مركز الرأي للدراسات
إعداد: أ.د. فراس علعالي و د. الصيدلانية زينب الصبح
آذار 2014
يواجه التعليم العالي في هذا العصر العديد من المشاكل والمعوقات التي تقف في طريق تقدمه وتطوره وتحسين أدائه، وذلك لا يقتصر فقط على جامعة معينه أو منطقة محدده، إنما هي مشكلة عالمية تواجهها معظم الجامعات في كافة أنحاء العالم.
من أهم المشاكل المتفاقمة مع الوقت هي الازدياد المطرد وغير المسبوق في أعداد الطلبة مما يشكل عبئاً كبيراً على مؤسسات التعليم العالي والجامعات، فمع قدوم عام 2025م من المتوقع أن يحتاج العالم لبناء أربع جامعات كل أسبوع تتسع كل منها لما لا يقل عن 30,000 طالب، ليتمكن من استيعاب الأعداد الهائلة من الملتحقين بالجامعات لإتمام دراسة البكالوريوس، فضلاً عن ملايين الأشخاص الذين يرغبون بالحصول على شهادة الماجستير أو الدكتوراه أو الالتحاق بدورات تدريبية في الجامعات. هذا كله يشكل عبء مادي كبير على الاقتصادات الوطنية والجامعات والطلبة معاً، ويتطلب من مؤسسات التعليم العالي إيجاد حل سريع وفعال يُمكن الجامعات من استقبال أعداد أكبر من الطلبة دون أن يؤثر ذلك سلباً على مخرجات العملية التعليمية.
أمر آخر يقف عائقا أمام التقدم التعليمي هو النهج الذي يتبعه أساتذة الجامعات في إلقاء المحاضرات وطرح المعلومات العلمية، فما زال الأسلوب التقليدي في اعطاء المحاضرات يستخدم حتى وقتنا هذا، حيث يلقي الأستاذ ما في جعبته من معلومات على عدد كبير من الطلبة، والذين يقتصر دورهم على الانصات لما يقدمه المحاضر، وقبل الانتهاء قد يقوم القليل من الطلبة الشجعان بطرح بعض الأسئلة حول الموضوع. وعلى الرغم من التطورات التي أٌدخلت على القاعات التدريسية لتسهيل سير العملية التعليمية كاستخدام الحاسوب وشاشات العرض، إلا أن الطريقة التي تُلقى بها المحاضرة لم تتغير كثيراً عما كانت عليه في الماضي.
منذ أعوام قليلة ومع تقدم التكنولوجيا والإلكترونيات سارعت الجامعات في مناطق مختلفة من العالم بالتوجه لما يسمى بالتعليم عن بعد والذي أطلق عليه اسم المساقات الجماعية الإلكترونية مفتوحة المصادر (موكس) أو باللغة الإنجليزية (Massive Open Online Courses -MOOCs)، والذي شكل ثورة نوعية في التعليم العالي وفتح آفاق واسعة من خلال توفير مساقات ودورات علمية عالية الجودة إلكترونياً عبر الشبكة العنكبوتية لعدد هائل من المتعلمين مجانية في معظمها.
حاليا تجاوز عدد الطلاب الدارسين في موكس حول العالم السبعة ملايين، وذلك حسب أحدث مسح قامت به مجموعة بابزون للاستقصاء البحثي في الولايات المتحدة، وقالت صحيفة منظمة موكس أن عدد الجامعات التي تقدم خدمات موكس يبلغ 500 بينها 100 على الأقل من أمهات الجامعات. قامت بعض الجامعات بتكثيف جهودها لعمل مشروعها الخاص من موكس بينما عملت جامعات أخرى اتفاقات مع شركات تجارية لمساعدتها في إتمام هذا العمل، فظهرت العديد من المؤسسات العالمية ومن أبرزها:
أولاً: مؤسسة «اد اكس edx» غير الربحية، والتي تأسست عام 2012م من قبل جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
ثانياً: أكاديمية خان وهي منصة تعليمية إلكترونية قام بتأسيسها سلمان خان http://starrgennett.org/online/ وهو تربوي أميركي، قام بإنتاج ما يزيد على 2200 شريط فيديو لمجموعة واسعة من فروع العلم والمعرفة.
