سيادة القانون

مركز الرأي للدراسات

العين الدكتور عبد الشخانبة

آذار 2015

 

ان الدولة الديمقراطية لا تقوم إلاّ على مبدأ سيادة القانون ويطلق على هذا المبدأ مبدأ المشروعية، ومعناه خضوع الحكام والمحكومين في الدولة لقواعد القانون القائم فيها، بحيث تتوافق التصرفات التي تصدر عن سلطات الدولة المختلفة ومواطنيها مع قواعد قانونية موضوعه أو قائمه من قبل.

 

ومعنى هذا خضوع الأفراد لقواعد القانون وكذلك خضوع السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية للقواعد القانونية الملزمة السارية المفعول في الدولة.

ولتحقيق مبدأ سيادة القانون في الدولة ينبغي توافر عدة ضمانات وتتمثل فيما يلي :-

 

-1 وجود دستور قائم في الدولة يبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها وحقوق المواطنين وواجباتهم وسلطات الدولة المختلفة وكيفية تسيير اعمالها وغيرها من المجالات الرئيسية.

-2 الفصل بين السلطات، ويعني توزيع الاختصاصات بين سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وعدم تركيز السلطة في يدٍ واحدة، مع ملاحظة ان الفصل بين السلطات لا يعني عدم وجود التعاون والتنسيق فيما بينها.

-3 الاعتراف بالحقوق الفردية، اي افتراض وجود حقوق للأفراد في مواجهة الدولة، مقابل الواجبات الملقاة على عاتقهم.

-4 وجود رقابة فاعلة، حيث ان وجود هذه الرقابة الفاعلة يضمن عدم مخالفة القواعد القانونية في الدولة.

5- تدرج القواعد القانونية، بحيث تحترم القاعدة القانونية الأدنى القاعدة القانونية الأعلى، ومعنى هذا ان يحترم القانون الدستور، ويحترم النظام، القانون والدستور، وتحترم التعليمات الدستور والقانون والنظام.

6- وجود ضمانات واقعية لاحترام سيادة القانون والمتمثلة بفاعلية وسائل الاعلام، ومؤسسات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية.

 

وينتج عن مفهوم سيادة القانون بالضرورة مبدأ المساواة أمام القانون، بحيث يكون جميع المواطنين سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات.

 

ويجب ان يتم ممارسة هذا المبدأ بصورة فعلية حيث انه الاساس لتحقيق المجتمع المتقدم، بحيث يحمي القانون حقوق جميع المواطنين ويتم تطبيقه عليهم بالعدالة والمساواة، وكل مواطن يأخذ حقه الذي يعطيه اياه القانون ولا يتجاوز اي شخص على هذا الحق، ولذلك يعيش المواطن محتفظاً بكرامته باذلاً اقصى ما عنده لرفعة وطنه وتقدمه، ومن شأنه تعزيز المشاركة في العملية السياسية والحياة العامة.

ولا بد هنا من الاشارة إلى دور كل من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية في تعزيز مبدأ سيادة القانون في النظام الديموقراطي.

 

- السلطة التشريعية وسيادة القانون.

وهذا يتطلب قيام السلطة التشريعية بدورها المناط بها في الدستور في مجال التشريع والرقابة، وان تكون حريصة كل الحرص على عدم اصدار أية قوانين تخالف الدستور او تمس بحقوق المواطنين وحرياتهم. ومما يعزز ذلك وجود قواعد اساسية في الدستور تعترف بهذه الحقوق والحريات علماً بأن الدستور الأردني من ارقى الدساتير في العالم بالاعتراف بهذه الحقوق والحريات وهذا ما نص عليه الفصل الثاني من الدستور سواء في مجال ان الاردنيين أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين، وان الدولة تكفل العمل والتعليم ضمن حدود امكانياتها وتكفل الطمأنينه وتكافؤ الفرص، وان القانون يحفظ كيان الأسرة ويقوي اواصرها، ويحمي الأمومة والطفولة والشيخوخة، وكذلك فان الحرية الشخصية مصونه واي اعتداء عليها جريمة يعاقب عليها القانون، وعدم ابعاد اردني عن دياره، وحرمة المسكن، ولا يفرض التشغيل الالزامي على احد إلاّ في حدود القانون، وحرية القيام بشعائر الأديان، وتكفل الدولة حرية الرأي، والبحث العلمي والابداع، وحق الاجتماع في حدود القانون، وسرية المراسلات والاتصالات، وان العمل حق لجميع المواطنين وعلى الدولة ان توفره للأردنيين بتوجيه الاقتصاد الوطني والنهوض به.

