البشر والعمل معهم، وإلى ضرورة إعادة النظر في رسالتها في القرن الواحد والعشرين.

لا شك في وجود نسمة أمل في دعوة البابا فرنسيس نحو إعادة تأهيل الكنيسة الكاثوليكية من جهة لتواكب العصر الحديث، ونداء لإعادة أنسنة الحضارة الغربية التي استشرت فيها الرأسمالية لإيقاظ ضميرها الذي طغت عليها المادة الاستهلاكية. وعلى الرغم من اتهام بعض أجهزة الإعلام الغربية له بالماركسي، فإن في دعوته نداء نحو الانفتاح والتواضع، وهو ما يدعو له في تأييده للاهوت التحرر الذي لا بد أن ينطلق من الإنجيل، ونداء لإنصاف الطبقات الفقيرة والمعدمة داخل وما بين المجتمعات البشرية، وتحريرها من ظلم الفقر وقسوته.

اللاهوت التحرري

واضح إذن أن دعوة البابا فرنسيس شاملة تتخطى حدود المكان والزمان، وتدعو إلى تغيير التوجهات الإنسانية، وإعادة القيم الدينية والروحية إلى المجتمعات الاستهلاكية المنتشرة في أرجاء المعمورة اليوم، حيث يبدو أن لا الأديان، ولا العقائد، ولا حتى القوانين والتشريعات، التي تدعو إلى حماية الجماعات الدينية أو اللغوية أو القومية، ولا الفقراء قد نجحت في ذلك.

لا شك في أن نشأته في إحد بلدان العالم النامية، التي عانت من الرأسمالية الأمريكية، كان لها أكبر الأثر في توجهاته الفكرية، حيث ظهرت على مدى عقود القرن العشرين في أمريكا اللاتينية بالذات أفكار وعقيدة اللاهوت التحرري (Liberation Theology) الأقرب فكرياً إلى مفاهيم العدالة الاجتماعية، وبالذات ما بشرت به الكنيسة الكاثوليكية في أعقاب الحرب العالمية الثانية من الاشتراكية والديمقراطية المسيحية التي كان من أهم أسباب ظهورها جاذبية الأحزاب الشيوعية التي كانت تتمتع بنفوذ واسع في معظم بلدان أوروبا، وبالذات في إيطاليا وفرنسا، في صفوف الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة المتدنية كذلك، والتي أسهمت إلى حد كبير في القضاء على الشيوعية في بلدان أوروبا الغربية أولاً وفي كتلة الدول الشرقية بقيادة الاتحاد السوفياتي لاحقاً.

في دعوته للكنيسة إلى العمل المباشر مع الشعب، وبالذات الطبقات الفقيرة إذن تجديد لدعوتها التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية، وحيث كانت الدعوة في الحالة الأولى لمحاربة الشيوعية، فإن دعوته في اللحظة التاريخية الراهنة تضعه، ومعه الكنيسة الكاثوليكية في حال صراع ما زال في بداياته داخل المجتمعات الغربية مع الرأسمالية.

ومن الملاحظ أن دعوته تجد مقاومةً قويةً لها في الولايات المتحدة، وأخرى أقل حدةً في أوروبا الغربية، ويُعزى ذلك إلى نشأة المجتمع الأمريكي حسب مفاهيم الفردية المطلقة المستندة إلى أفكار الداروينية الاجتماعية التي تقول بالبقاء للأقوى. وحيث كان المستوطنون الأوائل في صراع مباشر مع الطبيعة من جهة، ومع السكان الأصليين كذلك، بحيث أصبحت القارة الأمريكية على مدى القرون الخمسة الماضية مختبراً اجتماعياً للفردية دون رابط أسري أو اجتماعي، كما كانت الحال في مجتمعات أوروبا الأقدم والأكثر أسرية وترابطاً، والتي بسبب تراثها السياسي والاجتماعي أصبحت أكثر تقبلاً، لا بل ترحيباً ببعض مفاهيم العدالة الاجتماعية، ولا سيما في مجالي التعليم والصحة.

ومن الملاحظ مثلاً أنه حتى اليوم لا يوجد في الولايات المتحدة ما يسمى بالشبكة الاجتماعية للتعليم المجاني والتأمين الصحي حتى أن الرئيس باراك أوباما نفسه قال إن هناك ما يزيد على الأربعين مليوناً من فقراء أمريكا دون تأمين صحي.

إن أي دراسة متأنية ومنصفة للمفاهيم الراقية التي يدعو لها قداسة البابا فرنسيس تظهر احترامه الكامل لمؤسسات الكنيسة الكاثوليكية ومواقفها الأساسية تجاه بعض القضايات التي تواجه المجتمعات المعاصرة. وهو عكس ما تقوله بعض أبواق الرأسمالية الغربية، وتحديداً في الولايات المتحدة، ليس ثورياً ماركسياً، بل يصر على ضرورة الحفاظ على مفاهيم الكنيسة الأساسية المرتكزة إلى الإيمان الذي لا مساومة عليه ولا تهاون فيه.

ففي الوقت الذي تجد رسالته تجاوباً يمس قلوب البشر الفقراء والمستضعفين، يصر على ضرورة عدم زواج رجال الدين، ويشدد على التمسك بالقيم العائلية، ويرفض بقوة موت الرحمة (Euthanasia) والاجهاض (Abortion)، ويعتبرهما قتلاً، ويصر على أن الزواج الصحيح هو بين ذكر وأنثى لا زواج المثليين، ويدعو إلى ضرورة احترام المسنين في مجتمع تزداد فيه شهوة التملك والاستهلاك.

وما الهجوم الرأسمالي، الذي ما زال في بداياته، ولا شك في أنه سيزداد شراسةً وضراوةً في المستقبل، إلا لأنه يقف كما وقفت المسيحية والإسلام مع السلام الاجتماعي المبني على العدالة والأسس الإنسانية التي تدعو إلى صون كرامة كل إنسان، وحقه في أن ينال حصته من رزق الخالق كحق أصيل وأساسي له، لا منّةً ولا حسنةً مما قد يرشح من فتات الرأسمالية الفوقي.