مركز الرأي للدراسات
اعداد : أ.د. عاهد الوهادنة
تموز 2014
عندما نعلم ان عدد سكان الاردن وصل لحوالي 6.7 مليون مواطن حسب احصائيات 2011 ويتوقع ان يرتفع لحوالي 8.6 عام 2025 و 11.5 عام 2050 . وان عدد الذين لا يتجاوز اعمارهم 15 عاما هو 2 مليون. ونعلم كذلك ان 2 مليون اردني يتوجهون كل يوم للدراسة في المدارس والجامعات ونسبة الدارسين في الجامعات 2.5% من عدد السكان
وهذا يوازي النسب في دول متقدمة كبريطانيا مثلاً . فيصبح السؤال التالي ضرورياً: ماذا لو لم تكن هناك جامعات خاصة في الاردن؟ والجواب ستكون الحكومة حائرة امام خيارين احلاهما مر والخياران هما اما زيادة عدد الجامعات الحكومية مما سيسبب عبئاً مالياً لا تحتمله موازنة الدولة او زيادة الطاقة الاستيعابية للجامعات القائمة مما سيؤدي لتراجع خطير
وغير مسبوق في مستوى التعليم العالي. وفي ظل خسارة الاردن الاقتصادية بسبب دراسة الاردنيين في الخارج كان خيار الدولة السماح بفتح جامعات خاصة منذ اوائل التسعينات خياراً استراتيجياً مهماً. ولكن السؤال هل حققت الجامعات الخاصة كامل هدف الدولة الاستراتيجي وكيف نقارنها بالجامعات الحكومية وما هو واقع الجامعات الخاصة في العالم وماذا
يمكن ان تستفيد الحامعات الخاصة من ذلك؟ وبناء عليه هل تعتبر الجامعات الخاصة مكاناً امناً للاستثمار فيه من قبل الجامعات الحكومية التي تعاني مالياً خاصة بوجود صناديق استثمار شبه مجمدة. وكيف يمكن للطرفين دعم اهدافهم بهذه الطريقة.
عالمياً تٌعرف الجامعة الخاصة بانها الجامعة التي تعتمد موازنتها على رسوم الطلبة والاستثمارات وهبات المتبرعين بمعنى انها في الغالب لا تتلقى دعماً مالياً من الحكومة. يتغير التعليم العالي في العالم بسرعة مما ولد ضغطاً على الجامعات لتحسين تدريسها وبنيتها التحتية الامر الذي ادى لظهور الجامعات الخاصة كجامعات رسمية من حيث اهمية وجودها.
تتمثل نقاط القوة في الجامعات الحكومية بحصولها على دعم مالي حكومي وقبولها تاريخياً وقلة رسومها الذي يساعد على تدفق الطلبة بغض النظر عن المستوى. وهي نقطة تندرج تحت نقاط القوة والضعف معاً. اما نقاط ضعفها فتتلخص في عدم استقلالها الاداري والاكاديمي ومحدودية الامور المالية في ظل تاكل الدعم الحكومي وانخفاض رسوم البرنامج
العادي. بالاضاف الى ذلك فهي جامعات ليست لها هوية محددة بل تدرس تنوعا غريبا من البرامج تحت مظلة واحدة. كذلك ينخفض البحث العلمي المشترك مع القطاع الخاص و بالتالي انخفاض المداخيل خارج خانة الرسوم.
اما نقاط قوة الجامعات الخاصة فتتلخص في تخصص بعضها مما اوجد لها هوية واضحة متميزة كذلك استقلالها الاداري والاكاديمي نوعا ما. وهذا سهل ارتباطها مع القطاع الخاص واستفادت من ذلك في عدة نواح. اما نقاط الضعف فهي عدم وجود دعم مالي حكومي وبالتالي ارتفاع الرسوم الذي يشجع الطلبة الاقل مستوى–في اغلب الاحيان- للانضمام لها
عندما لا يتمكن من حجز مقعد في الجامعات الحكومية.