ثالثاً: المؤسسة الأميركية «كورسيرا Coursera» الربحية، وتأسست عام 2012م في جامعة ستانفورد. تعمل المؤسسة على التعاقد مع الجامعات والكليات التعليمية لتصميم مساقات الكترونية يتم بثها عبر منصتها المجانية على الإنترنت، مقابل أن تحصل هذه الجامعات على نسبة من الأرباح. بلغ عدد المشاركين في كورسيرا 6,3 مليون مستخدم، وقد قامت بتقديم أكثر من 596 دورة من 108 شركاء من الجامعات العالمية.
رابعاً: مؤسسة «أوداسيتي Udacity» الربحية، والتي تم تأسيسها في جامعة ستانفورد، تقوم أوداسيتي بالتعاقد مع علماء وأساتذة ومحاضرين بدلاُ من الجامعات للمساعدة في تصميم المساقات الإلكترونية وبثها عبر منصتها.
يرى العديد من رؤساء الجامعات والإداريون في مؤسسات التعليم العالي حول العالم أن دمج موكس وإدخاله ضمن آليات التدريس في الجامعات والكليات سيشكل فرصة كبيرة للتقدم والتطور في هذا المجال المعرفي، وسيكون حلاً عملياً لمعظم المشاكل التي يواجهها قطاع التعليم العالي من ارتفاع أسعار التعليم وغيرها، حيث يستطيع الأستاذ أو البروفسور إعطاء محاضرة لمئات أو حتى آلاف الأشخاص في نفس الوقت، كما سيتم إلغاء مشكلة بُعد المسافات والحواجز التي قد تمنع بعض الطلبة من الالتحاق بالجامعات، وكون المحاضرات سيتم بثها عبر الانترنت سيكون من السهل على الطلبة مشاهدتها في أي زمان ومكان وفي أي وضعيه، مما يوفر الوقت والمال الذي كان سيهدر في السفر والتنقل للوصول الى المحاضرة.
أما بخصوص تحسين كفاءة التعليم فقد توجهت الجامعات إلى الاستفادة من موكس واستغلال ميزاته لتصميم دورات ومساقات علمية الكترونية يتم بثها بشكل كامل عبر الإنترنت، وبذلك تبتكر الجامعات ميداناً جديداً للتعليم تطلق فيه مقرراتها الدراسية لتصل لأعداد أكبر من الطلبة في مناطق مختلفة من العالم فتزداد شعبيتها. لكن يبقى للأمر سلبياته ومن أهمها أن دور الأستاذ سيقتصر على إعطاء المعلومات وإلقاءها عبر الفضاء الالكتروني ولن يعلم بمدى استيعاب الطلبة لما يقدمه أو تقييم مستواهم قبل وبعد الانخراط في الدورة أو معرفة المهارات التي يملكونها.
كحل جزئي لهذه الأمور يلجأ البعض لإنشاء منتديات الكترونية للتواصل بين الطلبة والأساتذة من ناحية، والطلبة وبعضهم البعض من ناحية أخرى، يتم فيها طرح الاسئلة ومناقشة الأمور العلمية الغامضة. ولتقييم أداء الطلبة يتم أحياناً عمل امتحانات قصير من وقت لآخر يتم الإجابة عليها الكترونياً، ولرفع درجة الانتباه والتركيز قد يتخلل المحاضرات أسئلة على الطالب الإجابة عليها بشكل صحيح، ويستمر بعدها عرض المحاضرة. من الممكن أيضاً الاستفادة من الميزات التي تتيحها بعض المواقع الالكترونية من معرفة وقت عرض الفيديو وعدد المشاهدات ومعدل اكمالها وكتابة التعليقات لتقييم كفاءة الدورات والمساقات التي يتم طرحها واكتشاف أي مشكلة متعلقة بها.
