إعداد :د. نفيــس مــدانــات
22 كانون أول 2014
اذا اتبعنا المعيار الموضوعي الذي يرى ان كل قاعدة عامة وغير شخصية هي قانون فعندها يصبح النظام قانوناً, اما اذا اتبعنا المعيار الشكلي الذي ينظر الى الجهة التي صدر عنها العمل التشريعي فالنظام يصبح قرار السلطة الادارية الذي لا يرقى الى مستوى القانون, وعليه فالنظام هو عمل السلطة الادارية صاحبة الاختصاص باصداره. إن الدستور الأردني في التعديلات الاخيرة لعام (2011) وضع النظام في المادة (59 فقرة 1) منه في مستوى القانون وأخصعه لرقابة الدستورية, بينما قانون القضاء الاداري رقم (27) سنة 2014 قد وضع النظام في المادة (5 فقرة أ بند 6) في مستوى أدنى من القانون وأخضعه لرقابة المشروعية.
• فما هو الفرق بين رقابة الدستورية ورقابة المشروعية؟
يقول أحد الفقهاء الفرنسيين: ( ان رقابة الدستورية ليست كرقابة الالغاء, وليس لها نفس الدور, فالاولى تجد فيها مسألة دستورية النظام تشكل مسألة أولية ومسبقة كما أنها معنوية, بينما رقابة الالغاء لاحقة وحسية.
والقاضي في رقابة المخالفة للدستور لا يحسم نزاعاً بين اطراف في دعوى ولا يعطي حقاً لاحد دون الاخر, بل إنه يقارن نصين مختلفين في الطبيعة والمستوى في التسلسل, وبالتالي يجد نفسه مسؤولاً على ان يغلب احدهما على الآخر وهو الدستور.
وقـد يقـال ان هنـاك طـرفين في الـدعوى من يـدافع عن النظـام ومن يـدفع بـأنه غير دستوري, وكما يحصل في كـل دعـوى فهنـاك بالنسبة للمـراقب ذي النظـرة السطحيـة مـن خسـر ومـن ربـح. لكـن الامــور ليســت كــذلك, لانــه اذا اردنــا أن ننظــر الـى الامـور، فـإن ما جـرى فحصه من قبل القاضي هـو التوافق مع الدستـور وليس مضمـون هـذا النظـام مع الوضـع الـذي اراد أن ينظمـه ولكـن خضوعه للميثاق الذي أراده الشعب, فالقاضي ليس مهمته أن يبث في نـزاع بيـن اطـراف ولكـن قـول الحـق على اعلـى المستويـات حتـى يحـافظ على ثبات الامـرية القانـونية (ordonnancement juridique).
لكن رقابة المشروعية من قبل القاضي الاداري تنبع في مبدأها من النظرية السياسية الليبرالية وليس من النظرية الديمقراطية. إذ أن مبدأ المشروعية يشكل تحديداً للسلطة الادارية, وهو مبدأ ليبرالي وعامل من عوامل الليبرالية في النظام الاداري, ومن الطبيعي فإن الليبرالية تكون مصونه اكثر كلما كان الخروج على هذا المبدأ معاقباً عليه بشكل كافً, أي عندما يكون لدى الافراد طرق قانونيه واسعة سهلة الولوج واكثر فعالية من أجل مراقبة احترام القانون من قبل الادارة. ان هذه الدلاله الليبرالية لمبدأ المشروعية لها كمصدر اساسي القانون,لأن الدستور يقوم فقط بالاعتراف بمبدأ الحقوق والحريات الاساسية, وبالتالي فإن تحديد الادارة يكون مضموناً بصورة أفضل عندما يكون القانون صادراً عن سلطة خارجه عنها. وهذا بحسب رأي مونتسكيو أول فائدة لفصل السلطات, إن يقول: ( عندما تجتمع في نفس يد الشخص أو نفس الهيئة السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية, فليس هناك حرية).
ان اساس هذه المشكلة موجودة في قرار للمجلس العالي لتفسير الدستور :
ففي عام 1955 اجتمع المجلس العالي بناءً على قرار مجلس الوزراء بتاريخ 27/10/1955 لتفسير حكم المادة (123) من الدستور ليعلم عما اذا كانت صلاحية الديوان الخاص بتفسير القوانين المنصوص عليها في هذه المادة مقصورة على تفسير القوانين فقط أم انها تشمل تفسير الانظمة ايضاً.
