مركز الرأي للدراسات
إعداد: أ.د. فراس علعالي و د. الصيدلانية زينب الصبح
آب 2014
إن الأبحاث العلمية في مختلف مجالات العلوم والمعرفة، وعلى مر العصور والأزمان، هي الأساس في تقدم الدول وازدهار الحضارات، وفي الوقت الراهن أصبحت الحاجة إلى البحث العلمي أشد منها في أي وقت مضى، حيث أصبح العالم في سباق محموم للوصول إلى أكبر قدر من المعرفة الدقيقة المثمرة التي تكفل الراحة والرفاهية للدول وتضمن لها التفوق على غيرها، وبعد أن أدركت الدول وخصوصاً المتقدمة أهمية البحث العلمي وعظم الدور الذي يؤديه في التقدم والتنمية، أولته الكثير من الاهتمام وقدَّمت له كل ما يحتاج من متطلبات، حيث إن البحث العلمي يُعتبر الدعامة الأساسية للاقتصاد والتطور، وركناً أساسياً من أركان المعرفة الإنسانية في ميادينها كافة كما يُعد السمة البارزة للعصر الحديث، فأهمية البحث العلمي ترجع إلى أن الأمم أدركت أن عظمتها وتفوقها يرجعان إلى قدرات أبنائها العلمية والفكرية والسلوكية. حيث تكمن فوائد البحث العلمي في تبيان المعلومات عن الإنسان، والكون والظواهر التي نحياها، وفي التغلب على الصعوبات التي قد نواجهها سواء كانت سياسية أو بيئية أو اقتصادية أو اجتماعية أو صحية وطرح الحلول لها.
نظراً للمكانة التي يحتلها البحث العلمي وتتعدد الجهات المرتبطة به وتداخلها، بدءاً من تداخل خصائص البحث مع مصالح الباحث الشخصية والجهات الداعمة له، مروراً بعمل المحررين والمراجعين، انتهاءً بتداخلها مع قدسية الحياة وحقوق الإنسان ومصلحة البشرية، وبالتجريب على البشر والحيوانات، أو بانتهاكات البيئة أو بالتطبيقات البيولوجية والوراثية
الخطيرة، وفضاء المعلومات المفتوح، كان لابد من وجود أخلاقيات تحكم هذا المجال فظهر «علم أخلاقيات البحث العلمي» الذي جاء ليساعد في تطور البحث العلمي وتنظيمه ووضع قواعد وقوانين تحكم العلاقات بين الأطراف المشاركة فيه، بما يضمن سير العملية البحثية بالمسار الصحيح لتحقيق الأهداف المرجوة ومنع أي تلاعب أو استغلال لتحقيق مصالح ورغبات شخصية.
من المهم التزام الجهات القائمة على البحث العلمي بالقواعد المنظمة له لأن ذلك يحقق أهداف البحث من اكتساب المعرفة وإظهار الحقائق ومنع ارتكاب الأخطاء أو التمثيل الخاطئ للنتائج، كما أن عملية البحث العلمي تتطلب تعاون مشترك بين جهات ومؤسسات مختلفة وأخلاقيات البحث تعزز قيم التعاون ومبادئ العمل المشترك من الثقة والاحترام وضمان الحقوق والملكية الفكرية، كما تضع قوانين البحث العلمي الباحث تحت الرقابة والمسائلة القانونية وذلك حفاظاً على المصلحة العامة، وبالتالي كسب ثقة العامة وتعزيز دعمهم للعملية البحثية وتمويلها، وفي النهاية فإن قواعد البحث تدعم القيم الاجتماعية المتعلقة بحقوق الإنسان والحفاظ على الثروة الحيوانية والالتزام بقواعد السلامة العامة.
من الممكن عرض أهم مبادئ البحث والنشر العلمي كالآتي:
1) الأمانة والدقة في توثيق البيانات والنتائج وتحليلها ونشرها، دون كذب أو تضليل أو خداع.
2) عدم التحيز أو التلاعب بتصميم العملية البحثية وتحليل البيانات وعرضها.
3) الاستقامة والحفاظ على الوعود والاتفاقات؛ والسعي لاتساق الفكر والعمل.
4) الحيطة وعدم الإهمال، والعمل على تقليل الأخطاء البشرية والتجريبية والمنهجية إلى حدها الأدنى.
