إعداد :د. حازم قشوع
كانون أول 2014
هنالك اسباب موضوعية واخرى ذاتية يستوجب إستدراكها لإيجاد حلول ناجعة لظاهرة التطرف والعنف ومعالجات للحد من الارهاب دواعيه ورواسبه، وذلك وفق قراءة موضوعية تقوم على حيثيات علمية دلالات استنتاجية، تقودنا الى ايجاد آلية يمكن تطبيقها وسياسية يمكن بلورتها للتعاطي مع حركات التطرف ومظاهر الإرهاب، لتجفيف البيئة الحاضنة لظهور ونشأة النهج التطرفي، ومسبباته.
الامر الذي يستوجب التوقف عند معطيات المرحلة وظروفها المحيطة وذلك لاستدراك نوعية تلك الحواضن التي تعتاش عليها وتعيش فيها خلايا التطرف والاخرى المساندة لها على الصعيدين السياسي والمعيشي.
ولعل الاسباب الذاتية التي يمكن وضعها في إلاطار المسبب للارهاب ودواعيه والتي يتوقف وجودها على مدى ملاءمة وجود تلك البيئة التي تسمح بولادة او إنتشار الفكر المتطرف او النهج الإرهابي يتوقف علي العوامل الذاتية والاخرى الموضوعية التي تعتبر حواضن ساندة أو داعمة يؤدي تناميها في الإتجاه السلبي الى إستشراء ظاهرة التطرف والفكر الإقصائي حيث يعتبر وجودها استقطابا لخلايا ذلك الفكر أو تنامي العناصر الذاتية او البيئية التي تقوم عليها معادلة الارهاب بالفكر والنهج.
واحسب ان الارهاب الذي يقوم اساسه على الفكر المتطرف القائم على سياسة الإقصاء ومعتقد احتكار الحقيقة، وذلك وفق محصلة معادلة قيمية، ذات مدلولات حادة مطلقة، مع أن ميزان القيم نسبي، وليس ثابتا الامر الذي يستدعي التعاطي مع هذه الظاهرة عبر أدوات تتعاطى مع نهجه وسياسات تتعامل مع فكره.
ولعله من المفيد ونحن نتحدث عن الارهاب كظاهرة باتت تحمل علامة فارقة في الشرق الاوسط، من الوقوف على الأسباب والدوافع التي ادت الى نشأة هذا الفكر، وإيجاد الآليات المناسبة التي تمكننا من التعاطي مع مسبباته،وكذلك العمل على إيجاد استراتيجيات تقوم على اسس توعوية تناهض الارهاب واخرى سياسية واقتصادية ومعيشية تقوم للحد من تنامي التطرف بكل اشكاله وذلك عبر سياسة الإحتواء وليس باتباع نهج الإقصاء ذلك لأن الاقصاء يجعل من هذه الحركات المتطرفة اكثر تشددا بينما نهج الاحتواء يقودها لتكون في المنازل الديمقراطية التعددية التي يمكن التعاطي معها او حتى الاعتراف بها باعتبارها جزءا من الكل المشكل لنسيج المجتمع.
واحسب أن التعاطي مع النهج السياسي الذي تحمله هذه الفئات او المجموعات بحاجة الى وضع استتراتيجية للاشتباك معها على الصعيد الميداني والفكري لا تستند الى سياسة الرادع او الضابط فحسب بقدر ما يقوم على سياسة تستند الى الوازع والحافز في ذات السياق، هذا اذا ما ادركنا أن السياسات الاربع التي تقف عليها استراتيجيات العمل السياسي تقوم على معادلة تأخذ بسياسة الترغيب والترهيب، لاسيما وقد فشلت بظني السياسة المتبعة بالتعاطي مع ظاهرة الارهاب عندما تم إتباع سياسة نقل بيئة مكان الاستهداف من موقع الى آخر، فإن الإنتصار في بعض المعارك او التقدم في بعض الإشتباكات لا يعني الانتصار بالحرب على الارهاب الامر الذي إدى عندما تم نقلها الى أماكن وجودها من زيادة الأمر تعقيداً، فان التعاطي مع الحركات الارهابية لا يكون على اساس عسكري فحسب بل لا بد ان يقرن ذلك بعوامل توعوية فكرية مضادة للايدلوجية المنغلقة التي يحملها دعاه هذا الفكري التطرفي.
فلقد عرفت البشرية على مر العصور مراحل تم خلالها الغلو في اسستخدام القوة لفرض الأمر بالإكراه، لكن هذه الحقب الزمنية لم تستطع أن تحدث اضافة مفيدة للإنسانية كما انها لم تتمكن حتى من إحداث إختراق فكري يمكن هضمه او التعأطي معه باعتباره إضافة نوعية للمحتوى الإنساني.
