مركز الرأي للدراسات
د. زيد حمزة
آذار 2015
- يستضيف مركز «الرأي» للدراسات الشهر المقبل الدكتور ايلان بابيه Ilan Pappe المؤرخ الإسرائيلي الذي يعمل حالياً أستاذا في كلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية في جامعة اكزيتر Exeter في المملكة المتحدة ومديراً للمركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية في نفس الجامعة، وهو واحد ممن عرفوا بالمؤرخين الجدد الذين كان لهم الفضل في ثمانينات القرن الماضي بإعادة كتابة التاريخ على ضوء الوثائق الحكومية الإسرائيلية والبريطانية التي أفرج عنها وكشفت الغطاء عن ان الفلسطينيين في عام 1948 لم يهاجروا من وطنهم طواعية بل بسبب القمع والإرهاب والقتل والطرد الممنهج الذي نفذته -حسب خطة داليت Plan Dalet- المنظمات العسكرية الصهيونية التي أصبحت فيما بعد جيش الدفاع الإسرائيلي وكانت الحصيلة المأساوية تشريد 800 ألف لاجئ فلسطيني وتدمير اكثر من 500 قرية، لكن الدولة الاسرائيلية بكل مكوناتها لم تتحمل هذه الفضيحة وأخذت تعبر عن غضبها باضطهاد أولئك المؤرخين الشجعان كي يتراجعوا عن آرائهم فمنهم من استسلم وانكفأ مثل بيني موريس ومنهم من ظل صامداً حتى يوم وفاته في 2 حزيران 2001 وهو اسرائيل شاحاك أستاذ الكيمياء في الجامعة العبرية في القدس والمفكر والناشط السياسي الحر مؤلف الكتاب الشهير « التاريخ اليهودي، الديانة اليهودية/ وطأة ثلاثة آلاف عام» ومنهم ما لا يزال صابراً مثابراً من امثال ايفي شلايم وتوم سيجيف وشلوموساند، اما ضيفنا ايلان بابيه الذي كان استاذاً للعلوم السياسية في جامعة حيفا( 1984-2007) وأستاذ كرسي في معهد اميل توما للدراسات الفلسطينية والإسرائيلية (2000-2008) فقد اضطر ان يتخلى عن عمله نتيجة الضغوط الهائلة التي مورست عليه كي يغير موقفه الشجاع خصوصاً بعد ان وقف الى جانب تيدي كاتز Teddy Katz الباحث الناشئ في قسم تاريخ الشرق الأوسط بجامعة حيفا الذي فاجأ الأوساط الأكاديمية والسياسية بأطروحته عن مجزرة اقترفتها القوات الاسرائيلية في قرية «الطنطورة» الفلسطينية ليلة 22 -23 أيار 1948 وبلغ عدد ضحاياها 200 من السكان المدنيين العزل ومعظمهم من الأطفال والشباب (13-30 سنة) كانوا يوقفون في مجموعات من 10-15 ووجوههم الى الحائط ثم يعدمون رمياً بالرصاص، وكتب عنها امير جلعاد في صحيفة معاريف اليومية بتاريخ 21/1/2000 تقريراً مطولاً قال فيه ان أطروحة كاتز التي حازت على أعلى درجة لأفضل بحث استندت بالإضافة للوثائق إلى روايات عدد من شهود العيان الذين نجوا من المذبحة وكذلك من بعض الجنود الإسرائيليين الذين لم تطاوعهم ضمائرهم في البقاء صامتين واعترفوا بأنهم لم يتركوا شخصاً واحداً على قيد الحياة! وهنا قامت قيامة الأجهزة الصهيونية المتغلغلة في كل مناحي الحياة الإسرائيلية وراحت تحاصر كاتز وتمارس عليه شتى صنوف الترغيب والترهيب كي يعلن انه كان مخطئاً وعندما وصل إلى درجة سحيقة من الانهيار النفسي وقع على اعتراف يفيد بأنه زور الوثائق والشهادات، الأمر الذي لا يشينه فقط بل يدين أيضا الجامعة العريقة التي رضخت للابتزاز الصهيوني والتهديد بسحب الدعم المالي عنها فخانت بذلك شرفها الأكاديمي وألغت قرار لجنتها العلمية التي منحته درجة الماجستير بامتياز! ومن ناحيته بقى ايلان بابيه وحده تقريباً يحمل راية الدفاع عن كاتز وصحة بحثه حول مجزرة الطنطورة وألف كتابه «التطهير العرقي في فلسطين» (2006) ما جعل جامعته تزداد شراسة مع الجهات الأخرى في تضييق الخناق عليه ضاربة عرض الحائط مرة أخرى بالحياد الأكاديمي والاستقلال الجامعي في دولة الديمقراطية المزعومة، كم أجبرت زملاءه من الأساتذة على مقاطعته وتوجيه الاهانات إليه حتى اضطر مكرها ان يهاجر للعمل في بريطانيا.
وبعد.. إنها لفرصة نادرة ان نلتقي الشهر المقبل في مركز «الرأي» للدراسات بهذا المؤرخ الإسرائيلي الشجاع الذي لم يتزحزح يوماً عن موقفه الذي آمن به في دعم الحق الفلسطيني كما حقوق كل الناس.