الذكرى السادسة والأربعون لمعركة الكرامة الخالدة

مركز الرأي للدراسات

اعداد : محمد جلال النجار

آذار 2014

تصادف يوم الجمعة الذكرى السادسة والأربعون لمعركة الكرامة الخالدة، ففي 21/ 3/ 1968 كان الجيش الأردني على موعد مع التاريخ ليدخله من أوسع الأبواب حين سطر ملحمة بطولية ولا أروع وحقق نصراً مؤزراً على العدو الصهيوني ولا ألذ، عندما إعتقد قادة العدو الصهيوني أن الأردن والذي جبهته أطول جبهة عربية مع العدو الصهيوني بمثابة لقمة سائغة سهلة المنال، متوهمين أن هزيمة حرب 1967 دمرت المعنويات النفسية والروح القتالية العسكرية لدى الجيش الأردني، وأنه (أي الجيش الأردني ) لم يستطع بعد تعويض ما لحقه من خسائر في أسلحته جراء حرب 1967، لذا توهم قادة العدو الصهيوني أنهم بهجومهم على الأردن سيحققون أهدافهم في إرغام الأردن التوقيع على معاهدة إستسلام مع العدو بشروطه هو، وتحويل مرتفعات السلط القريبة من عمان بعد إحتلالها إلى حزام أمني للعدو (مثلما حدث في جنوب لبنان فيما بعد) وإحتلال أجزاء من الأردن وضمها للكيان الصهيوني اللقيط، إلا أن الجيش الأردني كان له بالمرصاد لحظة الهجوم.

فوجئ قادة العدو الصهيوني بالقتال الشرس المستميت الذي خاضه الجيش الأردني وبكثافة النيران كجهنم المصوبة باتجاه قواتهم التي عبرت الأراضي الأردنية. لم يعتقد أحد من قادة العدو الصهيوني أن الجيش الاردني الخارج تواً من هزيمة حرب 1967 سيهزمهم شر هزيمة ويكبدهم خسائر فادحة في الأرواح والمعدات ويوقعهم في ورطة لم تكن في حسبان أحد منهم لأنهم ظنوا أن هجومهم بمثابة نزهة، ويجعلهم يندمون على اليوم الذي إتخدوا فيه قرارهم بالهجوم على الأردن.

نبذة عن معركة الكرامة

1- في الساعة الخامسة من صبيحة يوم 21/ 3/ 1968 أصدر رئيس وزراء العدو الصهيوني السابق ليفي إشكول ووزير الحرب موشيه ديان ورئيس هيئة الأركان حاييم بارليف أوامرهم العسكرية لقواتهم المحتشدة منذ أيام في مدينة أريحا بالضفة الغربية المحتلة بالهجوم على الأردن.

2- في الساعة الخامسة والنصف بدأت قوات العدو الصهيوني وتحت غطاء جوي كثيف دخول الأراضي الأردنية عبر الجسور المقامة على نهر الأردن ومن ثلاثة محاور هي:

أ‌- محور جسر الأمير محمد (داميا سابقاً ): من جسر الأمير محمد (غور داميا) إلى مثلث المصري إلى طريق العارضة الرئيسي إلى السلط.

ب‌- محور جسر الملك حسين (اللنبي سابقاً) من جسر الملك حسين إلى الشونة الجنوبية إلى الطريق المحاذي لوادي شعيب ثم السلط.

ج‌- محور سويمه: من جسر الأمير عبدالله إلى غور الرامة إلى ناعور إلى عمان.

بالإضافة إلى محور رابع تضليلي لإضعاف وتشتيث مقاومة الجيش الأردني وهو محور غور الصافي من جنوب البحر الميت إلى غور الصافي إلى الطريق الرئيسي حتى الكرك.

3- شن العدو الصهيوني هجومه على الأردن بكتيبة مظليين وثلاثة ألوية مدرعة وثلاثة ألوبة مشاة محمولة تحت غطاء جوي كثييف، في حين أن الجيش الأردني واجه الهجوم الصهيوني بالفرقة الثانية وسلاح المدفعية الملكي دون إسناد جوي.

4- فتح الجيش الأردني نيران مدافعه بكل شراسة على قوات العدو الصهيوني لحظة عبور الجسور، وخاض رجال الجيش الأردني معارك شرسة وطاحنة طيلة ساعات المعركة وعلى محاور القتال الثلاثة المذكورة سابقاً ضد قوات العدو الصهيوني، وكان لسلاح المدفعية الملكي (المدفعية السادسة) الدور الأكبر في المعركة.