ومع الاسف صدر عن المجلس العالي القرار 3 لسنة 1955 الذي نص على ما يلي :-
واننا نرى أنه ليس المراد من كلمة القانون الواردة في المادة (123) المطلوب تفسيرها ما يصدر عن مجلس الامة فحسب وانما تتناول جميع التشاريع التي تسن وفق الاوضاع المعتادة المبينة في الدستور اذ ان هذه الكلمة مستعملة هنا بالمعني العام الشامل وليس بالمعنى الخاص الضيق, ويضيف هذا القرار: ولهذا فأن النظام بنوعيه, التنفيذي والمستقل يدخل في مفهوم كلمة (القانون) المشار اليها لأنه لا يخرج من كونه إما تشريعاً أصلاً يوضع بالاستناد الى احكام الدستور ذاته أو تشريعاً قانونياً يوضع لتنفيذ أحكام القانون وفي حدوده.
في الحقيقة إن القرار رقم 3 لسنة 1955 قد وضع تصنيفاً غريباً للانظمة, فوصف النظام المستقل بأنه (تشريع أصيل), والنظام التنفيذي الذي يوضع لتنفيذ احكام القانون (بالتشريع القانوني).
ان هذا التصنيف في رأينا هو دخيل على فقه القانون العام عموماً وعلى الدستور الاردني بشكل خاص. لأن ما يتعلق بخاصية الأصالة في التشريع في مجال حقوق الانسان ليس هناك غير الدستور يمكن أن يقال بأنه نص أصيل, فالقانون الذي كان محرراً في القرن الثامن عشر قد اصبح فيما بعد قاعدة وسيطة, وقد حصل ذلك بسبب فصل السلطات-بناءً على اراء مونتسكيو - فالقانون أدنى من الدستور وفوق القواعد الدنيا, وهذا هو تدرج النصوص في الديمقراطيات الليبرالية حيث يأتي القانون فوق أعمال السلطه التنفيذية, وما دام أن القانون-وهو يوضع بالاستناد الى احكام الدستور ليس اصلاً, فلا يمكننا الادعاء من باب أولى بأن النظام المستقل اصيلاً.
أما النظام التنفيذي كما جاء في القرار نفسه فإنه يوضع لتنفيذ أحكام القانون وفي حدوده, معنى ذلك أنه ليس باستطاعته الخروج على احكام القانون أي أنه خاضع للقانون الذي ينفذه, وبالتالي فهو أدنى مرتبه منه.
ان وضع الأنظمة تحت رقابة الدستورية يعني أنه لا يعلوها الا الدستور وحده. وهنا نتساءل هل اختفى تفوق القانون على النظام الذي ينفذه؟
وعليه فالنظام هو قانون تارة وهو قرار السلطة الادارية تارة أخرى, فهو يخضع لرقابة الدستورية تارة ولرقابة المشروعية تارة اخرى, وهل هو وضع سليم أن يكون لعمل حقوقي واحد طبيعتان مختلفتان؟ كأن نقول بأن القانون الشكلي الصادر عن البرلمان هو قانون تارة وهو نظام تارة أخرى؟ أي أن يخضع لرقابة الدستورية تارة ولرقابة المشروعية تارة اخرى؟ وهل يجوز اعتماد معيارين لعمل حقوقي واحد؟
لقد أصبح لدينا ازدواجية في القضاء اليوم, كما هي عليه الحال في الجمهورية الفرنسية الخامسة. ولدى مقارنة الوضع لدينا مع فرنسا الان نرى :-
أن هناك محكمة دستورية هي المجلس الدستوري الفرنسي وكذلك ازدواجية في القضاء, لكن المجلس الدستوري لا يراقب توافق الانظمة مع الدستور, بل ان ذلك هو عمل القضاء الأداري هناك, فالقاضي الأداري الفرنسي وضمن اطار رقابة المشروعية يراقب توافق الأنظمة مع الدستور, وحتى لوائح المادة (38) لديهم, حيث ان مجلس الدولة الفرنسي كان منذ مطلع القرن العشرين قد تبنى المعيار الشكلي للقرار الأداري. لذلك نرى ان (البند 6 من الفقرة أ من المادة 5 من قانون القضاء الأداري رقم 27 لعام 2014 هو غير دستوري وتستطيع بذلك المحكمة الدستورية لدينا أن تراجع نفسها بنفسها كما تفعل المحاكم الدستورية في اوروبا القارية مثل المحكمة الدستورية الفرنسية أو النمساوية أو الالمانية أو الاسبانية أو الايطالية وأن تقرر بطلان هذا البند أو أن يجري تعديلاً للدستور للفقرة (1 م 59) وان تقتصر رقابة المحكمة الدستورية على القوانين البرلمانية فقط وهو الحل الأفضل, واذا لم يجر هذا التعديل فسنرى قربياً ان المحكمة الدستورية ستتخذ وظيفة اخرى وهي الرقابة على تطبيق القوانين وتصبح بذلك درجة ثالثة في القضاء الاداري.
في الواقع هناك الكثير الكثير بالامكان قوله بخصوص التعديلات الدستورية الاخيرة لعام 2011, لكننا نكتفي هنا بالتعليق على المادة 59 فقرة 1