5) الانفتاحية ومشاركة البيانات والنتائج مع الباحثين وتقبل النقد البناء.
6) احترام الملكية الفكرية من براءات اختراع وحقوق نشر، ونسب الآراء لأصحابها وتجنب انتحالها أو سرقتها، وعدم استخدام أي بيانات أو نتائج غير منشورة دون الرجوع إلى صاحبها.
7) احترام الخصوصية والمحافظة على سرية المعلومات.
8) النشر بهدف التطوير وإفادة البشرية وليس للحصول على مصالح شخصية فقط.
9) احترام الباحثين والزملاء في العمل، وإعطاء التقدير والشكر لمن يستحق.
10) مساعدة الطلبة وتعزيز قدراتهم وتمكينهم من اتخاذ قراراتهم بأنفسهم.
11) الالتزام بالمسؤولية المجتمعية والسعي لتطوير المجتمع وحل مشاكله من خلال الأبحاث والدراسات العلمية.
12) تجنب التميز العنصري القائم على الجنس أو العرق أو الديانة بين الزملاء أو الطلبة.
13) الالتزام بالقوانين والأنظمة التي وضعتها المؤسسات والجهات المنظمة للأبحاث العلمية.
14) استخدام الموارد المتاحة بحكمة لإنجاز الأهداف المرجوة.
15) تجنب الخضوع لمؤثرات حكومية هادفة إلى ترك البحث في شؤون عامة حيوية.
16) احترام الذات البشرية وعدم انتهاك حقوق الإنسان وكرامته عند إجراء التجارب عليه، وإدارة الأبحاث العلمية على البشر بما يضمن تحقيق أكبر فائدة وأقل ضرر ممكن. كما يجب معالجة الذوات غير البشرية والحيوانات باحترام وعناية مناسبين عند استخدامها في التجارب.
17) تجنب أي تضارب في المصالح كدعم جهات خاصة ذات أجندة أو الارتباط مع جهات ذات مصالح خاصة.
وفيما يخص العلاقة بين قائد البحث وأعضاء الفريق البحثي من طلبة دراسات عليا أو غيرهم فينبغي أن تكون قائمة على الثقة والتعاون وبما يعود بالنفع على الطرفين ويضمن حقوقهم، فعلى الأستاذ توجيه الباحث في اختيار وإقرار موضوع البحث ووضع الخطة البحثية وتأمين التمويل اللازم بما يخدم المعرفة والإنسانية، وتقديم النصح والعون له وحثه على العمل الدؤوب وتحمل مسؤولية قراراته، دون محاولة التقليل من عمله ومجهوده، أو استغلال سلطته ونفوذه للحصول على مصالح شخصية، كما ينصح بعمل دورات تدريبية لتعريف الأساتذة وتوعيتهم بأسس الإشراف على الطلبة والباحثين والأساليب المتبعة في توجيههم وإرشادهم. من جهة أخرى يتوجب على الباحث احترام أستاذه وإتباع توجيهاته واللجوء إليه كلما دعت الضرورة.
مما يجدر ذكره في هذا السياق موضوع السرقة العلمية والأدبية (Plagiarism)، وهو اقتباس الباحث ونقله للمعلومات أو الأفكار من الكتب والمواقع والأبحاث دون ذكر المصدر أو المرجع المأخوذة منه ونسبها إليه دون وجه حق، ومع عصر الانفتاح والإنترنت أصبحت السرقة العلمية من أكبر المشاكل المتفاقمة يلجأ إليها ضعاف النفوس من طلبة الماجستير والدكتوراه لإتمام أطروحة التخرج، ومن أساتذة جامعيين بهدف الترقية والترفيع، وباحثين للوصول إلى الشهرة والمكاسب المادية. وللحد من هذه الظاهرة يتوافر حالياً العديد من البرمجيات والمواقع التي يمكن استخدامها من قبل جهات النشر العلمي والجامعات لتمحيص الأبحاث المقدمة وكشف أي محاولات للسرقة أو النقل من المواقع أو الأبحاث المنشورة، كما يمكن استخدامها من قبل طلبة الدراسات العليا والباحثين لتدقيق أبحاثهم وأطروحاتهم والتأكد من التوثيق الدقيق للمصادر والمراجع وعدم وجود أي خلل في الاقتباس، ومن أهم هذه البرمجيات والمواقع (TurnItIn, iThenticate, Viper, PlagiarismChecker.com,Plagiarism Detect).