وعند تناول الاسباب الموضوعية الحاضنة ومحددات العوامل البيئية الذاتية فانه يمكن استخلاصها فيما يلي:
اولا: الاسباب الموضوعية الحاضنة
أ) حالة او درجة الإستقطاب الإقليمي المحيط.
ب) مصالح النظام العالمي في التجاذبات السياسية القائمة.
ت) قدرة المجتمعات المحيطة في التعاطي مع هذه الظاهرة.
ثانياً: الاسباب الذاتية البيئية
1. مساحات الفقر والعوز والجوع والبطالة في بلدان المنطقة.
2. عوامل الإحتلال والقهر.
3. غياب الديمقراطية في المجتمعات.
4. إلاختلال بميزان العدالة.
5. غياب الحالة المدنية وقيم المواطنة.
6. ضعف المستقرات المجتمعية.
هذه العوامل والاسباب التي تؤدي لايجاد بيئة صالحه لنمو نهج التطرف وكما أنها المكان الأفضل لاستقطاب غلاة العنف، بالاضافة للعوامل المحيطة التي تكفل تمويل الإرهاب خدمة لأغراض ومصالح سياسية.
ان الظرف الموضوعي الذي يخيم على حالته درجة الاستقطاب الاقليمي المحيط والتي باتت تولد بطريقة مباشرة او غير مباشرة حركات التطرف والارهاب اضافة الى عوامل الشد المحيط والتي تجسدها اسقاطات المصالح الدولية، حيث باتت تشكل بيئة حاضنة للارهاب والعنف، ولقد وصفها بعض المفكرين والسياسيين باعتبارها ادوات تخدم السياسات الكامنة وراء ذلك معتمدة على آلية التعامل مع هذه الفئات إما بصناعتها او مساندتها لتحقيق مآربها في أي منطقة تنشأ بها عن طريق استخدامها كأدوات استخدام سياسي.
ومن هنا يبرز السؤال العريض هل النظام الدولي يسعى الى رفد هذه التجاذبات السياسية ام تراه يسعى للحد منها؟ لا سيما وان واقع الحال يشير الى ان هنالك دعما تتلقاه هذه المجموعات الارهابية وبما يوفر لها الدعم المادي والوجستي والذي يجعلها قادرة على المناورة في مناطق وجودها بصورة واضحة للعيان مما يؤدي الى ترسيخ نفوذها وتحقيق اهداف سياسية كامنة ذات مصالح ذات مصالح اما اقليمية او دولية.
لذا فإن حركات التطرف تعتمد في انتشارها على قدرتها الذاتية في توصيل فكرها واستقطابها لاعضاء جدد وتعتاش هي الاخرى على المصالح السياسية الاقليمية المتضادة التي تمكنها اعلامياً من بسط فكرها لتمرير مصالحها السياسية دونما وجود نظرة استراتيجية اقليمية تراعى الامن والسلم الاقليمي فان القوى الاقليمية قد تكون قادرة على ان تنشأ او تدعم الحركات الارهابية لكنها غير قادرة اطلاقاً على ايقاف هذه الحركات او حتى السيطرة عليها.
أما الاسباب الذاتية فنحن نعلم أن الحاجة تضع من بعض فئات المجتمع وفق ارهاصات معيشية في ظل جيوب الفقر والعوز والجوع والبطالة في مجتمعات العالم الثالث لتشكل بيئة يكون لها دور كبير في إيجاد مثل هذه الحركات المتطرفة وتناميها، فتقوم حركات التطرف باستغلال هذه البيئة لاستقطاب عناصرها وتوسيع افكارها، وهذا لا يجعلها تبنى وتقاوم ليس على اسس علمية أو عقائدية واضحة بل هي إعتقادات فردية لشرذمة أفكار نتيجة معاناة مستمرة وفق المظاهر التي ذكرت سابقا، كما ان عامل الإحتلال والقهر يؤدي الى إختلالات في المنظومة الفكرية وكذلك الإجتماعية والسياسية فلا منطق يحكمها ولا عقل يقبلها بل هي تكون بمثابة ردود فعل في غير مكانها ودون تصور واقعي لها ويكون السبب الأول لها المعاناه التي تلحق بالمجتمع نتيجة القهر مما يؤدي الى وجودها ضمن آلية عمل متطرفة.
