بخت أميركا السيئ

مركز الرأي للدراسات

اعداد : سعادة ارشيد

نيسان 2014

تبدو نجوم سوء الطالع مقيمة في سماء البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية، فسياسات الولايات المتحدة تتعثر في كل خطوة تخطوها، كما هو الحال في كل مسار تسير به، فأيام الرئيس السوري بشار الأسد تبدو طويلة، وقد أصبح في حكم المؤكد أنّه باقٍ في الحكم لسنوات قادمة تفوق ما تبقى من فترة ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما،والذي سبق له التنبؤبعدد الأيام القليلة التي اعتقد أنها باقية للرئيس السوري. ومشروع الولايات المتحدة في العراق انتهى نهايةً غير سعيدة للسياسة الخارجية الأميركية ولأهدافها في العالم العربي، فقد اختتمت الحرب على بلاد الرافدين ينبتعزيز النفوذ الإيراني فيها،وطبعا المقصود إيران الدولة والمحور المناصر لها في المنطقة.

أما الربيع العربي في مصر فقد جاءت مآلاته لغير صالح أميركا، حيث لا زالت الإدارة الأميركية تعتبر أنّ حكم الرئيس المعزول محمد مرسي هو صاحب الشرعية كونه جاء عن طريق صناديق الاقتراع، وهي غير عابئة بما يجري على أرض الواقع، ولا بملايين المصريين الذين تظاهروا من أجل رحيله، ومن أجل الترحيب بالحكم الذي تلاه.

في المقابل وفيما يتعلق بالملف الإيراني فقد أغضب الأميركان أصدقاءهم وأدخلوا السرور إلى قلوب خصومهم بتراجعهم اللاّفت أمام إيران، وها هو المشروع النووي الإيراني السلمي يواصل تقدمه بثبات، ولم يعد هناك ما يبرر الحصارالذي فرضته أميركا على إيران لعقودٍ طويلة. وأخيرا في الشمال الشرقي ارتدت اللعبه على لاعبيها في الغرب، وخسرت أوكرانيا أرضاً وازدهاراً، وعادت شبه جزيرة القرم أرضاً روسيةً خالصة، وبذلك انتقلت روسيا من مستأجرة لأراضي ومرافئ على البحر الأسود إلى مالكةٍ لها.

في ملف المفاوضات بين السلطة وحكومة نتنياهو، لطالما بدت السلطة على أنها الحلقة الأضعف، وذلك لأسباب عديدة، منها تراجع الالتفاف والتضامن العربي والإسلامي والدولي حول المسألة الفلسطينية بعد الربيع العربي،ومنها الوضع الإقليمي وما يجعل لكل قطرٍ عربيِّ همومه الخاصة،ثم تأثير الانقسام الفلسطيني الداخلي، وازدواجية الحكم بوجود حكومتين في غزة ورام الله، وأيضاً التغول الإسرائيلي الدائم، وآخرها الصراع داخل فتح، وما أثاره الخلاف بين الرئيس عباس ومحمد دحلان من حالة «قرف» سياسي في الشارع الفلسطيني. ومع كل ما تقدم فإنّ الدبلوماسية الأميركيةلم تستطع تحقيق أي تقدم أو اختراق في ملفات التفاوض، ومع أن العادة قد جرت أن الجانب الإسرائيلي هو من يعرقل التفاوض بالحقيقة (وهو أمر صحيح ولم يتم الخروج عن هذا التقليد حتى في هذه المرة) إلا أن المفاوض الفلسطيني أبدى، وعلى غير عادته، صموداً لافتاً، إذ بدا واضحاًأنّه لم يعد يملك شيء ليقدمه, فكان الخروج الفلسطيني عن هذا التقليد التفاوضي.

خمس ساعات طوال قضاها وزير الخارجية الأميركي وهو يحاول إقناع نتنياهو لا بتغيير مواقفه بل بتليينها، ولا من أجل الوصول إلى حلول في مسائل التفاوض وإنما من أجل تمديد التفاوض ولكن دون جدوى.

ونتنياهو يريد من الأميركان إطلاق سراح الجاسوس اليهودي جوناثان بولارد مقدماً ودون الالتزام بشيء بالمقابل، وهذاسيعطيه الفرصة من أجل محاورة شركائه في الحكم، علَّهم يوافقون على تقديم بعض التنازلات في قضية الأسرى وتخفيض وتائر الاستيطان.

وحيث لم يكن أمام الوزير الأميركي ما يقوله لأبي مازن،فقد اضطر لإلغاء لقائه معه، واستقبل بدلاً من ذلك بعض مبعوثيه الذين أبلغوه بموقف الرئيس عباس المتشدد، ثم كان الرد الفلسطيني المفاجئ بتقديم طلبات العضوية لدولة فلسطين لمجموعة من المنظمات الدولية، وفي إقدام الرئيس عباس على هذه الخطوة يكون قد قرر المضي في طريق ذات اتجاه واحد، والرجوع عن هذا الطريق فيه من الخسران ما يفوق السير به قدماً.

بالمقابل كان الرد الإسرائيلي سريعاً في خطوات إدارية وسياسية متعددة، وكان آخر ما جادت به الوزيرة تسيفني ليفني (وهي الأكثر اعتدالاً في الحكومة) للقناة العاشرة الإسرائيلية :سوف نحاصر عباس حتى يخضع لشروطنا ويقبل بالاعتراف بيهودية الدولة, لن نفرج عن أسرى أيديهم ملطخة بالدم اليهودي، القدس عاصمتنا الأبدية،الاستيطان مستمر وهو حق لنا، العرب معنا ولن يقدموا أدنى مساعدة مالية للسلطة،

وأخيرا والأهم هناك فلسطينيون عقلاء مستعدون للعمل معنا ولقبول ما يرفضه عباس. وبهذا تكون العملية التفاوضية قد وصلت إلى حالة من الاستعصاء الشديد، الأمر الذي دعا الوزير الأميركي للعودة على عجل للمنطقة كما ورد في الإعلام.

هكذا تكون حكومة نتنياهو قد أوصلت العملية التفاوضية إلى نهاياتها أو تكاد، وبدء الحديث الجدي عن بدائل للعملية التفاوضية، فالحديث يدور عن مرحلة ما بعد الرئيس عباس ومع عقلاء يقبلون ما يرفضه, أو عن انسحاب إسرائيلي من جانب واحد، أو بالقول الصريح بالانسحاب من حيث تريد والبقاء حيث تريد.

كانت حكومة نتنياهو قد استبقت الزيارة السابقة للوزير الأميركي بخطوتين لافتتين، تمثلت الأولى بتفجير فضيحة الفساد بحق رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت الذي كان قد توصل إلى ما يشبه تفاهمات مع الرئيس عباس إلى أن أطاحت به الانتخابات، والذي يخشى منه نتنياهو من أن يكون بديلاً معقولاً ومقبولاً من الأميركيين لقيادة حكومة إسرائيليه قد تأتي بعد انتخابات مبكرة، والخطوة الثانية بإعلان الحكومة عن رزمة مشاريع بناء استيطاني ضخمة.

فماذا يا ترى يحضِّر نتنياهو من خطوات استباقية لاستقبال الوزير الأميركي هذه المرة؟ وما البدائل التي يملكها الرئيس الفلسطيني عبّاس؟وما هي خطواته القادمة بعد أن مضى في طريق تحمل من المخاطر ما يفوق تلك المترتبة عن الاستمرار فيها؟