5- فشل العدو الصهيوني في إرسال المزيد من قواته شرقي النهر وفشل أيضاً في بناء جسور جديدة، علماً بأن قوات العدو الصهيوني التي دخلت الأراضي الأردنية كانت بحجم فرقة.

6- خاض رجال الجيش الأردني ورجال المقاومة الفلسطينية وسكان قرية الكرامة في ساعات الظهيرة معركة طاحنة بالسلاح الأبيض ضد قوات العدو الصهيوني إستمرت ساعة تقريباً.

7- بعد أن تكبد العدو الصهيوني خسائر فادحة في الأرواح والمعدات وفشل في تحقيق أهدافه وبعد أن أصبحت قواته شرقي النهر التي دخلت الأراضي الأردنية في وضع لا تحسد عليه، عقد مجلس وزراء العدو الصهيوني جلسة طارئة على وجه السرعة قبيل العصر برئاسة رئيس وزراء العدو الصهيوني السابق ليفي إشكول ووزير الحرب موشيه ديان ورئيس هيئة الأركان حاييم بارليف وكبار جنرالات جيش العدو تمخض عن إصدار قرارين هامين هما إنسحاب قوات العدو الصهيوني من الأراضي الأردنية التي دخلتها شرقي النهر، ومناشدة مجلس الأمن وأمريكا ودول أوروبا الضغط على الأردن لوقف إطلاق النار.

8- ما بين الساعة السابعة والتاسعة مساءً حاول العدو الصهيوني الإنسحاب إلا أن الجيش الأردني جعل إنسحابه إنسحاباً مشتتاً غير منظم.

9- في الساعة التاسعة والنصف مساءً أكمل العدو الصهيوني إنسحابه من أرض المعركة دون أن يحقق

أهدافه تاركاً وراءه عدداً من ألياته وقتلاه، وما بين التاسعة والنصف والحادية عشرة والنصف مساءً جرى إطلاق نار متقطع بين الحين والاخر بين الجيش الأردني شرقي النهر وجيش العدو الصهيوني غربي النهر إلى أن هدأت الجبهة.

10- مع إنتهاء المعركة كانت الخسائر كالتالي:

أ‌- خسائر العدو الصهيوني: 250 قتيلاً، 450 جريحاً، إسقاط سبع طائرات، تدمير 53 ألية مختلفة وتدمير 47 دبابة، علماً بأن المخابرات الامريكية وبعض مخابرات دول أوروبا قالت أن خسائر العدو الصهيوني الحقيقيه أكبر بكثير من هذه الأرقام.

ب‌- خسائر الجيش الأردني: 87 شهيداً، 108 جرحى، 39 آلية مختلفة و 13 دبابة. (من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) صدق الله العظيم.

أهم ما افرزته معركة الكرامة

1- معركة الكرامة هي أول حرب وأول معركة إنتصر فيها العرب على العدو الصهيوني بعد هزيمة حرب 1967، ويكفي الأردن شرفاً وفخراً أن جيشه أول جيش عربي حقق إنتصاراً على العدو الصهيوني بعد هزيمة حرب 1967.

2- حطم الجيش الأردني في هذه المعركة أسطورة (الجيش الأسرائيلي الذي لا يقهر)، ويكفي الجيش الأردني شرفاً وفخراً أنه أول جيش عربي حطم تلك الأسطورة، وأعاد الكرامة للأمة العربية وشعوبها التي فقدتها في هزيمة حرب 1967 فكانت المعركة حقاً وفعلاً إاسم على مسمى.

3- لأول مرة في تاريخ الكيان الصهيوني اللقيط، طلب قادة العدو الصهيوني من مجلس الأمن وأمريكا ودول أوروبا بأن يضعطوا على الأردن لوقف إطلاق النار، ولأول مرة في تاريخه أيضاً, إنسحب العدو الصهيوني تاركا وراءه عدداً من آلياته وقتلاه في ساحة المعركة.

