مركز الرأي للدراسات
اعداد : د.جوني منصور / مؤرخ ومحاضر من حيفا.
آذار 2014
شرّع كنيست اسرائيل في الأسبوع الثالث من شهر شباط - فبراير الماضي قانونا أقل ما يمكن أن يوصف به أن تمييزي / تمزيقي بكل ما في الكلمة من معنى. وحيث أنه تفضيلي من حيث عنوانه ومضمونه فهو اولا اعتراف اسرائيلي بسياسات حكوماتها منذ 1948 التمييزية تجاه المواطنين العرب، وثانيا اعتراف من المؤسسة الرسمية أنها ماضية في التعامل مع العرب على أساس طائفي وليس على اساس انتماء قومي، أو حتى انتماء إلى دولة كإطار حياتي / تنظيمي.
القانون الذي شرّعه الكنيست بمبادرة عضو الكنيست اليميني المتطرف يريف ليفين رئيس الائتلاف الحكومي والمتعلق بتفضيل المسيحيين عن المسلمين في منحهم فرص عمل، هو خير دليل على توجه المؤسسة لمواطنيها بأسلوب عنصري جذوره ضاربة في الفكر الصهيوني الكولونيالي. فالكولونيالية انعكست من خلال سياسات عنصرية وصولا إلى مستوى الابارتهايد الذي كان سائدا في جنوب افريقيا. وليس ببعيد على الحركة الصهيونية التي نشأت في حاضنة الكولونيالية أن تسعى إلى تبني هذا الفكر وإلى تطبيقه.
من جهة أخرى، يدخل هذا القانون الدولة كمؤسسة سياسية في خلاف وصراع وشرخ مع المجتمع العربي لكونه - أي القانون - لا يتعامل على قدم المساواة مع العرب مواطني هذه الدولة، التي جاءت عليهم ولم يذهبوا إليها.
المشكلة التي تقف أمام حكومات اسرائيل، وبالذات حكومة نتنياهو أنه هو وحكومته لا يفكرون مطلقا بوجود العرب، اي يتبنون فكر نفيهم المطلق. ولم تسع حكومته بالمرة إلى تخصيص جلسة واحدة على الأقل من جلساتها الاسبوعية لدراسة الوضع العام السائد في البلدات العربية، لم تدرس جديا في أي جلسة كيفية الوصول إلى تسوية مشاكل المجتمع العربي، وخصوصا قضايا القرى غير المعترف بها(كما تسميها اسرائيل، وهي قائمة منذ فجر التاريخ)، وقضايا السكن. هذه الحكومة تنتهج اسلوب اهمال العرب مواطنيها. أضف إلى ذلك أن هذه الحكومة تبنت النهج الصدامي مع المواطنين العرب ووضعت جانبا النهج الحواري.
هذا النهج - أي النهج الصدامي - المتمثل في قانون تفضيل المسيحيين العرب في الوظائف والمراتب على المسلمين العرب اخوانهم، هو في حد ذاته سعي الدولة إلى شرعنة الفكر والتوجه الطائفي، ونزع القومية عن المسيحيين العرب.
تستغل حكومة اسرائيل الظروف الاقليمية الحاصلة، وبخاصة ما يجري في سوريا ومصر لاستثمارها في الترويج للتجنيد، تجنيد المسيحيين، ولفصل المسيحيين العرب عن جسمهم الطبيعي وسياقهم التاريخي ضمن الحضارة العربية والقومية العربية.
بنظرنا، أن قانونا ونهجا كهذا لا يمكنه أن يحقق نجاحا كاملا، فيما لو أدرك العرب كافة وبوحدة رأي وتوجه التصدي لمثل هكذا قانون، وما سيتبعه لاحقا من قوانين أخرى تعمّق الشرخ وتؤدي إلى تمزيق المجتمع العربي الفلسطيني.
لا يستطيع لا ليفين ولا نتيناهو في جرّة قلم وبليلة واحدة تغيير انتماء المسيحيين العرب.
لهذا، وحتى لا نستخف بالتوجه الحاصل، علينا كمجتمع عربي فلسطيني معرفة ما يلي:
1. ان المسيحيين العرب هم عرب منذ فجر التاريخ. ينتمون إلى القومية والحضارة العربية. هم ليسوا جزءا منها فقط، بل فعالين ومؤثرين في تكوينها وبلورتها ونشرها.
2. ساهم المسيحيون وما زالوا في كل النشاطات والفعاليات الوطنية الفلسطينية والقومية العربية من أجل قضيتهم، قضية فلسطين. وبذلوا الغالي والرخيص.
3. ربط المسيحيون واقعهم ومصيرهم مع اخوانهم المسلمين، ولقد عبّر عن ذلك اجمل تعبير مطران العرب الحجار في شهادته أمام اللجنة الملكية في العام 1937. وأيضا ما أصدره مجلس الأساقفة الكاثوليك من بيانات، آخرها قبل شهر تقريبا.