هناك أيضاً أسس وقواعد تضبط كتابة أسماء المؤلفين على المنشورات العلمية بما يضمن حقوق المشاركين والجهات الداعمة، حيث يجب أن تضم قائمة المؤلفين جميع الأشخاص الذين ساهموا في بناء فكرة البحث أو في تصميم العملية البحثية وتحليل البيانات أو شاركوا في المراجعة النقدية لمسودة العمل، ويحدد ترتيب الأسماء بالاتفاق الجماعي بينهم، بينما يشتركوا جميعاً في المسؤولية تجاه صحة النتائج المنشورة ودقتها. أما الأشخاص الذين شاركوا بشكل معنوي في البحث ولكن لم يحققوا شروط إدراجهم كمؤلفين فيجب توجيه الشكر لهم في نهاية العمل المقدم للنشر. هنا تعد ظاهرة «الراكب المجاني» من العادات السلبية المنتشرة بين الباحثين وتدل على تداخل الواسطة والمحسوبية في البحوث العلمية من خلال وضع اسم شخص في قائمة المؤلفين دون أن يكون له مساهمه فعليه في إتمام العمل المقدم للنشر وإنما بسبب موقعه الإداري أو كخدمة لتقديمه مصلحة معينه أو دعم مادي للبحث أو لقيامه بأعمال فنية مدفوعة الأجر.
بما يتعلق بجهات النشر والدوريات العلمية فقد ظهر مؤخراً ما يعرف بمواقع الوصول الحر (Open Access) وهي مواقع الكترونية تصدر دوريات الكترونية متاحة بشكل مباشر ومستمر للباحثين والمستفيدين. جاءت هذه المواقع لتسهيل عملية النشر وتسريعها وضمان وصول آخر ما توصل إليه العلم إلى أكبر قدر ممكن من المستفيدين مجاناً دون الحاجة للاشتراك بالدوريات الورقية التي قد تطلب اشتراكات مالية للاطلاع عليها فتكون محصورة فقط على فئة خاصة من الباحثين. على الرغم من الايجابيات التي تقدمها مواقع الوصول الحر إلا أنها أصبحت وسيله للاستغلال المادي فمعظمها يشترط أن يدفع المؤلف مبلغ نقدي مقابل نشر بحثه، ومع تطور التكنولوجيا أصبح من السهل نشر أبحاث وهمية ومضللة أو ذات جودة منخفضة على هذه المواقع دون أن يكون هناك مراجعة وتدقيق قبل النشر، وفي دراسة لهذه الظاهرة نشرت عام 2013م في مجلة الجمعية الأمريكية لتقدم العلم AAAS (American Association for The Advancement of Science)، وقد أجراها الباحث جون بوهانون قاصداً وكاختبار بإرسال بحث مزيف يدرس التأثير المضاد للسرطان لمستخلص نباتي إلى 300 موقع، وتمت الموافقة على نشر البحث في ما يقارب 200 موقع بعضها ذات سمعة مرموقة ولها معامل تأثير عالي وتدعي بمراجعة الأبحاث وتدقيقها قبل نشرها، وعلى الرغم من أن البحث كان مزيفاً وأرسل باسم باحث غير حقيقي يعمل بمؤسسة غير موجودة والبحث يحوى العديد من الأخطاء المقصودة والتي يسهل اكتشافها ويعطي نتائج لا معنى لها، إلا أن عدد كبير من مواقع الوصول الحر قامت بنشره بدون أي مراجعة أو تقيم، وهذا يعني أن مصداقية وجودة الأبحاث الموجودة على هذه المواقع لا يمكن الوثوق بها تماماً واعتمادها دون تمحيص.
في الاتجاه نحو الإبداع واقتصاد المعرفة لا بد من الاهتمام وتأصيل البحث والنشر العلمي باعتبارها وسيلة تقدم العلم وتوثيقه وذلك من خلال تبني منظومة أخلاق وأعراف تأسس لمرحلة قادمة في مسيرة الأردن عنوانها العلم والبحث والريادة والإبداع.