 

وزيادة في تأكيد الدستور الأردني على حماية هذه الحقوق والحريات فقد جاءت المادة 128/1 منه المعدلة في عام 2011 بالنص على انه لا يجوز ان تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق او تمس اساسياتها وهذا يعتبر قيد على السلطة التشريعية لاحترام هذه الحقوق والحريات، وعدم اصدار اية تشريعات تمس بجوهر هذه الحقوق والحريات.

 

ومما يفعل سيادة القانون في هذا الجانب وجود المحكمة الدستورية التي تختص بالرقابة على دستورية القوانين والانظمة استناداً لأحكام المادة 59 من الدستور.

 

ويدخل في اختصاص السلطة التشريعية من خلال وظيفتها الرقابية مساءلة الحكومة عن اي مخالفة للقوانين أو التهاون في تنفيذها.

 

- السلطة التنفيذية وسيادة القانون.

وهذا يتوجب وجود حكومة فعّالة تحافظ على الامن والنظام، وقادرة على توفير ظروف اقتصادية واجتماعية مقبولة للمواطنين، بالاضافة إلى قدرتها من خلال اجهزتها التنفيذية على تنفيذ القانون بمنتهى الحزم والشجاعة والشفافية والعدل.

إلى جانب ذلك لا بد من توفير الضمانات اللازمة لمنع اساءة استعمال السلطة التنفيذية لصلاحياتها وذلك بمخالفة القانون أو قيامها بالإعتداء على حقوق الأفراد، ويكون ذلك باخضاع تصرفاتها إلى الرقابة التشريعية والرقابة القضائية بصورة دائمة.

 

- السلطة القضائية وسيادة القانون.

ان للسلطة القضائية دوراً رئيسياً في تعزيز سيادة القانون سواء من خلال الرقابة القضائية التي تمارسها بخصوص دستورية القوانين والانظمة أو الرقابة التي تتولاها على قرارات الادارة المخالفة سواء بالالغاء أو التعويض.

ان صاحب الجلالة حفظه الله ورعاه يعتبر أن سيادة القانون اهم ركن من اركان الدولة وهو الضمانة الحقيقية للمسيرة الديموقراطية وامن المواطن واستقرار الوطن، وقد أكد على هذا المبدأ في خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس النواب السابع عشر.

 

وكذلك فان صاحب الجلالة في اوراقه النقاشية أكد على أهمية سيادة القانون واحترامه من قبل الحكام والمحكومين حيث ان سيادة القانون هي الأساس لبناء الدولة الديموقراطية.

 

ومن أجل بناء النظام الديموقراطي يجب ان تتجذر في سلوكنا السياسي والاجتماعي العديد من المبادئ والممارسات ومن أهمها:

• احترام الرأي الآخر على اساس أننا جميعاً شركاء في الحقوق والواجبات.

• أهمية مشاركة المواطنين في بحث القضايا والقوانين ذات الأولوية وفي مقدمتها محاربة الفقر والبطالة وتحسين الخدمات والرعاية الصحية، وقضايا الصحة والتعليم وغيرها.

• ضرورة متابعة المواطنين لاداء ممثليهم في البرلمان والمجالس المحلية.

• ضرورة نبذ العنف ونبذ الأضرار بالممتلكات العامة وتخريبها، وما حدث في بعض جامعاتنا، من الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة فانها سلوكيات تتنافى مع النظام الديموقراطي.

• عدم التطاول على هيبة مؤسسات الدولة ومسؤوليها أو اعاقة موظفيها المدنيين والعسكريين عن قيامهم بواجباتهم.

 

فما دام ان المواطن اعطاه القانون الحق في ان يطالب بحقوقه بجميع الوسائل المشروعة فيجب عليه ان يلتزم بالواجبات المفروضة عليه في التشريعات النافذة، كان يتقيد السائق بقواعد المرور المختلفة ويدفع المكلف الضريبة المفروضة عليه، ويحافظ المواطن على الممتلكات العامة وغيرها.

 

وكذلك على الجهات التنفيذية اثناء قيامها باداء واجباتها ان تحترم القانون وتحرص على تنفيذه بمنتهى الحزم والعدالة بعيداً عن التهاون والمحاباة والاسترضاء وبدون التدخل من اي جهة كانت، وحينها نحقق دولة القانون والتي هي اساس التقدم والازدهار.