4. عاش المسيحيون ويعيشون جنبا إل جنب مع اخوانهم المسلمين والدروز، وفي مواقع كثيرة مع يهود، مؤكدين أنه معا، وفقط معا يتحقق العيش المشترك على أساس المساواة التامة والمواطنة الكاملة غير المنقوصة.
5. تعرض ولا يزال العرب الفلسطينيون على مختلف انتماءاتهم الدينية والسياسية إلى ملاحقات ومضايقات المؤسسة الاسرائيلية، خاصة في اقفال مجالات عمل كثيرة خلال العقود الستة الماضية، ما أدى إلى وقوع موجات هجرة لأدمغة عربية مبدعة وناجحة وموفقة في عملها خارج الوطن. كم نحن بحاجة إلى مثل هؤلاء ليكونوا في صدارة مجتمعنا، إلا أن سياسات اسرائيل تحول دون تحقيق ذلك. فهل سيوفر القانون الجديد مجالات وفرص عمل للمسيحيين العرب أكثر وأفضل في حالة فصلهم وتمييزهم عن اخوانهم المسلمين؟
ما العمل؟
على الفلسطينيين أبناء الوطن الباقين فيه، وفي حالتنا السياسية الراهنة أن يسعو إلى مواجهة هذا النهج بتخطيط وتنظيم، واقترح ما يلي:
1. عقد ورشات وندوات تشرح للجمهور العربي خطورة الوضع، وكيفية التصدي له.
2. حث رجال الدين ورؤساء الطوائف المسيحية والقيادات المجتمعية للخروج عن صمتهم لأن النار قد وصلت إلى أبواب مؤسساتهم.
3. وضع دراسات معمقة حول وضع المسيحيين العرب خاصة ونشرها بلغات مختلفة، مع التأكيد على تمسكهم بقوميتهم وبرفضهم القاطع فصلهم عن امتدادهم الطبيعي باخوانهم المسلمين.
4. ابراز كون المسيحيين العرب ينتمون إلى الديانة المسيحية، وهذا فخر لهم، دون أن يمس انتماءهم هذا كونهم ينتمون قوميا إلى العروبة. العروبة هي خيمة تجمع تحتها كل مركبات شعبنا، وما أروعها من خيمة نجحت ولا تزال في توفير الامان والسلام والطمأنينة لأبنائها عامة.
5. العمل على تنظيم مؤتمر دراسي وليس شعاراتي لتوضيح الوضع والتصدي له.
6. تكثيف المقالات اليومية والاسبوعية بلغات مختلفة ونشرها عبر المواقع الاليكترونية لتصل إلى كل العالم، مع التركيز على سياسات اسرائيل العنصرية والتمزيقية.
7. توجيه رسالة يوقع عليها مسلمون ومسيحيون ويهود، إلى البابا فرنسيس قبيل زيارته المرتقبة إلى فلسطين/اسرائيل، تتضمن مطالبته اتخاذ موقف أو ابداء رأي صارم بخصوص هذه القضية.
8. ضرورة بل واجب الحفاظ على الرباط الاجتماعي والانساني والثقافي والوطني بين ابناء الوطن الواحد، وخاصة مواجهة كل من سيسعى إلى تعكير الأجواء ونشر الفكر الطائفي في قرانا ومدننا التي عرفت وتعرف جيدا كيفية العيش المشترك المؤسس على التفاهم والاحترام وتقبل رأي الآخر واحترامه، بل الدفاع عنه.
9. أن تتشكل في كل قرية/ مدينة لجنة شعبية تكون على أهبة الاستعداد للتصدي لأي شخص او مجموعة تسول لها نفسها بث روح الطائفية والشرذمة.
وأخيرا، نحن ابناء هذا الوطن ننتمي إلى معتقدات دينية مختلفة، وتوجهات سياسية متعددة، إلا أننا نعيش في وطن واحد يجمعنا ويوحدنا. تاريخنا واحد، صراعنا واحد، وجودنا واحد، مستقبلنا واحد. هذا هو الزمن لأن يُثبت ويُبين كل واحد أنه حقيقة ابن هذا الوطن ويريد الدفاع عنه وعن نسيجه الاجتماعي والوطني والقومي. علينا جميعا ألا نترك «الميدان لحميدان»، وهذا يتطلب تضافر الجهود والخروج من الفقاعة والانطلاق نحو معركة التصدي للتوجهات العنصرية لحكومة اسرائيل متمسكين بالثوابت الوطنية، وفي مقدمتها أننا شعب واحد يرفض القسمة على اثنين. ونطالب بالضغط المحلي والدولي هذه الحكومة للتعامل على قدم المساواة التامة مع كل مواطنيها، وان تخلع عنها زي التفرقة لأنها حتمًا ستفشل.