واقع الجامعات الخاصة في العالم:
ان عدد الجامعات الخاصة -بحسب موقع ويكيبيديا - يتباين من دولة الى اخرى ففي لبنان تسع عشرة جامعة واول جامعة انشئت في لبنان كانت عام 1866 والتي اصبحت تعرف بالجامعة الامريكية في بيروت عام 1921 وثاني جامعة انشئت عام 1875 وهذا يدلل على قدم الفكرة في العالم. في سنغافورة يوجد جامعة خاصة واحدة انشئت عام 2005 ويحصل
الطالب على دعم مالي حكومي قد يصل ل 55% من قيمة الرسوم ويدرس فيها 12000 طالب وهذا الدعم نادرا ان نراه في بلدان اخرى. يوجد 14 جامعة خاصة في كوريا الجنوبية وعشر في تايوان التي يتشابه القبول الجامعي فيها بالاردن وذلك بعد النجاح في امتحان وطني علما ان الجامعات الخاصة اغلى مرتين من الجامعات الحكومية من حيث الرسوم. اما
في تركيا فيوجد 77 جامعة و12 في النمسا معظمها جامعات صغيرة لا يتجاوز عدد الطلبة فيها عن 1000 طالب وبالعادة تكون متخصصة في موضوع او اثنين.يوجد في اسبانيا 78 جامعة منها 49 حكومية و29 خاصة وتم انشاء معظمها في التسعينيات وتركيزها على التدريس وليس البحث العلمي. يوجد في المانيا 83 جامعة واول جامعة انشئت في ميونيخ
عام 1950 وعدد الطلبة لا يتجاوز 1% وبعضها اغلق لاسباب مادية مما قد يعني ان الجامعات الخاصة ليست بالضرورة افضل من الحكومية كما هو متعارف عليه عند الحديث عن المدارس! في بريطانيا توجد ثلاث جامعات تتميز انها جامعات شبه متتخصصة يكون خريجوها متخصصين في مهن مستقبلية محددة وليسوا ذوي معرفة عامة. وجميعها ذات صفوف
صغيرة لا تتجاوز العشرين طالباً. يوجد في اليابان 167 جامعة حكومية يدرس فيها 750الف طالبا و542 جامعة خاصة يدرس فيها مليونا طالب في حين بلغ عدد السكان 127 مليوناً. قدمت الحكومة عام 2004 ما يقارب 12 مليار دولار امريكي دعماً لسبع وثمانين جامعة حكومية و 3.1 بليون تقريباً ل542 جامعة خاصة. ومنذ ذلك التاريخ عملت الحكومة
اليابانية لاعادة هيكلة نظام الجامعات الحكومية لتصبح جامعات مستقلة مالياً كالجامعات الخاصة مع العلم ان هناك امتحان قبول للجامعات الحكومية والخاصة من خلال مركز امتحانات القبول الجامعي هناك؟ في امريكا تفوقت الجامعات الخاصة على الحكومية في التصنيفات العالمية في حين تراجعت الجامعات الحكومية عشرين منزلة منذ الازمة الاقتصادية عام
2007-2008 بسبب ان معضمها جامعات بحثية. احدى عشرة جامعة امريكية خاصة تحتل المواقع العشرين الاولى واعلى جامعة حكومية تحتل المرتبة 22. ولم تدخل قائمة افضل مئة جامعة عالمية سوى خمس جامعات حكومية من حيث نسبة طالب لمدرس مقارنة ب 24 جامعة حكومية. تحتل جامعة هارفارد وهي جامعة خاصة المرتبة الاولى أوالثانية على
مستوى الجامعات الامريكية والعالم من عام الى عام. وتصل موازنتها 35 مليار دولار امريكي وهي اكبر موازنة لجامعة في العالم وهذا لا شك ساعدها على تبؤو مرتبة متقدمة في العالم ومع انها جامعة خاصة لكن لديها برنامج لتدريس الطلبة الفقراء مجاناً.
الجامعات الخاصة في الأردن:
سبع عشرة جامعة اردنية خاصة تتشابه في رسالتها وتتقاطع فيما بينها وبين الجامعات الحكومية في البرامج التي تطرحها وتتصف كلها بانها جامعات ربحية باستثتاء جامعة واحدة. والمعروف ان معدلات الالتحاق في الجامعات الخاصة زادت بنسبة حوالي 20% سنويا منذ عام 2000 وذلك على حساب كليات المجتمع المتوسطة اذ زاد عدد الطلبة الملتحقين في
الجامعات الخاصة عن 70000 طالب مع العلم ان معدل الالتحاق بالتعليم العالي الاردني بشقيه الحكومي والخاص بلغ 40% وهو ما تجاوز المتوسط الاقليمي.
ماذا نستفيد من المعلومات اعلاه وما هي المقترحات لمستقبل افضل للجامعات الخاصة يجعل الاستثمار فيها امراً مرغوباً من صناديق الاستثمار في الجامعات الحكومية:
1. ان تتخصص الجامعات الخاصة في برامج محددة مما يضمن عدم تشتت جهودها الاكاديمية والمالية والادارية فالتفرد نوع من انواع التسويق الناجح.
2. الاستثمار في استقطاب افضل الكفاءات المؤهلة من افضل الجامعات العالمية وعدم الاعتماد على مخزون الجامعات الحكومية (الذي بدأ ينضب) من خلال اجازات التفرغ العلمي او ما شابه وايفاد الاوائل من طلبتها فهذا لا يعد مستقبل الجامعة فقط بل واجب وطني لمواجهة هجرة الادمغة.
3. لا ضير في اندماج بعض هذه الجامعات مما يعزز قدرتها المالية والاكاديمية ويحد من نفقاتها الادارية. وليس من المعقول في التسويق الجغرافي وجود خمس جامعات عل خط سير واحد وعلى امتداد 40 كيلومتر فقط وهذا الاندماج لا يتعارض مع اعداد الجامعات الخاصة المتزايدة فهو منتشر في كل انحاء العالم.