ويؤدي ايضاً غياب الديمقراطية في المجتمعات الى بلورة مناخات سلبية يكون لها دور كبير في إقصاء رأي وتهميش رأي الآخر، كما أن الإختلاف سيكون ضمن منظومة محصورة وأفكار لا يتسنى لها أن تقود الى الوضوح في الرؤيا بل الى أفكار تأتي ضمن نطاق الارهاب ولغة التكفير وتفكيرهم المحصور بآراء منغلقة لا تحكمها سياسية أو حتى أسس واضحة كما أن اختلال ميزان العدالة سيترك اثراً سلبياً كبيراً في ايجاد بيئة تستقطب هذه الفئات التي سيكون لها دوره الأكبر في اقناع من حولها باعتبارها جاءت كبديل لاحقاق عمليه العدل والعدالة بين أفراده والتخلص من الظلم والمعاناة التي تحيط بهم.
واستناداً الى ما ذكر سابقاً، فان غياب السمة المدنية وسيادة القانون عن المجتمع سيكون لها تبعات كبيرة في ظل وجود هذا الفكر وخلاياه حيث يؤدي استشراءه الى احلال الفوضى وانعدام النظام وحتى الشعور بالامان في المناطق التي ينحكم بها هذا الفكر المتطرف، لا سيما وان هذه الحركات التي لا تحتكم الى القيم المدنية ولا الى المرجعيات الدستورية الامر الذي يؤدي الى عدم الاستقرار المجتمعي وغياب الأمن وظهور عوامل سلبية في التعامل مع كيانات الدول التي تظهر فيها مما يؤدي الى تراجعها واحتكامها لدول مسيطرة ومهيمنة ستكون لها عونا للتخلص من هذه المعاناة وهذا يجلب لها ضياعا ورضوخا اكبر.
ولقد ثبت بالبرهان ان المجتمعات المدنية الديمقراطية هي المجتمعات القادرة على التعاطي مع مثل هذه الحركات وذلك بفضل قدرتها على احتواء كل الحركات الفكرية وذلك وفق النهج التعددي وبما يمكن هذه المجتمعات المدنية من التعاطي معها كجزء من الكل لنسيج هذه المجتمعات وخير مثال على ذلك ما حصل في المملكة الاردنية الهاشمية فلقد اثبت هذا المجتمع قدرته على الاحتواء بل والتعامل مع كل هذه الحركات من خلال توظيف الإرادة السياسية في الاتجاه الذي يخدم تفعيل وتمكين المشاركة الشعبية في صناعة القرار على الصعيد السياسي والتنموي وكذلك من خلال تطوير الدستور وسن القوانين والانظمة والتشريعات الداعمة لتوسيع المشاركة الشعبية على الصعيد السياسي لترسيخ النهج الديمقراطي التعددي وعلى الصعيد التنموي باتباع ادارة اللامركزية، لتعظيم درجة المنعة للمجتمع ليكون قادرا على التصدي لظاهرة الارهاب ودواعيها.
ولقد دلت البراهين ان سياسة تراكم الإنجاز التي تأخذ بالإمكانات وترنو لتحقيق التطلعات وتامل بالوصول لحل الخلافات ضمن اسس ديمقراطية تعددية تاخد برأي الاغلبية وتحترم رأي الاقلية، هي السياسات القادرة للوصول برسالة البناء الوطني الى الغاية المرجوة،والذي يمثلها تعزيز سمات المجتمعات المعرفية ذات النهج الديمقراطي التعددي لتكون مجتمعات مدنية في طابعها، ديمقراطية في نهجها، انسانية في محتواها، وبما يعظم الانجاز للمجتمع ويصون المكتسبات للدولة وفق معادلة سياسية تستثمر الموارد البشرية المتاحة والموارد الطبيعية المتوفرة وتحقق سمة وطابع مجتمع المواطنة وميزاته، وهي السمات التي تمتاز بها المجتمعات المتحضرة.
ان مكافحة الارهاب والتطرف لا تستطيع دولة لوحدها الحد منه او القضاء على جيوبه بل بحاجة الى استراتيجية شاملة برعاية دولية لتكون قادرة هذه الجهود على توظيف كل المجهودات في الاتجاهات التي تخدم ايجاد حوار بين الحضارات ضمن المحتوى الانساني، وتقوم هذه الاستراتيجية ايضا ًعلى نبذ العنف بكل اشكاله بما في ذلك ارهاب الدولة، وايجاد حالة قيمية تستند الى القيم الانسانية المدنية، فان العالم بات بحاجة الى قوانين عادلة تحكم تصرفات مجتمعاته دونما تمييز، وقانون دولي ذو ضوابط تنفيذية تساعده في ترسيخ حالة الامن والسلم الدولي بصورة جلية