الأسئلة التي تطرح نفسها في هذه اللحظة، هل سيشكل (موكس) ثورة حقيقية في مجال التعليم العالي؟ وهل سيكون بديلاً للالتحاق بالجامعات ومؤسسات التعليم المختلفة؟ وهل وجوده سيقضي على الشهادات الجامعية؟
في الحقيقة العديد من المخاوف تدور حول موكس، فأساتذة الجامعات قلقون من انحصار دورهم في التدريس على إعطاء المعلومات العلمية للشركات أو مراكز التكنولوجيا ليتم تصميمها وطرحها على شكل فيديوهات، من ناحية أخرى فإن السيطرة على موكس من قبل الجامعات العالمية المرموقة لجذب أعداد أكبر من الطلبة نحوها لتصبح المراكز الأساسية لتلقي العلم سيشكل خطراً على مكانة الجامعات ذات القدرة المادية المتواضعة إذا لم تسارع بالمبادرة والانخراط في الدورات والمساقات الإلكترونية لمواكبة العصر. على صعيد آخر فإن مؤسسات التعليم العالي قلقة من استغلال موكس من قبل الشركات التجارية الربحية ليصبح سلعه تستخدمها لجمع المال والحصول على الثروة.
وبينما يعتقد البعض أن موكس على وشك أن يحدث ثورة في التعليم الإلكتروني، يشك البعض الآخر في ذلك، ولكن الشيء المؤكد هو الزخم الإعلامي الكبير الذي تحظى به مقررات موكس. ولكن لا يستطع أحد الانكار بأنه سيحدث تغيراً كبيراً في مجال التعليم والتدريس في العالم وسيفتح آفاق جديدة وواسعه إذا أُحسن استخدامه واستغلاله من قبل الإداريين وأصحاب القرار.
على الصعيد العربي، المبادرات قليلة شملت منصات إلكترونية أطلقتها مؤسسات خاصة، مثل (إدراك) التي أطلقتها مؤسسة الملكة رانيا للتعليم والتنمية في الأردن، و(رواق) في الرياض، و(تغريدات) في أبوظبي. وتلعب جميع هذه المبادرات دور الوسيط مع شركات إد اكس وأوداسيتي وكورسيرا، التي أنشأتها الجامعات الأميركية.
في الأردن رعت الملكة رانيا العبد الله في شهر تشرين الثاني من عام 2013م توقيع إتفاقية بين مؤسسة الملكة رانيا للتعليم والتنمية ومؤسسة إد اكس للعمل على إنشاء منصة إلكترونية تعليمية باسم « ادراك « للحاق بركب التطور العلمي في مجال التعليم عن بُعد.
ستشكل منصة ادراك فرصة فريدة لطلاب الوطن العربي، وستفتح المجال للالتحاق عبر شبكة الانترنت بمساقات متوفرة من قبل أفضل الجامعات العالمية مثل هارفرد، وبركلي وغيرها، مع إمكانية الحصول على شهادات إتقان في بعض منها، وستفتح المجال أيضاً للالتحاق بمساقات باللغة العربية لأفضل الأكاديميين العرب لإثراء التعليم عربيًا. وتتطلع المنصة أيضًا إلى دعم وإبراز القدرات العربية من خلال تطوير مساقات قصيرة يعدها محترفون وخبراء في مجالات مختلفة من الفنون والعلوم.
بعض الجامعات الأردنية المعروفة بدأت مؤخراً بلحاق الركب، فعملت جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية على انشاء بوابة على موقعها الالكتروني تمكن طلاب الجامعة من الوصول لمساقات الكترونية مجانية في كافة العلوم تقدمها جامعات عالمية مختلفة. من جهة أخرى تعمل الجامعة خلال الفترة القادمة على اقامة موقع الكتروني يشبه اليوتيوب يوفر للطلبة تسجلات لكافة المحاضرات التي يلقيها الأساتذة في الجامعة.