استثمار الجامعات الحكومية في الجامعات الخاصة:
لا يختلف اثنان على ان الاستثمار هو توظيف الاموال في مشاريع اقتصادية واجتماعية بهدف تحقيق تراكم راسمال جديد ورفع القدرة الانتاجية او تجديد وتعويض الراسمال القديم. والمعروف ان اقتصاديات التعليم تتضمن التوظيف الامثل للامكانات وترشيد التكاليف وضبط النفقات وزيادة الموارد مع ضمان الجودة وتنويع مصادر التمويل للمشروعات.ينظر القطاع
الخاص الى قرار الاستثمار على انه الموازنة بين العوائد النقدية وبين التكاليف المباشرة من بنى تحتية وتجهيزات فيقوم بخصم عوائده وتكاليفه فان فاقت العوائد التكاليف استثمر في المشروع والا فلن يغامر. في حين فان القطاع العام ينظر للاستثمار في التعليم على انه معدل العائد الاجتماعي الذي يؤدي لتحقيق اهداف عامة للمجتمع. فمن باب التكامل والفائدة
المتبادلة, لماذالاتحاول الجامعات الخاصة دعوة وتشجيع صناديق الاستثمارفي الجامعات الحكومية للاستثمارفيهاوفي هذامصلحة للطرفين. سؤال مهم ويستحق الاهتمام من قبل الجامعات الحكومية. وبالاطلاع على تجارب سابقة للاستثمار من قبل الجامعات الحكومية نجد ان الارصدة جمدت او فقدتها في سوق الاسهم ضمن شركات غير مامونة. ولكن قطعاً هناك
جامعات خاصة رابحة وهي شركات مساهمة في التعليم العالي وهو من القطاعات التي يعتبر الاستثمار فيه امناً.ان تنوع التمويل للجامعات الحكومية اصبح امراً لا مفر منه خاصة اذا علمنا ان 70% من موازانات الجامعات الحكومية تاتي بتمويل ذاتي من رسوم الطلبة بينما تساهم الحكومة تقريباً بما نسبته 15%. ولقد بلغت موازنات الجامعات الحكومية ما يقارب
600 مليون مع وجود حوالي 25% عجزاً مالياً من مجموع الموازنات. وفي ضوء احتمال تراجع اقبال الطلبة العرب على الجامعات الحكومية -ذات الرسوم العادية المنخفضة -بعد ان قامت الدول العربية ببناء مؤسسات تعليم عال عديدة في بلادها, وفي بلد يحتل المرتبة 42 عالمياً في مؤشر التنافسية في التعليم العالي والمرتبة 51 في الابتكار والتطوير فلا
داعي للانتظار فترة اطول لادراك اهمية تنوع مصادر الجامعات الحكومية المالية لضمان جودة تعليمها وزيادة قدرتها وقدرة الاردن التنافسية.
ان تنوع شكل وموقع الاستثمار يشكل قاعدة امنة للجامعات, فالنرويج مثلاً استثمرت فائض النقط لديها في ثلاثة الاف شركة ناجحة حول العالم ولم تركز في استثمار واحد او جهة واحدة وهي من افضل قصص النجاح الاستثماري على مستوى الدول.
لايتعارض اطلاق الربح المادي مع التميز الاكاديمي وهنا اسوق مثالا: ان احدى الكليات المتخصصة في العلوم الطبية المساندة في الاردن كانت قد افتقرت في بداية تاسيسهالاعضاء هيئة تدريس كفؤين وشح في المختبرات والعيادات المتخصصة ولكن خلال اربع سنوات اوفدت الكلية 40 مبعوثاً لافضل الجامعات العالمية وبعضهامجاناً وانشات 12 مختبراً وعيادة
متخصصة واستقطبت اكثرمن الفي طالب بمعدل 40% منهم طلبة عرب واجانب بل ان بعض التخصصات تجاوزت فيها نسبة الطلبة غيرالاردنيين 60% منم جموع الطلبة وبرسوم عالية. كانت موازنة الكلية السنوية للاجهزة لا تتجاوزمعدل المئة الف ديناراردني وفي مجمل مصاريف الرواتب والايفاد واستخدام مرافق الجامعة لم تتجاوز ميزانية الكلية نصف
مليون دينارفي حين وصل مدخول الكلية من الرسوم حوالي 3.5 مليون دينار اردني (90% من رسوم الطلبة غير الاردنيين) اي بربح ثلاثة ملايين دينار سنوي وذلك من خلال سياسة اكاديمية وادارية تفوقت فيها الكلية على نظيراتها ليس من حيث الارباح فقط بل من خلال توفرافضل المدرسين وعدد الطلبة الذي يوازي حجم جامعة خاصة صغيرة وسمعة
خريجين متميزة مع العلم انها كانت الكلية الاولى التي تحصل على اعتماد عالمي لاحد برامجها في الجامعة.