 

- ان الدستور الأردني كان متماشياً مع التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدها الاردن وكان ملبياً لها، وهذا ما اكده صاحب الجلالة حفظه الله ورعاه في ورقته النقاشية الثانية حيث قال ((..... وفي الاردن شكَّل الدستور اساس الحياة السياسية والديموقراطية الذي طالما وفر اطاراً تنظيمياً لقراراتنا وخياراتنا على مدى تسعين عاما. وهذا هو الاساس، ولكن لا بد ان تستمر المؤسسات والقوانين بالتطور والارتقاء نحو الافضل.

لقد حققنا بالفعل تقدماً مشهوداً على هذا الطريق في السنوات الاخيرة، إذ قادت التعديلات الدستورية التي شملت ثلث الدستور إلى تعزيز الفصل والتوازن بين السلطات، ورسخت استقلال القضاء، وصون حقوق المواطن، كما تم انشاء محكمة دستورية وهيئة مستقلة للانتخابات. وهذه الانجازات تهدف إلى تمكين شعبنا الاردني من رسم مستقبل الوطن بشفافية وعدالة وبمشاركة الجميع.

 

كما ان صاحب الجلالة في هذه الورقة النقاشية أكد على ان الاصلاح الديموقراطي لا يتوقف على مجرد تعديل القوانين والانظمة وانما يتطلب تطويراً مستمراً للنهج الذي يحكم الممارسات والعلاقة بين المواطنين والجهاز الحكومي، وممثلي الشعب تمهيداً للوصول إلى الحكومات البرلمانية والتي يجب ان يمهد لها بوجود احزاب وطنية فاعلة ذات برامج وطنية قابلة للتطبيق، وعلى الجهاز الحكومي تطوير عمله على أسس مهنية وحيادية بعيداً عن التسييس، وتعزيز الاعراف البرلمانية بما يعزز منهج الحكومات البرلمانية.

 

لقد حدد صاحب الجلالة حفظه الله ادوار الأطراف الرئيسية في المعادلة السياسية واعتبر ان سيادة القانون وصون حقوق المواطن من القيم الضرورية للتحول الديموقراطي.

 

حيث قال حفظه الله في ورقته النقاشية الخامسة ((... غدت القيم الضرورية لعملية تحول ديموقراطي ناجحه نحو الحكومات البرلمانية معروفة لجميع الاردنيين، وهي القيم التي لا بد من تجذيرها في ثقافتنا ومجتمعنا، وتشمل: الاعتدال والتسامح، والانفتاح، والتعددية، واشراك جميع مكونات المجتمع، واحترام الاخرين والشعور بهم، واحترام سيادة القانون، وصون حقوق المواطن، وتأمين كل طيف يعبر عن رأي سياسي بفرصة عادلة للتنافس عبر صناديق الاقتراع)).

 

ولا بد من الاشارة إلى ان صاحب الجلالة حفظه الله في ورقته النقاشية الخامسة ذكر انه من المتوجب على المشرعين تطوير القوانين السياسية الرئيسية بما يضمن التوافق والارتقاء بتجربة الحكومة البرلمانية. كما يجب ان تعطى الاولوية لقوانين الحكم المحلي عبر انجاز قوانين الانتخابات البلدية واللامركزية اولاً و فور الانتهاء من انجاز هذين التشريعين الهامين، يجب ان نمضي قدما نحو قانون انتخاب جديد.

 

وانني اجد على ضوء ذلك ان جميع الجهات المختصه بالتشريع وفقا لاحكام القانون بما فيها مجلسي الأعيان والنواب مدعوه لانجاز هذه التشريعات الاصلاحية بأسرع وقت ممكن.

 

واخيراً فانه يمكننا القول ان التطاول على هيبة الدولة ومؤسساتها ورجالها والاستقواء على مؤسسات الدولة واخذ امتيازات بصورة غير مشروعة والتعدي على ممتلكات الدولة بدون ايقاع الجزاء العادل وعدم تنفيذ أحكام المحاكم، وكذلك التهاون في تنفيذ القانون بالمحاباة والأسترضاء والقبول بانصاف الحلول والتوسط من اي جهة كانت لعدم تطبيق القانون جميعها أفعال تهدد وجود الدولة وتهز الثقة بمؤسساتها وتعتبر خرقاً لسيادة القانون.