4- الملك الراحل الحسين بن طلال يرحمه الله رفض بشدة وقف اطلاق النار، ورد على مجلس الأمن وأمريكا ودول أوروبا بوقف إطلاق النار في معركة الكرامة بناءً على طلب قادة العدو الصهيوني قائلاً: (( لن نوقف إطلاق النار إلا بعد إنسحاب آخر جندي إسرائيلي من الأراضي الأردنية ))، لأنه كان يدرك بحنكته السياسية أنه لو وافق على وقف إطلاق النار فان القوات الصهيونية التي دخلت الأراضي الأردنية لن تنسحب منها بعد ذلك. وبالفعل استمر الجيش الأردني ببسالة وشجاعة نادرتين في خوض المعركة التي تخللتها معركة بالسلاح الأبيض وكان للمدفعية السادسة الدور الأكبر والحاسم في حسمها، حيث إنسحب آخر جندي صهيوني وإنسحبت قوات العدو الصهيوني من الأراضي الأردنية عائدة إلى الضفة الغربية المحتلة بعد ثماني عشرة ساعة متواصلة من المعركة وهي تجر أذيال الخيبة والخزي والعار.

5- إعترف قادة العدو الصهيوني علناً وعلى رأسهم وزير الحرب الصهيوني السابق موشيه ديان بأنهم هزموا هزيمة نكراء في معركة الكرامة، كما إعترفوا أن خسائرهم فيها سبعة أضعاف خسائرهم في حرب 1967 وعلى الجبهات الثلاث، وإعترفوا أيضاً أنهم فشلوا في تحقيق أي هدف من الأهداف التي خططوا لها

6- في اليوم التالي لإنتصار الجيش الأردني في معركة الكرامة، تم عرض عدد من دبابات العدو الصهيوني, وهي ضمن الغنائم التي غنمها الجيش الأردني في تلك المعركة، في شوارع عمان لأيام عدة، ليراها الشعب الأردني ويتلذذ بالنصر الذي حققه جيشه المظفر، وكان داخل بعض الدبابات التي تم عرضها جنود صهاينة محترقون متفحمون مقيدون بالسلاسل الحديدية من قبل قادتهم لئلا يفروا من المعركة.

7- رجال المقاومة الفلسطينية الذين كانوا متواجدين بقواعدهم العسكرية بمختلف فصائلهم على الأراضي الأردنية في ذلك الوقت، شاركوا بالرجال والسلاح إلى جانب إخوانهم رجال الجيش الأردني في معركة الكرامة، وشكلوا قيادة عسكرية مشتركة في ما بينهم، وتصدوا معاً ضد قوات العدو الصهيوني التي عبرت الأراضي الأردنية، وإستبسلوا إستبسال الأبطال في معركتهم ومقاومتهم ضد العدو الصهيوني.

8- انتصار الجيش الأردني على العدو الصهيوني في معركة الكرامة بعد تسعة أشهر وستة عشر يوماً على هزيمة حرب 1967 كان الحافز والدافع والمشجع الأكبر والملهم الرئيس للقيادتين المصرية والسورية وجيشهما في ذلك الوقت بشن حرب 6 أكتوبر 1973 على العدو الصهيوني.

9- بعد إنتصار الجيش الأردني في معركة الكرامة، لم يجرؤ العدو الصهيوني شن أي حرب أو معركة على الأردن، لأن الجيش الأردني لقنه درساً لا ولن ينساه حتى زوال دويلته اللقيطه عن الوجود بإذن الله، فالجيش الأردني جيش الحق وجيش الحق تخشاه الأسود وليس العدو الصهيوني فقط.

10- الجيش الأردني هو أقوى الجيوش العربية على الاطلاق، ويأتي في المرتبة الأولى من حيث القوة والجاهزية واليقطة والاستعداد والأنضباط والتدريبات والدورات والتمرينات العسكرية. كما أن الاستخبارات العسكرية والمخابرات العامة الأردنية من أقوى الاستخبارات والمخابرات في الدول العربية قاطبة، ويكفيهما شرفاً وفخراً أنهما بوسائلهما الخاصة وبخبراتهما المشهود لهما فيها، إستطاعتا معرفة أن العدو الصهيوني سيشن حرباً على الأردن (معركة الكرامة ), واستطاعتا معرفة يوم وتاريخ وساعة دخول قوات العدو الصهيوني الأراضي الأردنية لشن حربه على الأردن وعلى ثلاثة محاور (ساعة الصفر)، وذلك في الساعة الخامسة من صبيحة يوم الخميس 21 /3/ 1968، وزودتا الملك الحسين وقيادة الجيش الأردني بهذه المعلومات الإستخباريه أولاً بأول، مما أدى بالتالي إلى تحقيق النصر المؤزر على العدو الصهيوني.